في ذكرى مولده .. من التفاهم إلى العداء .. عبدالناصر والاخوان

الخميس 15/يناير/2015 - 09:08 م
طباعة في ذكرى مولده ..
 
الكتاب - عبد الناصر والإخوان 
الكاتب – عبد الله إمام 
الناشر – دار الموقف العربي – القاهرة 
تختلف السياقات والاتجاهات والأيدلوجيات التي تتناول جمال عبد الناصر زعيما وسياسيا ومقاتلًا، ولكن يبقى الاحتفال بذكرى مولده ورحيله، محبة وجدانية خالصه تفرضها جماهير مازالت تحبه وتتعلق به وتبحث عن ظلال مستوحاة منه تأتي وتطبق العدالة الاجتماعية ليرتاح الفقراء ويأخذون انفسهم من شر الرأسمالية التي حطمتهم بلا رحمة واليوم 15 يناير 2015 تمر الذكر الـ97 لميلاد الزعيم، لذلك نحتفي بهذه الذكري بعرض كتاب (عبد الناصر والإخوان) لمفكر من أكثر المخلصين للناصرية في كل كتابته الكاتب الصحفي الراحل عبد الله أمام

لوكان العكس هوالصحيح

بعيدًا عن الشكل التقليدي للكتابة التي تدين جماعة الإخوان – والتي يوثق الكتاب بالفعل – وعلى مدار 55 صفحة جرائما قبل ثورة يوليو1952  يبدا الكاتب بشكل غير معتاد وبأسلوب مشوق مثير من منطلق الفكرة الخيالية ( ماذا لو) فيقول عبد الله امام 
كان جمال عبد الناصر إرهابيا، وسفاحا، وكان الإخوان المسلمون أبرياء ومسالمين !!
أحرق عبد الناصر القاهرة، ثم عصف بكل معارضيه: افترى عليهم، ووضعهم في السجون بعد تمثيلية اعدها، واختار بطلها ليطلق عليه الرصاص !
وكان بطل التمثيلية سمكريا شابا، صديقا له، متقنا لدوره المسرحي، قبض عليه فسكت، وعذب فلم يبح بالسر، وحوكم فتكتم القصة، وحكم عليه  بالإعدام، فظل مخلصا لدوره، واعدم وهوصامت، وهكذا تكون الصداقة ويكون الوفاء !!
وراح محمود عبد اللطيف ضحية للشهامة واتقان التمثيل  وبسبب ذلك حوكم وسجن وعذب عدد كبير من قادة الجمعية واعضاء جهازها السري، الذين لم يحترفوا التمثيل، واعترفوا بأدوارهم  وأرشدوا إلى ما جمعوه من سلاح !!

مسالمون أبرياء

الإخوان المسلمون مسالمون  وأبرياء من الإرهاب وقراءة سريعة لصفحات التاريخ تؤكد أنهم لم ينسفوا أسرا أطفالا، ونساء، ورجالا في دور السينما، وحارة اليهود وشركة الإعلانات الشرقية، ومحلات شيكوريل وغيرها
أبدا لم تمتد أيديهم بالرصاص ليستقر في صدر قاض بريء حكم ضدهم  فهم ليسوا قتلة المستشار الخازندار أمام بيته في حلوان، ولا ناسفي محكمة مصر من قبل ومن بعد
ليس واحدا منهم الذي ارتدى ملابس ضابط شرطة، وتسلل الى وزارة الداخلية ليغتال النقراشى رئيس الوزراء !!
والجماعة لم تدبر قتل رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي، فأصابت الرصاصات سيارته، ومن فيها السائق ورئيس مجلس النواب !!
يجب أن نكذب تمامًا أن قرار حل الجماعة قبل الثورة كان سببه الإرهاب !! 
جماعة في مثل هذه الوداعة والبراءة تلفق لها التهم بعد الثورة، فينسب اليها ظلما، وعدوانا، تهمة اعداد مؤامرة قتل، ونسف، وتدريب افراد وتخزين اسلحة، وانشاء جهاز سري، مرتين احداهما عام 1954 والثانية عام 1965

