في رحلة فكرية فلسفية يغوص بنا المفكر والكاتب وأستاذ علم الاجتماع السيد يسين، في كتابه الجديد "جدل الحضارات.. ثلاثية الحوار والصراع والتحالف"، الصادر عن المركز العربي للبحوث والدراسات، وفيه يقدم خلاصة خبراته في قضايا حوار الحضارات.

استهل السيد يسين كتابه بإهدائه إلى الفيلسوف عبد الرحمن بدوي، لدوره في فتح آفاق الفلسفة الغربية للباحثين منذ زمن، وخاصة نتيجة دوره في إصدار سلسلة بعنوان الروائع المائة والتي تم من خلالها ترجمة أهم الأعمال الفلسفية العميقة لثلاثة من أبرز المفكرين الغربيين الذين أثروا بنظرياتهم المتنوعة في الوعى الأوربي تأثيرا عميقا، بل وفي الوعى الإنساني عامة، وفي مقدمتهم، فريدرك نيتشه، وآرثر شوبنهور، وأوزوالد اشبنجلر.

وعرض السيد يسين في كتابه الصادر في 336 صفحة، النظريات التي اطلع عليها في الماضي، وجهده في قضية حوار الحضارات، ولماذا اتخذه في فترة من الفترات أحد مشروعاته البحثية التي انشغل بها، وحضر الكثير من المؤتمرات وإلقاء محاضرات حول هذه القضية، سواء في مصر أو الخارج، مبحرا في جولة تاريخية فلسفية الأسباب التي دعته إلى ذلك، والظروف الإقليمية والدولية التي جعلته يحدث صياغات الأطر النظرية التي وصل إليها.

ومن خلال دراسة منهجية يقدم كاتبنا الكبير النماذج المتعددة للتفاعل الحضاري في العالم المعاصر، والتي تتمثل في حوار الحضارات وصراع الحضارات، وأخيرا التحالف بين الحضارات، في ظل ما يتمتع به من توثيق علمي دقيق يعكس خبراته الكبيرة التي استمدها من قراءة متأنية لأهم الكتب والدراسات المتعلقة بهذه القضايا، وحضوره عددًا من المؤتمرات والمنتديات المختصة بحوار الحضارات، ودراسة مستفيضة لحالة العداء بين الإسلام والغرب.

الكتاب ينطوي على لغة فلسفية ضافية وجادة، كعادة أصيلة لدى السيد يس في مقالاته وإسهاماته الفكرية والاجتماعية، التي أثرت المكتبة المصرية والعربية بالعديد من الإصدارات الفكرية، وقُسِّم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، ركز الأول منها على الحوار بين الحضارات في نظام دولي ثنائي القطبية، والحوار في عالم ما بعد الحداثة، وكذا العولمة والعلاقات المتعددة الأطراف والقومية، مع استعراضه لمفاهيم العولمة، العلاقات متعددة الاطراف، القومية، مستعينا بنظريات أبرز المفكرين الذين ركزوا على هذه القضايا، مقدما للقارئ خلاصة قراءته وعصارة أفكاره لعله يجد ضالته المنشودة في هذه الأفكار والاشكاليات التي تحيط بنا اليوم.

ويدور بالقارئ في جولة من الشرح والتفكير النقدي لعدد من الاشكاليات، أبرزها شروط الحوار بين الحضارات، الأسس الفلسفية لحوار الحضارات، الحوار بين الأخلاق والسياسة، الصراع الثقافي في حوار الحضارات، وفيه يشير إلى انه إذا كانت رؤية العالم هي النظرة للكون والمجتمع والإنسان، فإنه يمكن القول إن نسق القيم الأخلاقية يعد من بين المكونات الرئيسية لرؤية العالم في كل حضارة، خاصة أن القيم الأخلاقية هي التي تواجه سلوك الناس، ومن ثم تطبع كل مجتمع بطابع خاص لأنها هي التي على هديها تؤسس العلاقات الاجتماعية، وفي ضوئها تصاغ الأنساق السياسية والاقتصادية والثقافية.

وفي القسم الثاني من الكتاب،  يتناول كاتبنا الكبير حالة العداء بين الإسلام والغرب، حيث خصص القسم الثاني للحديث عن صراع الحضارات، مستعينا بأحداث 11 سبتمبر، وقد كان خارج البلاد حينما اندلعت، واطلع على الكثير من النظريات والتحليلات التي أثيرت في العالم حول هذا الأمر.

وفيه يطرح عددًا من التساؤلات والمفاهيم، أبرزها رؤية نقدية للسلوك الخارجي الأمريكي، الإسلام والغرب، وإشكالية التكيف الفكري والاستراتيجي للأجهزة الأمريكية، وتشكيل الوعي القومي وبلورة الحس الوطني، مستعرضًا في براعة اكتشاف الاخر باعتباره عملية ممتدة عبر الزمن، من رفاعة الطهطاوي إلى فرد هاليدي.

وفي القسم الثالث تم التركيز على مشروعات التحالف بين الحضارات، وتحليلها، والأبعاد السياسية لهذه العملية، ثم تقديمه لخطة قومية عربية لحوار الحضارات في خلاصة فكره وخبراته حول هذه القضية التي أخذت من وقته وعمله وجهده الكثير والكثير.