حسان حتحوت.. الطبيب الشاعر والداعية
الأربعاء 23/ديسمبر/2015 - 11:20 ص
طباعة
حسان حتحوت
د.حسان حتحوت طبيب مصري أمريكي متخصص في علم الأجنة والنساء والتوليد ولد في مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية بمصر في 23 ديسمبر 1924 وتوفي في 26 أبريل 2009. أنضم للإخوان المسلمين عام 1941م علي يد حسن البنا المرشد الأول والمؤسس للجماعة وشارك في حرب فلسطين كطبيب. عمل بمصر والسعودية والكويت والتي مكث بها طويلا مشاركا في تأسيس كلية الطب ورئاسة قسم أمراض النساء والتوليد هناك، له نشاط كبير في تقديم الإسلام في أمريكا بصورته الصحيحة وصد هجوم الغرب واللوبي الصهيوني علي المسلمين هناك كما شارك بعدة تحالفات مثل التحالف ضد استخدام الأسلحة النووية، والتحالف ضد إباحة الإجهاض أو سوء استخدام الدين بجميع أشكاله كما كان ضمن تحالف إسلامي قام بصلاة عيد الفطر في حديقة البيت الأبيض عام 1999 بمشاركة زوجة الرئيس الأمريكي وابنته.
وهو واحدٌ من أصحاب المواقف الجريئة في تاريخ الجماعة فقد ترك الجماعة بعد فضيحة "عبد الحكيم عابدين" وتستر حسن البنا عليه، فبسبب هذا الموقف انقطعت صلته التنظيمية بالجماعة إلا انه لم يترك العمل الدعوي.
الميلاد والنشأة:
ولد حسان حتحوت في مدينة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية بمصر، 23 من ديسمبر 1924م، في بيت رزق فيه الأب والأم وعيًا سياسيًا وغيرة وطنية، مما كان له أعظم الأثر في حياة ابنهما الدكتور حسان، فالأم هي أول امرأة ريفية تقود مظاهرة نسائية في مدينة شبين الكوم ضد الإنجليز في ثورة 1919م، وكانت تهدهد ولدها بقولها: لقد نذرت يوم ولادتك أن أسميك حسانًا، وأن أهبك لطرد الإنجليز!
الدراسة والعمل:
وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية في شبين الكوم، انتقل إلى القاهرة مع أسرته، وهناك حصل على الثانوية من مدرسة الخديوي إسماعيل، ثم التحق بكلية الطب بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليًا"، وبعدما أنهى دراسة الطب، تخصص في مجال طب النساء والولادة، وحصل على دبلوم التخصص عام 1952م، وحصل على درجة الدكتوراه، ثم الزمالة من إنجلترا في علم الأجنة، وعمل في مستشفى الدمرداش بالقاهرة لمدة سنة، ثم بالقسم الريفي في بعض ضواحي مدينة المنصورة بمصر.
انتقل إلى العمل في عدة دول عربية، منها السعودية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل للعمل بالكويت، وهناك مكث ما يقرب من عشرين سنة، شارك خلالها في تأسيس كلية الطب ورئاسة قسم أمراض النساء والولادة.
وعندما أراد الخروج منها للتفرغ للعمل الدعوي في أمريكا، لم يدعه الأمير سعد عبد الله الصباح إلا بعد الاطمئنان على المكان والموقع اللذين يجد فيهما مصلحة للمسلمين عامة.
في مجال الدعوة:
وهب وقته وعمله للدعوة الإسلامية من أجل خدمة المجتمع الأمريكي، بهدف تحويل نظر الأمريكيين نحو المسلمين وإقناعهم بأنهم بشر، لهم جميع الحقوق ويتمتعون بأعلى درجات التسامح، لذلك قام بإلقاء العديد من المحاضرات لتقديم الدين الإسلامي في شكله الصحيح، ونجح في عقد تحالفات مع تنظيمات اجتماعية ودينية مختلفة؛ مما ساعد على وقف حملات كثيرة ضد المسلمين.
ونجح د. حسان ورفاقه في حمل الإدارة الأمريكية على الاعتذار في وسائل الإعلام المختلفة عن إهانة وُجِّهت للمسلمين والإسلام بعدِّهم إرهابيين، وبصورة خاصة اعتذار لمسلمي أمريكا.