الدين مع من؟

عبد الناصر كان مع الفقراء، فهل يكون الدين الذي يدعوننا اليه يقف في طابور عليه القوم، وسادة قريش، وأثرياء المجتمع  
عبد الناصر كان مع العامل عملا وحقا وعدلا، ومع الفلاح تمليكاً، وتشريعا، وإنصافا  مع كل الضعفاء ليأخذ حقهم من الأقوياء، وبافتراهم يفسرون الدين بغير ذلك 
عبد الناصر كان ضد الاستعمار، ويحاربه ليحمل عصاه على كتفيه ويرحل من مصر والجزائر، من فلسطين والخليج، من كل مكان يستذل شعبا، ويلوث عرضا وأرضا ويملأ خزائنه أموالا، فهل كان لمحمد رسول الله والذين معه موقف مخالف، لنهب ثروات المسلمين، واستعبادهم، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا
وعبد الناصر كان كبير الإنجاز، عظيم المجد، شديد الاخلاص  وكان ايضا كبير الاخطاء
لم يكن الإخوان المسلمون ابدا يدافعون عن رأيهم بالرأي، والحجة، والمنطق، ولكنهم كانوا يحاولون باستمرار فرضه بالقنابل، بالرصاص والتخريب والتدمير بالعنف والاغتيال، وواجههم دائمًا نفس السلاح الذي أشهروه، فارتد اليهم قبل الثورة، وبعدها
ولم يتعلموا أبدا من دروس التاريخ وعبره، فأوقعوا انفسهم في المحنة المرة تلوالمرة، وقادوا شبابا بريئا اليها، فكانوا مسؤولين عنها، بادئين بالاعتداء
ولا يبرر ذلك أبدا ما اتبع ضدهم من ظلم أوعنف أوتعذيب فخروجهم على القانون يزيدنا تمسكاً به، ليكون القانون وحده وسيلتنا لإعادتهم إلى طريق الصواب
وبكل الصوت العالي أقول: إن الإخوان المسلمين، لم يكونوا بمنأى عن التآمر، والقتل والإرهاب!

هدف الكتاب

يقول عبد الله إمام:  وفي مواجهة حملة ظلم التاريخ العاتية، رجعت الى صفحات الماضي استلهمها الصواب، خلال واقع التطبيق بعيدا عن نظريات تحلق في السحاب وكنت عازما أن اقدم ما توصلت اليه مسلسلا في احدى المجلات، ولكن الظروف شاءت ان يطوى، ليخرج كتابا لا يهدف تشهيرا بأحد، ولا يصدر لحساب أحد، وانما ليحتل مكانة صغيرة ومتواضعة، عند الذين سيطلون بعد اجيال على تلك المرحلة من حياتنا، ولهم علينا مسؤولية ضمير، ان تكون كل الآراء امامهم، وان يقلبوا في وجهات النظر لعل الله يضيء افئدتهم فيهتدون إلى الحقيقة، ويتوصلون إليها بعيدا عن الغايات منزهة  عن أهواء العواطف، وتقدم صفحات الكتاب بعد ذلك تأريخ للجماعة الإرهابية من خلال عدد من الوثائق المهمة 

