قانون الإرهاب وغسيل الأموال في تونس
الخميس 20/أغسطس/2015 - 09:41 م
طباعة
قانون الإرهاب وغسيل الأموال في تونس:
بين الضرورات الأمنية و متطلّبات حقوق الإنسان
عاملان أساسيان ساعدا عودة الجدل حول قوانين مكافحة الإرهاب من جديد في تونس هما:
- اندلاع المواجهة بين السلطات والسلفيين التكفيريين منذ أواخر سنة 2011 و كانت من نتيجتها قتل نحو 194 شخصًا في العمليات “الإرهابية” ( إلى حدود العملية التي استهدفت منتجع مدينة سوسة السياحي) ، بينهم 74عنصر أمني، و58 “إرهابيًا”، وقياديان اثنان من الجبهة الشعبية(يسار قومي وماركسي)، و59 سائحًا من جنسيات أجنبية مختلفة، ومواطن تونسي، بحسب أرقام صادرة عن وزارتي الداخلية والدفاع التونسيتين.
- مواصلة العمل بقانون الإرهاب عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 والذي يتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال والذي تم تنقيح بعض فصوله بمقتضى القانون عدد 65 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أغسطس 2009، وحوكم بموجبه المئات من التونسيين في عهد النظام السابق.
وأثار قانون مكافحة الإرهاب في تونس، بعد الثورة، جدلا واسعا على المستويين السياسي والقانوني بعد أن تمت إحالة عدد من المتهمين المحسوبين على التيار السلفي بمقتضى هذا القانون الذي يوصف بكونه "غير دستوري" باعتبار انه تنزّل في سياق دولي تميّز بفرضه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بعد ضربات 11 سبتمبر.. كما تضمن فصولا لا علاقة لها بممارسة الإرهاب بشكل مباشر...
حيثيات القانون الجديد:
تم عرض مشروع القانون الجديد على أنظار المجلس الوطني التأسيسي أول مرة يوم 28 جانفي 2014 وتعهدت به آنذاك لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالتنسيق مع لجنة التشريع العام لإبداء الرأي الاستشاري، لكن لم يتم استكماله في ظل التحضير لأجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فأحيل القانون مجددا في صيغة جديدة إلى لجنة التشريع العام لمجلس الشعب وذلك يوم 25 مارس 2015 بعد مصادقة لجنة التشريع العام على مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال بالإضافة إلى المصادقة على تقريرها ومن بعدها أحيل على أنظار مكتب المجلس الذي أحاله بدوره على الجلسة العامة. ((تضمن القانون 139 فصلا: 5 - 86 في مكافحة الإرهاب وزجره،87 - 92 في مكافحة غسل الأموال وزجره،93-137،أحكام مشتركة بين مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال،138 - 139 أحكام انتقالية وختامية ))
ناقش أعضاء البرلمان اغلب فصول المشروع و تعددت المواقف وتباينت، تجادل و اختلفوا حول بعض الفصول الذي اعتبر مضمونها مبهما او عائما من ذلك تحديد مفهوم الإرهاب الذي يمكن توظيفه لتجريم نشاطات المعارضة ذات الطابع السلمي.. كما تمسك البعض بتعديل الفصل 88 من المشروع والتنصيص على ''أن تكون جريمة غسل الأموال مرتبطة فقط بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها بقانون مكافحة الإرهاب''، في حين اعتبر البعض الآخر أن هذا" التعديل سيؤدي إلى إلغاء جريمة غسل الأموال كجريمة مستقلة عن النظام القانوني...".
كما تم اقتراح استثناء الصحفيين من "واجب إشعار السلط فورا بما أمكن لهم الإطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليهم من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية أو احتمال ارتكابها احتراما للسر المهني للصحفيين وحماية لمصادرهم وتيسيرا لمهامهم" (الفضل 35) ((عند عرضه على المصادقة صوت العديد من نواب النهضة والاتحاد الوطني الحر ضده استجابة إلى دعوة النائب عن حركة النهضة سمير ديلو الذي اعتبر أنه لا يرى موجبا لإضافة الصحفيين لأن المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة يضمن حماية مصادر الخبر.)) ومن النقاط التي أثارت جدلا واسعا داخل لجنة التشريع العام، بين ممثلي الجبهة الشعبية وحركة النهضة، الفصل المتعلّق بتجريم التكفير.. وبعد نقاش مستفيض تم اعتبار التكفير والدعوة إليه جريمة إرهابية وضُمّنت كنقطة سابعة في الفصل الثالث عشر.
