داعش.. عودة الجهاديين
الإثنين 09/مارس/2015 - 01:34 م
طباعة
المؤلف: باتريك كوكبيرن
تاريخ الصدور: 2014
دار النشر:الساقي
يسلط الصحفي باتريك كوكبيرن– المتخصص في شئون الشرق الأوسط-ومراسل صحيفة الإندبندنت في كتابه الصادر حديثا "عودة الجهاديين" الضوء على الفشل الغربي الذي أدي لظهور هذه الكارثة، وعلى التقدم التي أحرزته داعش، والتي تطلق على نفسها الآن "الدولة الإسلامية".
ويطرح في كتابه قراءة تحليلية متعمقة ومتعددة الأبعاد للأوضاع في هذه المنطقة الملتهبة من العالم العربي، وتصوراته المستقبلية للوضع هناك.
ومن بين أهم الأفكار التي يركز عليها المؤلف أن التطورات الحادثة في الوقت الراهن بالشرق الأوسط لن تبقى أسيرة الحيز الجيوسياسي الحالي لها الذي يشهد مواجهات دموية شرسة، ومن المؤكد أن رقعتها سوف تتوسع لتشمل أنحاء متعددة من العالم، وهو ما أثبتته بعض الحوادث الأمنية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا وأستراليا وبريطانيا في الأشهر الأخيرة.
كما يركز على دور الغرب وسياساته الخاطئة في ظهور هذه الأزمات، فيقول: إن تنظيم الدولة والجهاديين في سوريا والعراق استغلوا أخطاء حروب الغرب في أفغانستان والعراق وليبيا من قبل، إضافة إلى التقديرات الخاطئة في ما يتعلق بسوريا وثورات الربيع العربي؛ مما قاد إلى إحراز الجهاديين انتصارات كبيرة توجت بإنشاء "دولة خلافة" تشمل معظم المناطق السنية في العراق، وكذلك منطقة واسعة من شمال شرق سوريا.
كما يتساءل كوكبيرن: ما الذي مكن داعش بالضبط من التفوق على قاعدة بن لادن بهذا الشكل الضخم وعلى هذا النحو السريع، سواء في القوة أو في التأثير؟
وينقسم الكتاب إلى قسمين رئسين، يتناول القسم الأول منهما نشأة وجذور تنظيم الدولة منذ ظهوره في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 كأحد مكونات مجلس شورى المجاهدين الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي، ثم امتداده بعد ذلك إلى سوريا وتحوله إلى خصم لتنظيم القاعدة، بعد أن كان شريكا له في العراق، حيث خاض ولا يزال صراعات دموية مع جبهة "النصرة" في بعض المناطق السورية. "غياب الدولة الوطنية يمثل أحد أهم أسباب تمدد تنظيم الدولة، فقد كانت رغم ضعفها في السابق أحد عوامل التعايش الهش الذي عرفته المنطقة لفترات طويلة، وحالت دون انفجار الوضع في فترات تاريخية سابقة".
ويشير إلى الجذور "الوهابية" لتنظيم الدولة، ويؤكد أن الوهابية مهدت لبزوغ مثل هذا "الوحش"، ثم يتناول بعض الأسباب الأخرى التي أدت إلى ما يمكن وصفه بـ"الحالة الداعشية" في منطقة المشرق العربي.
القسم الثاني من الكتاب يلقي الضوء على قضية شديدة الأهمية وهي أسباب تضخم تنظيم الدولة على هذا النحو، وهي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت قائمة في سوريا والعراق وقت ظهور التنظيم.
وذكر أهم هذه الأسباب وهو غياب الدولة الوطنية التي كانت على الرغم من ضعفها أحد عوامل التعايش الهش الذي عرفته هذه المنطقة لفترات طويلة، وحالت دون انفجار الوضع في فترات تاريخية سابقة كما هو الحال في الوقت الراهن.
وعند تحليله نقطة تمدد التنظيم فإن المؤلف يركز على الحدث الكبير، وهو اجتياح تنظيم الدولة مدينة الموصل ثاني كبريات المدن العراقية، فيشير أولا إلى أن ذلك ما كان ليتم لولا فساد الجيش العراقي، وفشل الولايات المتحدة والغرب في إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين.
