توظيف "الإسلام السياسي" لعبة صنيعة الاستعمار
الأربعاء 11/مارس/2015 - 08:41 م
طباعة
• الكتاب - العالم الإسلامي المعاصر
• الكاتب – د. جمال حمدان
• الناشر – دار الهلال – القاهرة 1993
حتي الآن لم نجد عقلية اهتمت بجغرافية الأفكار والقدرة على التحليل السياسي من خلال تقديم قراءة لشخصية المكان مثل العالم العلامة الدكتور جمال حمدان، والذي تظلمه كثيرا موسوعته الفذة شخصية مصر التي صدرت في أربعة مجلدات فلا يتم النظر أو العرض لكتبه الأخرى، وهي لا تقل أهمية بل تثبت مدى عبقريته وتفرده ومن هذه الكتب (العالم الإسلامي المعاصر) الذي كشف فيه النقاب عن توظيف الامبريالية والغرب للإسلام السياسي.
الكاتب:
جمال محمود صالح حمدان
"جمال محمود صالح حمدان" هو الاسم الكامل للكاتب والباحث جمال حمدان، الذي ولد عام 1939 في قرية ناي إحدى قرى محافظة القليوبية، حصل جمال حمدان على كثير من الجوائز على سبيل المثال جائزة التقدم العلمي عام 1992 بدولة الكويت، جائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959 جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1986 في مصر وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب شخصية مصر عام 1988 كان جمال حمدان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا" الصادر في عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات "آرثر كويستلر" مؤلف كتاب القبيلة الثالثة عشرة الذي صدر عام 1976
دور الإسلام السياسي:
يقول الدكتور جمال حمدان من الحقائق الغريبة بل المذهلة أن أكثر من أراد أن "يوظف" الإسلام سياسياً هو الامبرالية والاستعمار، الاستعمار الغربي الذي جثم طويلاً على صدر العالم الإسلامي و جسمه و لم يزل يحاصره و يعاديه للآن و لا يعني هذا بطبيعة الحال إلا استغلاله و تسخيره لأغراضه الامبرالية العليا واستراتجيته الكوكبية العدوانية (ما يسمي الآن العولمة)، ومن هنا كان علينا أن نفرق في دور الإسلام السياسي بين الدور الدخيل والأصيل، و أن نحلل الأول لتعريته وكشفه قبل أن نصل إلي الدور الأصيل والصحي المنشود
الدور الدخيل:
فمن الأول، نستطيع باطمئنان أن نطلق علي الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية حتي اليوم في الشرق الأوسط "فترة صناعة الأحلاف" ففي غضون عشرين عاماً قُدمت أو نُفذت ستة مشاريع أحلام متعاقبة، إما كأحلاف دفاعية عسكرية أو كأحلاف دينية سياسية و كان مهندس هذه الأحلاف هو المعسكر الغربي، و علي رأسه الولايات المتحدة و معها بريطانيا، و صدّرها إلي دول إسلامية مختلفة تمتد و تتفاوت من باكستان شرقاً إلي المغرب علي المحيط الأطلسي غرباً
و قد كان من أول و أبرز هذه المشروعات مشروع ظهر علي مسرح السياسة العالمية في الأربعينات المتأخرة و الخمسينات الباكرة لإنشاء تجمع أو حلف أو جامعة إسلامية، يتلخص هدفه كما قدموه في الوقوف "كحلف مقدس" في وجه الشيوعية "ليدافع عن الإسلام و يواجه خطر الإلحاد" و يبدأ منطق المشروع كما رسموه من موقع العالم الإسلامي الجغرافي و الإيديولوجي في عالم ما بعد الحرب فبالموقع الجغرافي، توضح الخريطة السياسية حقيقة هامة، و هي أن أطول حدود مشتركة مباشرة للاتحاد السوفيتي (السابق) هي مع دول إسلامية، ابتداء على الأقل من باكستان و افغانستان عبر إيران حتي تركيا هذا فضلاً عن أن جسم العالم الإسلامي الأساسي في مجموعه يعد ظهير ضخم للكتلة الشيوعية
أما ايدلوجياً فقد كان التبرير أو الترويج يدور حول وحدة الأديان السماوية ضد الإلحادية اللادينية، و أن العالم الإسلامي يمكن و ينبغي أن يجمع قواه مع العالم المسيحي "الحر" في جبهة واحدة ضد العالم الشيوعي و في هذا السبيل شهدت تلك الفترة حركات فكرية و مؤتمرات دعائية و لقاءات لاهوتية عديدة بدرجة لافتة للنظر، تضرب علي نغمة التقارب بين الإسلام و المسيحية، و على وحدة الرسالات السماوية إلى آخره.
