عقب تصريحات حكومة أردوغان.. مصر وتركيا إلى أين؟

الثلاثاء 30/ديسمبر/2014 - 07:47 م
طباعة عقب تصريحات حكومة
 
الأيام الماضية شهدت العديد من التغيرات في سياسات الدول العربية، كان آخرها دولة قطر التي عزمت على تغيير سياستها الداخلية إرضاءً لدول الخليج، على رأسهم السعودية والإمارات، والتي أتمت المصالحة بينها وبين مصر مؤخرًا عقب تدخل السعودية لإنهاء الخلافات بين الطرفين.
عقب تصريحات حكومة
من المعروف أن دولة قطر كانت تأوي الإرهابيين وتستضيف عناصر من جماعة الإخوان الهاربين من مصر عقب عزل الرئيس محمد مرسي، ومن هذا المنطلق احتدت الخلافات بين مصر والدوحة على غرار دعمها لعناصر مطلوبة لدى السلطات المصرية، وعادت الأمور لطبيعتها عقب المصالحة الأخيرة بين الطرفين.
يبدو أن نفس السيناريو، عاد ليتكرر مرة أخرى مع تركيا، فعلى غرار ما حدث بين مصر وقطر والسعي للمصالحة بين الطرفين، فإن تركيا دخلت أيضا في صراعات مع مصر عقب دعمها لعناصر إخوانية هاربة من السلطات المصرية، وإيوائها للإرهاب طوال الفترة الماضية، وكذلك دعمها لاجتماعات عناصر إرهابية تحرض ضد مصر.
وباتت تركيا في خصومة مع العالم العربي جراء معارضتها للأنظمة العربية على رأسها النظام المصري، لكن بالرغم من ذلك فإن دعوات اتخاذها مسارا مغايرا تبدو صعبة التنفيذ.
وبالرغم من أن مصر وقطر أوشكت علاقتهما على العودة مرة أخرى، فإن علاقة مصر بتركيا زادت توترًا في الآونة الأخيرة، فضلا عن أن العلاقة بين قطر وتركيا توطدت من خلال زيارات مستمرة بين أنقرة والدوحة.
ولم تكن هذه هي الدعوة الوحيدة في هذا السياق، إذ أخبر الشيخ تميم الجانب التركي في زيارته الأخيرة أن الدوحة تسير الآن على خطى مصر ودول الخليج، لا سيما السعودية.
ولم يكن التغير في الموقف القطري مفاجئا على نحو تام، إذ سبق للدوحة في سبتمبر الماضي أن أمرت قيادات إخوانية بمغادرة أراضيها، وكان رد أردوغان وقتها أن تلك القيادات موضع ترحيب في تركيا، بالإضافة إلى المضي قدما في تأسيس برلمان مصري بالمنفى.
الخطوة التي قامت بها قطر جعلت تركيا أكثر حرصًا من ذي قبل.
عقب تصريحات حكومة
شهد الأسبوع الماضي علامات قد تكون بداية لنزع فتيل الأزمة بين الجانب التركي ومصر، حيث صرح بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء التركي في 20 ديسمبر الجاري، أن تركيا حول الحاجة إلى النقل الناعم لعلاقات أنقرة- القاهرة إلى مستوى أكثر صحة، مضيفا أنه يتعين على مصر اتخاذ الخطوة الأولى، وينبغي أن نشجع ذلك.
كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد ألمح إلى رغبة تركيا في إذابة الجليد بين الطرفين.
وقال الوزير التركي: إن تركيا ليست في عراك مع الشعب المصري، لكن مع حكومة السيسي و"القمع الذي تنتهجه" على حد وصفه، مشيرا إلى أن "تحسن العلاقات لن يتم ما لم تنتقل مصر نحو الديمقراطية، وتتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان".. على حد تعبيره.
وعقب الهجوم المتبادل بين طرفي السلطة في مصر وتركيا، لا يبدو محتملا أن تتراجع مصر من أجل إرضاء تركيا.
يبدو أن تركيا ترى أن التسامح مع سجناء الإخوان سيكون كافيا كخطوة أولى، ولكن ماذا بعد؟ لا سيما في ظل مساحة شك كبيرة في أن توافق أنقرة على إغلاق أنشطة المصريين على أراضيها، وهو الطلب الذي من المؤكد أن تطلبه القاهرة بالمقابل.
عقب تصريحات حكومة
المشكلة، من وجهة النظر التركية، تتمثل في أن عدم وجود نوع من الحوار بين أنقرة والقاهرة، يجعل العلاقات تفتر بينها وبين معظم العالم العربي، مع استمرار حالة الانسداد الدبلوماسي، وهو ما يضعف هيبة أنقرة بالداخل والخارج.
ولذلك، قد تلجأ أنقرة كحل بديل، وهو بناء تبادل دبلوماسي خلف الستار، والتوقف عن مباريات الهجوم المتبادلة، بالرغم من أن أردوغان "نوع من الرجال نادرا ما يتراجع عن شيء يشعر به بقوة"، كما يرى الكاتب ديفيد بارشارد.
وأكد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، حول التقارب بين كل من مصر وقطر- أنه معلوم للجميع المستوى الرفيع لعلاقاتنا الجيدة مع قطر، فتركيا لا ترهن سياساتها ومواقفها مع دولة بعينها، وفقاً لعلاقاتها مع دول أخرى، تركيا فعلت ما تمليه عليها مواقفها المبدئية، وستواصل فعل ذلك.