ثم أشار إلى الكم الهائل من الأسلحة التي يقوم حلفاء الولايات المتحدة مثل قطر وتركيا بإرسالها إلى القوات التي تقاتل نظام بشار الأسد في سوريا، هذه الأسلحة تستولي عليها داعش في العراق قبل أن تكمل باقي الطريق لسوريا!
ويذكر أيضا من أسباب قوة داعش الأخرى: هجماتها الموسعة على السجون العراقية لتحرير المقاتلين، والتمويل القادم من السعودية وقطر وأنحاء أخرى، أيضا محاباة- مزعومة- من المخابرات العسكرية التركية، ومساعدات- مؤكدة- من جانب النظام التركي، والذي "يسمح بمرور أسلحة ومتطوعين جهاديين، العديد منهم انتحاريين محتملين، لعبور الحدود مع سوريا التي يبلغ طولها 510 أميال (765 كيلومترا)".
ويضيف قائلا: إن نجاح «داعش» في السيطرة على الموصل كان مفاجأة تامة، حتى بالنسبة لـ«داعش» نفسها التي هزمت قوة أمنية عراقية تضم عشرات الآلاف بواسطة قوة تضم ستة آلاف عنصر فقط! ويشير إلى ما جعل هذا ممكنا وهو أن المجموعة العراقية السنّية في تلك المنطقة شعرت بإمكانية وضع حد للظلم اللاحق بها من النظام الذي اعتبرته منحازا ضدها، فأمنت دعما ضمنيا للقوات المهاجمة، بالإضافة إلى ذلك، فإن انعدام الروح المعنوية والانضباط وفساد بعض الجهات في صفوف الجيش العراقي شكلت عناصر رئيسية في هذا الانكسار.
ويرى الكاتب أن «داعش» تمكنت من استغلال الحس المتنامي بالاضطهاد والتغريب بين صفوف السنّة في العراق، فتحولت أجزاء من المعارضة الشعبية السلمية هناك إلى معارضة مسلحة للنظام. وصار هؤلاء العراقيون المهمشون يرون أن أفضل فرصة لهم للظفر بالسلطة في العراق هو قتالهم كطائفة سنّية ضد هيمنة الطائفة الشيعية في بلدهم.
كما يضيف كوكبيرن أن حدة الانقسام بين المجموعتين السنية والشيعية في العراق زادت بسبب الحرب الحاسمة والباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث وقفت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها (من الدول المجاورة لها) مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران وسوريا وحلفائهما في العراق ولبنان، الذين تدعمهم روسيا ودول أخرى.
ويؤكد الكاتب أن العراق هو ربما أهم حليف لإيران، إلى جانب سوريا. وقد أصيب الإيرانيون بالذهول والهلع لانهيار الجيش العراقي المفاجئ؛ الأمر الذي خلق مشاكل لإيران في سوريا، حيث كانت القيادة الإيرانية تحقق نجاحات في دعمها لحكم بشار الأسد.
ويرى الكاتب أن أمريكا والغرب أخطئوا عندما ظنوا أن بإمكانهم إسقاط نظام بشار الأسد بسرعة، كما فعلوا في ليبيا بمعمر القذافي. ولكن- حسب رأيه- الأمر الذي أسقط القذافي كانت قوات «الناتو» وقصفها الجوي لنظامه بشكل رئيسي. كما أن أمريكا والغرب ظنا خطأ بأن روسيا وإيران وحزب الله اللبناني على استعداد لرؤية حليفهم السوري مهزوما.
ويصل الكاتب في آخر الكتاب إلى "أن مشروع "الحرب على الإرهاب" قد مني بالفشل فعلا- وهو ما يبدو ظاهرا للعيان- لكن في كل الأحوال هناك شيء يجب أن يقال للناس للحفاظ على عدو لا يموت- الإرهاب- والذي يتحول إلى أشكال أكثر رعبا، فعلى الأقل عبر ذلك يمكن الحفاظ على صناعة الأسلحة مزدهرة إلى الأبد!
ويحذر كوكبيرن الولايات المتحدة في نهاية كتابه من أن الضرب بالطائرات دون طيار وبالأشكال العسكرية الأخرى سيجعل من سيناريو مهاجمة الجهاديين للأراضي الأمريكية واقعا قريبا. وحينها- بالطبع- سيكون لدينا العديد من الأهداف الأخرى لنقوم بتدميرها.
ربما فشل الحرب على الإرهاب، هو في حد ذاته نجاح مقصود.