نظرية المشروع إذن أنه يمكن للعالم الإسلامي إذا تكتل أن يكون "قوة ثالثة" أو "كتلة ثالثة" ، هي بطبيعتها "كتلة حاجزية" بين الشرق و الغرب أما الصيغة الرسمية للتجمع المقترح، فقد تراوحت بين "حلف دفاعي" حيناً و "اتحاد الدول الإسلامية" حيناً آخر.
الإحاطة والتطويق:
ويضيف حمدان إذا نحن حللنا جوهر الحلف على ضوء هذا الحقائق، فسنجد أنه أساساً – و في الدرجة الأولي – جزء لا يتجزأ من استراتيجية الغرب لفترة ما بعد الحرب الثانية، أعني استراتيجية "الإحاطة و التطويق" المشهورة التي تهدف إلي حصار الكتلة الشرقية عامة و الاتحاد السوفيتي خاصة بسلسلة متصلة الحلقات من الأحلاف العسكرية تبدأ من النرويج حتي اليابان و الحلف بهذا موجه "إلي الخارج"، أعني أنه يكتل العالم الإسلامي ككل لينظر ككل إلي خارج حدوده، و بالتحديد نحو تخومه الشمالية، و بعبارة أخري، ورغم المخاطرة بالتكرار، ينبغي أن نصّر علي أن الحلف كان تعبيراً عن استراتجية عالم الكتلتين، و انعكاساً لمنطق الاستقطاب الثنائي
و الحلف بهذا ليس حلفاً دينياً رغم الاسم، و لكنه حلف سياسي عسكري عدواني في جوهره أما الشعار الديني فغلالة لا تخفي تسخيره للأغراض السياسية نقطة أخري لن تخفي علي التحليل، أن الحلف، بمنطق معكوس، كان يقوم مع تلك الدول التي استمرت الإسلام طويلاً و تقليداً و التي كانت لا تزال تستعمر أغلب أقطاره، بينما يوجه ضد قوي لا تاريخ استعماري واضح أو قوي لها في العالم الإسلامي أي أنه يتحالف مع عدو استعماري جاثم بالفعل ضد خطر مفروض بالوهم.
و ثمة نقطة أخرى و أخيرة و هي أن من الواضح أن الاستعمار الغربي الذي طالما حمل علي الإسلام و شهّر به و سخر منه، أراد الآن أن يسخره لحسابه الخاص في صراعه العالمي الجديد و علي سبيل المثال، فقد كان مبدأ "الجهاد" في الإسلام يُفسر دائماً و يُهاجم في الغرب علي أنه دعوة إلي أحلاف مقدسة و حروب دينية، و علي أنه دعوة عدوانية دموية تعصبية و من المؤكد أن الغرب لم يكن ليستحثه أو يستحييه الآن، لولا أنه كان يتصوره أداة له و لأغراضه.
الدور الأصيل:
هو توحيد الدين، بمعني توحيد "عقيدة" الإسلام لا المسلمين، لتذويب الفروق الحفرية التي ورثها عن ماضٍ فقد الآن سياقه الزمني، و تعميق روح الإسلام و تقويمها من أي سطحية أو ابتداعات أو تحريفات، و التبادل الثقافي و الفكري العام و المزيد من التنسيق الاقتصادي و الترابط و التبادل التجاري، و التضامن السياسي الوثيق في المجتمع الدولي لمجابهة الأخطار الخارجية و التعاون لتحرير الدول الإسلامية المستعمرة و علي رأسها بالقطع فلسطين المحتلة: تلك جميعاً هي المجالات الخصبة و الفعالة و الواجبة لتفاعل العالم الإسلامي سياسياً
إنها في كلمة "وحدة عمل" لا "وحدة كيان" بل يمكن أن نضيف: وحدة مصير، إلا أنها ليست دستورية، في كلمة أخري، وحدة فكرية لا دستورية
و يعني هذا أن العمل السياسي و النشاطات الدولية الإسلامية التي تخضع حالياً لتوجيهات منفصلة و مشتتة و ربما متعارضة، ينبغي أن تتحول من نمط الطرد المركزي إلى قوى الجذب المركزي لابد – يعني – من تنسيقها في استراتيجية عظمي واحدة، الإسلام بوصلتها التي تسترشد بها في عالم القوي الذي يهدد الكل بصراعاته و توازناته، بضغوطه و تكتلاته، و أيضاً باستقطاباته و تفككاته.