" التطور السياسي في مصر.. محاولات هدم الدولة المصرية"
الجمعة 13/يونيو/2014 - 10:15 م
طباعة
في مائةٍ وسبعٍ وخمسين صفحًة من القطع الكبير، صدر مؤخرًا كتاب " التطور السياسي في مصر ..محاولات هدم الدولة المصرية، للدكتور "محمد صفي الدين خربوش"، ضمن إصدارات المركز العربي للبحوث والدراسات، والذي يرأسه الكاتب الصحفي عبد الرحيم على، ومدير المركز السيد يسين أستاذ علم الاجتماع
صفي الدين خربوش
يتطرق الكتاب إلى المؤامرات التي أحيكت للشعب المصري ولنظامه السياسي، وتأثير الصراعات الإقليمية والدولية على ما يحدث في مصر، مقدمًا عددًا من المعلومات والأدلة لتوضيح رؤيته لما حدث في المحروسة خلال السنوات الماضية.
استهل خربوش كتابه بالتأكيد على فشل المؤامرات التي أُجريت ضد الجيش المصري، بالرغم من محاولات دول عديدة في إضعاف هذا الجيش، موضحًا بقوله " الخطأ الجسيم الذي وقع فيه من تبنوا هذا المخطط يكمن في أن الجيش المصري الذي تأسس على يد إبراهيم باشا كان – وما يزال – جيشا من أبناء الفلاحين المصريين وليس من الأتراك أو من المماليك، إنه جيش "ابو خليل" أي جيش إبراهيم باشا، هو جيش من الشعب وليس متميزاً عنه ولا يعبِّر عن طبقة اجتماعية ولا عن فئة دينية أو طائفية أو قبلية دون غيرها، إنه جيش كل المصريين من الدلتا والصعيد، من المدن والقرى والبادية، من حاملي درجة الدكتوراه والجامعيين ومتوسطي التعليم والأميين، وحيث تمثل الفئات الوسطى والدنيا أغلبية الشعب المصري، ينعكس ذلك في تشكيل الجيش المصري منذ تأسيسه، حتى بين كبار القادة، وهو الأمر الذي ترسخ بعد ثورة يوليو 1952".
شدد خربوش على أن مصر شهدت خلال الثلاثين عاماً الممتدة من 1981 حتى 2010، عملية تعبئة اجتماعية متسارعة ألقت بظلالها على رؤية المواطنين لأنفسهم وللنظام السياسي وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يجب أن يتمتعوا بها، وتولى مبارك الحكم عام 1981 بعد اغتيال السادات، وكانت الحروب المتكررة التي خاضتها مصر منذ عام 1948 وحتى عام 1973، قد تسببت في تأجيل العديد من التشريعات لاسيما بعد هزيمة يونيه 1967، ولم تكن الآثار الاقتصادية السلبية لهذه الهزيمة، وما أعقبها من توجيه كل الجهود لتحرير سيناء، قد انتهت بعد، إذ لم يكن قد مضى على توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية سوى عامين ونصف العام، ولم تكن إسرائيل قد انسحبت بعد من كامل أراضي سيناء، حيث كان مخططًا أن يتم ذلك في أبريل عام 1982.
ويشير خربوش في كتابه، إلى أن البنية الأساسية في مصر في أوضاع شديدة السوء في النقل والطرق والاتصالات والكهرباء والطاقة، كما كانت البنية الأساسية في مجالي التعليم والصحة دون المستوى، ناهيك عن المياه والصرف الصحي والإسكان ليس في المحافظات فقط، بل لقد كانت القاهرة الكبرى من أكثر المناطق معاناة في هذه المشكلات، ومثلت الديون الخارجية عبئا ثقيلًا على الموازنة المصرية، وتزامن هذا مع الزيادة المضطردة في معدلات النمو السكاني الأمر الذي يعني مزيداً من الضغط على البنى الأساسية وعلى الخدمات.
وحول عملية التحول الديمقراطي، عرفها خربوش بأنها الانتقال من نظم سلطوية إلى نظم ديمقراطية، ويجمع المتخصصون في دراسات التحول الديمقراطي على إتمام هذه العملية بكونها تستغرق بعض الوقت، وبأنها تشهد جدلًا بين الساعين إلى الإسراع بعملية التحول الديمقراطي، وأولئك المطالبين بإبطاء وتيرة التحول، بغض النظر عن العوامل التي تستتر خلف وجهات نظر كل من الفريقين.
