عبد الله الهرري.. المرشد الروحي للأحباش
الإثنين 02/سبتمبر/2024 - 09:53 ص
طباعة
علي رجب
عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، هو المرشد والأب الروحي لجماعة "الأحباش" أو جمعية "المشاريع الخيرية الإسلامية"، يعرف عنه أنه سني أشعري صوفي، وأنه على مذهب أهل السنة والجماعة وضد السلفيين والإخوان.
حياته:
ولد أبو عبد الرحمن عبد الله محمَّد يوسف عبد الله بن جامع الشَّيبي العبدري القرشي نسبًا الهرري موطنًا المعروف بالحبشي، في 11 يونيه 1910 في مدينة (هَرَر) بدولة إثيوبيا "الحبشة سابقًا"، تتلمذ على يد العديد من العلماء، وتعلم القرآن الكريم حفظًا وتجويدًا وترتيلا، وعن الشيخ الولي محمد بن عبد السلام الهرري الفقه الشافعي والنحو، ومن الشيخ محمد بن عمر جامع الهرري علم التوحيد والفقه الشافعي والنحو، وأخذ عن الشيخ إبراهيم بن أبي الغيث الهرري كتاب "عمدة السالك وعدة الناسك".
وأولى علم الحديث اهتمامه روايةً ودرايةً فحفظ الكتب الستة وغيرها بأسانيدها وأجيز بالفتوى ورواية الحديث وهو دون الثامنة عشرة حتى صار يشار إليه بالأيدي والبنان ويقصد وتشد الرحال إليه من أقطار الحبشة والصومال حتى صار على الحقيقة مفتيًا لبلده هرر وما جاورها.
تقلّد الطريقة القادرية فترة من الزمن حتى انتقل إلى الطريقة التجانية وبعد مدة رجع إلى القادرية، ثم تركهما جميعاً وبايع على الطريقة الرفاعية.
تعليمه
نشأ عبد الله الحبشي الهرري في بيتٍ حبّا للعلم ولأهله فحفظ القرآن الكريم استظهارًا وترتيلاً وإتقانًا وهو ابن سبع سنين، وأقرأه والده كتاب المقدمة الحضرمية، وكتاب المختصر الصغير في الفقه وهو كتاب مشهور في بلاده، وأولى الهرري عِلم الحديث اهتمامه فحفظ الكتب الستة وغيرها بأسانيدها حتى إنه أجيز بالفتوى ورواية الحديث، وهو دون الثامنة عشرة.
أخذ عبد الله الحبشي الفقه الشافعي وأصوله والنحو عن العالِم النحرير الشيخ محمّد عبد السلام الهرري، والشيخ محمّد عمر جامع الهرري، والشيخ محمّد رشاد الحبشي، والشيخ إبراهيم أبي الغيث الهرري، والشيخ يونس الحبشي، والشيخ محمّد سراج الجبرتي، كألفية الزبد والتنبيه والمنهاج وألفية ابن مالك واللمع للشيرازي وغير ذلك من الأمهات.
وأخذ الحبشي علوم العربية بخصوصٍ عن الشيخ الصالح أحمد البصير، والشيخ أحمد بن محمّد الحبشي وغيرهما. وقرأ فقه المذاهب الثلاثة وأصولها على الشيخ محمّد العربي الفاسي، والشيخ عبد الرحمن الحبشي.
وأخذ الحبشي الهرري علم التفسير عن الشيخ شريف الحبشي في بلد "جِمّه"، وعلم الحديث وعلومه عن كثير، من أجلّهم الشيخ أبو بكر محمّد سراج الجبرتي مفتي الحبشة، والشيخ عبد الرحمن عبد الله الحبشي وغيرهما.
واجتمع عبد الله الحبشي الهرري، بالشيخ الصالح المحدّث القارئ أحمد عبد المطّلب الجبرتي الحبشي، شيخ القرّاء في المسجد الحرام، فأخذ عنه القراءات الأربع عشرة واستزاد منه في علم الحديث، فقرأ عليه وحصل منه على إجازة، ثم أخذ من الشيخ داود الجبرتي القارئ، ومن الشيخ المقرئ محمود فايز الديرعطاني نزيل دمشق وجامع القراءات السبع، وذلك لمّا سكن صاحب الترجمة دمشق.
