عودة جبهة الإنقاذ "الدموية" والصراع على السلطة بين الإخوان والنظام بالجزائر

الخميس 15/يناير/2015 - 06:02 م
طباعة عودة جبهة الإنقاذ
 
شكلت ثورات الربيع العربي حالة ضغط حقيقية على الدولة الجزائرية؛ مما دفع النظام الجزائري إلى إعادة دمج التيارات الإسلامية بطريقة لا تخلو من البراجماتية السياسية؛ مما شكل بدوره حالة حراك سياسي لا تخلو من المخاطر بعد ظهور مؤشرات أولية تؤكد على عودة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بتاريخها الدموي إلى واجهة العمل السياسي بدعم غير رسمي من النظام، في محاولة لضرب النفوذ الإخواني المتنامي في الجزائر. 
الحزب السياسي العنيف الذي خاض أكبر مواجهة دموية مع الدولة الجزائرية  طوال تسعينيات القرن الماضي، والتي سميت "العشرية الحمراء " وخلفت وراءها أكثر من 200 ألف قتيل، وخسائر مادية بمليارات الدولارات ناتجة عن التخريب الكبير الذي مس البنية التحتية، بالإضافة إلى تعطل وركود الاقتصاد وتعطل لكل مجالات الحياة في الجزائر. 

جبهة الإنقاذ والتاريخ الدموي

جبهة الإنقاذ والتاريخ
قيادات جبهة الإنقاذ الذين قارب عددهم 20 ألف مسجون بالمعتقلات بعد أن كونوا "الجيش الإسلامي للإنقاذ" في جبال الجزائر من بقي منهم- وهم بالآلاف مع عائلاتهم- أعلنوا عن تأسيس ما يعرف بـ"تنسيقية المساجين السياسيين"، محاولين طمس الحقائق التاريخية، للأفعال الدموية التي ارتكبوها من تفجيرات عمومية، وقتل جماعي، وهتك أعراض، وجعلها مجرد مسألة خلاف سياسية.
 الجبهة التي دفعت المجتمع الجزائري إلى العنف والدماء وطالبت بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وتوفير الحرية للشعب الجزائري واعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام وإعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض الأسلوب الفرنسي الداعي إلى التحلل وطالبت بالاستقلال الثقافي، وإدانة إفراغ التربية والثقافة من المضمون الإسلامي ومعاقبة المعتدين على العقيدة وفق أحكام الشريعة الإسلامية؛ تلك الجبهة عادت إلى العمل السياسي بمباركة من النظام الحالي في الجزائر الذي شجعها من خلال دعوة أحمد أويحيى وزير الدولة مدير ديوان الرئيس عبد العزيز ‏بوتفليقة ثلاثا من قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ "المحظورة" بكافة توجهاتها للمشاركة في المشاورات الخاصة بتعديل الدستور، ‏الأول وهو عبد القادر بوخمخم الذي ينتمي إلى ما يسمى بالقيادة التاريخية للجبهة، ‏والثاني هو الهاشمي سحنوني الذي انشق عن القيادة التاريخية للجبهة سنة 1991، ‏وكان يمثل تيار الهجرة والتكفير، والثالث هو مدني مزراق قائد ما كان يسمى ‏بالجيش الإسلامي للإنقاذ "المنحل"، وهو الذراع المسلحة للجبهة‎.
وقال مدني مزراق: إن هذه الدعوة بداية لعودة الجبهة ‏الى العمل السياسي، وإن السلطة وعدته ومن معه بالعودة إلى ممارسة ‏النشاط السياسي، بعد وضع السلاح والاستفادة من عفو خاص.
وقال الهاشمي سحنوني بأن جهات من الرئاسة اتصلت به وبقياديين آخرين في ‏جبهة الإنقاذ؛ من أجل إعادة تأسيس هذا الحزب‎.
أما عبد القادر بوخمخم فقد أكد أن ما يتداول بشأن عودة ‏الجبهة في الوقت الراهن من طرف بعض القياديين مجرد كلام صحافة، وأن الجبهة ‏لم تغب يوما عن الساحة، وبأن حضوره إلى جانب كل من القياديين كمال قمازي وعلي ‏جدي لندوة الانتقال الديمقراطي التي نظمتها المعارضة- لم يكن كأفراد وإنما ‏كممثلين لجبهة الإنقاذ‎.

