الإيزيدية.. ديانة السر.. موزاييك التراث الديني العراقي
الإثنين 14/يوليو/2014 - 08:03 م
طباعة
مدخل
خلال الأسابيع الماضية، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش" 24 فردًا من أبناء الطائفة الإيزيدية، وطلبوا 1.2 مليون دولار، مقابل إطلاق سراحهم.
وأكد أقرباء المخطوفين عن طريق نشر نداءات في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين الحكومة العراقية وإقليم كردستان والخيرين- المساعدة في دفع الفدية 50 ألف دولار عن كل مخطوف، في حين تعاني عائلاتهم من الفقر وعدم القدرة على دفع مبالغ كبيرة، مقابل إطلاق سراح أبنائهم.
وناشد أمير الإيزيدية في العالم "تحسين سعيد بك"، المنظمات الدولية بالتدخل لمساعدة نازحي مدينة الموصل، فيما دعا السلطات الحكومية والأمنية إلى حماية أرواح المدنيين.
وأضاف سعيد بك أن "آلاف العوائل الموصلية نزحت إلى مناطق الإيزيدية إلى منطقة بعشيقة وبحزاني وختارة والقوش وسنجار، مما شكل ضغطاً كبيراً على المنطقة"، مطالباً بـ"تدخل المنظمات الدولية لتوفير الخيم والمساعدات الضرورية للنازحين".
نتناول في هذاالملف "الإيزيدية"...اصولها...تاريخها..علاقتها بالديانات القديمة..موقف الاسلام السني والشيعة منها
نشأة الإيزيدية
شعار الإيزيديين
يعتقد الإيزيديون أن الإيزيدية هي الديانة الأقدم في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم يشْكون من قلّة الأدلّة التاريخية والأركيولوجية التي تعزز ما يذهبون إليه، ورغم إيمانهم بوحدانية الله، إلاّ أن بعض الباحثين والدارسين يصفونهم بعبدة النار والشمس والشيطان، وذلك لأنهم يقدسون النور وكل مصادر الضوء التي تنير الظلام.
أغلب الدراسات عن الإيزيدية تشير إلى أنها نشأت سنة 132هـ، إثر انهيار الدولة الأموية، تقدس يزيد بن معاوية وإبليس (الذي يسمونه طاووس ملك) وعزرائيل، ويتردد أتباعها على المراقد والأضرحة، ولهم عقيدة خاصة في كل ركن من أركان الإسلام، ولهم أعياد خاصة كعيد رأس السنة الميلادية، ويجيزون لليزيدي أن يعدد في الزوجات حتى ست، إلى غير ذلك من الأقوال الضالة والكفرية.
سبب التسمية
أما عن سبب التسمية فهناك العديد من الروايات، منها أنهم سُموا بذلك نسبة إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، حيث يظنون أنه دخل في دينهم.
ورواية ترى أن الإيزيدية نسبة إلى مدينة (يزد) الإيرانية، حيث يعتقد البعض بظهور الإيزيدية للمرة الأولى في تلك المدينة.
فيما تشير رواية ثالثة إلى أنها نسبة إلى كلمة (يزدان) أو (إيزدان) التي تعني "الله" في اللغة الكردية، وأن هذه الديانة كانت موجودة قبل مجيء الإسلام واليهودية والمسيحية، وأنها تتبع نبي الله إبراهيم وإسماعيل.
وهناك من يربط بين الإيزيدية والميثرائية، تلك الديانة القديمة التي انتشرت في مناطق من إيران قبل ميلاد المسيح بفترة من الزمن، حيث وجدوا طقوسًا مشتركة بينهما.
وقيل إنهم ينتسبون إلى رجل من الإباضية اسمه يزيد بن أبى أُنيسة، كان يزعم أن الله سوف يرسل نبياً من العجم، وينـزِّل عليه كتاباً ينسخ القرآن، وقيل: بل هم جماعة انحرفت حين أخذت فلسفة الغُلاة من الشيعة الإسماعيلية، وتأثرت بما جاء في رسائل إخوان الصفا، التي كتبها سراً فلاسفة الإسماعيلية.
ويؤكد بعض الباحثين الإيزيديين إذ يعدون الديانة الإيزيدية امتدادًا للديانة الميثرائية كونها تتكون من أعراق وتقاليد دينية شبيهة بما كانت موجودة في الديانة الميثرائية.
تذهب المصادر والكتب التاريخية التي تبحث في نشأة الدين الإيزيدي إلى أنها ديانة مغرقة في القدم وهي من بين مجموعة من الديانات الشرقية الهندو إيرانية، التي تسبق الديانات السامية بقرون.
التركيب العرقي لأتباع الديانة الإيزيدية
تذهب المصادر والكتب التاريخية إلى أن غالبية معتنقي هذه الديانة ينتمون إلى الشعب الكردي وجذوره الممتدة في أحشاء التاريخ ومنطقة الشرق، ويقول الكاتب والباحث الإيزيدي (درويش حسو): إن أصل الإيزيديين يرجع إلى النبي زرادشت، وكانوا يسكنون (اليزد)، وهي اسم لمنطقة في إيران انتشرت فيها الديانة الزرادشتية، وقبل هذا كان اعتقاد الشعوب الآرية في المنطقة بالإله الواحد وهم يسمون أنفسهم بـ"الإزداهيين"، أي شعب الله وأتباعه، ومنذ ذلك الوقت يسمون بالعقيدة اليزدانية (الأزداهية).
أما عن سبب هجرة الإيزيديين من منطقتهم (اليزد) فيعود إلى أنهم رحلوا عنها هربا من الضرائب والجزية المفروضة عليهم فقصدوا حلب وسنجار والشيخان وبحيرة وان والقفقاس، واتخذوا منها مواطن لهم وأطلقوا على أنفسهم اسم المنطقة التي رحلوا منها.
أما من الناحية القومية والدينية، فهناك من يقول بأن الإيزيديين يرجعون إلى القبيلة (التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه (مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ ابن العبري، وأخذ عنه هذا الخبر الراهب (راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر.
ويعتبر باحث عربي آخر أن الإيزيدية من الشعب الكردي وتعبر عن إيزيدية الشيخان بـ " الداسنيين"، والداسنيون هم من الأكراد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال "داسن" وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.
وإذا صحت نظرية " اولمستيد" بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل الى عشيرة "مسوري- موسري" الآشورية التي كانت في عهد " سنحاريب" فيما بين رافدي "الخازر"- يمكننا القول بأن إيزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.
أما إيزيدية سنجار، طور عابدين، ديار بكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين الى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون إلى سلالات كردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال " زاجروس" الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.
إذن أغلب الإيزيدية من الأكراد، وهو ما يوضح اعتراف حكومة كردستان بهم كديانة، وهناك الوقف الإيزيدي، كما أن هناك الوقف الإسلامي والسُني، بل ويعتبرهم مسعود بارزاني حاكم كردستان- العراق بأنهم أصل الكرد.
ووفق إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الإيزيديين نحو 600 ألف نسمة في العراق، ويضمهم إقليم كردستان، ويقطن غالبيتهم في محافظتي نينوي ودهوك الواقعتين 400 و470 كم شمال العاصمة العراقية بغداد.
ويتواجدون في منطقة كرمين الإيرانية، ولا توجد أخبار دقيقة عنهم، بسبب أوضاع إيران ونظامه الإسلامي.
كما يتواجدون في سوريا، ويبلغ عددهم حوالي 70 ألف شخص وفقا لجمعية كانيا سبي، وهم متواجدون بشكل رئيسي في محافظتي الحسكة وحلب.