جذور الإرهاب

يقول إمام قصة الإخوان المسلمين الذين بدأوا في الإسماعيلية وعلى مقربة من قوات الاحتلال قصة طويلة، فقد بدأوا قبل الثورة بسنوات كجمعية اسلامية صغيرة يدعو اليها المرحوم الشيخ حسن البنا تطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هدفها الإرشاد، وإقامة المساجد، وبناء المدارس، وقد تبرعت لها شركة قناة السويس بخمسمائة جنيه لبناء اول مقر لها  مما أثار اعتراض بعض الأعضاء، لأن الشركة استعمارية، على حد ما ذكره الشيخ البنا في مذكراته  وعندما اشتد الصراع بين الملك، والوفد بعد معاهدة 1936 ظهرت جماعة الإخوان على السطح، قريبة جدا من رجل الملك علي ماهر باشا حتى ان مجموعة من اعضاء الجمعية رفضوا هذا الاتجاه، ووجهوا الى المرشد انذارا يطالبون فيه بقطع علاقة الجمعية بالملك وبعلى ماهر
ولكن المرشد، رفض الانذار، وطرد المعترضين  وكتب احدهم مقالا بأسباب الانقسام ذكر فيه انهم خرجوا لان الجمعية موالية للقصر ولعلي ماهر وذكروا أسبابا أخرى خاصة بالتلاعب في بعض الأموال، وحمايته لبعض العناصر غير الأخلاقية كان الملك، في صراعه مع الوفد، قد حاول إنشاء أحزاب سياسية تمتص سخط وغضب الجماهير، مثل حزب الشعب وحزب الاتحاد، ولكن هذه المحاولات فشلت فاحتضنت السراي جمعية الإخوان ولان السياسة متقلبة لم تكن تخضع لمنطق مبدئي، فقد رأينا الملك بعد ذلك يتجه الى توثيق علاقته بألمانيا وإيطاليا، لأنهما تمثلان القوة الجديدة في مواجهة الإنجليز وفي هذه الأثناء برز اتهام جمعية الإخوان المسلمين بانها تتعاون مع ايطاليا وانها تتلقى منها الدعم المالي واستمر الإخوان المسلمون على علاقة جيدة وحميمة بفاروق،  حتى أنها تخصص مؤتمرها الرابع لغرض واحد هو الاحتفال باعتلاء جلالته العرش وبعد احتفالات متنوعة ومتعددة تجمع "الإخوان" عند بوابات قصر عابدين هاتفين "نهبك بيعتنا، وولاءنا على كتاب الله ورسوله "وذكرت جريدة البلاغ في 20 ديسمبر 1937 أنه عندما اختلف النحاس باشا مع القصر خرجت الجماهير تهتف: الشعب مع النحاس فسير الشيخ البنا رجاله هاتفين: "الله مع الملك" ودخلت جماعة الإخوان معارك سياسية عنيفة "ضد الوفد الذي كان يمثل الاغلبية الشعبية وكانت زيارات الشيخ البنا تقابل في الاقاليم بالهتاف " بسقوط صنيعة الإنجليز"- صوت الامة 28/8/1946وكتب " احمد حسين "، مصر الفتاة 17 يوليو1946 " أن حسن البنا أداة في يد الرجعية وفي الرأسمالية اليهودية وفي يد الإنجليز وصدقي باشا" 

