الإسلاميون والعمق الاجتماعي في العالم العربي وتركيا

الأربعاء 17/يونيو/2015 - 01:46 م
طباعة الإسلاميون والعمق
 
اسم الكتاب: الاسلاميون والعمق الاجتماعي في العالم العربي وتركيا
المؤلف: مجموعة باحثين
دار النشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث مايو 2015

يُعْنَى كتاب المسبار «الإسلاميون والعمق الاجتماعي في العالم العربي وتركيا» (الكتاب الأول بعد المئة، مايو 2015) بدراسة كيفية توظيف الحركات الإسلامية بطرفيها السُنّي والشيعي للمؤسسات والهيئات الاجتماعية، بهدف بناء قواعدها الجماهيرية وكسب المناصرين الجدد.
تتناول الدراسات تجارب الإسلام السياسي عموماً، والإخوان المسلمين خصوصاً، في تأسيس «العمق الاجتماعي» في كل من: مصر وتونس والمغرب وتركيا، ودول أخرى. كما تبحث في مصادر تمويل الجماعات الإسلامية وعمليات غسيل الأموال التي تتم عبر العالم.
اعتمدت التنظيمات الإسلامية، سواء الإخوانية أم السلفية، بالدرجة الأولى على انتشار مؤسساتها الرعائية المتمثلة في العيادات الصحية والمدارس ومراكز تحفيظ القرآن والخدمات المصرفية غير الرسمية، إضافة إلى السيطرة والتأثير في المساجد. هذا النفوذ مكّن الإسلاميين من تكوين ولاء لهم على مستوى الجمهور، لا سيما بين الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً وتهميشاً، التي رأت في الحركات الإسلامية نافذة خلاص لها؛ نتيجة انسحاب الدولة من دورها الاجتماعي والاقتصادي، وغياب التنمية الشاملة التي تطال كل الشرائح والمناطق.
ومع أن التنظيمات الإسلامية اشتركت في اتباع استراتيجية توسيع المؤسسات الاجتماعية والسيطرة على المساجد، فإننا نجد أن أولوياتها وأدواتها في تحصين حاضنتها وتغلغلها في بنى المجتمع، اختلفت من بلد لآخر طبقاً لعوامل علاقتها مع السلطة، مهادنة أو توتراً. عملياً، لم يتمكن الإخوان المسلمون من بناء علاقة سياسية مع الحكومة المصرية، في حين نجح «إخوان الأردن» في تحقيق علاقة متوازنة، على الرغم من الصدام والتحجيم اللذين حصلا لهم من قبل الدولة الأردنية.
أدت أحداث ما يسمى بــ «الربيع العربي» إلى خلخلة استراتيجيات التنظيمات الإسلامية. سعى الإسلاميون إلى تصدّر المشهد السياسي في أكثر من دولة، خصوصاً في مصر وتونس، وكشف حضورهم السياسي عن الأثر الملحوظ لهم لدى بعض الفئات في المجتمع، بعدما بنوا بــ «صمت» إمبراطوريات اجتماعية عبر شبكات الرعاية الصحية والتربوية والدينية، في سبيل التمكين السياسي والوصول إلى السلطة.
تنبهت غالبية الحكومات العربية للخطورة المتمثلة في نفوذ الحركات الإسلامية ضمن إطار العمل الخيري، وعملت على مراقبة أنشطتها، وسعت إلى تشديد الرقابة على تحركاتها.
يسلط الكتاب الضوء على الاستثمارات المختلفة التي أنشأها الإسلاميون، سواء من كان منهم داخل السلطة أم خارجها. لقد نشطت الحركات الإسلامية المختلفة في تحقيق الاستقلال المالي لتمويل أنشطتها الخيرية والاجتماعية، من جهة، وفي تمويل برامجها السياسية المكشوفة أو السرية، من جهة ثانية. علماً بأن عديد القيادات داخل هذه الجماعات حقق ثروات مالية تحت الغطاء الديني، بذريعة خدمة المجتمع.
إن حزب الله في لبنان، وجماعة الخدمة التابعة للمفكر الإسلامي والداعية التركي: فتح الله كولن، أبرز تنظيمين من حيث القدرة على الاستثمار الدولي الذي يحقق أرقاماً كبيرة. ويتميز تنظيم الإسلام السياسي الشيعي عن الإسلام السياسي السني بقدرته على تحصيل مبالغ مالية من أتباع المرجعيات الدينية المختلفة تحت باب «الخُمس». هذا لا يلغي أن التنظيمات السنية تقوم بجمع مبالغ مشابهة من مؤيديها، ولكن بمسميات أخرى.
تأتي أهمية الكتاب من عاملين رئيسين: الأول: رصد انتشار المؤسسات الخيرية والاجتماعية والاستثمارية الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين التي أسسوها على مدار عقود؛ والثاني: دراسة تطور العلاقات التنظيمية نتيجة جدل التمويل والإنفاق والإدارة.
 يخرج الكتاب برؤية مهمة في جملة التحديات التي تواجه هذه المؤسسات، أبرزها: زيادة الإنفاق وقلق التمويل، وأهمية الجمع بين الإدارة المركزية للمشروعات والعمل اللامركزي، والتوازن في العلاقات السياسية محلياً وعربياً ودولياً، مع الحفاظ على الثوابت الأساسية، وكذلك ملء الفراغات بعد رحيل القيادات.
 يُبرز الكتاب- أيضاً- تضاعف أعداد المؤسسات التابعة للحركات الإسلامية بمختلف مشاربها وأيديولوجياتها الدينية، شارحاً أسباب هذا التوسع. ويستعرض العلاقة بين كثافة عدد الجمعيات والمسألة الأمنية في الدول العربية والإسلامية، ويقدم اقتراحات لآليات التنظيم الداخلي للجمعيات والرقابة عليها، خصوصاً عبر إنشاء مرصد للجمعيات يكون بمثابة بنك معطيات يسمح بتشكيل بيانات شاملة عنها، يكون شبيهاً بالسجل التجاري للشركات، فيلعب دور الإسناد والتأطير لهذه الجمعيات فيجعلها تحت رقابة الدولة.
لقد أصبحت بعض التنظيمات التي لها هوية إسلامية حركية، بسبب انتشار مؤسساتها المختلفة وانعزالها عن الرقابة الرسمية، «دولة داخل دولة»، ولكن هذا لا ينفي أن ثمة جهوداً قامت بها الحكومات العربية في بعض الدول، غايتها إخضاع تلك الجمعيات والمؤسسات التابعة للإسلاميين للرقابة الرسمية.

