بابا الفاتيكان في تركيا للإعراب عن قلقه من اضطهاد المسيحيين وينتظر إدانة رسمية لـ"داعش"

الجمعة 28/نوفمبر/2014 - 05:51 م
طباعة بابا الفاتيكان في
 
بأهداف صريحة ومعلنة أكد البابا فرنسيس-  الذي وصل اليوم الجمعة، إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة تستمر ثلاثة أيام – أن زيارته  تهدف إلى "للإعراب عن قلقه إزاء وضع ومصير العديد من المسيحيين الذين يكابدون الصعوبات والاضطهاد"، وذلك كما أكد  الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان.
واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البابا في أنقرة، كما سيلتقي رئيس الوزراء أحمد داود اوغلو ومفتي الجمهورية التركية، قبل أن يتوجه إلى إسطنبول حيث سيجتمع ببطريرك الكنيسة المسكونية الأرثوذكسية برثلماوس الأول لتعزيز أواصر الصداقة والتعاون والحوار بين الكنائس ومن المقرر ان يزور متحف آيا صوفيا، فضلاً عن زيارته مسجد السلطان أحمد المعروف بالمسجد الأزرق.
بابا الفاتيكان في
وفيما يلي النص الكامل لخطاب البابا إلى السلطات المدنية:
السيد الرئيس،
السيد رئيس الوزراء،
أيتها السلطات الموقرة،
أيها السيدات والسادة،

يسرني أن أزور بلدكم، الغني بالجمال الطبيعي والتاريخ، والمفعم بآثار الحضارات القديمة والجسر الطبيعي بين قارتين ومختلف التعابير الثقافية. إن هذه الأرض عزيزة على قلب كل مسيحي لأن فيها ولد القديس بولس وقد أسس هنا جماعات مسيحية مختلفة؛ وفيها عُقدت المجامع الأولى للكنيسة بالإضافة إلى وجود، بالقرب من أفسس، ما يعتبره التقليد الموقّر "بيت مريم"، وهو المكان الذي عاشت فيه مريم أم يسوع لبضع سنوات، ويشكل مقصدا للعديد من الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم، لا المسيحيين وحسب إنما المسلمين أيضا.
لكن الأسباب الكامنة وراء الاعتبار والتقدير اللذين تتمتع بهما تركيا لا توجد في ماضيها وحسب، أو في آثارها إنما أيضا في حيوية حاضرها وفي عمل وسخاء شعبها، وفي دورها وسط مجموعة الأمم.
إنها مدعاة فرح لي أن تتاح فرصة متابعة حوار صداقة معكم، حوار تقدير واحترام، سائرا على خطى أسلافي: الطوباوي بولس السادس، القديس يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر، حوار أعده وسهّله القاصد الرسولي آنذاك المطران أنجيلو جوزيبيه رونكالي، الذي صار لاحقا القديس يوحنا الثالث والعشرين، بالإضافة إلى المجمع الفاتيكاني الثاني.

الاختلاف بحكمة:

الاختلاف بحكمة:
إننا نحتاج إلى حوار يعمّق المعرفة ويثمّن كل القواسم المشتركة فيما بيننا، ويسمح لنا في الوقت نفسه بالنظر إلى الاختلافات بنفس حكيمة ومطمئنة، كي نستخلص منها هي أيضا العبر. ينبغي أن نواصل بصبر الالتزام في بناء سلام صلب يرتكز إلى احترام الحقوق الأساسية والواجبات المرتبطة بكرامة الإنسان. ومن خلال هذه الدرب يمكن تخطي الأحكام المسبقة والمخاوف الزائفة وتُترك فسحة للتقدير والتلاقي وتنمية أفضل الطاقات بشكل يعود بالنفع على الجميع.
ولهذه الغاية، من الأهمية بمكان أن يتمتع المواطنون المسلمون واليهود والمسيحيون ـ من خلال القوانين المرعية الإجراء وتطبيقها فعليا ـ بالحقوق نفسها وأن يحترموا الواجبات نفسها. وبهذه الطريقة يرى هؤلاء في بعضهم البعض أخوة ورفاق درب، ويبعدون أكثر فأكثر الفهم الخاطئ ويعززون التعاون والتفاهم. إن الحرية الدينية وحرية التعبير، عندما يتم ضمانهما بالنسبة للجميع، تحفزان تفتح براعم الصداقة وتصيران علامة بليغة للسلام.
هذا ما ينتظره الشرق الأوسط وأوروبا والعالم. إن الشرق الأوسط بنوع خاص، يشكل منذ سنوات طويلة مسرح حروب بين الأخوة، ويبدو أنها تولّد بعضها، كما لو كان الرد الوحيد الممكن على الحرب والعنف يتمثل بحرب جديدة وعنف آخر. كم من الوقت يتعين على الشرق الأوسط أن يتألم جراء فقدان السلام؟ لا يسعنا الاستسلام أمام استمرار الصراعات كما لو أن تحسن الوضع بات مستحيلا! بعون الله يمكننا، لا بل علينا، أن نجدد دائما شجاعة السلام! وهذا الموقف يحملنا على استخدام جميع وسائل التفاوض بأمانة وصبر وعزم، بغية التوصل إلى أهداف ملموسة للسلام والتنمية المستدامة.

