القواعد الفقهية التي يجب ان نحارب بها فكر داعش
الأربعاء 18/مارس/2015 - 09:19 م
طباعة
• اسم الكتاب – تطوير الخطاب الديني واشكالية الناسخ والمنسوخ
• الكاتب – هشام حتاته
• الناشر – دار ومكتبة الحرية – القاهرة 2014
يقدم هذا الكتاب محاولة فكرية جريئة ،تجعل قارئه في حالة من الانتباه واليقظة والتساؤل الدائم ،وهي ميزه كبري قليل ما نجدها في الكثير من الكتب .فالكاتب يطرح افكارا صادمة في رأي البعض ،وموضع خلاف ، واخرون يرون فيها موضوعية ،حيث يناقش مفهوم "الشريعة" ومدى صلاحيتها لكل زمان ومكان فالخطاب الديني يقول ( صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان من المعلوم بالضرورة من الدين وقد انعقد عليها اجماع السابقين واللاحقين من المسلمين وهي تعتمد على ان هذه الشريعة هي الشريعة الخاتمة التي نسخ الله بها ما قبلها من شرائع واوجب الحكم بها والتحأكم اليها الي ان يرث الله الارض ومن عليها فلابد اذا ان تكون من الصلاحية بحيث تلبي حاجات البشرية في مختلف اعصارها وامصارها وتحقق مصالحها في كل زمان ومكان ) والواقع يقول (ان الخليفة ابو بكر الصديق حارب مانعي الزكاة بدون اى دليل ديني سواء قرانا او سنة ولكنها كانت تلبية للمصلحة علي الارض وان الخليفة عمر بن الخطاب اوقف العمل بعدة نصوص قرأنية لاختلاف الظرف الارضي وحديثا تم ايقاف العمل بالجزية والرق والتي وافقت عليها كل الدول الاسلامية واصبحت من مسلمات العصر الحديث )
الخطاب والناسخ والمنسوخ:
يقول هشام حتاته ان الفقهاء وضعوا قواعد معينة لكى تمكنهم من استخراج الاحكام من القران فكان ان وضعوا علم اسباب النزول كمجسات استكشاف لفعاليات الآية ثم وضعوا علم العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب فالآية تنزل حكما لواقعة زنا او سرقة فردية الا انه يكون حكما عاما فالعلم الاول منطقي تماما والثاني ايضا اذا كان عاما في الفترة الزمكانية وان كان الفقهاء المتأخرين اخذوا عموميته علي مبدا الصلاحية لكل زمان ومكان ولكنهم واقفوا حائرين بين اختلاف حرية المدينة المكية عن آيات تشريع القتال والغنائم في المدينة واية الخمر الاولي باعتبارها رزقا حسنا وبين الآيات التالية حتي اية التحريم وآيات الاشادة باهل الكتب من اليهود والنصارى وآيات اخري تكفرهم امام هذه الاشكالية اخترعوا علم الناسخ والمنسوخ والذي يجعل من الآيات الاخيرة ناسخة للآيات الاولي ويستنبطوا منها احكام الجهاد والجزية والغنائم وهنا يصل هشام الى انه بالنسبة لعلوم القران
اولا – لا ناسخ ولا منسوخ في القران الا ما نسخه الله وانساه ومحاه بآيات قطعية الثبوت والدلالة وانما كل اية من آيات القران جائت تعبيرا عن مرحلة من المراحل التي مرت بها الدعوة الاسلامية في عهد الرسول لنعمل بها عند الحاجة والضرورة
ثانيا – الغاء التحصين المقدس للفقهاء القدامى فرجال الدين ليسوا مقدسين سواء منهم الفقهاء القدامى او الشيوخ المعاصرين فهم رجال ونحن رجال بل ان ما توفر لنا نحن من علوم ومعارف انسانية يجعلنا نفرق بين السحر والامراض النفسية ويجعلنا نتخطى العلاج ببول الابل والحبة السوداء الى مجالات الطب الحديثة ويجعلنا نقرا حجر رشيد والكتابات المسمارية البابلية ونعرف الفرق بين التاريخ الحقيقي الموثق كتابيا وبين التاريخ الشفهي المغرق في الاسطورة