أما في جمهوريات الاتحاد السوفيتي، فقد تم بناء معبد خاص لهم في روسيا، ويبلغ عددهم حوالي 250 ألف إيزيدي في روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة، ويقدر عدد الإيزيديين في أوربا بحوالي مليون إيزيدي، وهم منتشرون في ألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا وبريطانيا والنمسا والنرويج وإيطاليا وفرنسا، التي يوجد فيها وحدها بلدة شبه كاملة من الإيزيديين، كما أنهم متواجدون في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
الديانة والمعتقدات
تعتبر الإيزيدية ديانة مغلقة، بل إنهم يعتقدون أن خلْقهم قد تم بمعزل عن العالم، فهم ينحدرون من آدم فقط وليس من السيدة حواء، لذلك فصلوا أنفسهم عن بقية الناس الذين يعيشون بينهم، وكونوا تجمعاتهم الخاصة.
يؤمن الإيزيديون بوجود الله الخالق الأكبر للكون، إلا أنه الآن لا يعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته طاووس مَلَك، الذي يرتفع في أذهان الإيزيدية إلى مرتبة الألوهية، حتى إنهم يسبحونه ويتضرعون إليه ويكادون ينسون من أجله الإله الأكبر المتعالي عن هذا العالم.
وبعض الكتّاب والباحثين ومسلماتهم، كون الإيزيدية من بقايا المانوية أو الزرادشتية، أنا لا أنكر وجود قرائن وعادات وطقوس متشابهة بينهما، كما توجد عبادات متشابة بين الإيزيدية والديانة المصرية القديمة أو الإغريقية والسبئية فيما يخص تقديسهم الشمس مثلا، حيث إن البيئات الجغرافية المتشابهة تخلق عبادات وثقافات متقاربة، دون أن يكون هنالك احتكاك بين المجموعات البشرية المختلفة.
وإذا كانت "الثنوية" هي المرتكز العقيدي للديانة المانوية وأنه مبني على التطرف في الزهد والتنسك وتقديس الموت واحتقار ماديات الحياة وتحريم الزواج واعتبار مؤسسة ماني أساس التصوف- فإن الإيزيديين لم يحفظوا في تراثهم الديني ولا في حكاياتهم الشفهية نبياً باسم (ماني) أو (زرادشت)، ولا يصوم الإيزيديون 30 يوماً في أبريل، كما كان يفعله المانويون، كما أن رابطة الزواج مقدسة لدى الإيزيديين عكس المانوية التي حرمها، وأن قتل الطيور والحيوانات مباح لدى الإيزيدية وليس محرماً كما كان الحال عند المانويين.. إلخ.
أهم النقاط التي تقوم عليها الإيزيدية
- لا وجود لإله للخير وآخر للشرّ عند الإيزيدية، بل إن قوة الخير والشرّ تجتمعان في الإله ذي الثنائية في الواحد، ويأتي في أحد أدعيتهم:" يا ره بي خيرا بده، شه را وه ركه رين، بمعنى: يا رب امنح الخير وامنع الشرّ". وفي هذا الجانب تلتقي فكرة الإيزيدية مع المذهب الجبري أو القدري في الإسلام، كون مفهوم الخير والشرّ هو من عند الله، وأن الانسان مسيّر لا مخيّر.
- دفن الموتى عند الإيزيدية واعتبار القبر هو البيت الحقيقي والأبدي للجسد.
- ليس للروح بداية أو نهاية، بل إنها سرمدية خلقها الله قبل كل شيء ووضعها في( القنديل ) قبل أن تنتقل إلى جسم الكائن وتخرج منه بعد مماته.
- يعتقد الإيزيديون "أن الأرض والسماء، والبحار والأنهار، والجبال والوهاد لم تكن موجودة من قبل، وإنما كان هناك الإله الجبار الذي خلق العناصر الأربعة: الأرض والماء والهواء والنار، من لؤلؤة فتدفق منها الماء الذي جرى صوب البحار والمحيطات، ثم صنع سفينة وركب فيها هو وأصحابه الأربعة الذين جابوا الجهات الأربع وحينما وصلوا لالش وجدوا فيها ضالتهم المنشودة، فهي المكان الأجمل من وجهة نظرهم. أرسوا سفينتهم هناك وألقوا خميرتهم في البحر فتحول الغمر إلى أرض صلدة. ثم تصاعد الدخان فتزينت السماوات السبع".
- يعتقد الإيزيدية بالكواكب السبعة المقدسة لدى العراقيين، لكنهم غيروا أسماء الآلهة البابلية بأسماء الملائكة السريانية المسيحية: يودائيل وإسرافيل وميكائيل وجبرائيل وشمنائيل ونورائيل، أما زعيم الملائكة الأكثر قدسية فهو إبليس (الملك الطاووس)، ويمثل هؤلاء الملائكة سبعة شيوخ مقدسين مثل الشيخ عدي والشيخ حسن وأبي بكر.
- يحتفلون بأول أربعاء من شهر أبريل بهبوط الملاك (طاووس) إلى الأرض، مثلما كان يحتفل أهل النهرين في بابل وآشور بشهر أبريل أو أشهر السنة حسب التقويم البابلي، لأنه شهر الربيع والخصب والميلاد والبداية، وهو عيد الإله يونيو ويبدو جليا أن هناك تشابها بين اسمي (طاووس وتموز)، نفس هذا الشهر أيضا كان يحتفل المانويون البابليون بيوم صلب (ماني البابلي) وخلوده في الأبدية، وكذلك هو عيد الفصح وعودة المسيح للحياة.
- اقتبسوا من المانوية مسألة تناسخ الأرواح وانتقال البشر بين حيوات عدة.
- يشتركون مع المسيحيين في الكثير من المناسبات والأعياد مثل عيد الفصح والقيامة وكذلك التعميد بالماء وقطع الخبز، ثم زيارة الكنائس والحج لمزار الشيخ عدي المقدس لدى المسيحيين في العراق.
- يحتفل الإيزيديون بعيد (القربانط) أي عيد الأضحى حيث ضحى النبي إبراهيم بولده إسماعيل، ويعتمدون التقويم الشمسي الشرقي الذي كان يعتمده من قبلهم أهل النهرين في بابل وآشور.
- يمتلكون تنظيما دينيًا هرميًا مثل نظام الكنيسة المسحية والمانوية وكذلك الشيعة الجعفرية.
ـ يقدسون أحفاد عدي والحسن البصري مثلما يقدس الشيعة أحفاد الإمامين علي والحسين.
ـ أخذوا عن المذهب الشيعي، أحد المذاهب الاسلامية، (البراءة) وهي كرة مصنوعة من تراب مأخوذة من زاوية الشيخ عدي يحملها كل يزيدي في جيبه للتبرك بها، وذلك على غرار التربة التي يحملها أفراد اتباع المذهب الجعفري الاثني عشري، وإذا مات اليزيدي توضع في فمه هذه التربة، وإلا مات كافراً.
العلاقة بين الإيزيدية والديانات القديمة
هناك العديد من جوانب الصلة بين الإيزيدية والديانات القديمة، وفي مقدمتها، بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد:
عيد رأس السنة يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر أبريل، وكان يسمى بعيد (أكيتو) عند السومريين و(سرصال) عند البابليين والإيزيديين، وكذلك مهرجانات الربيع (احتفالات آلهة المدن) ويسمى عند الإيزيديين بـ(الطوافات)، ولكل قرية إيزيدية مهرجانها (يبدأ بعد عيد رأس السنة ويستمر الى أواخر شهر يونيه)، ويوم الأربعاء من كل أسبوع هو اليوم المقدس لدى الإيزيدية مثلما كان الحال عند البابليين.
الإله الواحد
وكذلك التقارب الكبير بين الإله آنو السومري والإله نابو وطاووس ملك الإيزيدي في المجالات التالية: الإله الواحد، ذو الثنائية في الواحد، أي تتجسد في الإله الواحد قوى الخير والشّر، النور والظلام في آن واحد، والرمز المقدس الأعلى لدى الديانات الثلاث.