إخوان الأردن وأسلمة المجتمع

إخوان الأردن وأسلمة
وقدمت الباحثة نادية سعد الدين عنوانًا مهم تضمنه الكتاب 'إخوان الأردن: استراتيجية أسلمة المجتمع'، حيث تقدم رؤية تاريخية حول الدور الذي مارسته جماعة الإخوان في الأردن لأسلمة المجتمع فتقول: ينبثق الإدراك البنيويّ المجتمعي عند جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من منظور إسلامي شامل؛ يأخذ بمتلازمة الحيزين "الديني" و"السياسي" معاً استلالاً للإصلاح في الأمة وتطبيق تعاليم الإسلام وأحكامه، تبعاً لمفهومها الكليّ للإسلام بوصفه نظاماً حياتياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً متكاملاً.
فالقرآن هو الدستور المؤسس لموضوع الترابط بين الديني والسياسي في الإسلام، والإسلام بوصفه ديناً متكاملاً له أنظمته وحدوده وأحكامه المنظمة للعلاقات بين الشعوب، والمتضمنة لمبادئ وأسس الحرب والسلام والحقوق الإنسانية، وتشمل القوانين الإسلامية تلك المتعلقة بالنظام الاجتماعي المتكامل كمظلة ينضوي تحتها الفرد والأسرة والمجتمع واحتياجاتهم، والدولة وحاجاتها وعلاقاتها، بحيث تهدف في المحصلة إلى تربية الإنسان، على أن تحرص الدولة في ممارساتها، كما في تشريعاتها-وفقاً لمنظوريّ البنا وسيد قطب- على "القيام بنشر الأخلاق القائمة على الشريعة الإسلامية".
يتأصل ذلك المنظور في تعريف الإخوان المسلمين لحركتهم وأهدافها، باعتبارها "هيئة إسلامية جامعة"، تأخذ "بالنص الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والسير على خطى السلف الصالح، وتعمل على "سعادة الفرد وتحرير الأمة وتوحيدها وحفظ عقيدتها، وبناء نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على أساس الإسلام، وبعثها بعثاً قوياً يهيئها لأداء رسالتها العالمية الخالدة"، باعتباره "هدفها الأسمى وغايتها العظمى وختام الحلقات في سلسلة الإصلاح"، وفقاً لتعبير البنا. إلا أن الدولة ومواطنيها، وفق منظور قطب وأبي الأعلى المودودي، يحتكمان إلى مبدأ "الحاكمية" القائل بمطلق سلطة الله تعالى في الكون، وبالتالي لا حاكمية فيه لأمير أو رعية، فالله وحده هو المشرع ابتداءً، فيما ينحصر عمل البشر في تطبيق التشريع الإلهي، أي الخضوع لله تعالى ولتشريعاته، في جميع شئون الحياة.

