عودة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جديد في مصر
الخميس 28/مايو/2015 - 04:19 م
طباعة
بعد ظن المصريين اختفاء ما كان يسمى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي ظهرت مع بدايات حكم الرئيس المعزول محمد مرسي- أطلت من جديد وتسعى لأخذ تصريح من الأزهر؛ لممارسة عملها، بقيادات مختلفة، حيث أعلن عدد من شباب التيار السلفي، من تلامذة محمد حسان، تأسيس حملة جديدة تعرف باسم «حماة الإسلام» ويقودها أحد أبناء الأزهر وهو الشيخ الشاب عبدالرحمن موسى، وتهدف لفرض ما يسمونه الرقابة الشعبية الدينية على الظواهر الاجتماعية، على غرار هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» السعودية.
محمد حسان
ويستعد القائمون على الحملة للتقدم بطلب إلى مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف لتأسيس لجنة أطلقوا عليها اسم «لجنة مراقبة المجتمع» أو «لجنة مراقبة ظواهر المجتمع»، وتكون تحت رعاية وزارة الأوقاف والأزهر الشريف؛ بحيث يكون دورها مراقبة ما يحدث في المجتمع من أفعال بعيدة عن أخلاق الإسلام، ومن ثم تبليغ الأزهر والأوقاف كي يتخذا إجراءاتهما الدعوية لضمان عدم تكرارها، وعمل توعية للمجتمع.
وأكد عبدالرحمن موسى- مؤسس حملة حماة الإسلام – في تصريحات صحفية أن الحملة بصدد طرح مشروع لجنة مراقبة المجتمع على وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، كما سيتم عرضه على البرلمان المقبل أيضا كمشروع قانون ينتظر الإقرار فقط؛ لضمان عدم ظهور شخصيات مثل إسلام بحيرى وإبراهيم عيسى على حد تعبيره.
البدايات
محمد مرسي
وقد كانت بدايات ظهور مثل هذه الدعوة أو الجماعة في مصر، بعدما تولى الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم، حيث كانت تحركاتها في البدايات مستترة، وتتميز بالحديث والحوار مع المخالفين من وجهة نظرهم، حتى تطور الأمر بعد ذلك إلى التعدي على المواطنين في الشوارع بحجة تغيير المنكر باليد، وكان الداعي لهذه الجماعة، ومؤسس هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في مصر، هشام العشري ذو الأصول الأمريكية، وقد أكد في مقابلات صحفية في الأول من يناير 2013 أن الهيئة ستلزم الشعب المصري بتطبيق شرع الله بالوسائل الشرعية للأمر بالمعروف، والتي تشمل النصح والتغيير بالقلب وباليد، مضيفا: "الشريعة الإسلامية ليس فيها قناعة، فيها طاعة، ويجب تطبيقها رغماً عنهم".
هشام العشري
وقال هشام: إن الهيئة ستفرض الزي الشرعي على الرجال والنساء في مصر، إذ ستمنع الرجال من ارتداء البناطيل الضيقة أو "الحلقان والغوايش"؛ لأن ذلك فيه تشبه بالنساء، في حين ستفرض الحجاب على جميع النساء، بما فيهن النساء المسيحيات، قائلا: إذا لم ترضَ القبطية بالإسلام، فيجب أن ترتدي الحجاب حتى لو كانت غير مقتنعة".
وقال هشام: إن الهيئة تخطط إلى دعوة المسيحيين إلى الدين الإسلامي، من خلال توزيع منشورات وبيانات أمام الكنائس، وطباعة كتب وعقد مؤتمرات لتوعيتهم بالدين الإسلامي.
وعن موقف الهيئة من السياحة، قال هشام: إن الهيئة ستحرم الخمور والعلاقات الجنسية خارج الزواج على السياح، كما ستحدد شكل ملابس السياحة، وتجبر السياح على الانفصال في الشواطئ، كما ستحرم "الماساج" تحريما كاملا.
أما الدستور- المقصود هنا دستور 2012- فقد وصفه هشام بأنه "كارثة وسوء أدب مع الله"، أن يتم الاستفتاء على شرع الله، قائلا: إن الدستور المصري يجب أن يتكون من مادة واحدة فقط هي "الشريعة الإسلامية هي الدستور المصري".
وتوعد مؤسس "الأمر بالمعروف" بمزيد من الأعمال التي وصفها بالجهادية، في سيناء وفي مدن أخرى، مؤكدًا أن القاهرة تظل أكثر المدن صعوبة في قابلية تطبيق الشريعة، في حين أن الفكرة تلقى رواجًا متزايدًا في الصعيد والسويس.
وأضاف هشام أنه يرغب في أن تكون الهيئة تابعة للشرطة، وأن الهيئة قدّمت طلباً لوزارة الداخلية لاعتمادها أن تكون ذراعاً لها في تطبيق الشريعة في الشارع، مضيفًا: "يجب أن تكون لنا آليات للتنفيذ ليست همجية، وأن تكون من خلال قانون ومن وزارة الداخلية، التي ستضع العقوبات الشرعية إزاء كل مخالف للشريعة، ونحن ممكن نطبّق معهم ذلك".