جلاد الشعب صادق الوعد

عندما تولى إسماعيل صدقي باشا الوزارة عام 1946 وسط غليان الحركة الوطنية المصرية بالرفض كان أول ما قام به صدقي باشا زيارة مقر جماعة الإخوان المسلمين في الحلمية الجديدة، ووقف احد قادة الإخوان في الجامعة يهنئ جلاد الشعب إسماعيل صدقي بتولي الوزارة ويقول :" واذكر في الكتاب إسماعيل، إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا" على نحو ما يقول طارق البشري "عام 46 في التاريخ المصري طليعة فبراير 1965 " كان الطلبة والعمال قد كونوا لجنتهم الوطنية الشهيرة يوم 21 فبراير وانشق الإخوان وشكلوا بالاتفاق مع صدقي والقصر ما أسموه "باللجنة القومية "
ويذكر كريم ثابت المستشار الصحفي للملك في مذكراته "الجمهورية يوليو1955" أنه قابل المرشد العام للتوسط لدى النقراشي لإيقاف تدابير حل ومصادرة جماعة الإخوان وذكر البنا في تقريره بضرورة عدم حل الجماعة لانها " تكون عونا كبيرا للملك والعرش في مقاومة الشيوعية " وفي ترجمة مذكرات الملك السابق فاروق " وحيد محمد عبد المجيد- الطليعة- يناير 1977" " يتضح ان مخطط السراي كان تشجيع نمو حركة الإخوان لكي يضرب بهم حركة الوفد، واليسار، وبالتالي احداث انقسام في معسكر القوى الشعبية وأضعافه، وكان فاروق يحدث مستشاريه، بان الإخوان هم الهيئة الوحيدة التي يمكنها ان تنافس الوفد على الصعيد الشعبي" " وكان من عوامل ضعف نمو حركة الإخوان اتخاذها موقف العداء الصريح من كافة قوى الحركة الوطنية واولها الوفد" 
وعندما عقد صدقي باشا مع بيفن مشروع معاهدة للدفاع المشترك رفضها الشعب كه الا الإخوان ويقول صلاح الشاهد في " مذكراتي بين عهدين " : " انه عندما توصل إسماعيل صدقي مع مستر بيفن الى التفاهم على الخطوط العريضة لمشروعهما توهم ان الإخوان المسلمين قاعدة شعبية ذات وزن، فاستدعى المرشد العام بعد وصوله من لندن بساعتين، واطلعه على مشروع الاتفاقية قبل ان يطلع عليها النقراشي وهيكل، المشاركين له في الحكم وحصل على موافقته على المشروع، وهنا احس المرشد العام انه اصبح زعيما فوق الاحزاب لدرجة ان عرض عليه مقابلة النحاس باشا، فطلب ان يذهب النحاس باشا اليه، ولما اشتدت المظاهرات الشعبية ضد المعاهدة، طلب صدقي باشا من المرشد العام ان يركب سيارة سليم زكي باشا الحكمدار المكشوفة ليعمل عل تهدئة الجماهير، واستجاب المرشد العام لطلب صدقي".
ويقول الرئيس السادات "أسرار الثورة المصرية" إنه "في فبراير سنة 1946 - مثلا - وقعت حوادث الجامعة المشهورة فأثارت حماسة الضباط للحركة الشعبية، وحقدهم على السلطة وفي خلال الأيام التي تلت هذه الحركة، وقعت المهادنة بين صدقي وجماعة الإخوان المسلمين، فأيدت هذه المهادنة دعوتنا الى عدم الارتباط بأية جماعة خارج نطاق الجيش، إذ وضح في اثنائها التناقض بين ضباط الجيش الذين كانوا كأفراد على صلة بالإخوان المسلمين، وبين جماعة الإخوان كجماعة لها سياستها التي اوحت لها في ظرف من الظروف ان تهادن حكومة صدقي ضد حركة الشعب "

جيش المرشد

حرصت الجماعة منذ بداية تكوينها، على ان يكون لها فريق للجوالة، ورغم ان قوانين الكشافة تمنع الكشاف من الانتماء السياسي، الا ان جوالة الإخوان كانت تمارس عملها، ونشاطها  وتساءل احمد حسين في مرافعته عن قاتل النقراشي باشا عن السبب في السماح للجمعية بعد ان انخرطت في السياسة بأن يكون لها هذا الجيش من الجوالة  ويجيب بان حكومات الاقلية هي من شجع هذا الجيش، وقام بتمويله باعتباره سلاحا ضد الوفد الذي يريدون القضاء عليه بأي ثمن ولو بالخروج على كل قانون وكل عرف مألوف "
ومن بين صفوف الجوالة، التقط اعضاء الجهاز الخاص  ودرب على مختلف الاسلحة وكانت حرب 1948 فرصة هذا الجهاز لكي يجمع الاسلحة وكانت فرصة أيضا لكي يقوم عدد من ضباط الجيش بما فيهم الضباط الاحرار بتدريب أعضاء هذا الجهاز الذي ظل تابعا للمرشد العام شخصيا، فإبراهيم الطيب أحد زعماء الجماعة يقول امام محكمة الثورة "إن هذا النظام الخاص ظل سريا بالنسبة لقيادة الجماعة ذاتها "
ويقول الدكتور خميس حميده وكيل جماعة الإخوان: دخلت الإخوان سنة 39 / 40 وبعد فترة لغاية سنة 1946 فهمت من الاستاذ حسن البنا ان شبابا من الإخوان يتدربون على السلاح، وحيث أن التدريب لا يبيحه القانون، فكانوا يأخذون بعض الأماكن البعيدة في قرى الصعيد أوفي المقطم ويتدربون.
ويقول منير الدلة عضو مكتب الارشاد: ان هذا الجهاز كان موجودا لما دخلنا الجماعة واحنا منعرفش انه موجود لغاية ما حصلت حادثة الخازندار
فوجود الجهاز السري اذن كان حقيقة لاشك فيها " ويقول عبد الرحمن الرافعي: ان العنصر الارهابي في هذه الجماعة كان يرمي من غير شك الى ان يؤول اليها الحكم، ولعلهم استبطأوا طريقة اعداد الرأي العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخاب، فرأوا ان القوة هي السبيل الى ادراك غايتهم "

