وفاة مارخنا الرابع البطريرك 120 للكنيسة الآشورية بالعراق
الجمعة 27/مارس/2015 - 01:15 م
طباعة
مات صباح أمس الخميس البطريرك مار دخنا الرابع خنينا بطريرك الكنيسة الآشورية ال120 عن عمر يناهز ال80 عاما وقد ولد في قرية دربيدونكه في منطقة حرير قرب اربيل شمال العراق في الخامس عشر من شهر سبتمبر عام 1935 وهو ينتمى لعائلة رسم منها 17 اسقفاً مباركاً لخدمة الكنيسة الآشورية في ما بلاد بين النهرين
وحصل على تعليمه الديني الأساسي تحت إشراف جده (القس بنيامين القس سورو) الذي علمه أسس التنشئة الكهنوتية ومبادئ الحكمة وفي عام 1947 عندما بلغ عمره الثاني عشر أصبح تحت رعاية القديس مار (يوسف خنانيشو) الوكيل البطريركي للعراق وقتها وبعد سنتين من الدراسة الصارمة والمتنوعة وبالتحديد في 12 - 9 - 1949 رسم شماساً في كنيسة (مار يوحنا)
بعد الظروف السياسية الصعبة التي عصفت بايران بعد الحرب العالمية الأولى وما تبعها من أحداث وبسبب استشهاد العديد من كهنة كنيسة المشرق هناك مرت كنيسة المشرق بحالة من التشتت بسبب الظروف المذكورة فكانت هذه الأسباب المؤسفة حاضرة بقوة في أذهان قداسة مار (يوسف خنانيشو) ليختار الشاب (خننيا) لهذه المهمة بتعينه كاهنا لمدينة طهران، حيث رسم بعدها كاهناً لإبرشية إيران في 15 - 8 - 1957 لينتقل إلى خدمة كنيسة مدينة عبادان في إيران في 15 - 9 - 1957 وهناك أقام قداس عيد الميلاد المجيد في 7 - 1 - 1958 لينتقل بعدها إلى خدمة الكنيسة والإبرشية في طهران
في طهران
في طهران عمل بجهد ومثابرة منقطعة النظير فبنى كنيسة مار كيوركيس الشهيد ثم افتتح مدرسة دينية خاصة وعمل على تثقيف الرعية التي التفت بالآلاف من حوله لتدب الحياة الدينية من جديد في هذه الإبرشية، حيث ذاعت صيت قداسته الحدود الإيرانية لتصل أسماع قداسة البطريرك مار (ايشا شمعون) بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وقتها، وأثناء عودته من إبرشية الهند إلى إيران ليلتقي (القس خننيا) الشاب ذو 23 عاماً الذي استلم رعية إيران، والذي برهن على كفاءته وحكمته نضجه وقدرته على تحمل المسؤولية بثقة وأمانة وإخلاص تم اختياره لمنصب اسقف على كل إيران لاحقاً، التي كانت خالية من الدرجة الاسقفية بعد الحرب العالمية الأولى ورسم أسقفا في كنيسة مار كيوركيس الشهيد في طهران على يد قداسة البطريرك مار (ايشا شمعون الثالث والعشرين) وسط فرحة ابرشية إيران لغياب وجود اسقف بها لفترة تصل الى 43 عاماً وفي 17 - 10 - 1976 رسم بطريركاً لكنيسة المشرق الآشورية في غرب لندن في كنيسة القديس برنابا ليصبح قداسته الخليفة ( لقب البطريرك في ايران )120 للكرسي الرسولي المقدس وفي عام 2007 وفي الاحتفال الخاص باليوبيل الذهبي ( الذكرى الخمسين) لكهنوته تم إطلاق اسم قداسته على شارع في شيكاغو وقد منح قداسته درجة دكتوراه فخرية من جامعة شيكاغو عام 2008 لدوره المميز خلال فترة رئاسته على السدة البطريركية لكنيسة المشرق الآشورية ففي فترة رئاسته جعل الوحدة بين كنائس الوطن الأم أول مهامه وباشرت كنيسة المشرق الآشورية على توثيق العلاقات مع مختلف الكنائس حتي رحيله أمس.
