باحث إنجليزي يؤكد: السنة والشيعة ما جمعه الدين فرقته السياسة
الخميس 28/مايو/2015 - 02:58 م
طباعة
اسم الكتاب – ورثة محمد جذور الخلاف السني الشيعي
تأليف – برنابي روجرسون
ترجمة د عبد الرحمن عبد الله الشيخ
الناشر – مكتبة الأسرة – هيئة الكتاب مصر 2015
لعل هذا الكتاب من أكثر الكتب التي تناولت ما حدث بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) حيدة وموضوعية، ومن الأمور التي أحسن عرضها تحليل دور نساء بيت النبوة، وربط مسار التاريخ الإسلامي بالتاريخ العام أو التجربة الإنسانية ككل، إنه كتاب تحليلي يمتاز بالقراءة الواعية لأحداث التاريخ الشائك. ورغم أن المؤلف يقدر الخلفاء الراشدين الأربعة، إلا أنه اتخذ المنهج الذي يتبع ثقافته المسيحية؛ حيث يظهر الكتاب المقدس عظمة الشخصيات الدينية ويكرمها ويوجه لها الانتقادات في مواقف سلبية أحيانًا. وهذا لا يمنع كونها شخصيات عظيمة وذات طابع روحي ويقول المترجم الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ تعليقًا على هذه الطريقة في تقييم الشخصيات "لو أن المسلمين اتخذوا الموقف نفسه من صحابة النبي لكان هذا خطوة واسعة جدًّا للتقريب بين السنة والشيعة، خاصة وأن هذا المنهج نفسه قائم في كتب السنة فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم حد القذف على حسان بن ثابت لخوضه في حق عائشة رضي الله عنها مع الخائضين أثناء حادثة الإفك المشهورة، ومع هذا فهناك إجماع على أنه صحابي جليل؛ لأنه تاب بعد ذلك". (السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 267 طبعة دار الجيل) وشيء قريب من هذا حدث مع زينب بنت جحش أم المؤمنين، لكنها تابت وأنابت رضي الله عنها، ومعروف أن السيدة زينب بنت جحش قد أنزل الله فيها قرآنًا يُتلى، بل إن نبي الله نفسه محمد (صلى الله عليه وسلم) قد عاتبه ربه في بعض المواقف- في قرآن نتلوه- عندما "عبس وتولي" كل هذا مع أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي ينتقد نبيه، فليس الأمر كذلك بالنسبة للآخرين الذين تخضع أعمالهم للتحليل والتعليل، بل والانتقاد أحيانا، وهذا لا يمنع أبدًا أنهم صحابة عظماء أتقياء، لكن الكمال لله وحده.
فروق ضئيلة
يناقش الكتاب بحرفية عالية أصل الخلاف الشيعي السني الذي يرشحه كثيرون ليكون محل صراع دائم يبرز على الساحة العربية والإسلامية في الفترة القادمة، ويجدونه أيضًا مصدرًا للفتن والحروب، ويرى مؤلف "ورثة محمد" وهو مؤرخ أنثروبولجي أنه لا توجد أية فوارق دينية بين السنة والشيعة، أو بين من يقال لهم سنة، ومن يقال لهم شيعة، وذلك بعد أن بسط بين يديه كل ما ترجم إلى اللغات الأوروبية من كتب التراث الإسلامي وهي كثيرة جداً، وبعد أن أمعن النظر في محتواها، متجاوزاً الظاهر الكاذب ليغوص في المعنى والمبنى والفحوى، يقول برنابي روجرسون: "وعندما نتفحص الممارسات (العبادات) الدينية للمسلمين السُّنة والمسلمين الشيعة نجد أن الفروق ضئيلة لا تكاد تذكر، فالشيعة يعترفون بالقرآن نفسه (النص عند كليهما واحد)، وهم يصلون الصلوات الخمس اليومية، ويتبعون تقويماً واحداً، ويلتزمون في صومهم بالالتزامات نفسها، وكلاهما يحج ملتزماً بالطقوس (الشعائر) نفسها".