المُقَدس والدنيوي

يعبّر ذلك عن إشكالية العلاقة بين المقدس والدنيويّ وبين النصّ والعقل؛ إزاء حركات ترى، في تبنيها للحقبة النبوية وما تلاها من خلافة راشدة وقياس المرحلة الحالية عليها (والتي يقصرها سيد قطب على العهدين الأولين في مسألة تكفيره للأمة وليس المجتمع والدولة فقط)، أن ما أحاط بمرحلة الإسلام في المدينة وما تلاها هو الأقرب للعصر الذي تعيش فيه الآن، وأن العنف، أو الجهاد بحسب مفهومها، هو الوسيلة لإعادة أسلمتها وتأسيسها من جديد على القواعد نفسها التي أسست عليها دولة المدينة، بينما تنظر أخرى، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، إلى الأفراد والمجتمعات والدول الإسلامية على حقيقتهم مسلمين غير ناقصي العقيدة، ولكنها تهدف إلى إعادة تنظيمهم حسب الشريعة الإسلامية، ولا تتوقف، في تفسيرها للنصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، عند ظواهر النصوص وألفاظها، بل توسع من نظرها ليشمل مقاصد الشريعة ومصالح الناس وأسباب النزول واجتهادات الفقهاء، كما لا تتوقف مرجعيتها التاريخية عند المرحلة النبوية والخلافة الراشدة فقط، بل تتسع لتشمل التاريخ الإسلامي وتراثه الموزع على قرونه الأربعة عشر، والذي تستقي منه مصطلحاتها وقياساتها على الواقع المعيش، ولكن يظل الإسلام بمثابة الوعاء الحضاري الديني التاريخي الذي تستمد منه رؤاها لتنظيم المجتمعات والدول التي توجد فيها.
كما يتأصل إدراك الحركة الإسلامية لبيئة الواقع المجتمعي المعاش في رؤيتها الإصلاحية الشاملة، التي تقدمت بها وفق مرجعيتها المستندة إلى كتاب الله تعالي وسنة الرسول، باعتبار "الشريعة الإسلامية مصدر القوانين والتشريعات، وهي نصوص ثابتة ومقاصد عامة، واجتهاد مستجد، يلبي حاجات التطور والتغيير تأكيداً لخصائصه الإنسانية والعالمية الخالدة"؛ سعياً "لإقامة شريعة الله في الأرض وبناء الحياة على أسس العدل والحرية في مجتمع مدني مرجعيته إسلامية"، تدرجاً من الفرد والأسرة والنظام والمجتمع، وصولاً إلى الأمة، عبر تحقيق إصلاح وطني شامل على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والتربوية، للنهوض بالأردن.