وأخذ الإجازة في الطريقة الرفاعية من الشيخ عبد الرحمن السبسبي الحموي، والشيخ طاهر الكيالي الحمصي، والإجازة في الطريقة القادرية من الشيخ أحمد العربيني والشيخ أحمد البدوي السوداني وغيرهم.
في إثيوبيا
اتهم الهراري خلال الفترة من 1940 إلى 1950 بإثارة الفتن ضد المسلمين؛ حيث تعاون مع حاكم إندراجي صهر إمبراطور إثيوبيا "هيلاسيلاسي"، ضد الجمعيات الإسلامية لتحفيظ القرآن بمدينة هرر فيما عرف بفتنة بلاد كُلنب فصدر الحكم على مدير المدرسة إبراهيم حسن بالسجن ثلاثاً وعشرين سنة مع النفي؛ حيث قضى نحبه في مقاطعة جوري بعد نفيه إليها.
ودخل أطراف الصومال مثل هرجيسا لطلب العلم، وساعده ذكاؤه وحافظته العجيبة على التعمق في الفقه الشافعي وأصوله ومعرفة وجوه الخلاف فيه، وكذا الشأن في الفقه المالكي والحنفي والحنبلي.
في بلاد الحجاز
ثم رحل إلى مكة المكرمة بعد أن كثر تقتيل العلماء وذلك حوالي سنة 1369 هـ / 1949م فتعرف على عدد من علمائها كالشيخ العالم السيد علوي المالكي، والشيخ السيد أمين الكتبي، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ حسن مشاط وغيرهم وربطته بهم صداقة وطيدة، وحضر على الشيخ محمد العربي التباني، واتصل بالشيخ عبد الغفور الأفغاني النقشبندي فأخذ منه الطريقة النقشبندية.
ورحل بعدها إلى المدينة المنورة، واتصل بعدد من علمائها منهم الشيخ المحدث محمد بن علي أعظم الصديقي البكري الهندي الأصل ثم المدني الحنفي وأجازه، واجتمع بالشيخ المحدث إبراهيم الخُتني تلميذ المحدث عبد القادر شلبي وحصلت بينهما صداقة ومودة، ثم لازم مكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية مطالعًا منقبًا بين الأسفار الخطية مغترفًا من مناهلها فبقي في المدينة مجاورًا مدة من الزمن.
في بلاد الشام
ثم رحل إلى بيت المقدس في أوائل العقد الخامس من القرن الماضي، ومنه توجه إلى سوريا "بلاد الشام" 1950 واستقر في دمشق حتى أُخرِج منها في الستينيات، وقد ذكر مفتي المالكية ثم الحنفية في الجامع الأُمَوي في دمشق السيد إبراهيم بن القطب إسماعيل اليعقوبي، أن الهرري قرأ عليه بعض الكتب أيام إقامته في دمشق، فالهرري في عداد تلاميذ السيد إبراهيم اليعقوبي، وكان علماء دمشق في غرّة من أمر الهرري؛ لكونه منتحلاً علم الحديث والتصوّف ويتصدّى للرد على ناصر الألباني، علماً بأن الألباني أعلى باعاً منه في علم الحديث وأوسع اطّلاعا بكثير، فلما تبيّن أمره تبرءوا منه.
وارتحل حتى استقر في بيروت في (1370 هـ/ 1950) فاستضافه كبار مشايخها أمثال الشيخ القاضي محيي الدين العجوز، والشيخ المستشار محمد الشريف، واجتمع في بيته بمفتي عكار الشيخ بهاء الدين الكيلاني وسأل الشيخ في علم الحديث واستفاد منه، واجتمع بالشيخ عبد الوهاب البوتاري إمام جامع البسطا الفوقا والشيخ أحمد إسكندراني إمام ومؤذن جامع برج أبي حيدر واستفادا منه.
