الشيخ الزاهد "سليم البشري"

الإثنين 08/يوليو/2024 - 11:28 ص
طباعة الشيخ الزاهد سليم حسام الحداد
 
هو سليم بن فراج بن السيد سليم بن أبي فراج البشري المولود عام  1832 ونسبه إلى محلة بشر إحدى قرى شبراخيت بمحافظة البحيرة ، وتوفي عام 1335 هـ -1916 م  في التسعين من عمره وصلي عليه بالأزهر، وأجريت له المراسم الرسمية، التسعين من عمره عام 1335 هـ -1916 م ليكون بذلك  الشيخ السابع  والعشرون  والحادي والثلاثين  للجامع الأزهر على المذهب المالكي وعلى عقيدة أهل السنة. 

نشأته وتعليمه

نشأ في  قريته محلة بشر التي نُسِبَ إليها وتربَّى فيها يتيمًا حيث توفي والده وهو في السابعة من عمره، وكفله أخوه الأكبر السيد عبد الهادي البشري ، وحفظ  القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، ثم قدم إلى القاهرة واحتضنه خاله السيد بسيوني البشري، وهو من شيوخ ضريح السيدة زينب رضي الله عنها، وتعلم على يد خاله مبادئ العلوم، وظل معه لمدة عامين، درس فيهما عليه وعلى غيره من العلماء الذين كانوا يحاضرون بالمسجد، فدرس قراءات القرآن الكريم تمهيدًا للالتحاق بالأزهر، والتحق به وهو ما زال تحت رعاية خاله، واتصل بكبار العلماء وتلقى عنهم، فدرس الفقه المالكي وكان يأخذ به معظم سكان منطقة البحيرة آنذاك، وظل يواصل الدراسة بالأزهر تسع سنواتٍ كاملة، ودرس علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره وظهر نبوغه، ومارس التدريس مكان الشيخ الحناني وذاع أمره، وتهافتت عليه الطلبة، وتخرج على يديه جماعةٌ من كبار العلماء منهم الشيخ محمد راشد إمام "المعية السنية" و"الحاشية الخديوية" والشيخ بسيوني البليباتي والشيخ محمد عرفة، وغيرهم، ونبغ في علوم كثيرة، وبخاصةٍ في علوم الحديث نبوغًا كبيرًا أبلغه درجة كبار المحدثين  وأصبح شيخًا ونقيبًا للمالكية، وشارك في حركة الإصلاح بالأزهر الشريف   في عهد الشيخ حسونة النواوي كان في مقدمة العلماء الذين وقع عليهم الاختيار لعضوية مجلس الأزهر، مع الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سليمان وغيرهما من كبار العلماء، وأصيب بالمرض مدة عامين كاملين، لم ينقطع فيهما الطلبة عن الذهاب إليه في بيته بحي (البغالة) بالسيدة زينب، فكان يلقي عليهم دروسه صباح كل يوم، ولما أتم الله شفاءه عُيِّنَ شيخًا لمسجد السيدة زينب، فقرأ فيه أمهات الكتب، والتفَّ حوله الطلبة، وتابعوا دروسه، وكثرت أعدادهم، وكان عضوًا بارزًا في المجلس،  وهو من أكبر مناصب الأزهر، وظلَّ شيخًا للمالكية حتى وفاته، وقد رثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم بقصيدةٍ بليغةٍ مؤثرةٍ قال في مطلعها:
أيدري المسلمون بمن أصيبوا     ..    وقد واروا "سليما" في التراب
هوى ركن "الحديث" فأيُّ قطبٍ   ..      لطلاب الحقيقة والصواب
فما في الناطقين فم يوفي        ..      عزاء الدين في هذا المصاب ؟
قضى الشيخ المحدث وهو يملي     ..       على طلابه فصل الخطاب
ولم تنقص له "التسعون" عزمًا      ..      ولا صدَّتْه عن دَرَكِ الطِلاب

شيوخه

درس على يد كبار علماء عصره، ومنهم الشيخ عليش والشيخ الباجوري والشيخ الحناني الذي كان يقرأ كتابًا من أمهات الكتب على طلبة الدراسات العليا، وعندما وصل بشرحه إلى نصف الكتاب، أصيب بمرض وبقي أشهرًا وهو في فراش المرض، والطلبة في انتظاره، فلما أحسَّ بشيءٍ من الراحة طلب أن يُحمَل إلى مجلس علمه، وقال لطلبته: إني ذاهبٌ وليست لي القدرة الآن على تحصيل العلم، وإني مستخلفٌ عليكم إتمام درسي أجدر الناس به، وأمسك بيد الشيخ سليم البشري، وأجلسه في مجلسه، فأتم الكتاب على غرار شيخه وظل يباشر التدريس بعدها. 