وكان للجنة التوافقات دور هام لتقريب وجهات النظر بين مختلف الكتل البرلمانية حول العديد من مقترحات التعديل المختلفة ثم حصل التوافق بين اغلب مكونات المجلس..و صادق مجلس نواب الشعب في تونس صباح يوم 25 يوليو 2015 على مشروع القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال بأغلبية 174 صوتا مقابل احتفاظ 10 نواب وعدم امتناع اي نائب عن التصويت في حين بلغ عدد الغائبين عن الجلسة نحو 20 نائبا ((وهم أساسا من الجبهة الشعبية والتيار الشعبي(المعارضة))) على ان يحال مشروع هذا القانون إلى هيئة مراقبة دستورية القوانين قبل ختمه من قبل رئيس الجمهورية.
و من رمزيّة هذا التاريخ انه يصادف الذكرى 58 لإعلان الجمهورية التونسية، كما إنّه يوافق الذكرى الثالثة لاغتيال الشهيد محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والقيادي القومي ....
ورغم أهمية هذا القانون و الثقة الواسعة التي حظي بها من قبل اغلب المكوّنات السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية التونسية فان عددا هاما من المنظمات الحقوقية وبعض الأطراف السياسية قد أبدت تحفّظاتها على العديد من فصول القانون من ذلك:
- عدم استشارة او سماع آراء وتصورات مكونات المجتمع المدني ذات العلاقة كالهياكل الممثلة للقضاة والمنظمات الحقوقية وقد علّلت لجنة التّشريع العامّ هذا "الاقصاء"ب"ضغط العامل الزّمني حرصا منها على إتمام المصادقة يوم عيد الجمهورية لتكون القوانين معبّرة عن إرادة الشّعب حفاظا على قيم الجمهوريّة".(( حقوقيون: تمرير القوانين دون استشارة سيجعلها عرجاء،alchourouk.com،تونس 27 جويلية 2015))
- عدم تنصيص القانون على المرجعية الدولية وخاصة مواثيق وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بحقوق الإنسان كما لم تقع الإشارة صلبه على مبادئ القانون الدولي الإنساني.
- عدم تمكن بعض النواب من الإطلاع على مضامين القانون ما"اعتبر خرقا للقانون الداخلي للمجلس" الذي ينص على ضرورة أن يتم تسليم القانون قبل أسبوع للنواب للنظر فيه وتقديم مقترحاتهم.(( سالم الأبيض: ثغرة في قانون مكافحة الإرهاب تُركت عن " غير حسن نية"، http://www.hakaekonline.com/25-07-2015))
في المضمون:
- اعتماد القانون في مجال تتبّع الأفراد على "الشبهة " الأمر الذي قد يساهم في إدخال آلاف الشباب إلى السجون بمجرد الاشتباه فيهم و قد بينت التجربة ان التنظيمات الإرهابية تستغل الظروف النفسية والاجتماعية لهؤلاء فتقوم بتنظيمهم سواء من داخل السجون او بعد أن إنهاء مدة عقوبتهم.
- اعتبار هذا القانون قانونا أساسيا طبق الفصل 65 من الدستور الأمر الذي سيجعل إجراءات تنقيحه لتلافي الثغرات التي شابته أمرا صعب التحقيق.(( تعلق بمشروع قانون الإرهاب: جمعية القضاة تؤكد وجود عديد الإشكالات ،http://www.alchourouk.com/تونس 24-جويلية 2015))
- ويتفق اغلب الحقوقيون في تونس بل وحتى بعض المنظمات الدولية على ان هذا المشروع قد ابقى على تعريف غامض بل مبهما لمفهوم الإرهاب وبعض المفردات ذات العلاقة من ذلك" الإشادة بالإرهاب" و "تمجيد للإرهاب".
- كما ورد في المشروع أعمال تُعتبر جرائم إرهابية، مثل "الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة" أو "بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو المرافق العمومية" ما ينجر عنها تجريم المعارضة السياسية، أو حتى أعمال العنف الصغرى التي تحدث أثناء الاحتجاجات الاجتماعية.
- كما احتوي المشروع على تعريف مبهم للتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، وهو ما يعني إمكانية مقاضاة الأشخاص بسبب استخدام مصطلح أو رمز يُعتبر مساندًا للإرهاب، بغض النظر عما إذا كان سينتج عنه أي تصرف ملموس.(( أسباب لرفض "هيومن رايتس" قانون الإرهاب التونسي،https://www.hrw.org/))
- و طالبت بعض من المنظمات الحقوقية التونسية و الدولية بضرورة إعادة النظر في مدة الاحتفاظ الاستثنائية التي نص عليها كل من الفصلين 38 و40 من المشروع، و الاكتفاء بالمدة الواردة بمجلة الإجراءات الجزائية، لأن مدة احتفاظ لدى باحث البداية تصل إلى 15 يوما ما يتيح الفرصة لعديد التجاوزات والانتهاكات وخاصة تعريض المظنون فيه للتعذيب في غياب تام لأي رقابة قضائية والحال أن المقرر الأممي الخاص بالتعذيب قد دعا إلى تخفيض مدة الاحتفاظ بالنسبة لكل الجرائم دون استثناء للحد من فرص ممارسة التعذيب وليس ترفيعها إلى نصف شهر.