الحية
تلعب الحيّة دوراً كبيراً في ميثولوجيا الإيزيدية وكذلك في ميثولوجيا الشعوب المختلفة، وتحتوي الأحاديث التي تروي عن الحيّة تناقضات الحياة، فهي التي ترتبط بالحياة والموت وترمز للخير والشّر في آن واحد وتعبر عن الحكمة والدهاء وهي رمز تفاؤل حيناً وشؤم أحياناً أخرى، وحامية لخزائن المال والحكم، ويجري الحديث عنها بنوع من التبجيل والاحترام والخوف معاً.
أهمية طاووس ملك عند الإيزيديين
طاووس ملك هو اسم لكبير الملائكة، يعبده الإيزيديون ومصطلح طاووس ملك تختلف حوله الآراء: فالبعض يرى أن الصيغة الكردية الإيزيدية لاسم الإله (دموزي) هو(تاووسي ملك)، وهي كالتالي "(دوموزي- تاموزي- تاووزي- تاووسي ملك وفي الصيغة البابلية والعبرية لاسم دموزي- تاووسي ملك هو (تموز)".
وهناك رأي يرى أن كلمة طاووس ترجع إلى كلمة الطوس أي حسن الوجه ونظارته، ومنه اشتق طاووس، أو أن هذه التسمية تعود إلى ما ورد في رواية غواية إبليس لآدم وحواء واشتراك الطاووس فيها كواسطة بين الشيطان والحية.
أو ربما تكون مُشتقة من كلمة (لوغوس) اليونانية من مذهب هيراقليطس الذي هو قانون العالم (النار المبدأ الأول الذي صدر عنه كل الموجودات)، أما المؤرخ محمد أمين زكي بك فيرى أن مصطلح طاووس هو من أصل يوناني محرف من كلمة "تيئوسtheos بمعنى الله".
وطاووس ملك عند الإيزيديين وهو رئيس المجمع الملائكي أو الآلهة الستة، وعند الإيزيديين هو متحد مع ذات الله الواحدة وهو ممثلها فهو يتصف باللاتناهي والمطلق والكلية والشمولية، وهو بمثابة الله نفسه وذلك بدليل أن الله خلقه قبل كل شيء، قبل كل الكائنات كلها، وكلفه (الله) بإدارة شئون الكون وجعله حاضرا في كل الجهات، فيرسل خدامه وأعوانه لجميع النواحي للتفريق بين الضلالة والهداية، بين الكفر والإيمان.
وفي (مصحف رش) أي الكتاب الأسود وهو الكتاب المقدس عند الإيزيديين والذي بمثابة القرآن عند المسلمين والإنجيل عند المسيحيين، مذكور فيه بأن الله خلق العالم يوم الأحد، وخلق ملكًا اسمه عزازيل، وهو طاووس ملك رئيس الجميع.
إن عزازيل الإيزيدي مختلف تماما عن عزازيل في التوراة، فالأخيرعنيد ومتمرد ومقاوم للرب، والإله (يهوه) يدفعه لعمل الدسائس بالأنبياء والبشر.
وطاووس ملك ـ كما أسلفنا ـ المخلوق الأول الذي خلقه الله في البدء، وقد امتحنه بعد أن أوصاه، وهذه الرواية يحدثنا بها (مصحف رش): "خلق الله طاووس ملك من سره العزيز نوره.. لأول مرة قبل أن يخلق الإله الملائكة الستة الآخرين.. إنه مخلوق من نور ذاته.. فكان لا بدّ أن يتمسك بوصية (الله) وألا يسجد إلا له.. وبعد أن خلق الله الآلهة الملائكة الستة الآخرين وسلم أمرهم إلى طاووس ملك.. حينها أمر الله طاووس ملك كي يهبط إلى الأرض ويجلب منها حفنة من التراب ففعل ذلك.. ثم صنع الملائكة منه هيكلًا فنفخ الله فيه الروح وسماه آدم فسجدوا لآدم كلهم ما عدا طاووس ملك.. حينها سأله الله عن سبب عدم سجوده فأجاب: كيف أسجد لغيرك وأنت الذي أوصيتني ألا أركع إلا لجلالتك، ثم كيف أسجد لآدم الذي هو من تراب وأنا مخلوق من نورك؟
عباداتهم
عبادة الإيزيديين مزيج مختلف من الديانات الأخرى
الصوم: ينقسم الصيام عندهم إلى صيام عام وصيام خاص، فالعام هو صوم كل الإيزيديين لتسعة أيام تتوزع على ثلاث فترات : صوم إيزيد أو طاووسي ملك في أواسط شهر أكتوبر.
وصوم شيخ شمس لمدة ثلاثة أيام أيضا في شهر أكتوبر أيضا، وصوم خدر إلياس لمدة ثلاثة أيام أواسط شهر فبراير وهو إجباري على كل من يحمل اسم خدر وإلياس.
أما الصوم الخاص فهو ليس إجباريًا، ومنه رجال الدين يصومون أربعينية (أربعين يوماً) الشتاء والصيف، ولا ننسى أن كل عائلة إيزيدية تصوم يوماً خاصاً لرب البيت (خودان) في شهر ديسمبر أيضاً ويسمى هذا (روزي خودانا - صوم صاحب البيت).
وفي الصيام يمتنع الإيزيدي عن تناول الطعام من بزوغ الفجر حتى غياب الشمس الظاهرة، وهو يتقارب في ذلك مع طقوس صيام المسلمين فـي شـهر رمضان.
أما صلاة الإيزيديين فهي صلاتان: واحدة عند الفجر مع بزوغ الشمس المقدسة- عندهم- والثانية عند غيابها وتكون قائمـة على الدعاء أو بعض الترانيم التمجيدية، فلا تمتاز بسمة خاصة. ويفترض بالمصلي صباحاً أن يكون مستيقظاً قبل بزوغ الفجر، يقول الله في كتابهم المقدس: "صلوا لنا كل يوم مرتين، واذكروني في أعماق قلوبكم ولا تنسوني في ليلة النيروز، صلوا سبع مرات واقرأوا الأدعية بإيمان ويقين وخشوع وخضوع".. ويؤدي الإيزيديون أكثر من أربعة أدعية عند الظهر وقبل النوم. كما يعد العمل مقدسا وجزءاً من الصلاة.
والزكاة: تجمع بواسطة الطاووس ويقوم بذلك القوالون وتجبى إلى رئاسة الطائفة.
والحج: يقفون يوم العاشر من ذي الحجة من كل عام على جبل عرفات في المرجة النورانية في لالش بالعراق.
ويحرم الإيزيديون التزاوج بين الطبقات، ويجوز للإيزيدي أن يعدد في الزواج إلى ست زوجات، ويحرمون اللون الأزرق، لأنه من أبرز ألوان الطاووس.
- يحرمون أكل الخس والملفوف (الكرنب) والقرع والفاصوليا ولحوم الديكة، وكذلك لحم الطاووس المقدس عندهم، لأنه نظير لإبليس طاووس الملائكة في زعمهم، ولحوم الدجاج والسمك والغزلان ولحم الخنزير.
كما يحرمون حلق الشارب، بل يرسلونه طويلاً وبشكل ملحوظ.
قدسية معبد لالش لدى الإيزيديين
لالش موقع مقدس لدى الإيزيديين يقع في منطقة جبلية قرب عين سفني حوالي 60 كم شمال غرب مدينة الموصل في شمال العراق، تقع فيها معبد لالش النوراني وقبر الشيخ عُديّ بن مسافر، المقدس لدى أتباع الديانة، كما أنها مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزيدية في العالم، حيث يحج الإيزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل إلى لالش حيث يستمر الحج مدة ستة أيام، أما الإيزيديون القاطنون في المنطقة فيقومون بحج سنوي خلال فصل الخريف من 23 أغسطس وحتى الأول من أكتوبر.