ثم اجتمع بالشيخ عبد الرحمن المجذوب وبالشيخ توفيق الهبري وعنده كان يجتمع بأعيان بيروت واستفادا منه، وبالشيخ مختار العلايلي أمين الفتوى السابق الذي أقر بفضله وسعة علمه وهيأ له الإقامة على كفالة دار الفتوى في بيروت ليتنقل بين مساجدها مقيمًا الحلقات العلمية وذلك بإذن خَطي منه.
وفي سنة (1389 هـ /1969) وبطلب من مدير الأزهر في لبنان آنذاك ألقى محاضرة في التوحيد لطلاب الأزهر.
عند إقامته بلبنان وحينما قرعت طبول الحرب، وحدثت الحرب الأهلية اللبنانية في الفترة ما بين (1975 – 1982) اشتغل الأحباش هذه الفترة بالتغلغل في الطبقات الاجتماعية لبث دعوتهم، فالتف حوله عدد من الطلاب حوله من أمثال نزار حلبي، ورئيسهم الحالي حسام قراقيرة، والعضو السابق بالبرلمان اللبناني عدنان طرابلسي وطه تاجي، وبعض المثقفين مثل الشاعر أسامة السيّد وغيرهم حتى بلغ أتباعه في عام 1975 (150) طالباً.
للمزيد عن نزار الحلبي اضغط هنا
ثم أسس الجمعية الخيرية الإسلامية في عام 1983، وانتشروا في لبنان بصورة تثير الريبة؛ حيث انتشرت مدارسهم الضخمة وصارت حافلاتهم تملأ المدن، وأبنية مدارسهم تفوق سعة المدارس الحكومية، علاوة على الرواتب المغرية لمن ينضم إليهم ويعمل معهم، وأصبح لهم إذاعة في لبنان تبث أفكارهم وتدعو إلى مذهبهم، كما ينتشر أتباع الحبشي في أوروبا وأمريكا، وقد أثاروا القلاقل في كندا وأستراليا واليابان والسويد والدانمارك.
للمزيد عن الأحباش وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية اضغط هنا
أفكاره
تعتبر مؤلفات وأقوال الهرري معبرة عن فكره وأيديولوجيته، وهو يوصف بأنه سني أشعري صوفي، وأنه على مذهب أهل السنة والجماعة، في العقيدة على منهج الأشعرية الشافعية؛ أشعرية من حيث العقيدة التي هي عقيدة أبو الحسن الأشعري هو، وشافعية من حيث الأحكام العملية، مع الاعتقاد بأن أئمة المذاهب المعتبرة أئمة هدى.
يرى تلاميذه أنه ينتهج منهج الوسطية والاعتدال اعتقادًا وممارسة، ويرفض التطرف والتشدد في الدين، حيث يرى أن التطرف والغلو في الدين خطرًا كبيراً يهدد الأفراد والأسر والمجتمعات والأوطان، ويشكل خطراً كبيراً على الأمة.
موقفه من الوهابية
للهرري موقف واضح من أتباع فكر "ابن تيمية" وسيد قطب، من السلفيين والإخوان، ويعتبر أنها من الفرق الضالة، وكثيرًا ما يحارب الوهابية في أحاديثه وكتبه، ويتهم دائمًا بالكذب والتدليس.
ومن أكثر آراء الحبشي إثارة للانتقاد تكفيره للعديد من علماء أهل السنة والجماعة، فحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه كافر، وجعل من أول الواجبات على المكلف أن يعتقد كفره ومن اتبعه؛ ولذلك يحذر أشد التحذير من كتبه، كما يرى أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كافر، ويرى أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني كافر كما يقول، في مجلة منار الهدى الحبشية [عدد 3 ص234]، أيضًا في "كتاب المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية".
ويقول الحبشي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قوله: "ظهر في نجد رجل ضال مضل يدعى محمد بن عبدالوهاب, قرأ كتب أحمد بن تيمية الحراني فتأثر به وبعقائده الكفرية فاتبع الهوى وتبعه على ذلك شرذمة قليلة تدعو إلى الكفر والضلال فحكموا بكفر عبدالله بن عمر". (مجلة منار الهدى 27: 35).
