الإسلاميون في السودان.. أزمة وصراع مستمر
الخميس 15/يناير/2015 - 04:35 م
طباعة
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في السودان، بدأت الصراعات تظهر على الساحة السياسية، حيث إن أول أزمة برزت كانت المطالبة بتجميد نشاط حزب الأمة المعارض والذي يتزعمه الصادق المهدي.
وطلب جهاز الأمن والمخابرات السوداني بتجميد نشاط الحزب، وذلك بترحيب من حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، حيث أرسل الأخير تحذيرات شديدة اللهجة إلى القوى المعارضة بعدما شنت حملة لتحريض المواطنين على مقاطعة الانتخابات المقبلة المقررة في شهر أبريل المقبل، قائلاً: إن أي تحرك ضد العملية يعد أمراً مخالفاً للقانون.
يأتي ذلك على خلفية توقيع حزب الأمة اتفاقية "نداء السودان" و"إعلان باريس" مع مسلحين، على حد وصف الحزب الحاكم.
والجدير بالذكر أنه في يوم 3 ديسمبر الماضي، تكتلت أحزاب المعارضة وحركات التمرد المسلحة ضد الحكومة، بالتوقيع على اتفاق في أديس أبابا أطلق عليه "نداء السودان"، حيث وقعت كل من الجبهة الثورية التي تضم فصائل متمردة ضد الحكومة، بينها الحركة الشعبية- قطاع الشمال والحركات الدارفورية من جهة، مع تحالف قوى المعارضة وحزب الأمة المعارض بزعامة الصادق المهدي ومجموعة من منظمات المجتمع المدني من جهة ثانية- على هذه الاتفاقية.
وحمل الاتفاق تفاهمات بشأن تفكيك النظام الحالي وإقامة نظام ديمقراطي جديد حددت ملامحه، ووقع عن الجبهة الثورية رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وعن حزب الأمة الصادق المهدي، وعن تحالف المعارضة رئيس الهيئة فاروق أبوعيسى، تفاهمات، وأُقرت آليتان لتحقيق ذلك الحوار مع النظام الحاكم في الخرطوم أو الانتفاضة الشعبية في حال تعنت النظام.
ولم تتأخر السلطات الأمنية في السودان، في الرد على الاتفاق، فاعتقلت رئيس هيئة تحالف قوى المعارضة فاروق أبوعيسى، إلى جانب عدد من الموقعين على الاتفاق.
كما دشنت "الإصلاح الآن" المعارضة، التي يتزعمها القيادي المنشق من الحزب الحاكم د. غازي صلاح الدين العتباني، وأحزاب صغيرة أخرى- حملة للمقاطعة دعت عبرها لتكوين جسم معارض لتحريض الناخبين على عدم الذهاب لصناديق الاقتراع.
واعتبر مساعد الرئيس السوداني إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني، إعلان قوى معارضة تدشين حملة لعرقلة العملية تحرك مخالف للقانون؛ لأن الانتخابات هي الوضع الطبيعي.
ورأى غندور عدم أحقية القوى المعارضة في منع المواطنين حق الانتخاب، وقال إنه ليس من حق هذه القوى أن تمنع مواطناً من المشاركة وممارسة حقه في الذهاب لصناديق الاقتراع.
وفيما يخص تحريض المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بالانتخابات، قال غندور: ما يهمنا هو أن يعترف بها الشعب السوداني، ويشارك فيها، ويذهب إلى صناديق الاقتراع؛ لأن الشعب هو الذي يعطي الشرعية وليس الدول الأجنبية.
وشدد غندور على أن إتاحة الحزب الفرص الواسعة للشباب في الانتخابات على المستويين الاتحادي والولائي يمثل جزءاً من إنفاذ وثيقة الإصلاح واستمرار عملية التجديد في جميع الأنحاء.
وأكد الحزب الحاكم، أن إجراء الانتخابات يجب أن يناقش داخل الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عمر حسن البشير من أجل حل أزمات البلاد التي تعاني الحرب والفقر.
وقال حزب الأمة، إنه تسلم الأحد الماضي، خطاباً من مجلس شئون الأحزاب يطالبه فيها بتقديم دفوعاته على شكوى قدمها جهاز الأمن والمخابرات ضده، على خلفية توقيعه على اتفاقي إعلان باريس ونداء السودان.
وأوضح البيان، أن جهاز الأمن طلب من المجلس ممارسة سلطاته بموجب المادة 19-2 من قانون الأحزاب، التي تتيح للمجلس تجميد نشاط الحزب أو حله بقرار من المحكمة الدستورية بناء على دعوى يرفعها مجلس الأحزاب بأغلبية لا تقل عن ثلثي أعضائه.
من جانبه، أكد نائب رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، أن حزبه تسلم الإخطار من مسجل الأحزاب، وشرع في تحضير الرد عليه، توطئة لتسليمه خلال اليومين المقبلين، متضمناً الدفوعات القانونية والسياسية التي تفند الشكوى .
ولفتت شكوى جهاز الأمن إلى أن مشاركة أحزاب مسجلة ومنتظمة بموجب قانون الأحزاب السياسية مع الحركات المسلحة المتمردة التي تقاتل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، يشكل مخالفة صريحة لدستور السودان الانتقالي لسنة 2005م في المواد 4، 23، 40، والمادة 14-ب، ز، ح، ط من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007.