يحج الإيزيديون سنوياً إلى لالش الذي يُعد المركز الروحي لجميع الإيزيديين، ففيه ضريح الشيخ عدي بن مسافر، وهو رجل صوفي عاش في القرن الثاني عشر، ويعتبرونه المعلّم الذي حدد العقائد، وهو الهادي إلى الطريق الصحيح، فلا غرابة أن يعتبروه نبياً ومنقذاً لهم، فهو الذي قال لهم: "كنتُ حاضراً عندما كان آدم يعيش في الجنة، وكذلك عندما ألقى النمرود إبراهيم في النار، وكنت حاضراً عندما قال لي الله أنت الحاكم وأنت إله الأرض".
ورغم تعرض الإيزيدين إلى 72 حملة إبادة على مر العصور إلا أنهم احتفظوا بكتبهم المقدسة وتراتيلهم الدينية، فلديهم "كتاب الجلوة" و"مصحف رش" أو "الكتاب الأسود"، وكان لديهم نحو 12 ألف بيت شعر دمرت وأحرقت غالبيتها ولم ينقذوا منها سوى (200) بيت من الشعر المكتوب باللغة الكردية، وتعتبر من أقدم النصوص التي تعود إلى نحو ألف سنة تقريبًا.
يصف الباحث الأثري عبد الرقيب يوسف، المعبد بأنه أقدم موقع قائم في كردستان، حيث يرجع تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهو امتداد للتراث والديانة الميثرائية التي كانت قائمة ومنتشرة في كردستان.. ويستند الباحث في هذا القول إلى وجود العديد من رموز الديانة الميثرائية فيه، كما أن هذا القول يؤكده بعض الباحثين الإيزيديين إذ يعدون الديانة الإيزيدية امتدادا للديانة الميثرائية، كونها تتكون من أعراق وتقاليد دينية شبيهة بما كانت موجودة في الديانة الميثرائية.
في حين يقول الكاتب الإيزيدي بير خدر سليمان: (إن لالش كلمة كردية متكونة من «لا - ولاش» بمعنى في مكان الهدوء «هش من لاش» كما يشير إليه، الإيزيدية بمعنى «الموقع المقدس – لا له لش».
وإلى ذلك تنتشر على جانبي الوادي الجبلي قباب ومزارات عديدة لأولياء الإيزيدية، ولكل واحدة حجمها الخاص من البناء مع شكل موحد، فبعضها مخروطية تضم اثني عشر مفصلاً، دلالة على عدد أشهر السنة، في حين تستند أخرى إلى قاعدة مربعة دلالة على الجهات الأربع، وهي تتجه نحو الشمس، لما لها من مكانة مقدسة في الديانة الإيزيدية، كما تنتشر في الأطراف الدكات والمواقع التي يجلس عليها الزائرون، متوزعة بين كل زاوية وخطوة باتجاه القناديل.
يقول بابا جاويش الذي يعمل في المعبد بمهمة الإرشاد الديني والإشراف عليه: هناك أكثر من 365 موقعاً يتم فيه إشعال الفتايل (قناديل - جرا) مساء كل أربعاء، مضيفا بابا جاويش الذي يعمل في المكان منذ سبع عشرة سنة: « يوجد في لالش ست قباب كبيرة، أبرزها قبة مزار شيخ عادي، شيخ شمس، شيخو بكر وكانيا سبي، وأكثر من أربعين موقعا ومقاما مقدسا لأوليائنا العظام، ولكل واحد موقعه ومقامه لدى الإيزيدية».. ويصف بابا جاويش المكان بأنه (لا مثيل له في المعمورة، حيث تشعر النفس فيه بالاطمئنان والرهبة، لأنه مقدس في كل شيء).
وهناك موقع (كانيا سبي - العين البيضاء) الذي يعده الإيزيديون أقدس موقع في المعبد، وهي بركة ماء زلال تنزل في حوض عبر مدخل بوابة العين وعلى اليمين منها موقع السادن الذي يشرف عليها، وهنا يتوجب على كل شخص إيزيدي أن يرش الماء عليه في هذا المكان، خاصة أولئك الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد، وهذا الأمر بمثابة التعميد الموجود لدى المسيحية، وفي لحظة وصولنا لهذا المكان وجدنا عائلة قادمة من قضاء سنجار تقوم بهذه المراسيم وهي رش الماء على كل الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد.
أشهر أعياد الإيزيدية
للإيزيدية عدة أعياد موزعة على فصول السنة الأربعة، ولكل واحد من هذه الأعياد تاريخ محدد، ولها معان ومدلولات خاصة بها، ولكل منها طقوس وممارسات ذات معان، ترتبط بالعيد وأسبابه ومناسبة حدوثه.
عيد رأس السنة: تبدأ سنة الإيزيدية في أول شهر أبريل، ويقع في يوم الأربعاء. ويزعم الإيزيديون أن (طاووس ملك) هبط في مثل هذا اليوم الى الأرض، ليخلص موسى عليه السلام وصحبه من كيد الفراعنة، كما كان يحتفل البابليون والآشوريون بشهر أبريل أول أشهر السنة البابلية، لأنه شهر الربيع والخصب والميلاد والبداية، ويعتبر الإيزيديون شهر أبريل الشرقي كله عيدا مقدسا فلا يتزوجون في النصف الأول منه، ولا يحفرون أرضا ولا يقيمون بناء، ولا يكتبون عقد بيع أو شراء.
- عيد القربان: وهو العيد القريب من عيد الأضحى عند المسلمين ويقع في أول يوم من حلول عيد الأضحى عند المسلمين ويسمونه أيضا بعيد الحج.. ويقولون إن الله تعالى أمر إبراهيم الخليل في هذا اليوم أن يذبح ولده إسماعيل، ثم هيأ له كبشا فداه به. ويحج الإيزيديون في هذا العيد مرقد الشيخ عدي فيتضرعون بالدعاء.
- عيد أربعانية الصيف: ومدته خمسة أيام تبدأ من اليوم الحادي عشر من شهر يوليه، وتنتهي في اليوم السادس عشر منه حيث يذهب رجال الدين الإيزيديين إلى مرقد الشيخ عدي، ليصوموا أياما ثم يعودون الى ديارهم ليتموا صيام أربعين يوما، لأنهم يعتقدون أن الشيخ عدي كان يصوم أربعين يوما في الصيف.
- عيد الجماعة: واعتبر من أهم أعياد الجماعة الإيزيدية ومن أعظمها شأنا، وأكثرها خطورة، ويعتقد الإيزيدية أن في هذا الشهر تغفر الخطايا والذنوب. وهو عبارة عن سلسلة احتفالات تستمر لمدة سبعة أيام واجبة على كل يزيدي ويزيدية، تبدأ من اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، وتنتهي في الثلاثين منه.
كما يقوم الإيزيدية بالاغتسال ببئر زمزم كما يسميه الإيزيدية ويقولون: إن الشيخ عدي قد جاء يوما الى هذا المكان فلم يجد ماء، فطلب المتشيعون له أن يجترح لهم آية، فأخذ الشيخ عكازته وضرب الصخرة وقال للماء بالعربية: (زم، زم) فزم.
- عيد يزيد: ويقوم الإيزيديون بصيام ثلاثة أيام (الثلاثاء والأربعاء والخميس) والتي تسبق أول يوم جمعة من شهر ديسمبر- أقصر أيام السنة وأبرزها ويجعلون اليوم الرابع عيدا عاما يسمونه (عيد صوم يزيد) فيقيمون الولائم والأفراح.
- عيد بلندة: يقع هذا العيد في اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، أي بعد عيد يزيد بخمسة وعشرين يوما ويسمونه بعيد الميلاد.
- عيد العجوة: يقع هذا العيد في اليوم السابع من شهر يناير، أي بعد مرور 12 يوما على عيد الميلاد.
- عيد أربعانية الشتاء: ويقع هذا العيد في العشرين من شهر يناير من كل سنة، أي بعد حلول عيد العجوة بخمسة عشر يوما، ويجري فيه ما يجري في عيد (أربعانية الصيف) من صوم وإفطار وزيارة، ويقول الإيزيدية: إن في هذا العيد قرب الشيخ عدي إليه أربعين من رجاله الصادقين فعلمهم أحوال الدين اليزيدي.