وتطرق خربوش في كتابه إلى انتخابات مجلس الشعب عام 2010 ، واعتبرها تمثل أكثر تحد لعملية التحول الديمقراطي منذ بدايتها عم 1976، وأعرب بقوله " كادت تختفي المعارضة من المجلس الجديد بعد أن كانت تحظى بربع مقاعد البرلمان في المجلس السابق (2005- 2010)، ولا يوجد تفسير منطقي لهذا الحرص على احتكار مقاعد البرلمان بهذه الصورة، والحرص على منع معظم نواب المعارضة من جميع القيادات من الفوز بمقاعد في البرلمان.
إن الخطأ الجسيم عند السير في طريق التحول الديمقراطي يكمن في التراجع في منتصف الطريق، وقد حدث هذا بوضوح في الحالة المصرية عام 2010، حيث كان من المتوقع أن ترتفع نسبة تمثيل المعارضة في المجلس الجديد، والذي أصبح من سلطاته – وفقاً للتعديلات الدستورية عام 2007 – منح الثقة للحكومة.
ثمة عدة تفسيرات لهذا التحول المفاجئ في النظرة إلى المعارضة على اختلاف توجهاتها، أما التفسير الأول فيرجع ذلك إلى إلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي أتاح للجهة الإدارية المشرفة على الانتخابات التدخل لصالح مرشحين محددين وضد مرشحين بعينهم، مثلما كان يحدث في انتخابات سابقة شهدتها مصر قبل ثورة يوليو وبعدها.
الحزب الوطني
وحول إعادة تطوير الحزب الوطني أشار خربوش بقوله "لقد بدا في المراحل الأولى أن الحزب يقوم بعملية تطوير شاملة تجعله يتسم بسمات الأحزاب السياسية من حيث وجود مبادئ أساسية أو إطار فكري للحزب، وبنية تنظيمية قوية، وسياسات عامة في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد وغيرها، بحيث تسعى حكومة الحزب إلى تطبيقها حال فوزه بالأغلبية وتشكيل الحكومة، وتم عقد ما سمي بالمؤتمر العام الثامن للحزب الوطني الديمقراطي عام 2002، حيث تم إعادة انتخاب الرئيس مبارك رئيسًا للحزب، وتم انتخاب أمانة عامة جديدة، وصدرت مبادئ أساسية جديدة ونظام أساسي جديد، إلا أن الزخم الذي أحاط بالمؤتمر العام الثامن قد بدأ يتلاشى تدريجيًا مع انعقاد مؤتمرات سنوية للحزب خلال الفترة 2003 – 2006، ثم مع المؤتمر العام التاسع عام 207، ثم المؤتمرات السنوية خلال أعوام 2008 - 2010.
ألمح إلى أن الحزب الوطني لم يتمكن الحزب من فك ارتباطه بالحكومة ومن التخلص من إرث التنظيمات التي أنشأتها ثورة يوليو، فقد ظل رئيس الجمهورية رئيساً للحزب، ولم يستطع الحزب أن يكون له دور في تشكيل الحكومة. بل أن بعضاً ممن تولوا مناصب في حكومة الحزب عام 2004، ثم في تعديلها عام 2005، لم يكونوا من أعضاء الحزب عند اختيارهم لمناصب وزارية، ومن ناحية أخرى، شهد هذا التطوير صراعاً مستتراً بين جيلين أطلق عليهما "الحرس القديم" الذي كان يمثله يوسف والي وكمال الشاذلي وصفوت الشريف – الأمين العام والأمينين المساعدين حتى عام 2002، و"الحرس الجديد" بزعامة جمال مبارك، والذي كان يضم أحمد عز وحسام بدراوي ويوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد وأنس الفقي، وإن كان الثلاثة الأخيرون قد شغلوا مناصب وزارية، وانضموا غلى الأمانة العامة للحزب بعد أن اصبحوا وزراء.