- عقوبة الاعدام:
تواترت عقوبة الإعدام في متن القانون وذلك في 3 مواد من بعض الفصول:
- المادة 26 التي تؤكد أنه “يعد مرتكبا لجريمة إرهابية ويعاقب بالإعدام كل من يتعمد قتل شخص يتمتع بحماية دولية”.
- المادة 27 التي تنص على إعدام “كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو احتجزه دون إذن قانوني، وهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث”، إذا نتج عن ذلك الموت.
- المادة 28 التي تفرض عقوبة الإعدام في حالة “.. تسبب الاعتداء بفعل الفاحشة في موت المجني عليه، كما يعاقب بالإعدام كل من يتعمد في سياق جريمة إرهابية مواقعة أنثى دون رضاها”.
رغم أن الدستور التونسي يقر في فصله 22 بعقوبة الإعدام((لم ينفذ أي حكم بالإعدام في تونس منذ 1991، بعد تنفيذ 135 حكما بالإعدام منذ الاستقلال بينها 129 في عهد الحبيب بورقيبة.)) غير ان احتجاجات الحقوقيين وبعض الأطراف السياسية عارضت ذلك بقوة من منطلقات حقوقية وأيديولوجية في حين لم تعارض إقراره حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية....ورغم كل ذلك تتفق اغلب المنظمات الحقوقية في تونس والخارج على ان نص المشروع قد تضمّن فصولا جديدة مثلت إضافة جيدة مقارنة بقانون الإرهاب لسنة 2003 من ذلك:
- إحداث لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب المنصوص عليها في الفصول من 62 إلى 66 تتكون من ممثلين عن وزارات معينة، يترأسها قاض، تُشرف على رسم إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب؛ بهدف تجفيف منابعه عبر التعليم وغيره من الوسائل.
- عدم الترحيل القسري : يضمن الفصل 83 من القسم العاشر عدم التسليم “إذا توفرت أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص موضوع طلب التسليم سيكون في خطر التعرض للتعذيب أو أن طلب التسليم يرمي إلى تتبع أو عقاب شخص بسبب عنصره أو لونه أو أصله أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية”.
- التعويض للضحايا: يوفر الفصلان 74 و75 الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية اللازمة لضحايا الإرهاب رعاية صحية مجانية في المستشفيات، ومساعدة قانونية خاصة.
- المراقبة القضائية لاعتراض الاتصالات (الفصل 52)…. وإعدام التسجيلات السمعية البصرية بحضور ممثل عن النيابة العمومية بمجرد صدور حكم بات في القضية (الفصل 61).(( هيومن رايتس التي قدمت ملاحظات دقيقة حول المشروع و جمعية القضاة والرابطة التونسية لحقوق الإنسان...))
- كما وفّر القانون في جانبه المتعلق بمكافحة غسيل الأموال سندا هاما للجهود الرامية إلى مكافحة التهريب وأباطرة التجارة الموازية ذات الصلة في كثير من الحالات بالإرهاب..
لا شكّ ان مقاومة الإرهاب لن تنتهي بإقرار هذا القانون بل تقتضي أيضا جهودا آنية تتمثل في إحكام منهجية أمنية وعسكرية جديدة للتقليص أكثر ما يمكن من نشاط تلك المجموعات بالتوازي مع بناء إستراتيجية متكاملة أمنية وعسكرية و توفير المتطلبات المالية اللازمة للتجهيزات( الآليات الأمنية والعسكرية) والإمكانيات اللوجيستية ( تطوير العمل الأمني والعسكري خاصة في الجانب الاستخباراتي والتكنولوجيات الحديثة ) والبشرية ( الاعتناء بالتكوين ) و معالجة فكرية وتربوية واعلامية ومنوال تنمية بديل يهتم بالمناطق والأحياء الداخلية المهمّشة وخاصة المناطق الحدودية التي تشكّل فضاء متميّزا لنشاط موحدا وتنسق نفعي واسع للإرهابيين والمهربين.... ومن العوامل المحددة والفاعلة للقضاء على هذه الظاهرة هي ان توقف بعض الدول دعمها المالي والإعلامي لمنظمات الإرهاب السلفي التكفيري
أ.د عبد اللطيف الحناشي،
استاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن بالجامعة التونسية.
باحث في الجماعات الدينية المتشددة