كنيسة المشرق الآشورية
هي كنيسة مسيحية شرقية تمركزت تاريخيا في بلاد ما بين النهرين. تعتبر الكنيسة الآشورية امتدادا تاريخيا وعقائديا لكنيسة المشرق التي عرفت خطأ بالنسطورية. ولغتها هي اللغة السريانية بلهجتها الشرقية.
بحسب التاريخ ينسب للقديس بطرس الرسول أحد حواري المسيح نشر المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين وتتلمذ على يده شخصيان آشوريين هما (أدي وماري ) واللذان كانا العمودان الأولان في إنشاء كنيسة المشرق الآشورية في القرن الأول الميلادي في بلاد ما بين النهرين.
تُعد كنيسة المشرق الآشورية الرسولية من الكنائس القديمة بعد القدس وأنطاكية(سوريا )
وتركزت الكنيسة في بادئ الأمر إلى الجنوب من العاصمة الفارسية القديمة، (قسطيفون) في مكان يُدعى بالسريانية كوخي أي الاكواخ. وبقيت كنيسة المشرق الآشورية ثابتة وقوية، تمتد إلى الشرق من اوروشليم حتى تركيا، اورهاى، نصيبين، قيسارية وفي كل الإمبراطورية الفارسية الممتدة آنذاك إلى الهند. وبالرغم اضطهاد الإمبراطورية الرومانية للمسيحية ما قبل عام 313 م حظيت الكنيسة بفترات من التسامح في ارجاء الإمبراطورية البارثية في ظل الملوك البرثنيين.
وقد عاش المسيحيون حتى نهاية القرن الثالث في جماعات يرأسها اساقفة وتربطها العلاقات بأنطاكية. أما بخصوص كنيسة المشرق فسرعان ما اخذ نفوذ أسقف المدائن في الازدياد، حتى اعتبر نفسه المسؤول الأول عن اخوته أساقفة المشرق وتبنى لقب جاثليق ويعنى " العام" أو "الشامل". وقد تبنى زعماء كنيسة المشرق لقب بطريرك الذي هو في الاصل يوناني وكان يمنح لأسقف روما –القسطنطينية –الإسكندرية –أنطاكية وخصوصاً من بعد انعقاد المجمع الخلقدوني سنة 451 م.
في عام 286 م تبنت الإمبراطورية الفارسية الزردشتيه ديناً للدولة فيها. بما أنه تم الاعتراف في عام 313 م بالإيمان المسيحي رسمياً في الإمبراطورية الرومانية التي كانت عدواً للإمبراطورية الفارسية، بدأت موجة اضطهادات سفكت فيها الدماء وراح ضحيتها الكثير من الشهداء، ولاسيما في الفترة الواقعة في 339-379 م تحت حكم الإمبراطور شابور الثاني " فترة الاضطهاد الاربعيني"، الذي خلف وراءه مئات الالاف من الشهداء عرفوا باسم " شهداء المشرق" من بين الشهداء البطريرك مار شمعون برصباغي 320-341 م. لقب بر صباغي ـ اي ابن الصباغين أو من ال صباغ ـ فيقال إنه اطلق على الأسرة لكونهم يقومون بصبغ الحرير والثياب الملوكية"، مات شهيداً على يد الملك الفارسي بعد أن رفض الخضوع للملك وعبادة النار والشمس، عندها بدأ الشعب يلجأ إلى جبال حكاري بتركيا هرباً من الاضطهادات والفناء.
برغم هذه الفترة الصعبة التي مرت فيها كنيسة المشرق لم يتوقف عطاؤها من قديسين وعلماء تركوا أثراً كبيراً في مضمار العلم والآداب والتراتيل ونخص منهم بالذكر البطريرك مار شمعون برصباعي، يعقوب افراهاط الملقب بالحكيم الفارسي، أفرام السرياني الملفان الذي ترك للكنيسة الكثير من المؤلفات والمصنفات الأدبية واللاهوتية.