نار الإرهاب

يستطرد "إمام" قائلًا "بدأت موجة الإرهاب بتفجير القنابل،  ثم باغتيال المستشار أحمد الخازندار وكيل محكمة استئناف مصر في الساعة السابعة صباحا وهو خارج من منزله بشارع رياض بحلوان في طريقه الى المحكمة  ويروي الاستاذ مرتضى المراغي آخر وزراء داخلية الملك في مذكراته ان حسن البنا ذهب اليه في حلوان وهو مدير للأمن العام وطلب منه أن يبلغ الملك أن رئيس الحكومة النقراشى يريد حل جماعة الإخوان، وأنه يجر الملك إلى خصومتهم بما يرسله من تقارير وضعها وكيل الداخلية عبد الرحمن عمار بانهم يريدون قتل الملك ونبذ تصرفاته وقال له : اننا نستطيع ان نصبر على رئيس الحكومة لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، اما الملك فهو باق، وأرجوك احمل إليه هذه الرسالة :
" إن الإخوان المسلمين لا يريدون بك شرا، قل له إننا لا ننبذ تصرفاته، انه يذهب إلى نادي السيارات للعب الورق، فليذهب وإلى النوادي الليلية ليسهر فليسهر لسنا قوامين عليه "
وعندما أبلغ مدير الأمن النقراشي بهذه الرسالة هز رأسه استخفافا ورفض أن يرسل تقريرا إلى الملك قائلا: هل تريد أن تقر الإرهاب وتريد أن تعترف بشرعيتهم لقد قتلوا مستشارا من محكمة الاستئناف كان يترأس محكمة الجنايات لأنه حكم على بعضهم بالسجن، فهل تسمح لهذه الجماعة أن تتمادى إلى حد قتل القضاء، لابد لي من حلها وأنا أعرف ديتها إنها رصاصة أو رصاصتان في صدري "
ويقول مرتضى المراغي إن الإخوان المسلمين كانت لهم محكمة تنعقد لمحاكمة من تعتبرهم خصوما لها او خونة في حق الوطن والدين، وحين تصدر حكمها على احد منهم بالقتل او نسف داره فهي تختار بضعة من الشبان لذلك ويصف بناء على تقرير قدمه احد ضباط الداخلية عن وسائل الجماعة للسيطرة على الشباب الذين يتم تجنيدهم بان تعد حجرة تضاء بشموع قليلة يطلق فيها البخور يعبق في الحجرة وتنطلق في ارجائها سحبه مضيفًا عليها رهبة المعبد وقداسته، ويؤمر الشباب بالدخول الى الحجرة عند منتصف الليل بعد ان يخلعوا نعالهم خارجها ليجدوا منصة مرتفعة قليلا عن الأرض مفروشة بالسجاد، وعليها مساند مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدي قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة، فيجلسون أمامه بعد ان يرشدهم من ادخلهم الى اماكن جلوسهم قبالة الشيخ، والشيخ لايزال مطرقا ينظر اليهم وعيون الشباب تختلس النظر اليه ويمضي في صلاته الخافتة قرابة نصف الساعة وتتعطل حواس الشباب عن التفكير في أي شيء حتى لينسون انفسهم، ثم يفتح الشيخ عينيه ويحدق فيهم طويلا وتنحسر من الرهبة أبصارهم، كأن له عينا يشع منها مغناطيس عجيب، ان تحديقه فيهم يخدرهم ! ويسلبهم القدرة على الحركة والبخور يدغدغ احساسهم وكأنه يدخل رؤوسهم لتخيم سحبه على عقولهم، ثم يقوم الشيخ متثاقلا ويقول لهم : حان وقت صلاة الفجر ويصلي معهم ذاكرا في صلاته آيات الذين يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ولهم الجنة، وتنتهي الصلاة ويصمت برهة ثم تدوي منه صيحة عالية : هل انتم على استعداد للاستشهاد في سبيل الله، فيقولون : نعم، وهل انتم مستعدون لقتل اعداء الله، فيقولون نعم، هل تقسمون على الوفاء بالعهد فيقولون نقسم، فيقدم المصحف ليقسموا عليه ثم يقول : استودعكم الله موعدنا الجنة، ويخرجون وفي عزمهم شيء واحد: القتل والنسف".

