"مسجد في ألمانيا" النازيون والاستخبارات وصعود الإسلام السياسي في الغرب
السبت 21/يونيو/2014 - 12:08 م
طباعة
اسم الكتاب: مسجد في ألمانيا النازيون والاستخبارات وصعود الإسلام السياسي في الغرب
المؤلف: دكتور شتيفان ماينينج
دار النشر: س. هـ. بيك للنشر
سنة النشر: 2011
يكشف شتيفان ماينينج النقاب عن كيفية تكوّن أول خلية للإسلام السياسي في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، تحديدا في مدينة ميونيخ الألمانية على يد جماعات إخوة السلاح القدامى بين المسلمين المعادين للسوفيت من جهة والنازيين من جهة أخرى، وحتى اليوم تتجمع خيوط المسلمين السياسيين لتؤدي إلى مسجد بمدينة ميونيخ.. إنه بحث يجعلك تحبس أنفاسك من شدة إثارته. وقصة لا تصدق: النازيون البيروقراطيون المتقاعدون، ونشطاء مستبعدون، وعاملون بجهاز المخابرات، ومشاركون آخرون في الحرب الباردة، كلهم قدموا الدعم لخلية الإسلام السياسي في ألمانيا الغربية في الخمسينيات. كما أن المسلمين الذين خدموا في قوات الدفاع الألمانية وفي الوحدات الوقائية في الحرب العالمية الثانية ضد الاتحاد السوفيتي- أصبحوا هم المتسببين في إحداث اضطرابات بالجمهوريات السوفيتية الإسلامية. ولكن المسلمين في ميونيخ لم يكن اهتمامهم منصبا على الحرب الباردة، إلا أنهم أصبحوا من أهم أذرع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الغرب وأذرع عصب النظام لشبكة عالمية.
وعلى مدى عقود ظل العديد من الأشخاص المنتمين لهذه الشبكة مشتبها فيهم بداعي الإرهاب بصفة دائمة حتى هجمات الحادي عشر من شهر سبتمبر؛ لذا يعلم الجميع في العالم الإسلامي منذ قديم الزمان الأهمية الكبرى لهذا المسجد الكائن في مدينة ميونيخ.
"يقدم شتيفان ماينينج في هذا الكتاب تاريخ الإسلام السياسي المثير للجدل بشكل كبير في غرب أوروبا، حيث يلعب أحد المساجد المشهورة الكائن على مشارف مدينة ميونيخ الدور الرئيسي في هذه القصة: "المركز الإسلامي" بمدينة ميونيخ، له جذوره في معركة النازيين الألمان مع روسيا، حيث تم تجنيد المسلمين في جبال القوقاز على وجه التحديد للقتال ضد الجيش الأحمر وإحضارهم إلى ألمانيا. فقد كانت مدينة ميونيخ بعد الحرب معقل المسلمين من هذه المناطق، الذين عملوا بعد ذلك مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمخابرات وقد أوضح الكاتب ماينينج كيفية انسحاب المخابرات الألمانية تدريجيا من هذا الشأن: مما أدى إلى تطرف المسلمين في ميونيخ متأثرين بجماعة الإخوان المسلمين في مصر. وقد تردد وجود علاقة غير مباشرة بين هذه الجماعة وبين تنظيم القاعدة- على سبيل المثال على خلفية الهجمة الأولى على برج التجارة العالمي بمدينة نيويورك- ولكن أحدا لم يتمكن من إثبات ذلك. ولا يتمتع كتاب ماينينج بخلفية تتصف بأنها تحض على صدام الحضارات، بل على العكس فهو يعرض ضعف العلاقة بين الدين الإسلامي والإسلام السياسي، ويوضح أن للغرب دورًا كبيرًا في نشأة الإسلام السياسي في أوروبا" (رونالد دوكر).
هل بدأ صعود الإسلام السياسي في الغرب من مدينة ميونيخ؟
"كتب ماينينج كتابًا يشبه بالدرجة الأولى في فصوله الأولى قصص التجسس المثيرة. يرسم ماينينج خطًا يبدأ بالحقبة النازية ويعرِّج على الحرب الباردة والصراع حول أفغانستان ويصل إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001" (كلاوديا مند).
يستند الكاتب في الأساس إلى أبحاثه التي أجراها قبل فيلمه الوثائقي الذي جرى بثه على القناة الألمانية الأولى في عام 2006. ويشرح في هذا الفيلم صعود الإسلام السياسي في الغرب. تخضع الساحة الإسلامية للمراقبة الشديدة منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، غير أنها استطاعت قبل ذلك أن تنتشر بدون عوائق، بل إن أجهزة الاستخبارات قد قامت برعايتها بشكلٍ مباشرٍ.. لم يهتم أحد بأهدافها لفترة طويلة من الزمن. وكان مطلوبًا استخدامها لأغراض آخرين استخفّوا بها كما يبدو بوضوح.