وتابع قائلا: إن تركيا تتبنى موقفا مبدئيا في هذا الإطار. وهذا الموقف لا ينحصر بمصر وحدها، من هذا المنطلق، نتمنى تفعيل القواعد الواجب توفرها في دولة القانون، واعتماد عملية سياسية تعكس الإرادة الشعبية بالمعنى الحقيقي، عندها سيتغير المشهد، المشكلة تتعلق تماما بالحساسية التي تبديها حكومتنا وشعبنا إزاء الانقلابات، والمستندة بدورها إلى أسس محقة للغاية.
وأشار أوغلو إلى أن الشعب المصري ككل يتميز ببنية متجذرة، أفرزت الأفكار الرائدة، ليس في العالم العربي فقط وإنما في العالم الإسلامي أيضا؛ لذلك ليس لدينا مشكلة مع مصر وشعبها بهذا المعنى، قائلا: "لدينا مشكلة مع مفهوم حكومة تمارس العنف، هذا الأمر مبدئي بالنسبة لنا".
وقال أوغلو إن بلاده "تتمنى تفعيل القواعد الواجب توفرها في دولة القانون بمصر، واعتماد عملية سياسية تعكس الإرادة الشعبية بالمعنى الحقيقي، عندها سيتغير المشهد في العلاقات بين البلدين".
ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية، شبه الرسمية على لسان أوغلو قوله: إن بلاده "لا ترى شرعية في تسلم السلطة عبر الانقلابات، وإن وجود بعض المشاكل في العلاقات مع الحكومات التي تقف في مواجهة شعوبها- كما هو الحال في سوريا وغيرها- هو أمر طبيعي".
ويقول بارشارد، في مقاله الأخير تحت عنوان "هل يوجد ذوبان في علاقة تركيا مع مصر؟": "إن الخلاف يمتد بين تركيا ومصر منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين في يوليو 2013".
ويؤكد المقال أنه في نوفمبر 2013، طلبت مصر من السفير التركي مغادرة أراضيها، ولم يعد التمثيل الدبلوماسي بينهما يتجاوز مستوى قائم بالأعمال.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت حرب كلامية بين الدولتين، في ظل محاولات مستمرة من تركيا لعزل الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته عن المجتمع الدولي.
عقب تصريحات حكومة
وحتى عندما زار البابا فرنسيس تركيا في نهاية نوفمبر الماضي، كان عليه أن يستمع إلى محاضرة من الرئيس أردوغان، مخبرا إياه بأنه لم يكن ينبغي عليه الموافقة على استقبال السيسي؛ لأن ذلك يعزز شرعيته لدى المجتمع الدولي. من وجهة نظره.
كل من أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يعتقد أن الأنظمة القمعية عبر العالم العربي نتاج غربي، لحرمان الشعوب من النظام الذي تريده تركيا، والذي يجمع بين الإسلام والديمقراطية.
وبدت هذه الرؤية خلال سنوات قبل الربيع العربي في كتابات أوغلو عن العلاقات الدولية.
بارشارد، يوضح أن أوغلو وضع إحدى الوصفات التي تمثلت في حكومة إسلامية ديمقراطية قريبة الشبه من نهج حزب العدالة والتنمية، وكذلك الجناح السياسي للإخوان المسلمين، وهي التي تستحق الشرعية السياسية- من وجهة نظر أردوغان وأوغلو- بينما لا يمكن إضفاؤها على الأنظمة القمعية والقادة الاستبداديين.
ويقول إنه في عام 2013، أضحت قطر الصديقة الوحيدة لتركيا في الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تعتبرها قلب سياستها الخارجية، موضحًا أن تدفق التبادل الدبلوماسي بين تركيا والقادة العرب الآخرين اتسم بالنضوب عام 2014 في إشارة إلى عدم التناغم الذي باتت عليه تركيا مع الدول العربية بدلا من تحقيق طموحها كقائدة للعالم العربي.
وتسبب جمود العلاقات التركية المصرية في خسائر خطيرة أبرزها ذلك التعاون بين مصر وغريمتي تركيا قبرص واليونان، حول النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وإنشاء طرق عبور جديدة وخطوط أنابيب.
ويعزز ذلك التعاون محاولات تركيا لتأكيد حقوقها كقوة رئيسية ساحلية، وكذلك بالنسبة للقبارصة الأتراك، كما يخلق توقعا غير مبشر بحتمية التعامل التركي مع ائتلاف غير رسمي يضم قبرص واليونان وربما إسرائيل عند محاولة أنقرة حل قضايا الطاقة الإقليمية.
الأيام القادمة ستشهد مدى احتمالية عودة العلاقات بين مصر وتركيا، على خطى ما تم بين قطر ومصر.

شارك