- عيد خضر إلياس: ويقع هذا العيد في أول يوم خميس من شهر فبراير، وقد يصوم البعض من الإيزيدية الأيام الثلاثة التي تتقدمه (أي أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء).
- عيد المحيي: وهو من الأعياد القريبة من المسلمين والمعروف عند المسلمين ليلة النصف من شعبان حيث يحيونها حتى الصبح. كما توجد أعياد لدى الإيزيدية كعيد الطوفان وأعياد الجمع وعيد حضور السنجق.
وهناك العديد من الأدعية وشعائر الإيزيديين أنهم موحدون بإله واحد ويقولون في صلاة الفجر "باسم الله (يزدان) المقدس الرحيم الجميل، إلهي لعظمتك ولمقامك ولملوكيتك، يا رب أنت الكريم الرحيم الإله، ملك الدنيا، مملكة الأرض والسماء، ملك العرش العظيم. يارب إنك أزلي قديم، يا رب إنك حتى الأبد أمنية الروح. يا رب إنك ملك الإنس والجن، ملك الكرسي والعرش.
الموت و التناسخ
يعتقد الإيزيديون أن الروح تتناسخ وتحل في جسد آخر حيث الزاني تنزل روحه إلى خنزير، والكاذب تنزل روحه إلى جحش حمّال ومتعب، والظالم تنزل روحه الى كلب دنيء صغير.. واذا مات ولد لا يعرف الخير والشر فيبقى أربعين يوما في جنة شداد بن عاد وبعده ترجع روحه إلى البشر، فإن كان ذكراً فتحل في ذكر، وإن كان أنثى ففي أنثى، ومن مات سارقا تنزل روحه إلى هرة، ويعتقد الإيزيديون أن البعض ينتقل سبع مرات من جنس إلى جنس آخر أو من جلد آخر بالترقي إلى أن يصير إلى الغزال أو الخروف.. وبعده يرتقي إلى فرس أصيل عند أحد الملوك أو الأمراء، وبعد ذلك يلبس الجسد الإنساني ثانية.
إذا مات واحد من الإيزيدية يجب أن يكون عنده شيخ يحضر له قليلاً من تراب الشيخ عادي يضعون منه قليلا بكفه وعلى وجهه، يمسحونه به قبل دفنه، وبعد الدفن يضعون قليلاً من بعر الغنم على قبره خوفا من أن تأتي الوحوش عليه. والكواجك (وهم فئة من الفئات الاجتماعية) يسهرون على قبر الميت، وبالأحلام والاكتشافات يعرّفون أهل الميت ماذا صار بعد موته، وبأي صورة وشبه أيضا رجع لهذا العالم مرة ثانية.
طبقات المجتمع الإيزيدي
وفي الديانة الإيزيدية مراتب دينية مرتبطة بالمراتب الاجتماعية وحسب نصوصها الدينية، التي تعتمد على الأدب الشفاهي، ولا تقر بوساطة بين البشر والله، بحيث جعلت العلاقة بين الطرفين مباشرة، أي لا تحتاج إلى أنبياء ورسل وتكتفي هذه الديانة بسبعة ملائكة من مساعدي الله يديرون شئون الكون معه وبأمره وإشرافه.
وينقسم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقات: طبقة الشيوخ والكبار والمريدين، ولا يجوز لهذه الطبقات أن تتزاوج فيما بينها، كما لا يجوز لهم الزواج من أتباع الديانات الأخرى.
ورجال الدين يسدلون لحاهم طيلة الحياة في حين عامة الطائفة من الشباب المتدين تربي شاربها حتى وإن كان غليظاً، ويعود سبب ندرة كتبهم المقدسة إلى أن الكتابة والقراءة محرمة عندهم، بسبب الظروف الاجتماعية والدينية التي عاشتها الإيزيدية.
وهناك مجموعة أخرى تُعرف بالقوالين وهم مثل الشيوخ والكبار والمريدين يرثون منزلتهم الاجتماعية بالولادة، لكنهم يتعلمون العزف على الناي والنقر على الدف، لأنهما من بين الآلات الموسيقية الأكثر تقديساً عند الإيزيديين، فقد صنعتهما الملائكة كما يزعمون، لأنها تجتذب الروح كي تدخل جسد آدم، حين قالت الروح: "لا أستطيع أن أستقر داخل جسد آدم ما لم أسمع صوت الناي والدف".
وتظل للمرأة في هذا المجتمع دورها البارز، فعلى الرغم من قسوة الأوضاع فإن ثمة نساء قمن بدور (الفقرا)، وهو دور يشبه دور الراهبات في الديانة المسيحية، حيث تقوم المرأة بالخدمة في ضريح الشيخ (عدي بن مسافر البعلبكي) وينذرن حياتهن لأداء هذه الخدمة دون أن يتزوجن، ويحرم على المرأة التي تنذر نفسها لخدمة معبد الشيخ عدي بن مسافر والبابا جاويش، الزواج أو التزين، ويوكل إليها إدارة شئون المطبخ، وتنظيف المعبد، وتحضير الماء، وجني الزيتون، وخزن زيته، وطبخ الحنطة، وعمل فتائل للمصابيح الزيتية لإضاءة المعبد، وإشعال وإطفاء المصابيح، ورغم ذلك فمن الملفت للنظر عدم جواز وجود النساء في المناصب الروحانية التي تعتبر حكرا على الرجال.
أما الرقص والغناء فهما يدخلان العديد من الطقوس والشعائر الدينية الإيزيدية، وعلى الموسيقيين أن يدرسوا الناي والدف وغيرهما من الآلات الموسيقية منذ طفولتهم كي يبرعوا فيها ويتقنوا ألحانها ويعرفوا أية قطعة تُعزف وفي أية مناسبة وهناك ألحان متعددة مثل سماع قانون وشرف الدين وزازا وما إلى ذلك وهي جزء أساسي من الموسيقى الكردية.
ويحرم على الإيزيدية أكل الخس واللهانة (الملفوف) والقرنبيط وبعض الخضروات التي تسمد بعذرة الأنسان، ولا سيما الخس، فأنه عندهم من أخس ما خلقه الله على وجه الأرض ومجرد رؤيته حرام، ويحرم عليهم من اللحوم لحم الخنزير والسمك بكل أنواعه وكذلك لحم الغزال، كما يحرم على اليزيدي حلق شاربه أو استئصالهما بالمقص غير أنه يستحب تخفيفهما أما أللحية فيجوز فيها كل ذلك، كما يحرم على الإيزيدي النظر إلى وجه المرأة غير الإيزيدية.
ومن الأعراف الإيزيدية "المكارفة"، وتقضي بأن يتخذ خلالها الإيزيدي شخصا أخر إيزيدي مثلـه أو مسلم يرتبط معه بعلاقات صداقة حميمة وتصبح عائلة كل واحد منهما محرمة على الأخر وتمتد هذه العلاقة والتحريم إلـى سبعة أجيال حيث يضحي الإيزيدي بماله وروحه من أجل التضحية لكريفة والمحافظة على حياته وشرفه.
كما توجد بين الإيزيدية عادات وطقوس دينية واجتماعية أخرى، مثل أخذ البسك (وهو قص شعر السوالف من قبل الشيخ للشاب) إضافة الى وجوب ختان الذكور فقط من خلال مراسيم وجود (كريف).
كما تسمح الديانة الإيزيدية بتعدد الزوجات وذلك حسب الاقتدار المادي، إلا أن هذه الظاهرة باتت قليلة فـي ظـل متغيـرات العصر.
ويتساوى النساء والرجال من حقهم بتعلم الدين، وكذلك بكل قضايا الحياة الأخرى،إلا أن العرف العشـائري النـاظم للحياة العامة في المجتمعات الإيزيدية جعل من قضايا الميراث حكرًا للرجال فقط، كما نلاحظ أن حالات القتل غسلاً للعار "جرائم الشرف" أصبحت جزءًا لا يتجزأ ًمن الموروث العشائري القبلي الناظم في حياة هذه الديانة.
