تجديد الخطاب الديني.. رؤية سلفية
السبت 23/مايو/2015 - 08:03 م
طباعة
حسام الحداد
الكتاب: تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف
المؤلف: محمد بن شاكر الشريف
الناشر: مجلة البيان 2004
منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في مصر، أكد وفي أكثر من مناسبة على ضرورة وأهمية تجديد الخطاب الديني.
وتحت عنوان "تجديد الخطاب الديني"، يسعى أصحاب الافكار الاصلاحية، وكذا أصحاب الافكار المحافظة التقليدية، لطرح وجهات نظرهم في القضية، قضية التجديد.....
ومن الكتب التي تأخذ موقفاً "عنيفاً" من جوهر التجديد وما يهدف اليه، يأتي الكتاب الذي نناقش أفكاره اليوم، "تجديد الخطاب الديني" لمحمد بن شاكر الشريف.
الكاتب هو محمَّد بن شاكر الشريف الطباطبي الحسني حاصِل على درجة الليسانس في اللُّغة العربية والعلوم الإسلامية، ودرجة البكالوريوس في الهندسة الإلكترونيَّة والاتصالات، عمل بالتدريس، ثم الإدارة في أحدِ كبريات المدارس الأهليَّة في مكَّة المكرَّمة، وانتقل بعدَ ذلك للعمل في مجلة البيان.
الخطاب العدائي في مقدمة الكتاب
ولان مقدمة الكتاب تعد المدخل الحقيقي للكتاب فقد قام الكاتب بتوجيه خطابه العدائي للمختلف معه في الرأي أو في التوجه من خصوصا المدرسة العقلية والتي يسميها الكاتب ومن دار في فلكه "العصرانية"، فيقول في ص 5 من مقدمة الكتاب "تعالت في الفترة الاخيرة من هذه الايام التي نعيشها صيحات عالية موتورة صادرة عن ملأ من القوم، تنادي فيما بينها بـ "تجديد الخطاب الديني"، لقد كان هدير الصياح عاليا يصم الآذان، ويغلق العقل عن الروي والتفكير، فلا تكاد تجد أحدًا منهم إلا وهو يردد ما يسمع، وإن كان لم يفهم ولم يعقل.. أنهم فئة يزعمون لأنفسهم أنهم قادة الفكر والمعرفة والاستنارة، فإن كانوا هكذا، لبطن الارض يومئذ خير من ظهرها.. ولكنهم غثاء كغثاء السيل" ان الكاتب بخطابه العدائي هذا يوجهه الى تلك الحركة التي درسناها في المدرسة وكانوا يسمونها "حركة النهضة" او "حركة الاصلاح والتجديد" فنكتشف فجأة بين طيات هذا الكتاب ان هذه النهضة ورجالها بداية من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعلي عبد الرازق ... وغيرهم انما هم - حسب الكاتب والكتاب الذي سوف تطبعه وزارة الأوقاف وتقوم بترجمته – منحرفون وضالون، أضلوا الأمة وأخرجوها عن ملة الاسلام الصحيح الذي تمتلكه المدرسة الوهابية والتي يمثلها كاتب هذا الكتاب الذي نعرض له!
قام الكاتب بتقسيم الكتاب الى فصلين وخاتمة، أما الفصل الأول فقد خصصه للبحث في التجديد من الناحية التأصيلية. والفصل الثاني تحدث فيه عن التجديد من الناحية التحريفية. وفي الخاتمة بحث في مستقبل دعوة التجديد، ودور المسلمين في مواجهة التجديد التحريفي.