كما رأى الحبشي أن الوهابية "ترى أن أبا جهل وأبا لهب أكثر توحيدًا من المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله". (منار الهدى 23:34)، وأن الوهابية "تقتدي باليهود؛ لاعتقادهم أن الله قاعد، وأنه يُقعد محمدًا معه على العرش (منار الهدى 26:22). وأنه خلق السماوات والأرض ثم تعب فاستراح (منار الهدى 29:61).
اتهامات للهرري
اتهم مرشد الأحباش عبد الهرري، من قبل السلفيين "الوهابية" ومشايخ المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، بتكفير وسب الصحابة، وخاصة معاوية بن أبي سفيان وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهم، ويطعن في خالد بن الوليد وغيره، ويقول: إن الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ماتوا ميتة جاهلية. ويكثر من التحذير من تكفير سابِّ الصحابة، لا سيما الشيخين إرضاءً للروافض.
ولكن قال الهرري في كتابه "غية الطالب ص/ 47" ما نصه: "أما أبو بكر فقد نص الله على صحبته في القرآن فقال تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}، فقد أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا هو أبو بكر، فمن شك في ذلك وفسر هذا الصاحب بغيره من الصحابة فقد كفر؛ لأن ذلك يتضمن تخوين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك هدم للدين" اهـ.
وقال في الكتاب عينه [ص/375]، ما نصه: "من معاصي اللسان سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}، هؤلاء هم أولياء الصحابة وسب أحدهم أعظم إثمًا وأشد ذنبًا من سب غيره" اهـ.
وقال في الكتاب ذاته [ص/347]، ما نصه: "وأما الآل فإن أريد بهم مطلق أتباع النبي الأتقياء، فتجب محبتهم لأنهم أحباب الله تبارك وتعالى بما لهم من القرب إليه بطاعته الكاملة، وإن أريد به أزواجه وأقرباؤه المؤمنون فوجوب محبتهم لما خصوا به من الفضل." اهـ.
كما رد الأحباش بموجز عن أفكار الحبشي، في ادعاء لسلفية والإخوان، بعنوان "كذب المفتري" على العديد من الاتهامات في فكر ومعتقدات "الأحباش" وصف القول بأنهم يكفرون العلماء ويسبون الصحابة للافتراء عليهم، قائلين في بيان: "كذب المفتري على الشيخ عبد الله الهرري الحبشي"، الشيخ عبد الله الحبشي ما خالف إجماع أئمة المذاهب الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل)، أما ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فقد أفضيا إلى ما قدماه ولم يعد أمرهما مبهمًا لكثير من الناس.
واتهم أبا صهيب المالكي، صاحب الكتاب المسمى "المقالات السنية في كشف ضلالات الفرقة الحبشية" في أول باب من كتابه أسماه "لقطات من فتاوى الحبشي" أن عبد الله الهرري الحبشي: "أبطل ركناً من أركان الإسلام، ومنع حقًّا من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء، ألا وهو الزكاة؛ حيث شرع لأصحاب الأموال عدم وجوب الزكاة في عملتهم الورقية، علماً أن علماء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها قد أفتوا بوجوب الزكاة في العملة الورقية التي يتداولها الناس اليوم".
فرد عليه تلاميذ أنّ شيخ عبدالله الهرري الحبشي، قائلين: "وأمّا مسألة الزكاة في العملة الورقية ففيها تفصيل عند العلماء وما اتهامك للهرري بهذا إلا لجهلك بالفقه، فعند الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم لا تجب الزكاة في الأثمان المضروبة من غير الذهب والفضة، أي تجب عندهم في الدنانير والدراهم التي تُضرب من ذهب وفضة ولا تجب في تلك التي تُضرب من نحاس أو العملات الورقية، فقد قال تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم}، فالآية جاء فيها الوعيد لمن منع زكاة الذهب والفضة، وهي مخصصة بهذه الأثمان ولم يرد فيها غير هذه الأثمان، والله تعالى عالمٌ في الأزل بأنه ستكون أثمان من غير الذهب والفضة، والقرآن الكريم نزل للعالمين منذ زمن محمد صلى الله عليه وسلم وحتى يوم القيامة، فلو كانت الأثمان من غير الذهب والفضة مقصودة لجاء غير هذا في الآية ليدلّ عليها، لكان اللفظ لفظًا آخر غير هذا.