العلاقة مع الدولة

حضرت العلاقة بين النظام السياسي والإخوان المسلمين، المتنقلة ضمن مسارات التعايش والاستقرار والتوظيف المتبادل والتوتر، في طبيعة عملهم وحجم نشاطهم، تبعاً لإرهاصات المشهد الداخلي، بما تخلله من حالة فرض الأحكام العرفية عام 1967، والحظر المفروض على الأحزاب السياسية منذ عام 1957، وتعطيل الانتخابات النيابية منذ عام 1967 (باستثناء الانتخابات التكميلية عام 1984)، والتي تم إعادة النظر فيها لجهة إلغائها بعد عام 1989، عدا تداعيات البيئة الإقليمية الدولية، وصولاً إلى التطورات والتفاعلات الجارية في المنطقة، منذ زهاء الأربعة أعوام تقريباً، والتي وجدت طريقها ضمن سياق العلاقة الثنائية.
على الرغم مما حظيت به جماعة الإخوان، منذ تأسيسها، من علاقة خاصة بالنظام اتسمت بقدر كبير من التعايش والاستقرار، فإنها لم تخلُ من تكدرات آنية.
إذ عرفت الفترة بين عامي (1953-1957) أحداثاً وتحركات شعبية واسعة، في خضمّ الرد الشعبي على العدوان الصهيوني و"نكبة" عام 1948، تصاحبت مع إبراز الإخوان البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية عبر عقد المؤتمرات، مثل مؤتمر القدس عام 1953، على الرغم من تقييد الحكومة لعمله بداية ورفع الحظر عنه تالياً في عام 1956. وقد شهدت تلك الفترة توتراً في العلاقة الثنائية، أسهم فيه تأثير العلاقة المضطربة بين النظام والإخوان في مصر، وتبعات توجه الأردن للانضمام إلى حلف بغداد، وتشكيل سليمان النابلسي أول حكومة يسارية في الأردن، بما دفع الإخوان للامتناع عن المشاركة فيها والتزام صف المعارضة.
اتسمت العلاقة في عهد الملك عبدالله الثاني بأزمات متتالية، إزاء غياب القنوات السياسية وقواعد التفاهم السياسي السابقة، مقابل إدارة ملف الجماعة من خلال الأجهزة الأمنية، وسط قلق رسمي من النفوذ المتزايد لحركة "حماس" داخلها. وقد انعكس رصيد الاحتقان من خلال ما اعتبرته الجماعة تدخلاً رسمياً مضاداً لها في الانتخابات البلدية والنيابية عام 2007، مما عزّز خطاب التيار المتشدد داخلها أمام تراجع حضور المعتدلين، ومن ثم اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات النيابية لعامي 2010 و2013 على التوالي.
لكن المضيّ الرسمي في تلبية ما يذهب إليه الإخوان "كصكّ شرعية" للنظام، يعني بالنسبة إلى الأخير انقلاباً سياسياً عليه، في ظل حجم المكون الأساسي لقاعدتهم الشعبية التي تضمّ معطى معتبراً لأردنيين من أصول فلسطينية، بما يشكل هذا الملف من حساسية بالغة لديه.

حدة التوتر

لم تخلُ تلك المرحلة من إرهاصات التوتر الذي بلغت حدته مع قرار الحكومة بوضع اليد على جمعية المركز الإسلامي الخيرية، عام 2006، وإحالة ملفها إلى القضاء بحجة وجود مخالفات وتجاوزات في عملها، فما تزال القضية منظورة أمام المحاكم ولم يبت فيها حتى الآن، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين رحبت بقرار الحكومة، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، بتعيين القيادي الإخواني جميل الدهيسات رئيساً للهيئة الإدارية المؤقتة للجمعية.
غير أن سلسلة القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية- مؤخراً- بحل جمعيات خيرية، ومنها جمعية الزهراء في محافظة الزرقاء، التي تضمّ بين صفوفها أعضاء منتسبين للجماعة، وذلك "تطبيقاً لأحكام المادة (20) من قانون الجمعيات" الخيرية، وليس "تهديداً لجماعة الإخوان المسلمين"، وفق مسئول في وزارة التنمية الاجتماعية، أثارت انتقادات واسعة من جماعة الإخوان لما اعتبرته "سلسلة متوالية لاستهدافها ومحاصرتها وتجفيف منابعها". 
تزامن ذلك مع توجه الحكومة لفتح ملف النقابات المهنية من خلال إقرار قانون موحد ينظم عملها وإدارة الانتخابات فيها، والذي جاء في ظل نتائج انتخابات نقابات المهندسين والمعلمين والصيادلة التي أسفرت عن سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على أغلبية مقاعدها.
أفرز ذلك قراءات مختلفة لمسار علاقة النظام مع إخوان الأردن، تتراوح بين اتخاذ قرار رسمي بحظر الجماعة، وهو الأمر الذي يستبعده سياسيون، أو فتح حوار معها، والذي إن تحقق لن يأذن بالانفتاح أو يعيد العلاقة إلى عهدها الأول، مقابل تركها رسمياً إلى حين تأثرها سلبياً بمتغيرات المنطقة وخلافاتها الداخلية الحادة، التي وقفت، كأحد الأسباب، وراء قرار "المجموعة الإصلاحية" من داخل أوساطها بإعلان المبادرة الوطنية للبناء، التي باتت تعرف بـ"مبادرة زمزم"، وتم إشهارها علناً خلال حفل أقيم في 5/10/2013، بوصفها "أول خطوة عملية على طريق تشكيل حالة أردنية وطنية أصيلة بمرجعية إسلامية تسهم في بناء الدولة الأردنية المدنية الحديثة".

شارك