ناصر والإخوان

ناصر والإخوان
بدأت العلاقة الاقتصادية بين الإخوان وقادة الثورة منذ الأيام الأولى للثورة، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بحل جميع الاحزاب بتحريض من جماعة الإخوان، مستثنيا جماعة الإخوان المسلمين لاعتبارها جمعية دينية دعوية وايضا قام مجلس قيادة الثورة بالتحيز لجماعة الإخوان حيث قام بإعادة فتح التحقيق في مقتل الإمام حسن البنا والقبض على المتهمين باغتياله واصدار احكام قاسية ضدهم وتكليفهم بدفع مبلغ عشرة ألاف جنيه لآسرة حسن البنا كتعويض وكذلك قرارات عفو عن المعتقلين الإخوان في تهم قتل الخازندار والنقراشى باشا وحرق مدرسة الخديوية الثانوية للبنات وخرجوا جميعا الى مقر الجماعة وسط مظاهرة سياسية حاشدة وبعد ثلاثة أشهر من الثورة ذهب وفد من الجماعة الى عبد الناصر يساوموه على استمرارهم في دعمهم للثورة بعد حل جميع الاحزاب بشرط عرض جميع القرارات والقوانين التي يتخذها مجلس قيادة الثورة على مكتب إرشاد الجماعة لتقييم مدى اتفاقها مع الشريعة والموافقة عليها وكان رد عبد الناصر "لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل وصايا من أحد ولا من الكنيسة وما شابهها وأكررها الآن بنفس الحزم والحسم" وكان موقف عبد الناصر هذا هو نقطة تحول موقفهم من الثورة وحكومتها إذ دأب المرشد بعد ذلك على الإدلاء بتصريحات مهاجما الثورة وحكوماتها في الصحافة الداخلية والخارجية وصدرت الأوامر لهيئات الإخوان أن يحتشدوا ويظهروا دائما في المناسبات التي ينظمها ويحضرها قادة الثورة بمظهر الخصم المتحدي  فقرر عبد الناصر أن يقابل مرشد الإخوان شخصيا حسن الهضيبى وذهب له في بيته، وحاول التفاهم معه على شكل للتعاون بين الثورة والإخوان ففوجئ بالهضيبى يملي عليه طلبات جديدة أكثر إجحافاً مثل اصدار مراسيم بفرض الحجاب ومنع المرأة من العمل وغلق المسارح، والسينمات وهدم التماثيل والتشديد على صالات الأفراح باستخدام الدفوف فقط لا غير كأداة موسيقية وكان رد عبد الناص ر"لن أسمح لكم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش في مجاهل إفريقيا"، وسأله بوضوح لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة للمسلمين؟ ولماذا لم تطلبوا منه هذه المطالب عندما كانت هذه الأشياء مباحة بشكل مطلق؟ لماذا كنتم تقولون قبل الثورة إن الأمر لولى الأمر؟
وبدأ الإخوان في العمل ضد الثورة في ثلاث اتجاهات (حسب اعترافاتهم عقب أحداث 1954)
الاتجاه الأول - معارضة المفاوضات المصرية البريطانية بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء وعرضوا على مجلس قيادة الثورة وقف المفاوضات وفتح باب التطوع للجهاد والقتال ضد الإنجليز وتم الرد عليهم، بإنكم هكذا تريدون أستنفار الإنجليز ضد النظام الجديد وهوما لم تفعلوه مع الملكبل ساندتم الطاغية اسماعيل صدقي عندما  إبرم دستور 1936 وخرجتم في مظاهرة تأييدا له وظفتم فيها الدين والقرآن لخدمة أهدافه السياسة التي توافقت مع اهدافكم، وبعد إلغاء معاهدة 1936 تحت ضغط الكفاح المسلح والفدائي ضد الانجليز في السويس في أكتوبر 1951 قال وقتها المرشد العام للجماعة في جريدة “الجمهور المصري"  "وهل تظنون أن أعمال العنف ستخرج الإنجليز من البلاد؟  إن واجب الحكومة الآن أن تقوم بما تفعله الجماعة من تربية الشعب وإعداده أخلاقيا فهذا هو سبيل خروج الإنجليز من مصر  كما هتف الهضيبى في شباب الإخوان اذهبوا فاعتكفوا واقرأوا القرآن"،  وحينها رد عليه الصحفى والكاتب خالد محمد خالد مستهزئاً  "ابشر بطول السلامة يا جورج"، وتساءل هل في مثل تلك الأيام يدعوا مرشد الجماعة الإخوان المسلمين على الاعتكاف وتلاوة القرآن وهو يعلم ان الرسول الكريم وصحابته تركوا صلاتي الظهر والعصر من أجل معركة