فترة ولايته

عندما وقع عليه الاختيار ليكون شيخًا للأزهر، اعتذر عن عدم قبول هذه المنصب الكبير، وبالغ في الاعتذار محتجًّا بكبر سنه وضعف صحته، ولكنه أمام الإلحاح  قبل المنصب، وصدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر في 28 صفر 1317هـ -1901م، وتولي المشيخة فترتين بلغت مدتهما 10 سنوات  الولاية الأولى استمرت 4 سنوات من (28 صفر 1317هـ -  1900م) إلى  (2 ذي الحجة عام 1320 هـ -1904م) والولاية الثانية 6 سنوات من (عام 1909م) إلى (1916م) وتميزت فترة توليه لمشيخة الأزهر بالحزم وحسن الإدارة، حيث تم في عهده تطبيق نظام امتحان الراغبين في التدريس بالأزهر، ومن عادته الاستيقاظ مبكرًاً دائمًا، يتهجد ثم يوقظ أهله فيفطر ويلقي عليهم الدروس، وكان الإمام البشري حازمًا في إدارته، وعلى الرغم من الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها في مباشرته لمشيخة المالكية ومشيخة الأزهر ظل يباشر دروسه في الأزهر، كما ظل يباشر التدوين والتصنيف وقيادة الحركة الإصلاحية بعزم وحسم، وظهرت آثار ذلك كلها في عهده حتى أصبح معظم مدرسي الرياضيات في عصره من علماء الأزهر بعد أن كادت صلة الأزهر بهذه العلوم تنقطع تمامًا.

مواقفه

له العديد من المواقف منها واحدة كانت من أسباب تقديم استقالته من المشيخة، وذلك عندما اختار أحد العلماء وهو الشيخ أحمد المنصوري شيخًا لأحد أروقة الأزهر، طلب منه العدول عن تعيينه، فأبى الشيخ الإمام الرجوع عن اختياره وكان جريئا عندما قدم استقالته أول مرة، فلم يترك درس العلم ولم يحاول أحد أن يزحزحه عن مكانه، وقال كلمته في عزة وإباء: "إن كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم فهذا الذي اخترته، ولن أحيد عنه". وغضب الحاكم غضبًا شديدًاً وبخاصة أمام حاشيته فأرسل إلى الشيخ قائلا: "إن تشبثك برأيك قد يضرك في منصبك"، فرد الإمام عليه: "إن رأيي لي ومنصبي لهم، ولن أضحي لهم بما يدوم في سبيل ما يزول" وقدم استقالته، وعين الشيخ الببلاوي ثم الشيخ الشربيني بعده، ثم أعيد الشيخ حسونة النواوي، ثم صدر الأمر بإعادة الشيخ البشري مرة ثانية. 
وعقب استقالته ذهب في اليوم التالي إلى الأزهر ليلقي دروسه على طلابه، فقرأ درس "التفسير والحديث" الذي حضره يومئذ نحو خمسمائة عالم وباقي الطلبة الذين لم يحص عددهم، وكان حريصًا على لزوم بيته، ولم يخرج منه إلا لإلقاء الدروس، وساءت الأحوال في الأزهر واضطربت الأمور، فاضطر ولاة الأمر إلى اللجوء إليه ليعود إلى منصبه شيخًا للأزهر، ليعالج هذه الاضطرابات، فاشترط أن تجاب جميع طلباته فورًا وهي: أن تقوم الحكومة بإكرام العلماء والطلبة والتوسع في أجورهم وأرزاقهم، ورد حقوقهم إليهم، فتقرر زيادة المرتبات للعلماء لعشرة آلاف جنيه سنويًّا، أي ما يساوي اليوم عشرة مليارات جنيه توزع بالتساوي عليهم.
 ومنح نيشان المجيدي الأول، وكذا الوشاح الأكبر من وسام النيل،  وعرف عنه أنه لم يقبض مرتبه في حياته ولا مرة، ويترك ذلك لمن يثق فيهم، وكل ما كان يقع في يده من بضعة جنيهات كل شهر ينفقها على الفقراء.
 

مؤلفاته

له العديد من المؤلفات ومجموعةٌ من الحواشي في العقائد والنحو، منها:
1- حاشية تحفة الطلاب لشرح رسالة الآداب.
2- حاشية على رسالة الشيخ علي في التوحيد.
3- الاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأجناس.
4- المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية رد فيها على الملحدين، مخطوط بدار الكتب.
5- كتاب كنز الجواهر.
6- "هدي الساري" مقدمة لكتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
7- عقود الجماعة في عقائد أهل الإيمان .
8- شرح نهج البردة.

الانتقادات الموجهة إلى عهد توليه المشيخة

يرى بعض المؤرخين  أن 5 من  أئمَّة  الأزهر الشريف، منهم الشيخ سليم البشري قد شهد الأزهر في عهدهم حالة من الضعف تمثلت فيما يلي: 
1- إنَّ منصب شيخ الأزهر في أيامهم قد ضعُف بعدما كان قويًّا مهابًا عزيز الجانب، وصار ألعوبةً في أيدي الحكَّام، يُقلِّدون مَن يشاؤون المشيخة، وينتزعونها ممَّن يشاؤون.
2-  إنَّ مَن تولى منصب المشيخة منهم كان لا يطيقُ صبرًا على البقاء فيها لأسبابٍ؛ فكانوا يستقيلون المرَّة تلو الأخرى، ويعتكفون في بيوتهم؛ رغبةً في التخفُّف من أعباء وهموم هذا المنصب.  
3- إنَّ بعض المناصب  في ذلك العصر كان لا يطولها العزل؛ مثل: عضوية مجلس الشورى، وعلى الرغم من أنَّ منصب مشيخة الأزهر كان أَوْلَى بهذه الحصانة وأحق. 

شارك