و تم التخلص من يوسف والي في الأمانة العامة للحزب عام 2002 ، وشغل صفوت الشريف منصب الأمين العام، ودخل الأمانة العامة للمرة الأولى أحمد عز أميناً للعضوية وحسام بدراوي أميناً لقطاع الأعمال، ثم تم إقصاء كمال الشاذلي من منصبه كأمين عام مساعد وأمين للتنظيم عام 2007، ليخلفه في منصب أمين التنظيم أحمد عز، وقد كانت هذه الخطوة إيذاناً بسيطرة الجناح الجديد على موقع أمين التنظيم، وهو من أخطر المواقع الحزبية، وتزامن مع هذه التغيرات فقدان صفوت الشريف موقعه الوزاري كوزير للإعلام، حيث غادره إلى رئاسة مجلس الشورى، كما سبقه يوسف والي في فقد منصبه الوزاري كنائب لرئيس الوزراء ووزير للزراعة، ولحق به كمال الشاذلي الذي فقد موقعه الوزاري كوزير لشئون مجلسي الشعب والشورى. ومن ثم، فقد تمكن الحرس الجديد من السيطرة على المواقع الرئيسية في الحزب، كما تمكن من السيطرة على المناصب الوزارية الرئيسية من خلال الوزارة التي تشكلت عام 2004 ثم الوزارة التي تشكلت عام 2005، حيث شغل عدد من المقربين من هذه المجموعة مناصب وزارية خدمية واقتصادية مؤثرة مثل المالية والإعلام والتعليم والتعليم العالي والصحة والنقل والصناعة والتجارة والزراعة، وقد تم ضم بعضهم إلى الأمانة العامة للحزب، أو لهيئة مكتب أمانة السياسات التي يرأسها جمال مبارك، حتى حسم الصراع بين التيارين 2007، بسيطرة أحمد عز على أمانة التنظيم المحورية، والتي سمحت له بتغيير أمناء المحافظات والمراكز والأقسام، وإطاحة جميع الأمناء المحسوبين على التيار القديم، ولا سيما أمين التنظيم السابق ورجل الحزب القوي كمال الشاذلي. وجاء عام 2008، حيث تمكن أمين التنظيم الجديد من فرض سيطرته على جميع التشكيلات الحزبية في المحافظات، وعلى نواب الحزب في مجلسي الشعب والشورى، وعلى الرغم من وجود نظام اساسي للحزب ومكتب سياسي وأمانة عامة وهيئة مكتب للأمانة العامة، نجح أحمد عز في فرض مرشحين لمجلسي الشعب والشورى عام 2010، الأمر الي تسبَّب في معارضة قوية داخل الحزب في المحافظات نهاية عام 2010.
لم تكن سيطرة الحرس الجديد تعني فقط سيطرة جيل أحدث عمراً، بل كانت تعني سيطرة اليمين "المتطرف" بالمعايير المصرية على مقدرات حزب الأغلبية، وانعكاس ذلك على السياسات الحكومية في مجال الاقتصاد والخدمات، كان الحرس الجديد يتكون بالأساس من مجموعات رجال الأعمال المنحازين تماماً للقطاع الخاص وتقليص دور الدولة في مجال تقديم الخدمات.