الاتجاه الثانى - الاتصال بمستر ايفانز المستشار السياسي
بالسفارة البريطانية بالقاهرة واوضحوا له موقف الإخوان بأن تكون عودة الإنجليز للقاعدة بناءً على رأي لجنة مشكلة من المصريين والإنجليز وأن الذى يقرر حظر الحرب هي الأمم المتحدة وبالفعل تبنى الإنجليز هذا الرأي في مفاوضات الجلاء وقد ثبت لقاؤهم بمرشد الإخوان عدة مرات من خلال اعترافاتهم بعد ذلك، وأيضا من ضمن الاعترافات أن البكباشي الإخواني عبد المنعم رؤوف قابل موظفا كبيرا في احدى السفارات الأجنبية وأخبره أن الإخوان سيتولون مقاليد الحكم قريبا بالقوة ويطلبون تأييد السفارة البريطانية لانقلاب الإخوان وأوضح استعداد الإخوان بعد توليهم الحكم للاشتراك في حلف عسكري ضد الشيوعية في روسيا، ولكن هذا لن يتحقق طالما عبد الناصر على قيد الحياة لرأيه في الأحلاف العسكرية واهدافها الإستعمارية  وقد ربطت الصحف بعدها بين توقيت اعتداء اسرائيل على الحدود المصرية في رفح وبين تنفيذ خطتهم.
الاتجاه الثالث-  تنشيط الجهاز السرى للإخوان 
من خلال ضم أكبر عدد ممكن من ضباط الشرطة والجيش وكان منهم بعض من تنظيم الضباط الاحرار المتخفيين الذين بايعوهم على الطاعة وسايروهم في خطتهم وقام عبد الناصر باستدعاء ممثلين للجماعة وحذرهم بناء على ما وصله من معلومات، وأوضح لهم أن ما يرتبون له سيقع الضرر بالبلاد إلا أنهم لم يرتجعوا وبتاريخ 5 يونيه 1953 أدلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بتصريح صحفى للـ "أسوشييتد برس" قال فيه: اعتقد أن العالم الغربي سيربح كثيرًا إذا وصل الإخوان المسلمين إلى حكم مصر وأنا على ثقة أن الغرب سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية والاتحاد السوفيتي وسيقتنع بمزايا الإخوان المسلمين" وهكذا قدم المرشد العام مزاياه للغرب الاستعماري آنذاك ولعل هذا الموقف وغيره من مواقف الإخوان هي التي جعلت المستر أنثوني إيدان وزير خارجية بريطانيا يسجل في مذكراته أن "الهضيبي كان حريصًا على إقامة علاقات ممتازة معنا بعكس عبد الناصر".
كانت المخططات الاستعمارية تتواصل خلال الخمسينيات لتطويق المنطقة
بحلف عسكري تحت ستار الدين هو الحلف الاسلامي – ما اشبه الليلة  بما رتبته أمريكا مؤخرا-  وهو الذى رفضه عبد الناصر بقوة، وهنا شعرت قيادة الثورة بضرورة تكوين تنظيم سياسي شامل أطلق عليه “هيئة التحرير” وهنا ذهب مرشد الإخوان لعبد الناصر محتجاً قائلاً ” ما الداعي من انشاء هيئة التحرير مادامت جماعة الإخوان قائمة” واليوم التالي لتلك المقابلة قام الهضيبي بتوزيع منشور لجميع شُعب الإخوان في جميع المحافظات وقال فيه “أن كل من ينضم لهيئة التحرير يعتبر مفصولاً من الجماعة” ثم بدا الهجوم الضاري للاخوان على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيري “منظومة الشباب”