ولعب الخوف من الإسلام الذي امتص العديد من أتباع هذه الديانة، دوراً بـارزاً فـي عـدد مـن الفتـاوى والمحرمات التي أصدرتها المشيخة، فحتى وقت غير بعيد كان يمنع على الإيزيدي التعاطي مع المسلمين أو طلب المساعدة منهم، كما أننا لم نستطع تفسير قضية مفادها إذا قام المسلم برسم دائرة على الأرض المحيطة بقدمي الإيزيدي، لا يخرج الإيزيدي منهـا حتى يقوم ذاته بمسحها أو فكها، وان كنا متأكدين ان الدائرة رمز للقسم والحلف عند الإيزيديين إلا انه يمكن اعتبارها رمزاً للشمس الطاهرة التي لا يجوز للإيزيدي المؤمن مسحها حتى وإن كانـت رمزًا.
لابد من الإشارة إلى أن الإيزيدي حينما يموت يُدفن في قبر بأيدٍ متصالبة، ويُوضع وجهه صوب الشمس، ولا يبالغ في بناء القبر. كما تُقرأ له بعض التراتيل الدينية المصحوبة بعزف آلتي الدف والناي ليس في وقت وفاته فحسب وإنما في مناسابات وأوقات أخرى.
موقف السنة والشيعة من الإيزيدية
يرى مركز الابحاث العقائدية احد المؤسسات الدينية بالعراق، أن الإيزيدية يخالفون شعائر الدين الاسلامي وليس مسلمون فشعائرهم التعبدية كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر فروض العبادة فإنها تخالف ما فرض الاسلام من ناحية الكم والكيف .
وأضاف المركز في فتوي له ان الخوف بالإيزيدية من الشيطان قد بلغ درجة أنهم تركوا عبادة إله الرحمة مبرئين أنفسهم من الخطأ في ذلك أن الله الذي لا حد لصلاحه وجوده ومحبته للخلائق، لا يفعل بهم شراً لأنه صالح، أما الشيطان فهو منقاد طبعا الى عمل الشر، لانه مصدر الشر ومبدأه، وعليه فالفطنة تقتضي على من يريد سعادة الحياة أن يهمل عبادة الله الصالح بطبيعته الذي لا يشاء عمل الشر، ويطلب ولاء الشيطان وحمايته تخلصا من أذاه، اذ للشيطان وحده أن يسلط الشرور وأن يدفعها .
كما أفتى أحد رجال المذهب السني، أن الإيزيدية فرقة منحرفة ضالة، خارجة عن الإسلام، فمن كان هذا دينه: لا يشك في كفره، ومنافاة دينه لدين الإسلام الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم .واعتبرهم من أهل الكفر الخارجة عن دين الإسلام، فهم فليس لهم كتاب أصلا، بل هي طائفة مرتدة، جمعت ألوانًا من الكفر في ملة واحدة .
ولكن ما يلفت الانتباه قيام وفد من جامعة الأزهر بزيارة المديرية العامة لشؤون الإيزيدية، يوم 28 مارس 2013، بغية التعرف عن قرب بالديانة الإيزيدية، في أربيل، ضم كل من الدكتور محمد عبد فضيل القوسي وزير الأوقاف المصري السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر والدكتور عبد المقصود باشا عضو هيئة كبار علماء الأزهر .
واستقبل الوفد من قبل السيد خيري بوزاني المدير العام لشؤون الإيزيدية، وقدم للوفد الضيف نبذة عن الديانة الإيزيدية، وشدد على أهمية التواصل وتمتين العلاقات بين المؤسسات الدينية الإيزيدية والمسلمة والمسيحية في إقليم كردستان وجمهورية مصر العربية . من جانبه عبر الوفد الضيف عن جل احترامهم للديانة الإيزيدية والإيزيديين، وأكد على التواصل وفي جميع المجالات بغية تكريس التعايش والتسامح بين جميع الأديان أكثر فأكثر .
رحلة الصمود الإيزيدي عبر التاريخ
واجه الإيزيديون عبر مراحل تاريخهم أكثر من مرحلة لمئات الاعتداءات والإبادة من قبل الحاكم للدولة العراق أو الدول العثمانية، فقد تحدث الأدب الشفاهي للإيزيدية عن 72 فرماناً لإبادتهم قد حل بهم خاصةً في العهد العثماني الذي كان يغزو قُراهم ومدنهم من خلال حملات عسكرية متواصلة، والتاريخ يتحدث عن جرائم بشعة ارتكبها المسلمون بحق الإيزيديين في سنجار ويعشيقا والشيخان (في كردستان العراق) حيث قامت تلك الجيوش بالهجوم على قراهم ومدنهم وألحقت الدمار والخراب، وقد حللت الفتاوى الإسلامية سبي نساءهم وقتل شيوخهم وأطفالهم ونهب ممتلكاتهم وأهم الفتاوى التي صدرت من قبل شيوخ وأئمة المسلمين التي أباحت قتلهم هي فتاوى الإمام أحمد بن حنبل في القرن التاسع الميلادي والإمام أبي الليث السمرقندي والمسعودي والعمادي وعبد الله الربتكي المتوفى في عام 1159 والموجودة في مكتبة السليمانية (في كردستان العراق) وهي مهداة إلى نعيم بك بابان ولم تقتصر الحملات العسكرية على الأتراك المسلمين فقط حيث يحدثنا التاريخ القريب عن حملة الأمير الكردي الأعور (الأمير محمد الرواندوزي) الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الإيزيدية في عام 1832 وجميع هذه الحملات التي كانت تبحث عن ذرائع وأسباب واهية لكي تنطلق الجيوش المعبأة بالحقد والكراهية لتقوم بدورها في القصاص من الأبرياء (الكفار) ولتنشر الإسلام في المناطق التي استعصت عليهم .
في العصر الحديث فقامت السلطات العراقية، وعقب سقوط الملكية ببلاد الرافدين وقيام الجمهورية العراقية، وإبان حكم حزب البعث بتدمير العديد من القرى الإيزيدية في سنجار وشيخان وتل كيف والقوش،في سنجار تم تدمير أكثر من 360 قرية عائدة للأزيديين وكذلك محلة البرج في مركز القضاء وتم إسكان أهاليها في 12 تجمع قسري عام 1975 .
وتم تدمير قرى الإيزيدية في منطقة تل كيف والشيخان والقوش ودهوك وقاييدة عام 1984- 1987وقد شملت قرى القاييدية التي كانت بمستوى مدن صغيرة،وفي إحصاء عام 1977تم تسجيل كافة الإيزيديين كعرب بقرار من السلطات العراقية حيث اعتبرت سلطة البعث كل الإيزيديين عرب دون أن تسأل إيزيدي واحد عن رأيه أو موقفه من هذه المسألة .
في حملة الأنفال الشهيرة عام 1988 غيبت العديد من عوائل أنصار الشيوعيون وبيشمركة الأحزاب الكردية من سكان بعشيقا وبحزاني ودوغات وسنجار وكر ساف وخور زان ومل جبرا وباعذرا وخانك وعددهم تجاوز الـ200 غالبيتهم من الأطفال والنساء بحجة، أن الإيزيديين عرب ولا يشملهم قرار العفو.
لقد أدى تقسيم مناطق الإيزديين منذ 1991 الى منطقتين، إحداهما تابعة لاقليم كردستان والأخرى للسلطة المركزية في بغداد وحتى الآن، إلى تحريم معظم مناطق الإيزيديين، خاصة في سنجار، الاكثر فقرًا وتخلفًا، بسبب وجود معوقات إدارية وموانع جغرافية وسكانية من فرص تقديم الخدمات من كلا السلطتين، ما أدى هو الاخر في خلق شعور بالتمايز والغبن، اثرت بالنتيجة على حالة التعايش .
وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 تعرض الإيزيديون إلى هجمات المتشددين الإسلاميين ومنعوا من العمل في بغداد والمحافظات الجنوبية وتم حرق محلاتهم ومن ثم جرت عمليات مستمرة لقتلهم وقد راح ضحية هذه العمليات الإجرامية بحقهم أكثر من 400 فرد إيزيدي، وهناك توجه عام لمقاطعة الإيزيديين وعدم التعامل معهم .
ولذلك انقطع الطلبة الإزيديون عن الدراسة في جامعة الموصل وعددهم 1600 طالب وطالبة من مختلف الاختصاصات، كما هناك صعوبة في تسويق سلع الإيزيديين في مختلف المدن العراقية بما فيها مدن كردستان رغم وجود حكومة علمانية، ويشمل هذا من عدم التردد على عيادات الأطباء الإيزيديين إلى مقاطعة جميع المنتجات التي ينتجها أو يتاجر بها الإيزيديون وللأسف هذه الظاهرة تتفاقم مع الزمن حيث تستمر التهديدات ضد الإيزيديين الأمر الذي شجع ظاهرة الهجرة إلى أوربا بحثاً عن الأمان والاستقرار، ومن المؤكد أن هذه الظاهرة ستتفحل مع استمرار الإرهاب المنظم ضدهم في المستقبل، وهو ما يسرع من هجرة أوسع خلال الفترة القريبة القادمة كاستقراء لتطور الأحداث بسبب عجز الحكومة العراقية وسلطة الاحتلال الأمريكية في العراق عن مواجهة الإرهاب الذي يوسع من رقعة عمله ليشمل المزيد من القرى والمدن التي يسكنها الإيزيديون في أطراف الموصل وتوابعها.
الإيزيدية وحكومة كردستان
الإفادة من تجربة التعايش الديني والمذهبي في كردستان، وتطوير الوضع المستقر كان المحور الرئيس لمحادثات السيد محمد أحمد شاكلي وزير الاوقاف والشؤون الدينية في حكومة اقليم كردستان مع السادة محمود عيدو وزير الاقليم وشيروان معاوية اسماعيل المدير العام للديانة الإيزيدية في أوقاف بغداد وتوما زكي زهرون رئيس المجلس الاعلى لشؤون الصابئة المندائية وممثل الصابئة في ديوان الوقف الإيزدي والمندائي وتم التأكيد على التعايش الاخوي والديني والمذهبي بين مكونات الشعب والديانات في اقليم كردستان.
في يونيه 2013 استحداث مديرية عامة لشئون الديانة الإيزيدية في وزارة الأوقاف لحكومة إقليم كردستان العراق، والتي اعتبرها المراقبون وأبناء الطائفة الإيزيدية والحقوقيون خطوة مهمة وضرورية للاعتناء بشكل أكبر بالديانة الإيزيدية في مناطق الإقليم
وقال خيري بوزاني مدير عام الديانة الإيزيدية: الرمز المديرية العامة لشئون الإيزيدية" هذه المديرية خاصة بشئون الإيزديين. وسوف تهتم بكل ما يتعلق بالديانة الإيزيدية في الإقليم، ومن مهماتها الاهتمام بدور العبادة، ونحن لدينا العديد من دور العبادة والمزارات الخاصة بديانتنا".
وطالب بوزاني الحكومة المركزية باستحداث مديرة عامة لشؤون الديانة الإيزيدية على غرار المديرية الموجودة في إقليم كردستان:“هناك مديرية عامة للمسيحيين والأديان الأخرى ومكتب الإيزيدية ضمن هذه المديرية، نأمل من حكومة بغداد أن تحذو حذو حكومة الإقليم وتشكل مديرة خاصة لنا".
وأكد بوزاني ترحيب رئيس الطائفة الإيزيدية والمجلس الروحاني الأعلى بقرار استحداث المديرية: أول ما أعلن عن هذه المديرية، اتصل بي سمو تحسين بك أمير الإيزيديين ورحب بالقرار وباركني، وكذلك اتصل بي هاتفياً. كل من رجالات الدين في المجلس الروحاني ورحبوا بالقرار".
واعتبر مدير عام شئون الإيزيدية في وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في اقليم كردستان صياغة قانون خاص للأحوال الشخصية للإيزيدية، ورفعه الى برلمان كردستان بانه يعد انجازا مهما سيساهم في حل الكثير من المشاكل للإيزيدية في المحاكم وما يتعلق بشؤونهم الاجتماعية ويقر الكثير من حقوق المرأة.
وقال خيري بوزاني إن مصادقة برلمان كردستان على القانون بعد مناقشته يعني الكثير للايزيدية لاسيما انه يضم العديد من البنود التي تعد انجازا مهما للمجتمع الإيزيدي مثل قانون الوصاية التي سيتم اقرارها في هذا القانون والتي سيتم اعتمادها رسميا عندما يقوم الفرد بتسجيل وصيته حول تركته أو أي أمر آخر.
وشرح خيري أهمية القانون بأنه مساهمة فاعلة وسيكون بمثابة مرجع ديني مهم للإيزيدية، لأنه تمت صياغته بما يساعد على حل الكثير من الإشكالات التي كانت تواجه الإيزيدية في المحاكم في قضايا الارث والزواج.
ولأمير المجلس الروحاني الأعلى للديانة الإيزيدية الامير تحسين سعيد بك، علاقتة قوية بحكومة كردستان والرئيس مسعود برزاني، وعدد من قادة والسياسين في منطقة الشرق الأوسط والعالم .
الإيزيدية وداعش
يعيش أصحاب الطائفة الإيزيدية في حالة قلق وخوف وترقب من مصير ابنائه وعائلاتهم في مدن الموصل التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش"، في ظل تبنيها أسلوب القتل لمعارضيها وهجرة أغلب قاطني المدن من أصحاب الديانات والمعتقدات خوفًا من إرهاب "داعش".
فداعش تسيطر علي مدينة سنجار أهم المدن التي يقطنها أبناء الطائفة الإيزيدية، فقد أظهر تسجيل فيديو صادر عن مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة للدولة الإسلامية (داعش) مجزرة جماعية أخرى ترتكبها داعش بحق عدد من الكرد الإيزيديين و لكن هذه المرة بطريقة مبتكرة، حيث إنها جمعتهم في أحدى سجونها ثم قامت بتلغيم السجن و تفجيره عن بعد لتبقى أشلاء الضحايا مدفونة تحت الأنقاض .
التقرير الإعلامي الذي أعدته مؤسسة الفرقان، أدى إلى إزعاج وتخوف الكبير من أبناء الطائفة الإيزيدية، أن داعش لن تتردد بارتكاب العديد من المجازر بحق الكرد الإيزيدية كونهم كفارًا بنظرهم، وهذا ما يشكل خطرًا كبيرًا على أهلنا الإيزيدية في عموم كردستان، وخاصة في المناطق المتاخمة للموصل في جنوب كردستان كشنجال وبعشيقة وبحزان وشيخان حيث لا تفصلهم إلا كيلومترات قليلة عن مركز تواجد داعش بقوة.
وبين عامي 2005 و2008، تم قتل المئات من الإيزيدين في الموصل والمناطق المجاورة لها، ويعتبر قضاء سنجار غرب الموصل والقريب من الحدود السورية موطنًا لعدد كبير منهم، وفي عام 2007، شهدت هذه المنطقة واحدة من أسوأ الهجمات بشاحنتين مفخختين أسفرتا عن مقتل أكثر من 500 شخصٍ وإصابة الآلاف.
وعبر "كريم سليمان" عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى، عن مخاوف الإيزيديين من التطرف الديني في المناطق الخارجة عن سلطة الإقليم والمحاذية لتواجد الإيزديين، وقال: "كردستان مركز للتعايش الديني ومكان للتسامح، القيادات الكوردية هي علمانية"، مضيفًا أن عدد الإيزديين في العراق يصل إلى 700 ألف نسمة حسب تقديرات غير رسمية أغلبهم يقطنون في المناطق التابعة لمحافظة نينوى. ويتكون المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى من خمسة أعضاء من كبار رجال الدين الإيزيديين.