أوضح خربوش بقوله "على الرغم من الانتقادات التي كانت توجه دائماً لممثلي الحرس القديم، فقد كانوا أكثر قرباً من المواطن العادي، وأشد حرصاً على تبني سياسات اجتماعية تراعي أصحبا الدخل المحدود، بينما تبنى ممثلو التيار الجديد سياسات اقتصادية شديدة الليبرالية، وسياسات غير ليبرالية على صعيد التحول نحو الديمقراطية يتشابه – إن لم يفق – السياسات التي تبناها الحرس القديم خلال الفترات السابقة، لقد كان مبارك قادراً على الحد من تطرف السياسات الاقتصادية للحرس الجديد، وكان الحرس القديم يعتمد على مبارك في مواجهة تصاعد نفوذ الحرس الجديد وسيطرته على السياسات الحكومية وعلى إقرار التشريعات داخل البرلمان. وحقق الحرس الجديد انتصارات متلاحقة بدءاً من عام 2007 تمثلت في إقصاء ممثلي الحرس القديم من الحكومة، والسيطرة على الحزب في المحافظات والمراكز والأقسام والوحدات الحزبية، والسيطرة على ممثلي الحزب في البرلمان، ولم يعد الحرس القديم قادراً على مواجهة اندفاع الحزب والحكومة نحو ال يمين، ولم يعد مبارك راغبًا في إيقاف هذا الزحف نحو اليمين، أو على الأقل لم يعد مهتماً بذلك، وبذا، فقد الحرس القديم أم اسلحته. وتمكن الحرس الجديد من فرض مرشحيه في انتخابات مجلسي الشعب والشورى عام 2010، والتي كانت إيذاناً بسيطرة التيار اليميني على تصورات الحزب تماماً، ومن ثم، كان الحزب الوطني الديمقراطي قد تحول عشية أحداث يناير 2011، إلى حزب غير شعبي فقد قواعده الشعبية في الريف تدريجياً بسبب السياسات اليمينية للحزب وحكومته، وبسبب استبعاد أبناء العائلات التقليدية من أمانات الحزب في المحافظات، ومن انتخابات الشعب والشورى، وإقصاء الزعامات التقليدية للحزب التي جاهرت بالعداء لأمين التنظيم الذي كان يمثل راس الحربة في السياسات اليمينية.
اعتبر خربوش أن نخبة رجال الأعمال كانت تتسلل بثبات إلى الحزب الوطني وتنعطف به بقوة نحو اليمين، ونجحت في السير بالاتجاهات الحكومية في نفس الاتجاه، وحيث تسبب ذلك في فقدان الحزب لمؤيديه التقليديين في الدلتا والصعيد، كان المناخ مهيأ مطلع عام 2011، لا سيما بعد انتخابات الشعب والشورى عام 2010، للقوى المعارضة في الانقضاض على النظام، دون أن يجد الأخير أنصارًا يدافعون عنه، حيث انصرف معظمهم عن تأييده بسبب سياسات ما يسمى بالحرس الجيد، ولهذا السبب، كان الإعلان عن قبول استقالة أمين التنظيم أحمد عز أو قرار تم اتخاذه داخل الحزب بعد اندلاع تظاهرات 28 يناير.
مصر وأمريكا
وحول العلاقات الاستراتيجية بين مصر وأمريكا، ألمح خربوش إلى أنها مرت خلال فترة جورج بوش الابن (2001-2008) بأزمات متلاحقة تشابهت مع فترة رئاسة الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريجان (1981-1988) ويرى كثير من المحللين أن سياسات جورج بوش الابن استلهمت إلى حد كبير نظيراتها لدى ريجان، وإن بصورة أكثر استعلاء وتعصبا. ومن اللافت للنظر أن بوش الابن قد استعان بوزير الدفاع مع ريجان دونالد رامسفيلد في نفس المنصب، وبوزير الدفاع في عهد بوش الاب ديك تشيني نائبا لرئيس الجمهورية. إلى جانب من عرفوا بتيار المحافظين الجدد في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية.
وبالرغم من السياسات الأمريكية المتصلبة، فإن إدارة بوش الابن لم تتمكن من إجبار مصر على التوافق التام معها على القاعدة التي سنها الرئيس الأمريكي "من ليس معنا فهو علينا"، فأصبحت مصر في الطرف الآخر وفقاً لرؤية بوش الابن وإدارته، ويفسر هذا الاستقبال الأمريكي الفاتر لمبارك في واشنطن في آخر زياراته لها في ظل رئاسة بوش الابن، حيث لم يكرر مبارك هذه الزيارة حتى انتهت فترة رئاسته.
تزامن هذا الفتور – وربما التوتر – في العلاقات المصرية – الأمريكية مع ازدياد قوة التحالف الأمريكي مع عدد من دول المنطقة لا سيما تركيا. والتي وجدت فيها الولايات المتحدة غايتها كقوة إقليمية من داخل المنطقة يمكنها الاضطلاع بالدور الذي يتسق مع المصالح الأمريكية، وكانت خلاصة رئاسة بوش الابن في المنطقة هي الفشل في إقامة تحالف عريض من القوى الرئيسية في المنطقة (مصر – السعودية – العراق- سورية) يقف في مواجهة "الإرهاب"، كما فشلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور (1953-1960) في إقناع الدول العربية بتكوين أحلاف عسكرية مع الغرب لمواجهة الكتلة السوفيتية، ومن المثير للدهشة أن بغداد كانت مقراً للحلف الذي أبرم عام 1955، وقادت العراق آنذاك المعسكر العربي المتسق مع الخطة الأمريكية. وفي عام 2003، احتلت القوات الأمريكية العراق لتكون – من وجهة نظرها – رأس الحربة في التحالف الجديد وقاعدة الانطلاق الأمريكي في المنطقة.