كذلك نجح في صد هجوم اللوبي الصهيوني ضد أحد المسلمين المرشحين للجنة استشارية رسمية لمكافحة الإرهاب، وكان من إحدى ثمرات هذا الجهد أن أقام التحالف الإسلامي شعائر صلاة عيد الفطر (1999م) في حديقة البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي وابنته، حيث تدرس الابنة الدين الإسلامي، وبعد 11/9/2011م وآثارها السلبية على المسلمين في أمريكا، نجح هو وآخرون في احتواء تلك الآثار المدمرة على مسلمي أمريكا، التي توقع البعض أن تكون بداية النهاية للوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية.
مع جماعة الإخوان:
تعرف على جماعة الإخوان المسلمين عام 1942م عن طريق مؤسسها حسن البنا، وكان شديد التأثر به، وقد عُني حسن البنا بالطلاب، وخصص لهم لقاءً أسبوعيًا، وأفسح لهم بابًا خاصًا في مجلة الإخوان، وعقد لهم مؤتمرًا سنويًا خاصًا بالطلاب، ووظفهم لنشر الدعوة في قوافل دعوية صيفية، وقد سجل د.حتحوت تلك المدة من حياته في الكتيب الصغير حجمًا العظيم فائدة "العقد الفريد: عشر سنوات مع الإمام حسن البنا 1942 - 1952م".
حرب فلسطين:
اشترك بعدها في حرب فلسطين 1948م طبيبًا، وشارك مع آخرين في إدارة مستشفى الرحلة أثناء المعارك، وكان له موقف مشهود عندما جاءت الجيوش العربية ببعض الأسرى اليهود من المعارك للمستشفى، وكان أكثرهم جرحى، وقد أرادت القيادة العسكرية إعدامهم بالرصاص، فقال لهم: "على جثتي"، وخطب فيهم موضحًا موقف الإسلام من الأسرى، وكان نجاة هؤلاء الأسرى بسبب هذا الموقف، وقام بعلاج الجرحى منهم حتى عادوا، وقد عرف اليهود هذا الموقف، وأشادوا به في صحفهم، وكان شفيعًا لدى اليهود، في فك أسر طبيب صديق للدكتور حسان، وهو الدكتور أحمد خطاب، وأعاد اليهود غرفة العمليات من مستشفى الرحلة، بعد استيلائهم على المنطقة.
الاعتقال:
نُجى حتحوت سنة 1954م من "السجن الحربي"، فقد كان خارج مصر، يعقد الندوات والمحاضرات في تخصصه العلمي في الكويت، وأرسل وهو في الخارج إلى المباحث العامة المصرية يطلب العودة إلى مصر، ليشارك بجهده وعلمه وخبرته في خدمة بلده، فرحبت به السلطات المصرية، وعاد مدرسًا في جامعة عين شمس سنة 1961م، ثم بجامعة أسيوط الجديدة عام 1963م، وخلال هذه الفترة عمل على دعم العلاقة بين المسلمين والأقباط خلال محاضراته ودروسه التي أحبها الجميع، وتم اعتقاله في سبتمبر 1965م، بناء على القرار الذي أصدره عبد الناصر، واستمر اعتقاله عدة أشهر.
ميراثه:
في كتابه "بهذا ألقى الله.. رسالة إلى العقل العربي المسلم"، يقرر وهو على مشارف نهاية العمر أنه مهموم بالبحث عن وريث!
ويقول في مفتتح كتابه: "أبحث عن ورثة، وليست تركتي مالاً، ولا عقارًا، أو صناعة، أو تجارة، أو غير ذلك من حطام الدنيا، تركتي أفكار وخبرات وتجارب نضجت بهدوء على مدى حياة حافلة، أحمد الله (سبحانه وتعالى) عليها، لم يكن فيها مجال للملل، ولم يكن للعبث فيها مجال.
وفي هذا الكتاب، يحدد سمات الجيل الذي يرجوه ليرث تركته، وهو جيل يرجى أن يتسلح بالسمات التالية:
1- حمد الله ورضاه، واليقين فيما عنده، والتسليم بقدره وقضائه.
2- الجد، والبعد عن منازل العبث.
3- البذل والعطاء لهذا الدين ولهذه الأوطان الإسلامية.