مواجهة الاصولية:

مواجهة الاصولية:
سيدي الرئيس، بغية التوصل إلى هذا الهدف السامي والطارئ، يمكن أن يقدم الحوار بين الأديان والثقافات إسهاما هاما، من أجل التصدي لأي شكل من أشكال الأصولية والإرهاب، الذي يذل بشدة كرامة جميع البشر ويستغل الدين كأداة.
ينبغي أن يواجَه التعصب والأصولية والخوف غير العقلاني الذي يشجع سوء التفاهم والتمييز من خلال تضامن جميع المؤمنين والذي يرتكز إلى احترام الحياة البشرية والحرية الدينية التي هي حرية العبادة وحرية العيش وفقا للخلقية الدينية، وإلى جهد ضمان كل ما يلزم لحياة كريمة للجميع، بالإضافة إلى الاعتناء بالبيئة الطبيعية. هذا ما تحتاج إليه شعوب ودول الشرق الأوسط بشكل طارئ، كي نتمكن أخيرا من "قلب هذا الميل" ونقوم بدفع عملية إحلال السلام، من خلال نبذ الحرب والعنف والسير في درب الحوار والقانون والعدالة.
ما نزال نشهد لغاية اليوم، وللأسف، صراعات خطيرة. في سورية وفي العراق، بنوع خاص، يبدو أن العنف الإرهابي لا ينذر بالتوقف. يتم انتهاك أبسط القوانين الإنسانية حيال الأسرى ومجموعات عرقية برمتها؛ وقد مورست ـ وما تزال تمارس ـ اضطهادات خطيرة ضد الأقليات، لاسيما المسيحيين واليزيديين، وغيرهم: مئات آلاف الأشخاص أرغموا على ترك بيوتهم وأوطانهم كي ينجوا بأرواحهم، ويبقوا أمناء لمعتقداتهم الخاصة.
إن تركيا، التي تستضيف بسخاء أعدادا كبيرة من اللاجئين، معنية مباشرة بنتائج هذا الوضع المأساوي القائم على حدودها، والجماعة الدولية ملزمة خلقيا بمساعدتها على الاعتناء باللاجئين. بالإضافة إلى تقديم المساعدة الإنسانية الضرورية، لا يسعنا أن نقف غير مبالين إزاء ما سبب هذه المآسي. ومن خلال التأكيد على شرعية وقف المعتدي الظالم، لكن دائما في إطار احترام الشرعية الدولية، أود أن أذكر بأنه لا يمكننا الاتكال على حل المشكلة بواسطة الرد العسكري وحسب.