النظام الجزائري ومناورات السلطة

النظام الجزائري ومناورات
الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تفوت الفرصة واستأنفت قياداتها في الفترة الأخيرة نشاطها السياسي، بشكل لافت، وأتاحت الفضاءات والأنشطة التي نظمتها قوى المعارضة- الفرصة أمام قيادات "الجبهة" للبروز في المشهد مجدداً.
وشارك القيادي في "الجبهة"، علي جدي، في المؤتمر الموسع للمعارضة، مصرّا على أن مشاركته جاءت بصفته قيادياً في الحزب المنحل، وليس كشخصية وطنية، قائلا: "بالنسبة لي الحزب، لا يزال موجوداً في الساحة السياسية، ونحن لم نغب يوماً".
وتتمسك بعض القيادات بعودة القيادة التاريخية للحزب، وتصر على شرعيتها، ممثلة في الشيخ عباسي مدني، الموجود في قطر، والشيخ علي بلحاج، الذي تفرض عليه السلطات حظراً على النشاط السياسي، وفقاً لحكم صدر في حقه من محكمة عسكرية.
 العودة الغير حميدة للجبهة كشفت عن خلاف داخلي بين قياداتها التاريخيين حول المكاسب التي يمكن تحقيقها من عودتها فانتقد مصطفى غزال النار رئيس تنسيقية المساجين السياسيين ما أسماهم بـ"المتاجرين بملف سجناء العشرية الحمراء"، وعلى رأسهم قائد "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، مدني مزراق، لعدم قيامه بالسعي لدى السلطة لإدراج هؤلاء المساجين في خانة قانون المصالحة الوطنية.

وقال غزال في مؤتمر صحفي بمقر حزب جبهة القوى الاشتراكية بالعاصمة، إنه "رغم الاعتراف المتأخر بوجود سجناء سياسيين ما زالوا يقبعون في سجون السلطة، إلا أن الرفاق في الحزب لم يكلفوا أنفسهم عناء الدفاع عن أناس قضوا أكثر من 20 سنة في السجون بسبب انتمائهم لجبهة الإنقاذ، وفيما ينعم من حمل السلاح بالحرية والمزايا وما زال هناك العشرات خلف أسوار السجون".
وفي خطوة لاحتواء الموقف، سارع قائد تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ المنحل مدني مزراق الذي كان أحد المدعوين، والمشاركين في المشاورات السياسية حول تعديل الدستور- إلى نفي ما جاء على لسان رئيس تنسيقية المساجين السياسيين.
ووجه مزراق بدوره الاتهامات "لأطراف تحاول توظيف ملف المساجين السياسيين كورقة للابتزاز، على حساب القيادات الميدانية التي حملت السلاح في الجبال، في حين اختار البعض العواصم الغربية"، في إشارة إلى حركة "رشاد"، ولقيادات ما كان يعرف بـ"الهيئة البرلمانية في الخارج"، التي كان يمثلها كل من رابح كبير في بون وأنور هدام في واشنطن، واصفا إياها بأنها "تتصيد الفرص" للانقضاض عليها وتوظيفها سياسيا، كما هو جار مع عائلات المفقودين.
وأمام المزايا التي تحظى بها قيادات الذراع العسكرية للحزب وضغطهم في اتجاه العودة إلى الشرعية، وبين صف ثان من القياديين، يسعى لاختراق الحراك الذي تقوده المعارضة- يقف النظام الحالي في الجزائر في محاولة لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة بدفع الجبهة إلى الصدام مع جماعة الإخوان التي بدأ نفوذها يتزايد في الوقت الحالي.

إخوان الجزائر وبراجماتية الصراع

إخوان الجزائر وبراجماتية
دفع كل ذلك "أبو جرة سلطاني"، رئيس حركة مجتمع السلم، إلى التعامل مع عودة الجبهة بشكل أكثر براجماتية من النظام الجزائري، وقوله: "لا يمكن  الحديث عن تأسيس أحزاب سياسية للزعماء السابقين لجبهة الإنقاذ الإسلامية قبل السماح للنشطاء العاديين غير المتورطين في أعمال الإرهاب بتشكيل أحزاب سياسية أو الانضمام إلى الأحزاب القائمة". 
 ليستمر النظام في مناوراته في عدم إعطاء الجبهة الشرعية السياسية قبل أن تنجح في تحقيق أهدافه ضد التيارات الإسلامية وهو ما عبر عنه عبد المالك سلال رئيس الوزراء بقوله: "ان ‏موضوع عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الساحة السياسية طوي بشكل نهائي منذ ‏سنوات، وإن توجيه الدعوة لبعض قيادات الحزب المحظور للمشاركة في المشاورات ‏الخاصة بتعديل الدستور كان بشكل شخصي وليس كحزب؛ وذلك لأن الرئيس بوتفليقة وعد ‏بأن تتم المشاورات دون إقصاء"‎.‎
 هذا الصراع يكشف عن محاولة من السلطة في الجزائر لتكريس الخلافات التاريخية المعروفة بين مختلف تيارات الجبهة المحظورة، لمسحها ككيان سياسي موحد من أذهان أنصارها، والتعامل معها طوال الوقت بمنطق الوعود دون تحقيقها، وكأجزاء مفككة، بتقريب هذا والتضييق على ذاك، والفصل بين المسائل الأمنية والسياسية، وفي الوقت نفسه تدفعها إلى الواجهة لضرب المعارضة الإخوانية التي لم تقف موقف المتفرج في هذه المصيدة السياسية وتحاول الخروج منها بمكاسب أكبر وخسائر محدودة؛ ليبقى التاريخ الدموي للجبهة وصفقات الإخوان وبراجماتية النظام حائلا دون مصداقيتهم أمام الشعب الجزائري. 

شارك