بعد أن عم السلام وانتهى عصر الاضطهاد الدامي الذي كان يرمي أن يقضي على المسيحية ويفنيها ،بدأت مرحلة جديدة في الكنيسة وهى مرحلة المجادلات اللاهوتية، فقد دار جدال حول الثالوث – سر المسيح الاله المتجسد، حتى أن آريوس قال أن الابن مخلوق وغير مساوٍ للآب، ودار خلاف آخر حول لاهوت الروح القدس. لم تقف الكنيسة مكتوفةِ الأيدي أمام هذه الجدالات والبدع بل دافعت ووضعت قانون الايمان وأعلنت لاهوت الابن بأنه مساوٍ مع الاب في الجوهر في مجمع نيقيه عام 325 م، لاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 م.
في عام 428 م انتخب نسطوريوس بطريركاً على كرسي القسطنطينية وقال إن مريم العذراء ليست أم الله بل ام المسيح لذا فقد وقع خلاف بينه وبين كيرلس بطريرك الإسكندرية. وبعد عام 634 م دخل العرب البلدان والمدن وبدأوا بنشر الإسلام، عندها اتحد الآشوريون المشتتون مع الملوك العرب في المناطق الخاضعين لهم فيها. وقد نَعِمَ مسيحيو المنطقة الشرقية بنوع من الهدوء في ظل الخلافة العباسية، وكان قد أنتقل كرسي البطريركية من ساليق، قسطيفون إلى بغداد. ومن أبرز البطاركة في زمن الخلافة العباسية البطريرك طيمثاوس الذي لقب بجليس الخلفاء على إثر لقائه بالخليفة المهدي في بغداد لمناقشة أمور إيمانية ولاهوتية عديدة. عاش الآشوريون بسلام مع الحكام المسلمين حتى عام 1258 م، عام هجوم المغول على بغداد بقيادة هولاكو. فساد المنطقة جو من الذعر والسلب والنهب والحرق مما اضطر المسؤولين على نقل كرسي البطريركية إلى الجانب الغربي من بغداد العاصمة.
كما عاش المؤمنون في جبال هكياري بجوار الأكراد تحت سلطة الإسلام والأتراك حتى الحرب العالمية الأولى، وكان قد مر ثمانون بطريركاً على رئاسة الطائفة حتى ذلك الحين. من بعد وفاة البطريرك شمعون السابع الذي كان يقيم في دير ربان هرمزد وبالتحديد في عام 1551 م حدث انشقاق في الكنيسة واتحدت مجموعة منهم مع روما بشكل خاص كاحتجاج ضد مبدأ الوراثة المحصور في عائلة واحدة الذي أدخل إلى منصب البطريركية منذ نهاية القرن الخامس عشر وهكذا نشأت الكنيسة الكلدانية.
بالنسبة لكنيسة المشرق في الهند، فقد صارت علاقتها مع البطريركية الشرقية أكثر تفككاً أثناء القرنين العاشر والحادي عشر لأنه كان من الصعب الوصول إلى هناك. في عام 1896 م صار للكنيسة اساقفة محليون من ابنائها وبعد مرور 27 عاما من هذا التاريخ نشأت رئاستهم المنفصلة وقد عرفوا بـ " بكنيسة مالابار السريانية "وعددهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون وفي عام 1993 م صار عندهم رئيس اساقفة على المسيحيين غير الكاثوليك في الهند انقسموا إلى عدة جماعات: "اليعاقبة" كانوا مالاباريين سرياناً حتى عام 1665 م ومع مرور الوقت تبنوا ليتورجيا السريان الغربيين الانطاكيين. اما الذين فصلوا أنفسهم عن اليعاقبة في أوقات مختلفة فهم الانجوريون 1772 م الانجليكان 1864 م المارثوميون 1876 م كل هؤلاء ماعدا الانجيليكان المشمولين مع الكنيسة الهندية الجنوبية يستعملون الصلوات السريانية.
يعيش الآشوريون مبعثرين في أنحاء العالم خصوصاً من بعد المذابح الأخيرة ضدهم والتي جرت في العام 1915 م وراح ضحيتها ما يقارب النصف مليون آشوري والتي اجبرت الآشوريين إلى الابتعاد نحو جبال حكاري. يحاول الآشوريون المحافظة على ايمانهم وثقافتهم ولغتهم تحت رعاية بطريركهم