مؤرخ وأستاذ جامعي سويسري: سيناريو تقسيم العراق والمنطقة في الطريق
الأحد 20/يوليو/2014 - 01:17 م
طباعة
الأستاذ حسين دافيد الخزرجي
الاجتياح المباغت لقوات الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، لقسم هام من شمال العراق، أدى إلى طرح عدة تساؤلات حول حقيقة هذه الجماعة ومن يقف وراءها، وما هي أهدافها وخطرها على وحدة العراق وعلى مستقبل المنطقة.
هذه التساؤلات حاولت صحيفة swissinfo.ch السويسرية الإجابة عنها عبر حوار أجرته من "جنيف" مع أستاذ التاريخ السويسري من أصل عراقي "حسين دافيد الخزرجي".
ويتابع أستاذ التاريخ بجامعة جنيف، السويسري من أصل عراقي الأستاذ حسين دافيد الخزرجي الأحداث التي يمر بها العراق كعراقي أولا، ثم كمؤرخ؛ لذلك حاولت الصحيفة في هذا الحوار التعرف على رؤيته لهذه التطورات وتداعياتها العراقية، والإقليمية، والدولية وفي ما يلي نص الحوار:
swissinfo.ch: هل يمكن ربط الأحداث الحالية التي يمر بها العراق، وبالأخص منذ اقتحام قوات الدولة الاسلامية في العراق والشام في حملة كاسحة، لمناطق مهمة من شمال العراق، بتاريخ العراق قديمه وحديثه؟
حسين دافيد الخزرجي: أكيد يمكن العودة، للجواب على هذا السؤال، إلى بداية تأسيس الدولة العراقية، لما قامت ملكية سنية بتولي السلطة على بنية تركها البريطانيون.
ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين نشاهد تحولا، يتمثل في تولي الشيعة للسلطة. وحتى ولو أنه لا يروقني وصف الأوضاع بهذه الطريقة نظرا لكون العراقيين بكل طوائفهم تعايشوا مع بعض لمدة طويلة، ودخلوا في عمليات تزاوج لا تراعي الانتماء الديني بين السنة والشيعة. لكن منذ أحداث عام 2003 عرفت مواقف الطائفتين تطرفا، خصوصا وأن الأمريكيين استخدموا الورقة الطائفية؛ ما أدى إلى "لبننة الوضع العراقي".
"أي تحويله للوضع اللبناني"؛ لكي تصبح السلطة موزعة بين رئيس كردي، ورئيس وزراء شيعي، ورئيس برلمان سني. وهذا لم يعمل إلا على إذكاء الانقسام الطائفي بدل تخفيفه.
وما نعيشه اليوم هو حالة انقسام طائفي وما تعرفه المناطق الشمالية ليس وليد الأمس. إذ أن رئيس الوزراء نوري المالكي شرع منذ انسحاب الأمريكيين في التصرف بطريقة مستبدة أكثر فأكثر، وبأسلوب تفرقة يعتمد على الغالبية الشيعية، رافضا إشراك الأقلية السنية في السلطة وقد أصبح يتولى قيادة الوزارات السيادية مثل الداخلية والدفاع بالإضافة إلى رئاسة الوزراء.
وقد شاهدنا منذ نهاية العام 2011 بداية تنظيم مظاهرات سلمية، وأشدد على أنها كانت سلمية، في منطقة الأنبار بسب المضايقات التي أصبح يتعرض لها ممثلون للطائفة السنية في الحكومة، من بينهم نائب الرئيس طارق الهاشمي.
وما كانت تطالب به المظاهرات هو الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف تطبيق قانون اجتثاث البعث الذي كان على غرار اجتثاث النازيين في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ومن بين المطالب أيضا وقف استخدام قانون محاربة الإرهاب لتوقيف واعتقال أيا كان بطريقة تعسفية.
وعند تدخل القوات الحكومية في بداية عام 2012 وبالأخص في منطقة الرمادي، فلتت الأوضاع من أية مراقبة وليس بالأمر المفاجئ أن تستغل "داعش" هذه الفوضى السائدة منذ عام تقريبا في شمال العراق. إذ أننا شاهدنا في بعض التقارير التلفزيونية كيف أن الناس استقبلوا في تلك المناطق قوات "داعش" بارتياح. لكن هذا لا يعني أن الناس في المنطقة يدعمون "داعش" أو يدعمون الدولة الإسلامية التي ترغب في إقامتها. بل إن "داعش" تمثل أقلية في المنطقة. وقد شاهدنا بعض الاشتباكات بين قوات "داعش" وقوات "النقشبندية" المكونة في أغلبها من قادة سابقين في جيش صدام حسين.
swissinfo.ch: ما هي نسبة تواجد أفراد الجيش العراقي السابق في عهد صدام حسين في صفوف "داعش"؟
حسين دافيد الحزرجي: يُقال إن قائد قوات الدولة الاسلامية أو "داعش" أبو عمر البغدادي كان جنرال شرطة في عهد صدام حسين، ولكن مما أعرفه عن العراق أشك في أن يمثل قادة جيش صدام حسين أغلبية في صفوف "داعش"، بل إن أغلبية أفرادها هم من الجهاديين المتشددين، ولكن داعش تظل اقلية ضمن القوات التي تحارب النظام العراقي في الشمال؛ لأن غالبية من يحارب النظام في الشمال هي قوات العشائر وبالأخص طائفة "النقشبندية" المكونة من ضباط سابقين في الجيش العراقي.