وبالنسبة للقواعد الفقهية
اولا قاعدة التيسير
تعتمد هذه القاعدة الفقهية التي اقراها الامام مالك وجعلها اصلا عظيما من اصول الشرع واحدى القواعد الكبري التي بني عليها الفقه .وهي مستمدة من حديثين للنبي محمد صلي الله عليه وسلم كان يوصي بهم رجاله الي القبائل الحديثة عهدا بالاسلام وهما ( بشروا ولا تنفروا ) و ( يسروا ولا تعسروا ) – يلاحظ ان هذه الوصايا كانت في بداية الدعوة اذن فهي تعتبر من وجهة نظر الوهابية منسوخة فاصبح راي رجال التقديس ان التعسير والتشدد في امور الدين والزعم بامتلاكهم الحقيقة المطلقة وادعاء امتلاك كل فرقة للحقيقة المطلقة واعتقادها وحدها الفرقة الناجية ووضع العقبات امام الناس في دخول الجنة بحجة التحوط – الاحوط – سيجعل الناس اكثر طلبا للسؤل حول الحرام والحلال حتى يتسنى لهم دخول الجنة والتي اصبحوا يملكون تراخيص دخولها حصريا وحدهم لاغيرهم
ثانيا – قاعدة المصالح المرسلة
والتي تقول اينما توجد المصالح البشر فثمة وجه الله وقد قال بها الشاطبي والقرافي وقال ايضا ابن القيم (اينما وجد العدل فثمة شرع الله )ولكن الاصوليين لايعترفون بها
ثالثا – قاعدة اذا اختلف النقل مع العقل يؤول النقل لحساب العقل
فالتأويل هنا لايعني مجرد اعادة التفسير ولكنه يعني اخضاع النص لتاريخيته وخصوص بيئته وظروف انتاجه بمعنى اختلاف الزمان والمكان
رابعا – قاعدة العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما فاذا فسدت العلة فسد المعلول
وهى من وضع الامام مالك في التيسير والتي تعني ما تغير من الاحكام لسبب معتبر شرعا يعود الى اصله عند زوال سبب تغيره وهي نفس القاعدة التي اعتمدها ابو حنيفة ولكنه قصرها على السنن فقط مثل ان الغناء يصح يوم العيد فاذا انتهي العيد يحرم الغناء
ولكن قاعدة الامام مالك اوسع من فقه ابو حنيفة
هو انت حنبلي
يقول هشام نشأنا في ستينيات القرن الماضي وحتي نهاية السبعينيات منه ننعت اي متشدد في امر ديني – وما كان اقلهم – بانه حنبلي حيث كنا نقول له مازحين (يا اخي هوه انتا حنبلي ) ولم نكن ندري ايامها اننا سوف نقع بعد عقدين من الزمان في الاغراق في فكر وفقه سلسلة المتشددين بداية من ابن حنبل (780 م – 855 م ) ثم ما اطلق عليه شيخ الاسلام ابن تيمية (1263 – 1330 ) لياتينا من جزيرة العرب في مطلع القرن ال18 محمد بن عبد الوهاب 1703 – 1791 متحالفا مع محمد بن سعود الكبير .واذا كان هناك فكر وهابي منغلق ومتزمت ودموى فاننا نستطيع ان نقدم للعالم فكرا دينيا وسطيا
الحاجه الي خطاب جديد
الدين فاعل بقوة ، ويشكل معظم روافد الهوية لدى غالبية المسلمين وقام الكتاب (تطوير الخطاب الديني ) على محورين الاول : نقد الفكر الديني والثاني تطوير الخطاب الديني فاذا كان لابد من الدين فيكن دينا وسطيا متسامحا يقبل الاخر ويؤمن بمنظومة حقوق الانسان ومن هنا ناقش الكتاب المراحل الاربعة التي مرت بها دعوة النبى محمد صلي الله عليه وسلم واختلاف آيات كل مرحلة عن المرحلة الآخرى مما سبب مشكلة لدى السلف عندما تصدوا لوضع الاحكام الشرعية والمراحل هي 1) فترة الاستضعاف فى مكة : وتعبر عنها الآية التالية تعبيرا دقيقا (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الانعام آية 68
2) فترة الهجرة الى المدينة والتأليف بين المسلمين واليهود والنصارى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62