مؤلفاته:
تميز الدكتور حسان حتحوت كطبيب في النساء والولادة وعلم الأجنة، ونشرت له أبحاث كثيرة، وقد برع في هذا المجال، ومما كتبه في هذا المجال تحت عنوان: "الإجهاض في الدين والطب والقانون" في مجلة المسلم المعاصر، العدد "35"، وأيضًا نجد بحثًا بعنوان: "استخراج الأجنة في الطب والعلاج" في دورة "مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي" السادسة، وترك لنا أعمالاً تحكي تجربته الدعوية والإنسانية، بدءًا من سنة 1942م إلى 2009م، وهي على الترتيب التاريخي:
1- في ذكرى النكبة.. يوميات طبيب مصري في فلسطين.
2- بهذا ألقى الله.. رسالة إلى العقل العربي المسلم.
3- العقد الفريد 1942 - 1952م عشر سنوات مع الإمام حسن البنا.
وكان الدكتور حسان حتحوت شاعرًا مبدعًا، حيث ورث الشعر من والده، وله ديوان (جراح وأفراح) نقتطف منه بعض من أشعاره.
يقول في قصيدة عن القرآن والسياسة:
هذا الكتاب، وإن فيه سياسةً أتراه أمرًا في الكتاب عجيبا
إن كان تغضبكم سياسته دعوه ونقبوا عن غيره تنقيبًا
أو فاعرضوه على الرقيب، فربما أفتى فغادر نصفه مشطوبا!
يا قوم سحقًا للرقيب وأمره فكفى برب العالمين رقيبا
من أقواله:
"ولدت في بلدة شبين الكوم في دلتا النيل بمصر، نشأة الريف وسماحته وطيبته، الصفصافة التي أسدلت فروعها في مياه بحر شبين، وكأنها عروس حلت ذوائبها الطوال، والساقية والنورج والحقول المعطاءة الخضراء، وبحر شبين الذي كنت أظنه أكبر حاجز مائي، رغم أنه كان يجف في الشتاء فنعبره سيرًا على قاعه، حتى انتقلنا إلى القاهرة، فرأيت النيل أكبر، وزرت الإسكندرية، فرأيت البحر أكبر وأكبر، وما زال الأفق ينداح أمامي طوال الحياة.
الوالد شاعر رقيق، وأديب ضليع، وفيلسوف هادئ، لم تستطع سراء ولا ضراء أن تمثل له الدنيا بأكبر من حجمها، ومخزون لا ينفد من سرعة البديهة وحلاوة النكتة، وبهجة المحضر، حتى كانت الناس تجتمع على محضره كالفراش.
والوالدة شعلة لاهبة من الوطنية، أسهمت في الجهاد للوطن، وكانت أول من قاد مظاهرة نسائية في بلدتنا المحافظة المتواضعة، احتجاجًا على الاحتلال الإنجليزي، خرجت من المسجد العباسي، وسارت إلى كنيسة الأقباط، ولما تزوجت وأنجبت أرضعت ولديها وغذتهما حب الله وحب الوطن.
ووفقني الله في دراستي، وحصلت ما جعلني أستاذًا ورئيس قسم في مادة تخصصي، وتزوجت من اخترتها على نساء العالمين، وقررت أن أتزوجها أول مرة أراها فيها، وأبلغتها بهذا القرار، وفقدت ابنتي الأولى في حادث سيارة، فلما قرأت البرقية قلت على الفور: اللهم إني أعلم أنك تنظر إليَّ وملائكتك... اللهم إني أعلم أنك تختبرني فأرجو أن أنجح في الاختبار.. اللهم إني أعلم أن الناس تستوي بعد سنة، ولكن الاختبار في الوهلة الأولى.. اللهم إن كنت رضيت لي هذا فإني رضيت، إني رضيت، إني رضيت، اللهم إنها كانت وديعتك لدينا فأصبحت وديعتنا لديك.
وشهدت حربًا (يعني حرب فلسطين 1948م) فشهدت قسوة الإنسان على الإنسان، وأحسست الموت يمر على مسافة سنتيمترات مني في زخّات الرصاص، فعلمت ألا يصيبني إلا ما كتب لي، وعهد إلى بجرحى من أسرى العدو فعاملتهم أكرم معاملة، وأصاب معدتي مرض خبيث فلم أقل: ولماذا أنا؟! فمن الأنانية أن تطالعه في الناس بهدوء، فإذا أصابك جزعت!