التجديد من الناحية التأصيلية
يوضح الكاتب معنى التجديد السائغ شرعاً؛ انطلاقاً من التعريف اللغوي واستناداً للحديث النبوي الشريف: "إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"
وقد بين المؤلف أن أهل العلم ذكروا في بيان المراد بالتجديد عدة أقوال متقاربة المعاني؛ فمن ذلك: تعليم الناس دينهم، ومنه: تعليم الناس السنن، ونفي الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومنه: إظهار كل سنَّة وإماتة كل بدعة، ومنه: إظهار السنة وإخفاء البدعة، ومنه: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع المحدثات، ومنه: تبيين السنَّة من البدعة، وتكثير العلم وإعزاز أهله، وقمع البدعة وكسر أهلها، ومنه: إحياء السنن ونشرها ونصرها، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان، أو تصنيف الكتب والتدريس، وكل هذه الأقوال تدور على معنى حفظ الدين على النحو الذي بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما لا نختلف مع الكاتب في كل ما تم تقديمه في هذا الجزء من الكتاب ولكن الاختلاف الحقيقي في الآليات التي نحيي بها الكتاب والسنة ونميت بها البدع فـ"الكتاب لا ينطق" كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه في موقعة التحكيم، ولكن ينطق به رجال وكل ينطق حسب فهمه ووضعه التاريخي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي فهناك تداخلات كثيرة لفهم النص سواء أكان نصًا قرآنيًا أو من السنة، ولهذا نجد اختلافات كثيرة في المذاهب والتفاسير فمنهم من اهتم باللغة ومنهم من اهتم بالمرويات وغيرهم الذي اهتم بالتاريخ وهكذا مما اضفى على النص ما لا يتحمله او ما ليس فيه.
ويؤكد المؤلف أن التجديد مطلوب بضوابطه الشرعية، فيتحدث أولاً عن القائم بالتجديد، ويحدد له صفات منها:
1- أن يكون مــن أهــل هـــذا الدين المؤمنين به على النحو الذي جاء به رســول الله صلى الله عليه وسلم.
2- أن يكون من المتفقهين فيه المتمسكين به في أقوالهم وأفعالهم، لا يظهر منه تهاون فيه أو خروج عليه، أو تساهل وتفريط فيما دل عليه.
3- أن يكون خبيراً بواقع الأمة عارفاً بعللها، وأن يكون محيطاً بالأحوال العالمية من حوله والتي لها علاقة بأمته؛ فإنه لا يتحرك في فضاء.
وما يهمنا في هذا الفصل هو حدود التجديد المشروع من وجهة نظر الكاتب حيث يحددها بثلاث دوائر كبرى تمثل حدود التجديد المشروع، وهي:
1- نشر العلم بين الناس، وإظهار الشرائع التي خفيت في المجالات الشرعية المختلفة بفعل الجهل الذي خيّم على كثير من مجتمعات المسلمين، أو بفعل التأويل الفاسد الذي أضاع كثيراً من دلالات النصوص، ويكون التجديد في هذه الحالة: هو إظهار ما طُمِس، وإحياء ما اندرس.
2- إزالة كل ما علق بالدين مما ليس منه من أخطاء، أو بدع، أو تصورات وقعت في سلوك بعض الناس، أو أقوالهم، أو عقائدهم، وردُّ الأمر إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إزالة ما زيد في الشريعة أو أضيف إليها.
3- التمسك بما ورد في الشرع كله، والتقيد به والعمل على وَفْقِه، وعدم ترك جزء منه أو إهماله، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إعادة ما نُزِع أو نقص، ومن أهم تلك الأمور في عصرنا الحاضر إعادة التحاكم إلى الدين (الذي نُحِّيَ وأُبعد عن الغالبية العظمى من ديار المسلمين)؛ ليكون الحكم في شؤوننا كلها بما أنزل الله. ويدخل في هذه الدائرة أيضاً البحث في النصوص الشرعية وأدلة الشريعة الإجمالية، والقواعد الفقهية للتوصل إلى الأحكام الشرعية للنوازل والمستجدات.
وفي هذا الجزء من الكتاب انما يطالب بتطبيق مفهوم الحاكمية الذي نادى به سيد قطب ومن قبله المودودي وغيرهم من الجماعات التي تحاول تطبيق الشريعة بقتال المسلمين مثل "القاعدة وداعش " وغيرهما من الجماعات التي يعد الفكر الوهابي مرجعية رئيسية لها.