حتى الفروق الدينية أو العبادية التي يراها طفيفة جداً، سرعان ما يجد لها مثيلاً عند الطرف الآخر، فالشيعة يوقرون قبور آل البيت ويطوفون بها، لكن هذا الأمر نفسه وجده المؤلف في كل البلاد الإسلامية الأخرى التي لا تعتنق رسميًّا المذهب الشيعي، والتي إذا سألت أي واحد فيها لقال لك إنه سني، مع أنه داخل ضريح الحسين أو السيدة نفيسة.. إلخ .
لكن إذا كانت الفروق الدينية بين المذهبين منعدمة تقريباً كما توصل مؤلفنا هذا، وكما توصل باحثون آخرون فلا بد أن هنالك أسباباً أخرى كامنة وراء هذا الصدع، وهو ما حاول المؤلف تبيينه، ومن هذه الظروف غير الدينية ظهرت الخلافات التي اكتست بلبوس ديني، وهي أبعد ما تكون على أن تكون خلافات دينية، فيما يرى المؤلف.
يرى مؤلفنا أن جماعة المسلمين في المدينة المنورة، كانت مكونة من (ثقافتين) أو (تراثين) مختلفين، ظلت الفروق واضحة بينهما رغم أن الإسلام أظلهما معاً.
يرى المؤلف أن كلى التراثين: السني والشيعي هما في الحقيقة يمثلان عقيدة واحدة أو دينًا واحداً، وهو لا يدري ما الذي جعلها منفصلين. إنهما قطعة قماش واحدة، فمن الذي شقها؛ لذا فقد قرر المؤلف أن يكون خياطًا ليرتق قطعتين من القماش أصلهما واحد، وكانتا في الأساس قطعة واحدة.
ومن الواضح أن المؤلف يعتبر هذا الفصل بين الشيعة والسنة، إنما هو فصل وهمي، وإن كان له جذوره السياسية والاجتماعية المشروعة أما الفروق الدينية فليس لها وجود حقيقي .
وفي الفصل الأول يصف المؤلف أصحاب النبي بأنهم شخوص مرموقة، وأنهم صنعوا ملحمة استثنائية هي قصة جماعة مترابطة من المؤمنين اتبعوا النبي في هجرته وحاربوا من أجله عشر سنوات، ثم ناضلوا من بعده لتنظيم جماعة المسلمين، ويقول الكاتب إنهم بدءوا زمرة لا تتعدى ثمانين رجلًا ما لبثوا أن أصبحوا جيشًا من مائة ألف رجل، وكان الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كان لكل دوره الذي ورث فيه بعض سمات النبي محمد ليلعب دورًا شامخًا ومختلفًا في بناء دولة الإسلام
ويستعرض الكاتب بشكل دقيق أوجه المقارنة بين مكة والمدينة، ويصف المدينة المنورة بأنها واحة الإسلام، رغم أن مكة المكرمة كانت ركيزته الكبرى التي خرجت الصحابة والتقاه الذين تواتروا في الحكم، فمحمد وكل صحابته الأساسيين من مكة ولدوا فيها، وتحولوا جميعا وأعيد تشكيلهم عندما تحولوا للإسلام، حتى إن كل الخلفاء الذين خلفوا محمدًا كانوا من مكة، حتى الأسر الحاكمة والتي توالت في الحكم كانت منحدرة من أسر مكية، بينما كانت المدينة المنورة مدينة الإسلام الثانية.. كان لها سمت خاص يصفها الكاتب بأنها كانت ستارة مسرح خلفية وكانت الوجهة التي نزل بها نصف القرآن، وإن كان قرآن مكة في آياته أكثر شمولية فإن قرآن المدينة كان أكثر تفصيلا وخصوصية، وكانت المدينة هي القاعدة التي انطلقت منها الفتوح، وهي المكان الذي أسس فيه النبي كيفية الحكم والقضاء.
ويسرد الكاتب لصحابة النبي، ولكن على غير المألوف يبدأ بعلي بن أبي طالب، ثم بعائشة رضي الله عنها، ويرى أن عليًّا لم يظهر على مسرح الأحداث بشكل كبير إلا بعد وفاة النبي، ويعدد مآثر علي ودوره وقرابته من النبي بحكم يتم النبي وعيش علي معه ثم يعدد مآثر عائشة وأبو بكر، ويبدي إعجابًا شديدًا بعمر بن الخطاب، ويتحدث عن عثمان، ثم يعود لعلي كخليفة رابع ليذكر أسباب الجدل وراء الانقسام السني الشيعي الذي يراه الكاتب خلافًا، ليس في جوهر الإسلام ولكن في شكلياته.