وأكد هشام أن الهيئة لن يكون لديها مقر رئيسي مثل الإخوان المسلمين، لكنه تمنى أن يكون مقر الأزهر الشريف هو مقر الهيئة، وذلك بعد وفاة شيخ الأزهر، قائلا: "شيخ الأزهر لن يظل طول العمر، وإن شاء الله يموت قريب بإذن الله ونخلص منه، ويا رب يموت دلوقتي"، مؤكدًا أن الأزهر في الدولة الإسلامية المرجوة سيصبح الآمر الناهي في الشئون الدينية.
ممارسات لهيئة الأمر بالمعروف في 2013
شهد الشارع المصري العديد من الأحداث المفزعة: مقتل شاب في السويس على يد ثلاثة ملتحين حاولوا نهيه عن قيامه بما سموه "فعلاً فاضحًا"، ثم حادثة تهديد الصحفية المصرية "إسلام عزام"، عبر رسالة موقعة باسم "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تحمل تهديدات تطالبها بأن تجعل زوجها الصحفي "سعيد شعيب" يتوقف عن هجومه على الإسلاميين، وإلا لدى الجماعة الكثير لتفعله. وحوادث أخرى متعاقبة، منها منع الشيعة من الاحتفال بمولد الحسين، ثم مطالبة الجماعة لكل الكاتبات والمثقفات في مصر بارتداء الحجاب، لنجد أن ذلك الفكر المتطرف والمنظم تطرق لأمور حياتية عادية وداخل مؤسسات الدولة، مثلما حدث في إقدام سيدة منتقبة على قص شعر طفلة مسيحية (13 سنة) أثناء وجودهما في المترو، وقيام معلمة محجبة بالأقصر بقص شعر طالبتين في المرحلة الابتدائية رفضتا الانصياع لأوامرها بارتداء الحجاب. وفيما يخص تعامل الهيئة مع الأقباط في مصر، قال المتحدث: إن "العقيدة الإسلامية تعطي الآخرين حرية الاعتقاد، لكنني أحترم القبطي المصري فهو ابن بلدي، وأخبره عن الإسلام حتى ندخل الجنة معًا، حتى لو لم أضمن أنا الجنة".
وما يدلل على أن أعضاء الهيئة هم من قاموا ببعض الأحداث السابق ذكرها، بيانها الذي أكدت فيه أنها ستفتح تحقيقًا داخليًّا مع عضو الهيئة الذي تسبب في وفاة شاب السويس، ووعدت بتفتيش أعضائها تفتيشًا دقيقًا وكاملاً قبل انطلاق حملاتهم؛ وذلك للتأكد من عدم حمل أي نوع من أنوع الأسلحة، بخلاف الأدوات التي تستعملها.
وقد اعتبر البعض أن بعض هذه التصرفات قد تكون عشوائية، إلا أن أحداثًا بذلك الحجم، وترتيبات كتلك، لا يمكن أن تتم مصادفة ودون تخطيط وتمويل، فالهيئة أعلنت عن احتياجها لنحو 1000 شاب متطوع بمكافأة أسبوعية قدرها 500 جنيه، تتولى- ما سموها- "إدارة التجهيزات والشئون الإدارية بالهيئة"، وتسليمهم 1000 عصا كهربائية، وسعت كذلك لتوظيف عدد من المتطوعات لنشرهم بالأماكن التي يقتصر وجود النساء بها، مثل عربات مترو الأنفاق. وبالرغم من إعلانهم على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بيانًا يؤكد أنهم لن يجروا أي لقاءات إعلامية ولن يدلوا بتصريحات صحفية، ومع أن البيانات العشرة الصادرة عنهم، لم يتم من خلالها التعرف على هويتهم وانتماءاتهم بشكل مؤكد وكامل، وبعد غلق الصفحة بعد ذلك في ظروف غامضة، فإن البيان الخامس لتلك الهيئة أعلن فيه الشباب المؤسس للهيئة استقالته نهائيًّا من حزب النور، وتوقفه الكامل عن أي أنشطة تتعلق به، بعد موقف الحزب الذي وصفوه بـ"المخزي"، فيما يتعلق بإنشاء الهيئة بمصر، حيث أكدوا أنهم التحقوا بالحزب، وحصلوا على تمويل منه بناءً على تصريح مباشر، ووعد صريح من قادته بالسعي لتشكيل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبلاد، بعد التنسيق مع الجهات الحكومية، على غرار الهيئة بالمملكة العربية السعودية، إلا أن الحزب غرر بهم، وتجاهل رغبتهم، وتنكر لها، بعدما لاقوه من رفض تام من المجتمع. وهذا ما قام بنفيه حزب النور في وقت لاحق.
