التقارب السعودي – الإيراني... مصالحة لتقسيم النفوذ

الجمعة 16/مايو/2014 - 07:23 م
طباعة التقارب السعودي –
 
أعرب نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الأربعاء عن ترحيب إيران بمفاوضات مع السعودية لتشجيع حصول تقارب بين البلدين وتسوية المشاكل الإقليمية.
ويأتي تصريح أمير عبد اللهيان، رداً على ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الثلاثاء، بأن المملكة على استعداد "للتفاوض" مع طهران لتحسين العلاقات التي توترت كثيراً في السنوات الأخيرة بين البلدين.
وكان وزير الخارجية السعودي قد أعلن في الرياض، أن المملكة وجّهت دعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها، موضحاً "نرغب في استقباله، فإيران جارة لدينا علاقات معها وسنجري مفاوضات معها"
وأضاف "لقد أرسلنا دعوة لوزير الخارجية لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول إلى واقع بعد، لكننا سنستقبله في أي وقت يراه مناسباً للمجيء". وأوضح أمير عبد اللهيان أن بلاده "لم تتلق بعد دعوة مكتوبة، لكن لقاء بين الوزيرين مدرج على جدول الأعمال"
اعتبر بعض الخبراء أن المبادرة السعودية، بمثابة مغازلة للمنافس الإيراني، بعد عقود من توتر العلاقة بين البلدين، بعد السياسة العدائية التي انتهجها أحمدي نجاد، والتي لم تأتِ سوى بالمصائب والتراجع الاقتصادي على إيران.
وتأتي مبادرات التصالح على خلفية التقارب الإيراني – الأمريكي، حول برنامج إيران النووي، والذي طرحه حسن روحاني الرئيس الإيراني، والذي أبدى سياسة أكثر توازنًا مع دول المنطقة، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، ومادامت الخلافات الأمريكية – الإيرانية أصبحت مسألة وقت في سبيل حلها، فلا داعي لأن يظل الخلاف الإيراني –السعودي.
تعد هذه قراءة سطحية لجذور الخلاف المتعمقة بين إيران والسعودية، والتي تمتد منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد حادثة مكة 1988، والتي على إثر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة سياسية عنيفة ضد الموقف السعودي الداعم للعراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وذلك أثناء موسم الحج عام 1987، حيث قام عدد كبير من الحجاج الإيرانيين بالتصادم مع الشرطة السعودية في منى، أودت بحياة 400 حاج أغلبهم من الإيرانيين، الأمر الذي دفع الخميني بمطالبة الشيعة بالثأر لقتلى الحجاج الإيرانيين، وذلك بالإطاحة للحكومة السعودية، وعلى أثر الدعوة قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في 1988، ولكن تمت استعادة العلاقات مرة أخرى عام 1991.
يسود التوتر العلاقات بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، لكنه تفاقم في الأعوام الماضية بسبب النزاع في سوريا خصوصاً، ففي الوقت التي تبسط فيه السعودية نفوذها على منطقة الخليج، من الجانب الاقتصادي - متمثلا في النفط ومجلس التعاون الخليجي - والجانب الديني متمثلًا في المذهب السني، كانت إيران تسعى فيه بمد نفوذها على الدول من الجانب المذهبي  "الشيعي"، على سوريا والعراق وجزء من لبنان والبحرين، لتتعمق الخلافات بين كل من البلدين، ولتبدأ حرب باردة في المنطقة بين كل منهما، بدأت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، والذي سمح لإيران لبسط نفوذها على العراق، وفي خطوة تسمح لها للدخول في دول المنطقة الخليجية من أجل مد المذهب الشيعي في منطقة الخليج، ويمتد حتى مصر والمغرب العربي، لذلك فإن السعودية تتابع بقلق "تدخلات" إيران في البحرين والعراق واليمن المحاذية كلها للمملكة من الشرق والشمال والجنوب، فضلاً عن الملفين النووي والسوري، كان آخرها وصول مقاتلات من حزب الله اللبناني إلى جانب القوات السورية، في الوقت التي تدعم فيه السعودية الجيش السوري الحر، وسط تزايد انقسام سورية بين داعش والنصرة.
التدخلات التي أثارت قلق المملكة العربية السعودية، والتي رأت في المذهب الشيعي خطرًا يتهدد منطقة الخليج السنية، والذي ظهر جليا في صراعات المنطقة، وبالتحديد في حرب حزب الله اللبناني على إسرائيل، والذي كان يلقى دعما مباشرًا من الحكومة الإيرانية، خاصة الدعم العسكري، كما شهدت بعض الساحات العربية في الفترة الأخيرة، ما يمكن تسميته بـ"الحرب الباردة" بين النفوذين (السعودي – الإيراني)، وظهر بشكل واضح خلال الحرب السورية، من خلال دعم الرياض لقوى المعارضة، مقابل وقوف طهران إلى جانب النظام على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ما تريده السعودية من المبادرة هو التحكم في زمام لعبة النفوذ في منطقة الخليج، فإيران تريد دورًا إقليميًا معترفًا به في المنطقة، كما تريد أن يستمر برنامجها النووي، في الوقت الذي تتحفظ فيه السعودية على البرنامج النووي الإيراني، حيث تراه خطرًا استراتيجيًا، وتريد أن يكون الدور الإيراني في المنطقة بحدود معقولة، دون أن يهمش الدور السعودي، الأمر الذي دفع المملكة بانتهاج استراتيجية مهادنة، حتى تستطيع أن تحتل الفراغ الموجود في الأزمات المختلفة في المنطقة العربية، في الوقت الذي يتزايد فيه دور الاستخبارات الأمريكية والإيرانية باللعب على ورقة الشيعة في السعودية، والمتمركزون في مدينة الإحساء، ويمثلون 5% من إجمالي سكان المملكة، للضغط على المملكة من أجل أهداف سياسية واقتصادية بحتة، ولهذا كانت مبادرة السعودية لعدم رغبتها في تنامي الضغط الأمريكي في تقسيم المنطقة، واللعب على الاختلافات المذهبية، وهو السيناريو الذي نجحت في تنفيذه في كل من العراق وسورية بشكل كبير، ما يشير إلى صدق السعودية في دعوتها، والتي هيأت لها بتنحية بعض الرموز المتطرفة من النظام السعودي، خصوصاً مدير المخابرات السابق بندر بن سلطان، والتي تعد مؤشراً قوياً لمصالحة وشيكة بين البلدين.

شارك