التجديد من الناحية التحريفية
يستهل المؤلف بداية هذا الفصل في تعريف اتجاهين لتجديد الخطاب الديني
الأول: وهو الذي ينادي بذلك على الوجه الذي تقدم في الفصل الاول، وهؤلاء قلة، وصوتهم يكاد أن لا يُسمع من الصخب والجلبة التي يثيرها الفريق الآخر، وهؤلاء غالبيتهم من أهل الاختصاص في العلوم الشرعية: كبعض المفتين، ووزراء الأوقاف، وأساتذة العلوم الشرعية في الجامعات، وبعض الدعاة وطلبة العلم، وإن كان بعض هؤلاء لم يخلُ خطابهم وحديثهم من بعض الشوائب التي كدَّرت صَفْوَ كلامهم؛ وذلك بفعل الصياح الذي يكاد يصم الآذان من الفريق الآخر.
الثاني: وهو الذي ينادي بالتجديد، لكنه يفهم التجديد على أنه التغيير أو التطوير؛ أي تغيير الخطاب الديني: المحتوى والمضمون، وليس الطريقة أو الأسلوب؛ ليجاري التغيرات السريعة في واقع المجتمعات داخلياً، وفي العلاقات بين الدول خارجياً؛ بحيث تصير قضية الخطاب الديني: هي إقرار هذا الواقع وتسويغه وتسويقه، والتجاوب معه كلما تغير.
ويستكمل المؤلف هجومه على هذا الفريق من المجددين فيقول:
"إخضاع الدين الذي هو وضع إلهي إلى عقل الإنسان وتفكيره؛ مما يجعل الدين عرضة للتغيير والتبديل المستمر، وهذا بدوره يؤدي مع مرور الزمن إلى ضياع الدين كليةً؛ فهذه دعوة تحريفية تسعى إلى خراب العالم وإفساده؛ بإبعاد البشرية عن هداية الله لهم فيما أوحاه إلى عبده ورسوله الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إفقاد الأمة الإسلامية أهم مصدر من مصادر عزها وقوتها، حتى تصير بعد ذلك أمة بلا هوية، بلا تاريخ، بلا ثقافة، وأخيراً بلا دين، وتصير بعد ذلك نهباً لكل طامع في خيرات بلادها.
إفساح المجال بقوة أمام الحركات أو جمعيات التنصير التي تنشط في المجتمعات والأماكن التي تجهل حقيقة الإسلام.
تحويل الأمة من أمة قائدة هادية للحق إلى أمة تابعة ذليلة ضالة.
إماتة روح الجهاد في نفوس الأمة؛ مما يسهل اختراقها واحتلال بلاد المسلمين من قِبَل الصليبيين المتربصين، كما يساهم في تثبيت احتلال اليهود لفلسطين وسيطرتهم على بيت المقدس.
العبث بحاضر الأمة ومستقبلها؛ مما يحوِّلها في النهاية إلى مجرد قطيع يسوقه راعي الصليب إلى حيث يشاء؛ فتنساق خاضعة مستسلمة حتى لو كان في ذلك هلاكها.
إيجاد قطيعة مع سلف هذه الأمة، حتى إنك لو نظرت في أقوال المجددين العصريين وقارنتها بسلف هذه الأمة خُيِّل إليك أنهم يتحدثون عن شريعة غير الشريعة التي يتمسك بها السلف الصالح، ويتحدثون عنها"
تلك التوهمات التي يتبناها الخطاب الوهابي والذي تتبناه حاليا المؤسسة الدينية في مصر في اطار واسع حيث تقوم بمهاجمة كل ما يحاول مجرد محاولة لإعادة قراءة التراث وتنقيته من الخرافات والاساطير التي تم انتاجها خلال فترات ضعف الامة وانحطاطها، ليس هذا فقط بل يتخيل هذا الخطاب انه يمتلك من القوة ان يقود العالم رغم ما يعانيه من تخلف وجهل وفقر معرفي بأدوات التكنولوجيا الحديثة، ثم ما يحاول هذا الخطاب من ترسيخه على بعض المفاهيم الخاصة به والتي تقوم بإشعال الحروب والفتن بين ابناء الوطن الواحد واولها عقيدة الولاء والبراء التي يستند اليها في استحلال اموال ودماء واعراض اخوانه في الوطن لا لشيء سوى الاختلاف الديني او المذهبي.