بيد أن إدارة بوش الابن قد تركت لإدارة أوباما جذوراً في المنطقة تمثلت في فكرة أو أفكار الشرق الأوسط المعدل أو الكبير التي لم يكتب لها النجاح، وفكرة الفوضى الخلاقة التي من شأنها تمهيد السبيل أمام شرق أوسط معدل وفقاً للمقاييس الأمريكية.
وبينما كان جورج بوش الابن يستخدم لغة استعلائية متعصبة ويحيط نفسه بزمرة من المتشددين من اليمين المحافظ، جاء أوباما محملاً بجذوره الافريقية والاسلامية كأول رئيس ملون في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. واستخدم أوباما لغة ملائمة وأحاط نفسه بوجوه مختلفة عن الوجوه التي احاطت سلفه، ووجه رسائل إلى العالمين العربي والاسلامي وزار تركيا والتقى شبابا هناك ثم جاء إلى القاهرة لإلقاء خطاب تفصيلي للعالم الإسلامي، وقد تبارى المعلقون في انتظار خطاب أوباما وكانه خطاب المهدي المنتظر، وشن معارضو النظام المصري هجوماً ضارياً عليه عندما زار أوباما تركيا، واعتبروا أن ذلك يعني اختيار تركيا لتكون قاعدة انطلاقه للعالم الإسلامي، ثم فوجئوا باختيار القاهرة لإلقاء الخطاب المنتظر.
وحول زيارة أوباما إلى القاهرة ، اكد خربوش انه تم التعامل مع زيارة أوباما وإلقائه الخطاب من جامعة القاهرة بحفاوة مبالغ فيها من قبل كل من الحكومة والمعارضة، وتدخلت السفارة الأمريكية في اختيار نوعية الحضور وأسماء بعض الحاضرين، وقاطعه بعض الشباب بعبارات الثناء، وكما هي العادة لدى أوباما منذ حملته الانتخابية، جاء خطابه بلاغيا يثير الاعجاب، دون أن يعني سياسات ملموسة على ارض الواقع. ومن الواضع أن خطاب أوباما وزيارته القاهرة كانت تعني تدشين مرحلة جديدة من مراحل الفوضى الخلاقة باستخدام لغة تصالحية ومهارة خطابية. ولعلها كانت تعني فشل سياسة بوش الابن الاستعلائية في أن تجد لها أرضاً خصبة في هذه المنطقة.
اعتبر أن اصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة – وفي مقدمتها مصر- من الإعلاميين والسياسيين ومسئولي منظمات المجتمع المدني في موقف الضعف إبان فترة رئاسة بوش الابن، وإن كان بعضهم لم يستطع أن يخفي فرحه الشديد بالاحتلال الأمريكي للعراق. وجاء وصول أوباما إلى السلطة طوق نجاة لهؤلاء، حيث ركزوا على جذوره الإفريقية والإسلامية، وانفتاحه على العالمين العربي والإسلامي، واستخدامه لغة تصالحية، وقد حظي خطاب أوباما في القاهرة بحفاوة بالغة من قبل هؤلاء المرتبطة مصالحهم بالمصالح الأمريكية، والذين كان بوش الابن وإدارته عقبة أمامهم، وبينما كان أوباما يستخدم قدراته الخطابية في جامعة القاهرة، كانت خطى "الفوضى الخلاقة" والشرق الأوسط المعدَّل تسير بخطى حثيثة، وربما بوتيرة اسرع مما كانت عليه إبان حقبة بوش الابن، وظلت مصر دائماً هي الهدف الأهم والجائزة الكبرى. إنها حقائق التاريخ والجغرافيا والسكان، إنها – كما يقول جمال حدمان – عبقرية المكان. وكما سعى الفرس والرومان والفرنسيون والبريطانيون، يسعى الأمريكيون منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي إلى السيطرة على الجائزة الكبرى وقطف هذه الثمرة الناضجة.