وطالبت عضوة البرلمان الألماني عن حزب اليسار PDSاُولا يلبكي( Ulla Jelpke ) البرلمان والحكومة الألمانية، بمنح حق اللجوء لأبناء الديانة الإيزيدية، وقالت السيدة يلبكي في خطابها أمام البرلمان في شهر يونيه 2013، إن الإيزيديين يعتبرون ديانة مضطهدة ويتعرضون إلى القتل والتهجير في العراق وسوريا.
وطالبت بمنحهم حق اللجوء، وفقًا لمبادئ حقوق الإنسان وذكرت أيضا أن الإيزيديين الذين وصلوا إلى ألمانيا في العام الماضي، يقدرعددهم بـ6301 شخص، والذين قدموا اللجوء كانوا 2985 من العراق و 2319 من سوريا، وانتقدت السيدة يلبكي موقف أعضاء البرلمان الألماني تجاه أبناء هذه الديانة، وقالت إنهم تعرضوا في الأشهر الأخيرة، وخاصة في شهر مايو 2013 إلى سلسلة هجمات في بغداد، أدت إلى مقتل أكثر من 17 شخصًا إيزيديا، ويعانون من التهميش والاضطهاد المستمرين.
عدي بن مسافر.. أشهر الشخصيات الإيزيدية
تختلف الروايات عنه، ولكن أغلبية الباحثين يتفقون على أنه كان أمويًا تعود أصوله إلى عائلة مروان بن الحكم رابع خلفاء بني أمية، جاء إلى (لالش) ليغير التركيب الخارجي للإيزيدية وذلك بوضع نظام هرمي لتقسيم هذه الديانة إلى مراتب دينية دون أن يتمكن من تغيير محتواها وفلسفتها اللاهوتية.
إذًا أفكار الشيخ عدي كانت معادية للإسلام، ورأى في الدين الإيزيدي وملته مخرجا لنشر تلك الأفكار (الطريقة العدوية) وبحسب الروايات فانه مختلف تماما عن ( الشيخ عادي) الأب الروحي للديانة الإيزيدية إذ إن ابن مسافر لم يكن إلا سلفيا لأجداده الأمويين وكان يريد تبجيل معاوية وابنه يزيد، وصبغهما بصبغة ذهبية .
الأمير تحسين سعيد بك
تحسين سعيد علي بيك.. أمير الإيزديين في کردستان والعالم، من سلالة الأمير علي بيك الكبير، الذي قُتل بالقرب من راوندوز وسمي المضيق المعروف باسمه (گلي علي بيك). في اغسطس 1846م عندما کان السياسي وعالم الآثار البريطاني اوستن هينري لايارد في ضيافة الامارة بباعدرى، شاءت الأقدار أن يلد الابن الاول للأمير حسين بيك، فدعي لايارد لإطلاق اسم عليه، باعتباره ملما بالتاريخ الإيزدي، فاقترح لايارد اسم علي، إحياء لذکرى والد الأمير المقتول براوندوز. في 19 آب 1892 تعرض الامير علي بيك الثاني هذا (الذي هو جد الامير تحسين) للاعتقال والتعذيب على أيدي السلطات العثمانية في الموصل، عندما واجه الفريق عمر وهبي باشا ورفض دعوته في ترك دينه وعقيدته، وبعد سجن دام شهرين، قام الفريق باوامر من اسطنبول، بنفيه مع زوجته الاميرة الخالدة الذکر ميان خاتون اکثر من ست سنوات، الى کاستالوني شمال الاناضول قرب سيواس، وذلك في الفترة من ( 1892 - 1898) فاشتهر في اوساط الإيزديين باسم (علي بيك سيواسي).
وبعد مرور 15 يومًا على وفاته لامير سعيد علي بك صيف 194، وبترشيح من جدته ميان خاتون تم تنصيب ابنه الامير تحسين بك، اميرًا للايزديين منذئذ الى الآن، في 15 . 8 . 1933 ولد الامير تحسين بيك في باعدري التابعة لقضاء الشيخان. لکن سنة ميلاده في السجلات الرسمية للأحوال المدنية العراقية هي 1920، ذلك لأنه في عام 1956 وباقتراح من سعيد قزاز وزير داخلية المملكة العراقية آنئذ، قام بتكبير مواليده ليتمكن للترشيح لعضوية مجلس لنواب، حيث لم يحصل ذلك، لأنه قبل اوان موعد الانتخابات للدورة الجديدة، حدثت ثورة 14 تموز 1958..
في نيسان 1969 وبعد احداث حرکة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل بشهر واحد، تم اعتقال الامير تحسين بيك برفقة کل من ديوالى سعيد آغا الدوسکي، عبد الله آغا الشرفاني، سعيد واحمد آغا ولدى الحاج شعبان العمادي وعبد العزيز الحاج ملو وآخرين في کرکوك، ثم اطلق سراحه مع عبد العزيز الحاج ملو بناء على برقية خاصة من البارزاني. لکن تم نفيه الى بغداد لمدة ثلاثة أشهر.
في اوئل 1960 الى يوليو 1961 تم نفيه الى کل من العمارة وبغداد والديوانية، وکان راقدا في احد مستشفيات بغداد عندما زاره البارزاني بنفسه بداية 1961 الذي کان ما زال مقيما في بغداد. لدى قيام ثورة اغسطس 1961 اعتقل واحيل الى المحکمة العرفية الخاصة في الموصل، بتهمة تحريضه وقيادته للمظاهرات ضد الدولة ومناصرة الثورة، وکان ذلك کافيا لاصدار حکم الاعدام ضده، لکن بفضل مساعدة القاضي فيصل کشمولة، نجا من المقصلة وافرج عنه. طوال سنوات ثورة ايلول لم ينقطع دعم الامير لها ابدا، ثم التحق بها في يناير 1970 قبل بيان 11 مارس بشهرين، واستقر في ناوبردان بالقرب من مقر البارزاني، الى نهاية الثورة في مارس 1975، حيث توجه الى ايران، و بعد شهرين اي في حزيران هاجر الى بريطانيا واستقر في لندن لمدة ست سنوات، قضى سنتين منها في معهد اللغات وتعلم خلالها اللغة الانجليزية. بتاريخ 9 ستمبر1981 عاد الى العراق، تعرض للاغتيال وجرح مرتين، الأولى کانت في 18. 2 . 1992 بين الموصل والشيخان، والثانية في 22ستمبع 2003 بين القوش والشيخان.
الخلاصة
في كتابه جدل الهويات يقول الباحث سليم مطر: يمكن اعتبار الإيزيدية أشبه بقصر تاريخي، مظهره إسلامي مزين بنقوش عربية وعبارات كردية، لكن لو أزلنا هذه الأصباغ الخارجية عن الجدار لاكتشفنا تحتها طبقة من نقوش مسيحية بأيقونات ملونة وصلبان منحوتة، ولو تعمقنا أكثر بالحفريات لاكتشفنا طبقة ثالثة من جداريات آشورية ورسومات آلهة النهرين وكتابات مسمارية، ولو تعمقنا في الحفريات سنصل إلى أعماق تاريخ المنطقة وجذورها البدائية المخفية.
إن الإيزيدية من بين الكل هي أقل الطوائف التي نجحت بإخفاء طبقاتها التاريخية، بحيث تبدو وكأنها موزاييك رائع للتراث الديني والقومي لبلاد النهرين.
لذلك تبقى الإيزيدية، ديانة عراقية أصيلة بحاجة إلى دراسة وتعمق أكثر، خاصةً بالاعتماد على المثقفين من أبناء الطائفة أنفسهم؛ لأنهم هم الأعرف بها.