بين مكة والمدينة
يستعرض الكاتب الخلاف الذي وقع بعد وفاة رسول الله بين المهاجرين والأنصار حول من يخلف النبي فيما عرف بحادث السقيفة، ويذهب المؤلف إلى أن جناح مكة أو المهاجرين وكان يمثله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، كان لا بد له أن يتفوق على جناح الأنصار بقيادة سعد بن عبادة، لأن الأنصار كانوا من أهل المدينة، وهم أهل زراعة في المقام الأول بينما القرشيون أو المكيون كانوا أهل تجارة وقوافل خرجوا إلى الشام وإلى اليمن وإلى الحيرة، واحتكوا بالناس هناك، ومن ثم فهم أهل السياسة والقادرون على خوض غمارها، يقول: "كانت ميزة مكة الكبيرة والوحيدة هي براعة قيادتها السياسية فقريش- مكة- رغم التنافس بين العشائر نجحوا في تقديم أنفسهم بوجه واحد موحد للعالم الخارجي، وهو الذي لم يحدث في المدينة التي لم يستطع أهلها أن يظهروا بأن لهم سياسة واحدة متماسكة، فقد مزقتهم الصراعات السياسية بين العشائر"، ونعرف الصراع بين الأوس والخزرج، صحيح أن الرسول أنهى ذلك الصراع، لكن هذا لا يعني أن يأتلفا معا في مشروع سياسي موحد، وعمومًا كان في المدينة 18 عشيرة لم يكن بينها انسجام تام، فضلا عن اليهود المتواجدين بها، وكانوا عدة مجموعات، بينما كان أهل مكة أو المهاجرون كتلة واحدة أو على قلب رجل واحد؛ ولهذا السبب وتلك التكوينات تغلب فيما بعد جناح معاوية بن أبي سفيان على جناح الخليفة الرابع علي بن أبي طالب؛ ذلك أن عليا- كرم الله وجهه- من وجة نظر المؤلف تطبع بأهل المدينة، فقد كان يعمل بيديه معهم، فالرسول آخى بين المهاجرين والأنصار، بمعنى أن كل أنصاري من أهل المدينة كفل مهاجرًا، لكن هذا لم يحدث بالنسبة لعلي بن أبي طالب، فقد ضمه الرسول إليه؛ لذا كان علي بن أبي طالب مطالبًا بأن يقوم برعاية وكفالة نفسه، فضلًا عن أن يُسهم في كفالة بيت النبي، لكن المعنى الأهم بالنسبة للمؤلف أن علي بن أبي طالب لم يكن سياسيًّا في المقام الأول، هو فارس بمعنى الكلمة، ولذا رفض الوسائل السياسية التي تجيز المناورة حينا وربما الكذب والخداع، ومن ثم بقي علي إلى اليوم نموذجًا مضيئا للفروسية في نظر الشرق والغرب على السواء.
الخلاف
نقطة الخلاف في ذلك أن المسلم السني يقول: إن الرسول وافته المنية بين ذراعي السيدة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- بينما يذهب المسلم الشيعي إلى أن الرسول مات على كتف علي بن أبي طالب. وهو خلاف لا يرتبط بجوهر الإسلام ولا يترتب عليه أي اختلاف عقائدي، ويركز الكاتب بشكل كبير على السيدة عائشة ودورها في الصدع التاريخي المشهور بين السنة والشيعة، فيقول: إن السيدة عائشة لم تنس طوال حياتها موقف علي بن طالب منها أثناء شائعة الإفك ونصيحته للنبي بالزواج من غيرها، ولم تسامحه عليه، وتطورات عدواتهما لتصبح أحد عوامل انقسام المجتمع لسنة وشيعة؛ حيث تحول الخلاف إلى حرب فعلية في واقعة الجمل، فيخلص الكتاب إلى أن الصراع سياسي وظف الدين فيه.