تزايد وتيرة الصراع بين القاعدة وداعش في مالي

الأحد 18/ديسمبر/2022 - 12:39 م
طباعة تزايد وتيرة الصراع حسام الحداد
 
قامت عناصر من تنظيم داعش صباح السبت 17 ديسمبر 2022، بالهجوم على ميليشيا تابعة لتنظيم القاعدة، الذي تصفه داعش بالمرتد قرب قرية "تادجالالت" بمنطقة تيسيت في مدينة غاوا شمالي مالي، وليست هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها تنظيم داعش مناطق تمركز تنظيم القاعدة، فمنذ انهيار تنظيم داعش في سوريا والعراق وهو يحاول ايجاد موطئ قدم في افريقيا.
بينما يركز داعش على استهداف السكان المحليين، تركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، على قوات الجيش المالي وفاجنر الروسية، لتسويق نفسها على أنها تواجه قوات أجنبية، وتكسب بيئة حاضنة لها".
ومعى نهاية الاسبوع الاول من ديسمبر الجاري، أدى قتال عنيف بين عناصر مسلحة من تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين في شرق مالي إلى مقتل العشرات ونزوح المدنيين.
وبحسب مسؤولين في حكومة محلية شرقي مالي فإن عشرات المدنيين لقوا حتفهم ونزح المئات على مدى بضعة أيام بسبب اندلاع قتال عنيف بين جماعات إرهابية متناحرة.
وتشهد المنطقة نزاعا بين إرهابيين من تنظيمي داعش والقاعدة في محاولة للسيطرة على أراض في منطقتي غاو وميناكا.
وتشهد المنطقة تزايدا في نشاط الجماعات الإرهابية منذ أن قررت فرنسا وعدد من الدول الأوروبية سحب قواتها بعد خلافات مع الحكومة العسكرية، في باماكو.
واندلعت هذه الاشتباكات الشديدة العنف منذ بداية ديسمبر الجاري، مما أدى إلى تفاقم صراع أودى بالفعل بحياة الآلاف وتسبب في نزوح أكثر من 2.7 مليون شخص في أنحاء منطقة الساحل، وفق بيانات أممية.
وقال باجان أج هاماتو، النائب السابق وعضو المجلس الانتقالي الذي تشكل بعد انقلاب عام 2020، في تعليقه على الهجمات في الاسبوع الاول من الشهر الجاري: إن "المعارك استؤنفت في أنسونجو (منطقة جاو) ومناطق أخرى، وهناك الكثير من القتلى".
وأضاف أن عدد القتلى يبلغ 100 شخص على الأقل، من بينهم 40 شخصا في أنسونجو قبل يومين.
وقال نانوت كوتيا، رئيس بلدية ميناكا، حينها  إن القتال استؤنف، لكنه لم يحدد عدد القتلى، فيما كشف فهد أج المحمود، وهو قائد ميليشيا موالية للحكومة، على تويتر إن ما بين 200 و300 مدني قُتلوا في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقالت عدة دول أوروبية وأفريقية إنها ستسحب قواتها من مالي هذا العام بسبب خلافات مع المجلس العسكري.
تصاعد حدة الصراع:
 ومنذ سبتمبر الماضي وتتسارع وتيرة صراع الجماعات المسلحة شمالي مالي للسيطرة على مناطق استراتيجية، وبلغت ذروتها بمعارك متوازية شرسة بين فرعين لتنظيمي "داعش" والقاعدة وحركة "إنقاذ أزواد" المدعومة من الجيش، في منطقة تلاتايت بولاية غاوا.
وقد شهدت منطقة تلاتايت في سبتمبر الماضي معارك طاحنة استمرت 3 ساعات، بين حركة "إنقاذ أزواد" وتنظيم "داعش الصحراء الكبرى" التابع لتنظيم "داعش"، شرق المنطقة، ومعركة أخرى في جنوبها بين "داعش" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، وكل طرف من الثلاثة هدفه السيطرة على تلاتايت.
وسيطرة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على الجزء الجنوبي، فيما سيطر "داعش" على المنطقة الشرقية، والخاسر الأكبر كان حركة "إنقاذ أزواد" بعد انسحابها.
أهمية شمال مالي
وتعود أسباب الصراع من أجل السيطرة على تلاتايت وشمال مالي إلى مجموعة من العوامل أهمها:
• أنها نقطة استراتيجية لوقوعها على الطرق المؤدية إلى ولايتي ميناكا وغاوا، ومن يسيطر عليها يتحكم في شريان الحياة المتجه إليهما، لهذا تشهد قتالا عنيفا بين الجماعات الثلاثة حولها.