3) فترة التمكين بعد انتصار بدر وفيها العديد من الآيات التي بداية من (واعدوا لهم ما استطعتم من وقوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، ثم (ان الدين عند الله الاسلام)
4) فترة السيادة النهائية بعد فتح مكة وعام الوفود والتي تعبر عنها الآيات الاولى من سورة التوبة حتى الآية رقم 30 (برَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ) (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) وهى المعروفة بآية السيف (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (لاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً) ثم : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
كان الفقهاء يعيشون لحظة الانتصار في امبرطورية عربية كبيرة امتدت من الهند حتى الاندلس ، مما دعاهم الى تثبيت هذه الآيات التي تتوافق مع هذه اللحظة في احكامهم الشرعية فاخترعوا علم الناسخ والمنسوخ لنسخ كل آيات الفترة المكية وآيات دخول المدينة لصالح آيات الانتصار بعد انتصار بدر وفتح مكة ، واخترعوا علم العام والخاص (العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب) وان كان فيه بعض المنطق في ان سبب نزول الآية لا تكون في حادثة معينة ولكنها تكون عامة ، الا انهم مدوا الحبل على استقامته لتكون فعاليات هذه الآيات صالحة لكل زمان ومكان ، وهو ما اصطلح على تسميته فيما بعد (الصلاحية لكل زمان ومكان) وفى النهاية قالوا : ان من ينكر هذه العلوم يعتبر كافر لانه انكر معلوما من الدين بالضرورة ثم وضعوا العديد من القواعد الفقهية وعلى راسها قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المنافع) والتي على اساسها يتم الى الان رفض كل جديد فـ (كل بدعه ضلالة ، وكل ضلالة في النار) على اساس ان اي منتج حضاري يجلب المفسدة . في ظل هذه الاحكام السائدة في هذا الزمان وضع الفقهاء احكامهم الشرعية والتنظيمية فكانوا ابناء عصرهم ولكننا ابناء عصر آخر يعيش من حولنا (وسيصل الينا حتما ورغما عنا) عصر الديمقراطية ومجموعة القيم الليبرالية وحقوق الانسان ، الحكم فيه لصندوق الانتخابات والدستور فيه هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم تتعدد فيه السلطات ما بين تنفيذيه للحكومة والرئيس وتشريعية لمجلس الشعب المنتخب وقضائية لقضاء عادل نزيه يحكم بين الناس بقوانين هدفها النهائي هو تحقيق العدالة بين الناس الدستور في هذا الزمان تحكمه مبادئ عامة مختلفة تماما ، متمثلة في قوة الحق ، قوة القانون ، حقوق المواطنة الكاملة لكل ابناء الوطن دون تفرقة بين لون وجنس وعرق ودين هم رجال ابناء عصرهم وقوانينه الحاكمة (قانون القوة – وحق الاعتداء)
نحن في حاجة إلي فكر جديد وفقه جديد يستوعب الزمن ولا يتصادم مع العالم ومنجزاته مع الحضارة الإنسانية عبر مراحل تطورها. اذن كل هذه القيود التي وضعها الفقهاء مازالت تكبل العقل الاسلامي وتمنعه من التفكير والابداع وتتصادم مع العلم الحديث، والتي انتجت كل التراث الاسلامي الذى يكفر الاخر ويتصادم مع الحضارة ، والذى نراه في داعش واخواتها من الجماعات الجهادية التكفيرية الحل في نظري هو الغاء هذه العلوم التي وضعها بشر في لحظة الانتصار، ليحل بدلا منها ما نسميه جدلية النص مع الواقع