حول الزيارة:

حول الزيارة:
بالنسبة للكاردينال  لخورخي برجوليو، فإن هذه الزيارة تشكل أيضاً مناسبة للدعوة مرة أخرى الى علاقة احترام بين المسيحية والاسلام -في بلد يتعرض فيه مسيحيون للاضطهاد والتهميش- وإلى التعاون بين الكاثوليك والأرثوذكس في وقت تتوتر فيه العلاقات بسبب النزاع في أوكرانيا.
وستحاط الزيارة بتدابير أمنية مشددة لكن ليس من المقرر أي خروج بسيارة "باباموبيل" ولا أي لقاء شعبي، ولدى وصوله الى انقرة الجمعة سيلتقي البابا الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان الذي سيستضيفه في قصره الفخم المثير للجدل، كما سيقوم الحبر الاعظم بزيارة الزامية لأي رئيس دولة الى ضريح اتاتورك مؤسس جمهورية تركيا الحديثة.
وسيمضي الحبر الاعظم القسط الاكبر من الزيارة في اسطنبول - القسطنطينية سابقاً، حيث سيتوجه السبت الى متحف كنيسة القديسة صوفيا سابقاً الذي يعتبر كنزاً روحانياً وللهندسة المعمارية البيزنطية، والى مسجد السلطان احمد المعروف بـ"المسجد الازرق".
وقال المتحدث باسمه الاب فيديريكو لومباردي ان البابا "سيدخل الى المسجد كما فعل من قبله بندكتس السادس عشر، وهي بادرة هامة بالنسبة للعلاقات مع المسلمين"، وسيتم إحياء قداس في الكاتدرائية الكاثوليكية الصغيرة وسيكلل النهار بصلاة مسكونية مع البطريرك المسكوني برثلماوس.
ويوم الأحد سوف يحضر البابا قداسا لمناسبة عيد القديس اندراوس في كنيسة القديس جاورجيوس البطريركية الارثوذكسية حيث القى البابا الراحل بولس السادس أول بابا  زار تركيا،و القى  خطابا في العام 1967.
وهذه الرحلة تشبه ببرنامجها تلك التي قام بها بندكتس السادس عشر في العام 2006، في اوج الجدل الذي اثارته تصريحاته التي ربط فيها بين الاسلام والعنف. كذلك زار البابا الالماني ايضا المسجد الازرق في اسطنبول حيث قام بوقفة تأمل اثارت نقاشا لمعرفة ما اذا كان يصلي.
وحرص المتحدث باسم الفاتيكان على التأكيد كما حصل بالنسبة لبندكتس السادس عشر في تلك الاونة انه لا يمكن "التحدث عن صلاة بشكل قاطع في المسجد". وشدد على ان البابا فرنسيس "سيعبر عن احترامه (للاسلام) وعن موقف تأمل روحي بدون التلفظ بكلمة فيما يعود (المسجد) الى ديانة اخرى، ذلك يبدو لي أمرًا حكيما".
وفيما عبر في اغسطس  الماضي عن رغبته في تقديم دعمه الروحي الى مسيحيي الشرق بذهابه الى كردستان العراق ان سمح الوضع الامني بذلك، فان عدم ادراج اي لقاء مع اللاجئين العراقيين او السوريين في برنامج الزيارة امر يدعو للاستغراب.
فهل الجانب التركي هو الذي يقف وراء ذلك لأسباب سياسية أو أمنية؟ قال لومباردي "ليس هناك اي حدث معين مرتقب مع اللاجئين. وفي الوقت نفسه سيلتقي (البابا) شبانا في كاتدرائية اسطنبول ولن يكون بعضهم من سكان المكان".
ولفت محللون في الفاتيكان الى ان تركيا تواجه نزاعا معقدا على حدودها ينخرط فيه اكراد وجهاديون من تنظيم داعش، وربما هي غير راغبة في مبادرات تكتسي طابعا سياسيا من قبل البابا. وفي رسالة دعوته للبابا فرنسيس شدد اردوغان على ضرورة "الحوار والتفاهم المتبادل بين اتباع مختلف الديانات".
وفي مقالة افتتاحية الثلاثاء الماضي  ذكرت صحيفة  دايلي نيوز بأن انقرة متهمة بالسماح لآلاف الجهاديين بالمرور الى سوريا لزعزعة نظام الرئيس بشار الاسد. "لكن في الواقع فان تنظيم داعش يمثل تهديدا اكبر من الأسد وعلى تركيا أن تغتنم الفرصة مع زيارة البابا لإدانة تنظيم داعش بدون مواربة"، كما خلصت المقالة.

شارك