• لها أهمية خاصة أخرى لتنظيمي "داعش" والقاعدة، وهي قربها من الطرق المؤدية لحدود النيجر وبوركينا فاسو، مما يسهل التمدد الإقليمي وتهريب المقاتلين والأسلحة والأموال والتجارة غير المشروعة.
• أما أهميتها الخاصة لحركة أزواد، فهي أنها "إحدى قلاع المقاومة الأزوادية"، ومؤخرا طرد تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" أفرادا تابعين إلى "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" من المنطقة.
القاعدة، داعش، أزواد
وفي وقت سابق من أغسطس 2022، أجبرت عمليات تنظيم داعش الإرهابي، في ميناكا شمال شرق مالي، المجلس العسكري الحاكم على تغيير القيادة المحلية للمدينة، بتعيين العميد عيسى تيمبيني، خلفا للجنرال محمد الحنفي ميغا، في الوقت الذي تصعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي من عملياتها ضد الجيش المالي و فاجنر الروسية.
وكان المجلس العسكري قد  قرر إقالة، "ميغا" لفشله في مواجهة نشاط تنظيم الجماعات الإرهابية التي تنشط في ميناكا، وخروج تظاهرات من أبناء المدينة تطالب بتغييره.
حيث شهدت مدينة ميناكا حالة من انعدام الأمن وعدم الاستقرار منذ بداية مارس 2022 وهجمات متتالية لتنظيم داعش الإرهابي ضد المدنيين، أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 مدني وتشريد أكثر من 17 ألفا آخرين من مناطقهم الأصلية، حسب خبراء محليين.
التغير العسكري في ميناكا، أتي أيضا مع تصاعد عمليات جماعة النصرة الإرهابية في وسط مالي، حيث نفذت ثلاث هجمات ضد الجيش المالي و فاجنر في منطقة بوني وتولا التابعة لولاية موبتي وسط مالي، ووقع الهجوم الأول في 16 أغسطس بتفجير لغم أرضي في عربة عسكرية تابعة لمجموعة  فاجنر والجيش المالي قرب بوني، وفي اليوم التالي تم استهداف رتل عسكري للمجموعة الروسية والجيش المالي في نفس المنطقة، والهجوم الثالث يوم 21 أغسطس، كان في منطقة "تولا"، وحصل التنظيم الإرهابي على أسلحة من  فاجنر والقوات المالية.
هذا في ظل عدم وضوح الرؤية حول إلى أي مدى تستطيع مجموعة " فاجنر" مواجهة الجماعات الإرهابية في مالي، حتى الآن تصاعدت عمليات التنظيم ولا توجد نقطة مضيئة للمجموعة الروسية لبناء الثقة في مواجهة الجماعات الإرهابية.
و أن القاعدة وداعش بارعان جدًا في استغلال النزاعات المحلية والمظالم وتحفيز حركات التمرد الشعبي، في المناطق التي تعاني من الصراعات، لذلك نتوقع أن تشهد مالي مزيدا من العمليات الإرهابية رغم وجود " فاجنر".
ومنذ أكتوبر 2021، عندما بدأت فرنسا انسحابها من مالي، شنت جماعة النصرة 50 هجوما على بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما)، مما أسفر عن مقتل 20 من قوات حفظ السلام، وفقا لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها (ACLED) .
ووفقا لتقرير مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، مقره واشنطن، يوليو الماضي، تصاعد عنف الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل (خاصة بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر) بشكل أسرع من أي منطقة أخرى في إفريقيا، بزيادة قدرها 140 في المائة منذ عام 2020، وسجلت منطقة الساحل 60 في المائة من العمليات الإرهابية في إفريقيا، مما أدى إلى نزوح أكثر من 2.5 مليون شخص، ومقتل نحو 8 آلاف شخص في منطقة الساحل.
ولعل من العوامل المساعدة لنشاط داعش والقاعدة في مالي هو نجاحهما في استغلال النزاعات المحلية والمظالم وتحفيز حركات التمرد الشعبي، في المناطق التي تعاني من الصراعات، وهو ما يرجح تصاعد العمليات الإرهابية في مالي.
ويستغل تنظيما داعش والقاعدة غياب الأمن في الدول الأفريقية، وذلك نظرا لحالة الصراع المستمر الذي تشهده هذه الدول منذ سنين طويلة، لبسط نفوذهما في هذه المناطق.

شارك