وجاء شبح الموت فقلت: ومن ذا الذي لا يموت؟ وسبحان الحي الذي لا يموت! وماذا علي لو وصلت إلى الشاطئ ونعمت في أكرم جوار! وأخذت العلاج فاشتدت على وطأته، فقلت: لابد أن أدفع البأس بالبأس، فألفت كتابًا بالإنجليزية اسمه (قراءة العقل المسلم) ونجح الكتاب كوسيلة دعوة تطلع غير المسلمين (والمسلمين) على الوجه الحقيقي للإسلام، وزال المرض والحمد لله، إلا أن العلاج ترك بصمته على قلبي، لكن ما دام ينبض، فالحياة مستمرة والجهاد قائم، فقد قررت ألا أموت قبل أن أموت.
وتوافر لي في حياتي ما لا يتوافر للكثيرين من معلمين ومرشدين ونماذج ناصعة في الإيمان والمثالية الطيبة ونقاء القلب وخدمة الناس، رحمهم الله جميعًا.
وعشت في الكويت فترة طويلة، وللكويت علي يد لا تنسى، ليست الوظيفة وليس المرتب، فكان في وسعي مثل ذلك وأزيد، ولكن في وقفة وفاء لم يعلم بها إلا الأقلون من رجال الكويت، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، وعوضني الله خيرًا كثيرًا، وكان فضل الله علي عظيمًا.
والذي صاحبني طول حياتي حبي للإٍسلام، أحمل اسمه، وأحمل همه، وأعمل له، ودلتني زياراتي على أن الإسلام في أمريكا فرصة حقيقية وتاريخية، إن ضيعناها فهي شيمتنا وما أكثر ما ضيعنا، وإن انتهزناها فربما أفضى ذلك إلى منعطف تاريخي يفيد أمريكا، ويفيد العالم، ويفيد المسلمين وقضايا المسلمين.
قالوا عنه:
قال عنه محمد مهدي عاكف - المرشد العام السابق للإخوان المسلمين -: "كان حسان حتحوت نموذجًا للداعية صاحب الفكر الراقي والأدب الجمّ، والخلق الرفيع، والجرأة في الحق، والتضحية في سبيل الله".
وقال يوسف القرضاوي: "ودعت الأمة الإسلامية، والدعوة الإسلامية منذ أيام علمًا من أعلامها الفارعة، ونجمًا من نجومها الساطعة، ولسانًا من ألسنتها الناطقة بالصدق، وعقلاً من عقولها المفكرة بالحق، وقلبًا من قلوبها النابضة بالحب، ودعت الطبيب النابغة، والعالم المتمكن، والكاتب البليغ، والشاعر المطبوع، والداعية المؤثر، والإنسان الرائع، الأستاذ الدكتور حسان حتحوت الذي وافاه الأجل في لوس أنجلوس في الولايات المتحدة بعد عمر حافل بالعطاء بلا مَنٍّ، وبالجهاد بلا كلل، وبالبذل بلا انتظار مكافأة من أحد.
وقال محمد سليم العوّا: "كان أحد أعلام الحكماء العرب والمسلمين في النصف الثاني من القرن العشرين، عرفه الأطباء أستاذًا متميزًا في طب النساء، وطبيبًا بارعًا نظراؤه قليلون، وعرفه أهل القلم كاتبًا مجيدًا، وشاعرًا فحلاً، وعرفه الإسلاميون الحركيون معلمًا جامعًا بين السعي الدؤوب لنصرة الإسلام وفكرته، والفقه العميق بتنزيل أحكامه على واقع الناس".
وقالت زوجته الدكتورة سلوناس: "لقد كان في الفترة الأخيرة قوي الصلة بمولاه، مستعدًا للقائه سبحانه، وكان يردد: إني في شوق إلى لقاء ربي، وأحسب أنه تعالى قد استجاب لدعائه الخاشع، الذي قدم به كتابه (بهذا ألقى الله) وفيه يناجي ربه بقوله:
اللهم اهدنا واهد بنا
واجعل سعينا خالصًا لك
اللهم هون علينا بقاءنا في الدنيا
وهون علينا الخروج منها
واجعل خير أيامنا يوم نلقاك
عبدك الفقير إليك – حسان حتحوت.
وفاته:
بعد صراع طويل مع المرض عايشه الدكتور حتحوت واقعده عن مواصلة عمله الدعوي الذي نذر نفسه له في الولايات المتحدة الامريكية... اسلم روحه لبارئها عن عمر يناهز 85 سنة يوم الاحد 26-4- 2009 .. ودفن في مثواه الأخير بمدينة لوس انجلوس.