swissinfo.ch: وما تفسيركم للاستقبال الحار الذي خصّ به السكان قوات "داعش" أثناء دخولها للموصل؟
حسين دافيد الخزرجي: هؤلاء السكان تم تهميشهم في التطورات السياسية الحاصلة منذ اعتماد الدستور الجديد في عام 2005. وهذا التهميش من قبل الإدارة المركزية في بغداد، وكذلك كون الجيش العراقي الجديد الذي تمت إقامته على أساس طائفي، جعل القادة الشيعة غير مقبولين في الشمال. وطردُ الجيش العراقي من المنطقة من قبل قوات "داعش" هو بمثابة متنفس بالنسبة لسكان هذه المناطق، وخلاص من سلطة نظام يرون أنه غير شرعي أو لا يمثلهم.
swissinfo.ch: هل حدث تغيير في خريطة التحالفات والدعم الخارجي الذي سمح لـ "داعش" بهذا التقدم؟
حسين دافيد الخزرجي: كمؤرخ يسهل علي قراءة التاريخ وليس التنبؤ بالمستقبل. ولكن أعتقد أن الأمريكيين في تخطيطهم لعام 2003 قد أخطئوا في التقدير، أو أنهم بالعكس كانوا أذكياء في حساباتهم، وهذا يتوقف على التأويل الذي نؤول به الأمور. فإنني لا زلت أتساءل: هل لم يكن الأمريكيون يدركون في عام 2003 أنهم بصدد تسليم النفوذ في العراق لإيران. إذ إن إيران أصبحت لاعبا لا يمكن تجاهله في العراق منذ العام 2003، وفيما بعد في سوريا وحتى لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا أعتقد بأن شيئا من هذا الحجم يمكن أن يغيب على صناع الإستراتيجية الأمريكية، خصوصا وأن إيران حتى في عهد الشاه كانت إحدى ركائز السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
وحتى ولو سلمنا بخطأ تقدير الأمريكيين، فإن مجال مناورتهم اليوم ليس بالكبير. فقد أعلن الرئيس الأمريكي بأنه سوف لن يرسل قوات، وحتى الضربات الجوية سوف لن تفيد في شيء.
يُضاف الى ذلك أن لاعبين آخرين، مثل روسيا، عادوا الى المنطقة. وهذا ما يتضح جليا مما يحدث في سوريا، ومدى الدعم الروسي المقدم لبشار الأسد. ولو أننا لا يمكننا في الوقت الحالي الحديث عن دور روسي بارز في العراق. بل في الواقع: إن القوى الإقليمية هي التي تستعمل العراق كأرضية لحروب بالوساطة. وتأتي في المقدمة العربية السعودية وباقي ملكيات الخليج التي تبدي تخوفا كبيرا من إيران. وهي التي تقدم دعما كبيرا للقوى المنشقة في الشمال خصوصا عبر العشائر القاطنة على الحدود بين السعودية والعراق. وغموض الموقف الدولي مما يحدث في المنطقة سوف لن يساعد على إيجاد تسوية سريعة.
swissinfo.ch: لكن كيف يمكن شرح شبه الهدنة التي كانت قائمة بين قوات "داعش" وقوات الرئيس السوري بشار الأسد أثناء تواجدها في دير الزور وباقي المناطق السورية؟
حسين دافيد الخزرجي: أعود مرة أخرى إلى السؤال السابق حول من هو وراء "داعش" ومن يتحكم في هذه المجموعة. أكيد أن كثيرا من الغموض لا زال يكتنف هذا التجمع. أكيد أن هناك تساؤلات بهذا الخصوص، ولكن لست قادرا أنا شخصيا على تقديم أجوبة وربما أن الأجوبة لدى أجهزة المخابرات. لكن ما هو مؤكد هو أن بشار الأسد استغل ذلك بشكل جيد وهو اليوم يستعيد المناطق التي فقدها من قبل.
swissinfo.ch: هل ما يحدث اليوم هو تحضير لتقسيم العراق الى ثلاثة مناطق، الأولى كردية وقد شرعت في تحضير استقلالها، والثانية للشيعة في الجنوب، والثالثة للسنة في حدود ما قد يتمكنوا من استرجاعه في الوسط؟
حسين دافيد الخزرجي: هنا أيضا يمكن العودة إلى الماضي واسترجاع فكرة الخارطة التي كان المحافظون الجدد قد نشروها في الـ "جورنال أوف آرمد فورسز"، والتي رسمت كيفية تقسيم كل الشرق الأوسط على أساس عرقي أو طائفي، ودويلات صغيرة في كل مكان. فنظرية الفوضى الخلاقة التي اتبعها جورج بوش كانت تهدف لتحطيم العراق، وقد تم تحطيمه فعلا، وعندها يمكن إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط في دويلات على أساس عرقي أو ديني.
ومع الأسف الشديد نحن نسير نحو تحقيق هذا السيناريو، اللهم إلا إذا حدثت صحوة من قبل العراقيين، وتوزيع جديد للسلطة. ولكن لا أعتقد بأن هذا الطرح وارد؛ لأن المالكي أعلن بأنه لن يقبل توسيع قاعدة السلطة وإعطاء السنة وزارات سيادية. أما الأكراد فهم بصدد تحديد معالم دولتهم بحيث لهم اليوم ممثليات دبلوماسية في العديد من الدول الغربية. وهم بصدد جس نبض الأمريكيين بخصوص إعلان استقلالهم. وقد سارعوا في خضم الفوضى الأخيرة للاستيلاء على آبار النفط في كركوك المتنازع عليها منذ ثلاثينيات القرن الماضي بين الأكراد والعرب، فإذن نحن سائرون في طريق التقسيم ليس فقط تقسيم العراق بل كل المنطقة.