المؤامرة
وفى كتابه ألمح خربوش إلى أن عددًا من الأطراف الإقليمية قاموا بأدوار مؤثرة في المؤامرة على هدم الدولة المصرية مستغلين رفض عدد من القوى والفئات الاجتماعية المصرية للسياسات المتبعة من قبل النظام المصري قبل يناير 2011، وتشير معظم الدراسات إلى وجود عدد من القوى الإقليمية غير العربية ذات تأثير على النظام العربي، وإن تفاوتت درجة التأثير من قوة إلى أخرى، ومن فترة إلى أخرى، ويكاد يجمع دارسو النظام الإقليمي العربي على كل من اسرائيل وتركيا وإيران باعتبارها القوى الإقليمية أو دول الجوار الأكثر تأثيراً على النظام الإقليمي العربي، أو الأمن القومي العربي، أو السياسات العربية، ولا شك أن كلًا من هذه الدول الثلاثة تعتبر وجود دولة عربية قوية تهديداً لأمنها القومي، ومعرقلاً لتحقيق أهدافها في المنطقة، وعقبة أمام تعظيم مصالحها القومية وسعيها للهيمنة أو توسيع دائرة نفوذها في المنطقة العربية بأكملها أو في جزء من هذه المنطقة، وكانت مصر دائماً بمفردها – أو بالتنسيق مع قوى عربية أخرى – قادرة على أن تمثل هذه القوة العربية القادرة على عرقلة الطموحات القومية لكل من إيران في حقبة الشاه وبعد القضاء عليه، ولتركيا قبل العدالة والتنمية وبعدها، ولإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 وحتى الآن.
أشار بقوله " ليس من قبيل المبالغة القول بأن مؤامرة إشعال مصر قد بدأت قبل الإعلان عن الفوضى الخلاقة رسمياً، وقد شاركت أطراف وقوى محلية وإقليمية ودولية في هذه المؤامرة أو المخطط. ومن المؤكد أن بعضها كان يدرك باليقين إنه طرف أصيل في هذه المؤامرة، بينما كان آخرون يشاركون دون أن يكونوا على دراية بأنهم جزء من مؤامرة تم تدبيرها بإحكام شديد، وكأن بعض هؤلاء كانوا يعزفون على آلاتهم الموسيقية منفردين دون أن يروا عصا المايسترو على بعد آلاف الأميال، أو يعلموا أنهم يشاركون في عزف لحن تشارك فيه أطراف عديدة.
إرهاصات يناير
ألمح خربوش إلى أن الفترة السابقة على يناير 2011 شهدت موجة من عودة عدد من المصريين المقيمين بالخارج – بالعواصم الغربية ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية – إلى جانب عدد من الذين استقروا منذ فترة ليست بالقصير في بعض دول المنطقة۔ عاد هؤلاء جميعاً إلى مصر وفتحت أمامهم أبواب القنوات الفضائية على مصاريعها، كي يقوموا بأدوارهم المخططة جيداً في تأجيج الأحداث وإشعال المحروسة، وكان معظم هؤلاء قد تركوا الوطن باختيارهم – في صورة هجرة دائمة أو مؤقتة – وحصل معظمهم على جنسيات دول أخرى، وتزوج بعضهم من أجنبيات، واضطر بعض هؤلاء للموافقة على جنسيته المصرية كي يحصل على جنسية الدولة التي أقام بها أو تزوج منها، إذا كان هذا شرطا لاكتساب جنسية الدول الأخرى۔ ولا جدال في حق أي من المصريين في أن يتزوج من يشاء، وفي أن يحصل على جنسية أخرى، وفي أن يهاجر هجرة دائمة أو مؤقتة، وفي أن يتنازل عن جنسيته المصرية۔
الفوضى المستمرة
شدد خربوش على أن المؤامرة على الدولة المصرية لم تتوقف بعد تخلى مبارك عن السلطة، فقد اكتشفت الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المتآمرة عدم تحقيق المؤامرة لأهدافها، وكانت هذه الأطراف قد نجحت من خلال ما يسمى بموقعة الجمل في إجهاض المصالحة التي لاحت في الأفق بعد خطاب مبارك الثاني خشية عدم استكمال خطة إسقاط الدولة المصرية۔