وما يؤكد أن الأمر لم يكن مجرد مصادفة، فإن عددًا من قيادات "السلفية الجهادية"، ومنهم السيد أبو خضرة، رئيس جماعة أنصار الشريعة، طالبوا رئيس الجمهورية (المعزول مرسي) بإنشاء هيئة لـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما طالبوا بأن تكون مؤسسة رسمية، كبادرة أولى على طريق تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، داعين إلى تقنين وضعها، وإلحاقها بوزارة الداخلية؛ وذلك لامتصاص حدة الغضب المجتمعي، الذي سينتج عن إنشاء مثل هذه الهيئة.
هيئة الأمر.. والدولة
في الوقت الذي يعترف فيه الجميع، ويؤكد في ذات الوقت، على ضرورة الحفاظ على وسطية مصر واعتدالها، تثير مثل هذه الأفكار العديد من الإشكاليات والخوف، ليس فقط بين المسيحيين ولكن بين عموم المصريين، على مستوى القاعدة وعلى مستوى النخبة. ومن هذه الإشكاليات، ما يلي:
1- إشكالية الخطأ والثواب
إن إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شأنه أن يدفع تيارات أخرى في المجتمع لإنشاء كيانات مماثلة تتبنى إخضاع المجتمع لما يرونه خطأ أو صوابًا؛ ومن ثم سنكون أمام إشكالية التطبيق، الذي لن يكون دائمًا ملتزمًا بتعاليم الدين، خاصة أنه ليس لدينا تعريف جامع مانع يبين ما المعروف وما المنكر، فهيئة الأمر بالمعروف "السابقة" قتلت شاب السويس وتركت النائب السلفي علي ونيس، وهنا تطبيق القاعدة على جموع الشعب دون الصفوة من الشيوخ والدعاة.
2- زمن الفتوات واللادولة
تشكل الدعوة لإنشاء مثل هذه الهيئات تكريسًا وعودة لزمن الفتوات الذي شهدته مصر من قبل. والسؤال هنا: هل يجوز لجهة أو جمعية ممارسة هذا الدور بدلاً من الدولة، وبعيدًا عن إشرافها ورقابتها؟ وهل من حق الدولة أن توقف إنشاء كيانات تسعى لممارسة دور رقابي أو عقابي على المواطنين؟
إن فكرة تولي أفراد مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غاية الخطورة؛ لأن المجتمع المصري لن يرضى بمثل هذه الأفكار، التي قد تؤدي إلى صدامات مع بعض أفراد المجتمع. كما أن اقتراح البعض بأن يمنح أفرادها سلطات للضبطية القضائية، أو سلاحًا، سيؤدي- بلا شك- لازدواجية مع أجهزة الدولة والشرطة، الجهة الوحيدة التي تمتلك حق استخدام العنف المادي تجاه بعض المصريين في حالة الضرورة القصوى؛ وذلك من أجل حماية باقي عموم المصريين.
3- فقه الأولويات
لا شك في أن الحسبة والأمر بالمعروف بشكله القديم قد تغير تمامًا، حيث حدث تغير في معطيات العصر وصولاً لمفهوم الدولة ومؤسساتها بالمعنى الحديث، فكان هناك محتسب الأسواق، المسئول عن ضبط أسعار السلع ومنع الغش والتلاعب، والآن موجود في صورة مباحث التموين، وكذلك بالنسبة للمحتسب القائم بشئون الطريق والأخلاقيات المرعية نجد مقابلاً له الآن شرطة الآداب. ويشير البعض إلى أن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مهمة الأمة بأكملها ولكن بدرجات، فتغيير المنكر يكون إما باليد، وهذه مسئولية الدولة ومؤسساتها المختلفة، أو يكون باللسان عن طريق العلماء وحكماء الأمة بالنصح والإرشاد، وأخيرًا يكون بالقلب، وهذا مسئولية كل فرد، أي أن حدود الفرد تتوقف عند القلب، وباقي الأدوات في يد الدولة.
وبدلاً من الانشغال بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد من أن ينشغل الجميع بضرورة تجديد الخطاب الديني. والسؤال: هل من أولويات الحركات الإسلامية في حكم مصر نشر الحجاب، الذي هو بالمناسبة غالب على المرأة المصرية بالأصل، أو منع دور السينما والمسرح ومحاربة الفنون؟ أم من الأولى البحث عن أولويات هي من صميم الشريعة حتى يحفظ الناس دينهم، كإيجاد مساكن لمن يسكنون القبور أو الشوارع، وإيجاد فرص عمل للعاطلين، أو توفير دواء للمرضى الذين يموتون لعجزهم عن دفع أجرة التداوي، بعد أن يعيشوا ردحًا من الزمن تحت براثن المرض، أو توفير الحماية والأمن الذي يفقد في كثير من الأحيان؟
إن تجديد الخطاب الديني والاهتمام بفقه الواقع أو فقه المعيش، والاهتمام بالتأكيد على قيم العدل والمساواة، والتركيز على دولة القانون، كل تلك الآليات هي المنوط بها أن تدحض تلك الدعاوى التي تظهر من وقت إلى آخر في المجتمع المصري.