إعلان الجهاد على الدولة
يقوم الكاتب بعملية خلط بين العقيدة والمعاملات كما لا يفرق بين الاصول والفروع فيقول ص 19"يخرج عن المجددين .. المرتدين عن هذا الدين، حتى ولو لم تكن ردتهم الا عن بعض شرائعه لا عنها كلها.. فمن يعترض على الجانب الاقتصادي او السياسي او القضائي او الاجتماعي ونحوه فلا يكون له في التجديد نصيب " ويستند الى قول ابن تيمية "كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الاسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فانه يجب قتالهم، حتى يلتزموا شرائعه وان كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه.. فأيما طائفة امتنعت عن ضرب الجزية على اهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته – التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها – التي يكفر الجاحد لوجوبها. فان الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها".
هكذا يعلن التجديد الوهابي السلفي مؤيدا من وزارة الاوقاف المصرية الحرب على الدولة اية دولة طالما انها لا تأخذ الجزية وتعمل بنوكها بنظام الفائدة وتسن قوانين وضعية لتنظيم حياة مواطنيها!
هذا هو التجديد من وجهة نظر الكاتب ومن اراد ان يطبع له الكتاب وترجمته الى 13 لغة، إنما ينشرون الفتنة.
فبما ان معظم الدول الاسلامية الآن لا تأخذ الجزية من اصحاب الاديان الاخرى لان دساتير تلك الدول تساوي بين مواطنيها ولا تفرق بينهم بسبب الدين او المذهب وطبقا لمنهج الخطاب الوهابي الذي يطرحه الكتاب يجب محاربتها، ألا يدعو ذلك لاقتتال ابناء الوطن الواحد، وماذا تفعل دولة مثل فرنسا مثلا في الاقليات المسلمة التي تعيش لديها هل تطبق عليهم نفس المبدأ وتقوم بمحاربتهم ؟!
هل هذا هو "تجديد الخطاب الديني" الذي تريده وتنشره وتدعي له المؤسسة الدينية ؟
واخيرا يقدم لنا الكاتب أطوار تحريف الدين في التاريخ الحديث باسم التجديد والاصلاح كما يقدمها الكتاب فيقسمها لخمسة اطوار يناصبها جميعا العداء بلغة حادة تكاد تخرجهم من ملة الاسلام، فيقدم لنا في خطاب تلفيقي رواد النهضة العربية امثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والافغاني وخير الدين التونسي والكواكبي على انهم تحريفيون ومضطربون، ويبرز شخصية محمد عبده مهاجما اياه بقوله ص 60".. اول توجه نحو الاصلاح والتجديد في العصر الحديث يخالف او يغاير ما كان عليه المسلمون السابقون" ثم ينتقل الى الطور الثاني "قاسم امين وعلي عبد الرازق وطه حسين" والطور الثالث مهاجما كل من قال بالتجديد متهما اياهم بتقليد الغرب فيقول "ان المجددين ليسوا مجددين حقيقة، وليسوا اصحاب ابداع فكري او ابتكار، انما هم مقلدون، يقلدون الغرب، ويرون ذلك التقليد تجديدا" ويستطرد الكاتب باقي الكتاب على نفس النهج من الخطاب العدائي لكل من نادى باستخدام العقل واهتم به .
ونكرر السؤال مرة اخرى للتذكرة: هل هذا التجديد الذي عرضه الكاتب هو ما ترجوه المؤسسة الدينية في مصر وتطالب به وتترجم كتبه؟