تعود بدايات الإسلام السياسي في أوروبا إلى فترات بعيدةٍ في الماضي، وتعتبرُ إعادة تبيان هذه الجذور من خلال بحوثٍ واسعةٍ النطاق أجراها المؤلف من أهم إنجازاته. اعتمد هتلر آنذاك على مسلمي الاتحاد السوفيتي وبخاصةٍ مسلمي منطقة القوقاز الذين حاربوا على الجانب الألماني ضد الروس ضمن ما يسمى بكتائب المتطوعين. ولم تكن دوافعهم ذات طبيعة أيديولوجية بل قومية. فدعموا الحرب الألمانية ضد عدوهم اللدود ستالين تحت شعار "عدو عدوي صديقي" على أمل الحصول على الاستقلال الوطني. واستخدم النازيون الإسلام كسلاحٍ دعائيٍ استخدمته إدارة الحرب الألمانية في المقام الأول في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، لكنه سلاحٌ منسيٌّ اليوم إلى حدٍّ بعيد. وتمتْ إعادة المقاتلين المسلمين إلى وطنهم في الاتحاد السوفيتي بعد عام 1945، ما كان يعني موتهم المحتم. ومن كان محظوظا منهم، سُمِح له بالاستقرار في ألمانيا.
تأسست الجمعية الإسلامية الأولى بمساعدة النازيين
كان المسلمون الأوائل في ميونيخ ممثلين قياديين في هذه الحركة التطوعية. نازيون مثل المختص بالثقافة التركية جيرهارد فون منده، الذي نسّق كتائب المتطوعين المسلمين في حقبة الرايخ الثالث لعبوا دورا حاسما بعد عام 1945 أيضًا، حيث أرادوا الاستمرار بالاستفادة من السياسيين المنفيين من الاتحاد السوفيتي لخدمة المصالح الألمانية، وسعوا على وجه الخصوص منعهم من العمل لصالح الأمريكيين. وكانت وظيفة الإسلام بمثابة وسيلة لتحقيق غاية نشر الاضطرابات في الاتحاد السوفيتي. والجلي أن الشبكات والروابط القديمة ظلت فاعلة بعد عام 1945 بلا انقطاعٍ نسبيًا.
أسس متطوعون سابقون في الجيش الألماني والوحدة الوقائية (إس إس) وحركة التطوع السياسية جمعية "الجماعة الدينية الإسلامية" في ميونيخ عام 1953، وكانت بذلك أول جمعية إسلامية ألمانية، وقد انبثق عنها "التجمع الإسلامي في ألمانيا" (IGD) في وقتٍ لاحقٍ. أصبحت مدينة ميونيخ خط مواجهةٍ في الحرب الباردة. وسرعان ما فقد جناح اللاجئين السوفيت نفوذه لصالح طلابٍ عرب، استطاعوا في نهاية المطاف فرض أنفسهم في إدارة لجنة بناء المسجد.
إحدى الشخصيات الرئيسة في هذه الفترة كان المصري سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، ووالد طارق رمضان. وكان سعيد قد جاء إلى المنفى في ميونيخ بسبب الاضطهاد الذي عايشه في عهد عبد الناصر في عام 1958، وكان زعيمًا لامعًا ومؤثرًا في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بينما كانت غرف التعذيب في عهد عبد الناصر مدارس مهمة أنتجت كوادر الإسلاميين.، وقع المسجد في ميونيخ تحت نفوذ الإخوان المسلمين من خلال سعيد رمضان، وما زال الأمر كذلك حتى يومنا هذا. أما ما يشاع باستمرار عن أن سعيد رمضان ذا الاتصالات الجيدة بالمملكة العربية السعودية قد تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، فهذا ما لا يستطيع شتيفان ماينينج أيضًا أنْ يقدم أيَّ دليلٍ يثبته.
صِلات بتنظيم القاعدة؟
يصف المؤلف بشكلٍ مفهومٍ وبسلاسةٍ هذه الارتباطات ويصف تحرياته في أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وجهاز أمن الدولة التابع لجمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقًا) والاستخبارات السوفييتية.
اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية غالب همت الذي كان آنذاك رئيس "التجمع الإسلامي في ألمانيا" وشريك أعماله يوسف ندا- بتزويد تنظيم القاعدة بالأموال عن طريق بنك "التقوى". وتعرض المركز الإسلامي في ميونخ إلى شبهة الإرهاب. بيد أن هذه التهم لم يتم التحقق منها من قِبَلِ أية محكمة حتى اليوم.