مواجهه مسلحة

وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة الى حد استخدام الاسلحة والقنابل واحراق السيارات في الجامعة يوم 12 يناير 1954 وهو اليوم المخصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة وتوترت العلاقات اكثر بين الثورة والإخوان على إثر هذا الحادث، وهنا بعثت الجماعة بأحد
أقطاب الإخوان إلى أنور السادات ليخبره بأن مكتب الارشاد بعد مناقشات  طويلة قرر أفاده الى جمال عبد الناصر  فرد عليه أنور السادات قائلاً حسبما ذكر أنور السادات نفسه في مذكراته ” هذه هي المرة الألف التي تلجأون فيها الى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع عبد الناصر بجميع اعضاء مكتب الارشاد بما فيهم المرشد العام حسن الهضيبي ولم تكن هناك جدوى لأنهم حسب ما قال عبد الناصر" يتكلمون بوجه وحين ينصرفون يتكلمون الى الناس وإلى انفسهم بوجه آخر" ويمضي السادات قائلا في مساء اليوم نفسه وضعت خطتهم الدموية.

حادثة المنشية

حادثة المنشية
كان عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954 في احتفال اقيم له ولزملائه تكريما لاتفاقية الجلاء وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبد اللطيف عضو الجهاز السرى للأخوان وما ان بدأ عبد الناصر خطابه حتى أطلق السباك 8 رصاصات غادرة من مسدسه لم تصب كلها جمال عبد الناصر بل أصابت الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية أحمد بدر الذي كان يقف بجوار عبد الناصر،  وقام ضابط يرتدى زياً مدنيا بالانقضاض على السباك وتم القبض عليه وبحوزته المسدس وهنا بدأت مرحلة جديدة من المواجهة بين ثورة يوليو والإخوان المسلمين، حيث أُلقي القبض علي العديد من أفراد الجماعة، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن بدأت من عشر سنوات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أن سبعة من أعضاء الجماعة البارزين صدرت في حقهم أحكاماً بالإعدام وهم:
1 محمود عبد اللطيف، يوسف طلعت، إبراهيم الطيب، هنداوي دوير، محمد فرغلي، عبد القادر عودة، وحسن الهضيبي الذي خفف الحكم عليه إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
نُظرت قضية الإخوان الأولى أمام ما عرف حينها بـمحكمة الشعب ذات الطبيعة العسكرية برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات انتهت القضية في 4 ديسمبر 1954، وكان من بين من حكم عليهم محمد مهدي عاكف الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه خرج عام 1974 في عهد الرئيس محمد أنور السادات بعد أن قضي عشرين عاماً في السجن
  
 

شارك