لقد استمر مخطط الفوضى الخلاَّفة بعد تخلى مبارك عن السلطة من خلال نفس الأدوات التي استخدمت من قبل خلال الفترة التي سبقت عام 2011 لاسيما القنوات الفضائية ومنظمات المجتمع المدني والقوى والهيئات الإقليمية والدولية، فمن ناحية، استمرت محاولات إضعاف الشرطة المصرية ومنعها من الاضطلاع بدورها المنوط بها في جميع دول العالم المتقدم وغير المتقدم، كما تكررت محاولات اقتحام أقسام الشرطة والسجون وقطع الطرق ومهاجمة المواطنين والممتلكات الخاصة، والبنوك وشركات الصرافة، إلى جانب تهريب الكثير من أنواع الأسلحة التي لا تستخدم إلا في الحروب مثل المدافع المضادة للطائرات، ومن الناحية الثانية، انتشرت بصورة لا يمكن التعامل معها الاحتجاجات العمالية والفئوية، وتراوحت من عمال شركات قطاع الأعمال العام والخاص إلى أساتذة الجامعات مروراً بالمعلمين والعاملين المؤقتين وأمناء الشرطة المفصولين والمسعفين وغيرهم۔
ومن الناحية الثالثة، استمرت محاولات الاعتداء على اللاعبين والحكام واقتحام الملاعب بعد انتهاء المباريات أو أثناء إقامتها۔ وبلغت ذروة المأساة في مذبحة استاد بورسعيد عقب مباراة الأهلي والمصري والتي راح ضحيتها أكثر من سبعين مواطنا، ومن الناحية الرابعة، استمرت محاولات القضاء على أي مورد من موارد جنسيات مختلفة في شرم الشيخ وغيرها، وإغلاق هويس إسنا في دروة الموسم السياحي للأقصر وأسوان في شتاء عام 2012 للقضاء على ما تبقى من مورد للعاملين في هذا المجال، ومن الناحية الخامسة، تكررت محاولات الصدام مع القوات المسلحة خلال الأعياد الوطنية مثل ذكرى 23 يوليو أو السادس من أكتوبر، والهجوم المستمر على المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقيادات الجيش، وتسيير تظاهرات ومسيرات مناهضة للقوات المسلحة نحو وزارة الدفاع أو قيادات المناطق العسكرية، والدعوة لاقتحام هذه المناطق، ومن الناحية السادسة، تم إطلاق قنوات فضائية جديدة تخصصت في شن حملات منظمة على أركان الدولة المصرية (الجيش – الشرطة – القضاء – الجهات الرقابية – الجهاز الإداري – المؤسسات التعليمية)۔ ورُصدت لهذه القنوات ميزانيات شديدة الضخامة تُثير العديد من التساؤلات حول مصادر تمويلها في فترة تراجعت خلالها معدلات الأداء الاقتصادي، الأمر الذي انعكس في تراجع الحصيلة المتوقعة من الإعلانات۔ وتبارت هذه القنوات الجديدة مع القنوات القديمة فى إغداق الأموال على مقدمي البرامج وضيوفهم، والتعاقد مع أعداد جديدة من مقدمي البرامج نظير مبالغة طائلة، ومن الناحية السابعة، استمرت محاولات عرقلة مرافق الدولة ومنعها من العمل مثل الإصرار على مهاجمة واقتحام وزارة الداخلية ومجلس الشعب ومجلس الشورى ومجلس الوزراء، وبلغ الأمر ذروته في منع رئيس الوزراء من ممارسة عمله من مكتبه لعدة أسابيع، والسعي لمنع انعقاد جلسات مجلس الشعب المنتخب،ومن الناحية الثامنة، استمر التشكيك والرفض لأي محاولات لاستكمال نقل السلطات التشريعية والتنفيذية إلى الهيئات المنتخبة۔ فقد تشكك الكثيرون في إمكانية إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ثم حاول البعض منع انعقاد جلسات مجلس الشعب بعد انتخابه، وشكك هؤلاء أيضا في إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية وطالبوا بتبكير موعد إجرائها۔ وعندما تم تحديد موعد نهائي لاستكمال تسليم السلطة التنفيذية إلى الرئيس المنتخب قبل 30 يونيه 2012، استمرت محاولات منع إجراء هذه الانتخابات من خلال الدعوات لحشد "مليونيات" كل فترة لرفض أو الاعتراض على أي قرار، وتم استخدام شعار «تسليم السلطة» غطاءً لمعظم هذه الدعوات، ومن الناحية التاسعة، تراجعت موارد الدولة بصورة خطيرة، فانخفضت قيمة العملة المصرية، وانخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي بدرجة تنذر بالخطر، وتم افتعال أزمات في عدد من السلع الأساسية، وتزايد العجز في الموازنة العامة للدولة، وانخفض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، وتكبدت البورصة المصرية خسائر فادحة طالت صغار المستثمرين، وتراجعت معظم الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية عن تقديم المنح والقروض التي وعدت بها، وعادت نسبة كبيرة من العمالة المصرية في ليبيا لتنضم إلى قوائم المتعطلين عن العمل والراغبين في إتاحة فرص عمل بديلة، ومن الناحية العاشرة، شُغلت معظم الأحزاب والقوى السياسية بمصالحها الضيقة قصيرة الأمد، وبالتكالب على الحصول على أكبر قدر من الإرث السياسي، دونما نظر إلى ازدياد ردى الأوضاع الاقتصادية، وأهمية التركيز على بذل الجهد لوقف التدهور الاقتصادي الضروري لإقامة نظام ديمقراطي يتمتع بالاستقرار، ومن الناحية الحادية عشر، تكررت محاولات إشغال الفتن الطائفية من خلال إحراق بعض الكنائس أو خطف أو اختفاء فتيات مثل أحداث كنائس إمبابة وإطفيح، وحظيت هذه الأحداث بتغطية إعلامية مكثفة واحتفت بها القنوات الفضائية الأمر الذى ازداد من درجة اشتعالها، ومن الناحية الثانية عشرة، استمرت محاولات نشر الفوضى من خلال الدعوات للاعتصام والإضراب والعصيان المدني والتي خلَّفت ضحايا أبرياء ليسوا من دبروا لهذه الأحداث مثل أحداث مسرح البالون وماسبيرو والسفارتين الإسرائيلية والسعودية ووزراء الدفاع۔ وعندما يسقط ضحايا، يوجه الاتهام إلى الشرطة، أو إلى القوات المسلحة أو إلى كليهما عندما يتم التدخل لحماية المنشآت العامة أو سفارات الدول الأجنبية، أو يتم الاتهام بالتقصير عندما تستخدم أكبر قدر من ضبط النفس خشية اتهامها بقتل "الثوار"۔
الخلاصة
اختتم خربوش كتابه مؤكدًا على أن مسلسل الفوضى المستمرة دام لأكثر من عام، فقد تخلى مبارك عن السلطة، وأجريت انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وحددت إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية بحيث يتم تسليم السلطة قبل يوم 30 يونيه 2012، لكن شيئاً لم يتغير۔ بل أصبحت الفوضى وعدم الاستقرار هدفاً في حد ذاته، وأصبح الاعتراض العنيف ومهاجمة المنشآت العامة سلوكاً معتاداً، وبلغت الفوضى ذروتها في رفع لافتات لا تتحدث عن سقوط المجلس العسكري، بل عن سقوط "الرئيس القادم"، إنها المأساة في أبشع صورها، كما استمرت الأطراف الإقليمية والدولية التي اضطلعت بأدوار هامة في تأجيج الأوضاع قبل 25 يناير وحتى 11 فبراير في نفس النهج وكأن شيئا لم يحدث، واستمر الحديث عن حق التظاهر السلمي، بالرغم من أنه لم يعد سلمياً۔ وتم التركيز على ضرورة الانتقال إلى نظام ديمقراطي وتسليم السلطة لهيئات منتخبة، في حين كانت الكثير من القوى التي تطالب ذلك تسعى لإعاقة هذا الانتقال كي تستمر الفوضى لحين إسقاط الدولة المصرية، الهدف الرئيسي للمؤامرة۔