وعدت الشكوى توقيع حزب الأمة القومي على النداء، بصفته حزباً مسجلاً ويباشر نشاطه السياسي بحرية داخل السودان- دعماً معنوياً مباشراً ومتبنياً لنهج متمثل في العمل العسكري لقوى متمردة تحمل السلاح ضد النظام الدستوري القائم، مخالفاً بذلك الالتزامات المفروضة عليه بموجب الدستور والقانون في التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات.
من جانبه، نفى حزب "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي وجود انقسام أو انشقاق داخله، ووصف ذلك "بالإشاعة"، وأقر الأمين السياسي للحزب كمال عمر بمذكرة رفعت للترابي حوت رؤية بقيام حكومة انتقالية وناقشت كافة قضايا الحوار.
وقال عمر: إن المذكرة التي رفعتها قيادات الحزب بنهر النيل للترابي عادية ومن باب الشورى والحرية داخل الحزب.
وفي سياق آخر، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، مقاطعتها للانتخابات المزمعة في أبريل المقبل، وقالت: إن ثمة شعوراً شعبياً عامًّا بعدم جدوى انتخابات تجري في واقع يجعل المنافسة محسومة قبل أن تبدأ، وعدتها أموال ضخمة تصرف ووجوه وسياسات معهودة.
وأوضح بيان الجماعة أن رأيهم كان وما زال، أنه ليس في استطاعة فصيلٍ سياسي واحد حل أزمات البلاد، وأنه لا مخرج من الضائقة السياسية إلا بحوار وطني حقيقي يشارك فيه الجميع.
ووصفت رئيس اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية بدرية سليمان التعديلات التي تمت بأنها مرحليةً في انتظار مخرجات الحوار، وأوضحت أن لها ما يبررها، ولم تستبعد إحداث تعديلات جديدة في الدستور، وأضافت: "بعد مخرجات الحوار، قد يقتضي الأمر تعديلات أخرى".
ونفت أن تكون التعديلات تكريساً لهيمنة رئيس الجمهورية على السلطة، وكشفت أن البشير سيعين الولاة من شخصيات قومية.
وقال الرئيس السوداني عمر البشير: إن الحوار الوطني الشامل سيمضي إلى غاياته، ولن يتأثر بالهنات هنا وهناك، مؤكداً توجه الرئاسة الجاد نحو الوصول بالحوار الوطني إلى غايته المرجوة. وأشار لأهمية تقديم تنازلات من كل الأطراف لإنجاحه.
وبحث البشير بالخرطوم مع مساعده عبدالرحمن الصادق المهدي، ملف الحوار الوطني وإمكانية إلحاق الرافضين بالحوار، بجانب عدد من القضايا السياسية الراهنة.
وأوضح عبدالرحمن المهدي، أن اللقاء تطرق إلى قضية القوى خارج الحوار ووسائل إلحاقها بركب الحوار والتنازلات التي يجب أن تقدم من كل الأطراف، فضلاً عن المستحقات المطلوبة في هذا الإطار.
البشير أكد توجه الرئاسة الجاد نحو الوصول بالحوار الوطني إلى غايته المرجوة، وأنه يعد الحوار الوطني الشامل هدفاً استراتيجياً، ولا يتأثر بالهنات هنا وهناك.
ووصف اللقاء بالمهم والإيجابي، مشيراً إلى أنه تناول الأوضاع السياسية الراهنة بالبلاد وكل قضايا الوطن الآنية والمهمة.
في سياق مواز، ذكرت دراسة حديثة نشرت في نيروبي، أمس الأربعاء، أن تكلفة الحرب الأهلية في جنوب السودان قد تتجاوز 100 مليار دولار إذا ما استمرت لخمس سنوات أخرى.
وحذرت الدراسة التي أجرتها جامعة جوبا، ومركز فرونتير ايكونوميكس ومركز تسوية النزاعات ومقره أوغندا من أن استمرار النزاع يمكن أن يضر على نحو متزايد باقتصاد المنطقة بأكملها.
وأكد مراقبون أن ما يحدث ما هو إلا تصعيد من جانب مراقبون من جانب المهدي، على خلفية توقيع اتفاق مع زعماء الجبهة الثورية المتمردة باسم "إعلان باريس"، وضعا فيه شروطاً مشتركة لقبول دعوة الحوار.
وقال مراقبون: إن المعارضة السودانية تسعى إلى توحيد صفوفها وتشكيل رابط متين بين كافة أطياف المعارض لتغيير السلطة السياسية في السودان.
والمشهد الحالي يوضح أن الأزمة السياسية في السودان تتفاقم في ظل الصراعات بين الحكومة من جهة، والمعارضة المسلحة، على حد سواء، وبعض منظمات المجتمع المدني والتكتلات الشبابية، من جهة أخرى.
ومع ظهور الجهاديين والجماعات الإسلامية المتطرفة وتصاعد نشاطاتهم، قد يؤدي إلى إحداث تغييرات بسيطة وسطحية في بعض السياسات، استجابة لنداءات الإصلاح من داخل الحزب الحاكم والحركة الإسلامية، وقد يؤدي أيضا إلى تفكك الدولة مع تصاعد العمل المسلح.