وأما الإمام أبو حنيفة فقد أوجب الزكاة في الأثمان من غير الذهب والفضة؛ لأنها تروج رواج الذهب والفضة في المعاملات. فالمسألة خلافية بين العلماء، فليس للحنفي أنْ يعترض على الشافعي والمالكي والحنبلي عدم إيجابهم الزكاة في العملات الورقية، وليس لهؤلاء أن يعترضوا على الحنفي إيجابها لها.
وأما من قلب هذه العملة الورقية في البيع والشراء لغرض الربح فهذا تجارة، فتجب فيها الزكاة؛ لأنها تدخل في باب زكاة التجارة، وليس في باب زكاة الذهب والفضة.
في الفتاوى الهندية وهي من أشهر كتب المذهب الحنفي (ج1/ص179): "وأما الفلوس فلا زكاة فيها إذا لم تكن للتجارة، وإن كانت للتجارة فإن بلغت مائتين وجبت الزكاة، كذا في المحيط"، والفلوس هي الأثمان من نحاس.
أما غير الحنفية فقد قال المالكية كما في الشرح الكبير على مختصر خليل (انظر هامش حاشية الدسوقي ج1/ص418 وفي طبعة ج4/311)، ما نصه: "وأشعَر الاقتصار على الوَرِق – بكسر الراء، وهو الفضة – والذهب أنه لا زكاة في الفلوس النحاس، وهو المَذهب"، وهذا الدسوقي هو محمد بن أحمد الدسوقي المتوفى سنة 1230هـ.
وتابعوا: "قال شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الهرري الحبشي في كتاب بغية الطالب وهو بين يدي (الطبعة السابعة ج1/ص 355- 356): (كتاب الزكاة)، ثم قال: "وهي أحد الأمور التي هي أعظم أمور الإسلام، قال الله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة" الحديث رواه البخاري ومسلم".
ومنعُ الزكاة من الكبائر وكذا تأخير دفعها عن وقتها من غير عذر، قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله ومانع الزكاة" رواه ابن حبان. ومن منعها وهو معتقدٌ وجوبها لا يُكفــَّر، لكن إن استعصى قومٌ من دفعها وقاتلوا على ذلك قاتلهم الإمام أي الخليفة ويأخذها من أموالهم قهرًا، وأما من منعها وهو لا يراها واجبة فإنه مرتدّ إن لم يكن متأولا يُطلب منه الرجوع عن هذه الردة، فإن رجع وإلا قتله الإمام، وكان وجوبها في السنة الثانية من الهجرة. انتهى قول شيخ الإسلام الهرري الحبشي.
إشادة بالهرري
إذا كان الهرري قد واجه هجومًا من قبل السلفيين والإخوان، فقد أثنى عليه العديد من علماء وفقهاء المسلمين، فقد قال وزير الشئون الإسلامية والأوقاف الإماراتي السابق محمد بن أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي: "التعريف بفضيلة الشيخ عبد الله الهرري الحبشي، أنه رجل عالم فقيه شافعي المذهب أشعري المنهج والسلوك، كتب فضيلته تنبؤ عن ذلك، وما كتبه عبد الرحمن دمشقية كله كذب وافتراء وطعن في المسلمين".
كما يقول عنه يقول شيخ الطريقة النقشبندية الشيخ محمود أفندي الحنفي: "الشيخ عبد الله الهرري عالم إسلامي كبير.. وانقلوا عني أن لا أحد يقرأ في كتب سيد قطب وابن تيمية وأبي الأعلى المودودي".
كما أشاد مفتي تركيا العام السابق الشيخ محمد نوري يلماز، بعلم المحدث الهرري، قائلًا: "أوصيكم أن تتابعوا السير على هذا النهج في إرشاد الناس ووعظهم وتعليمهم ونحن معكم". مضيفا: "اليوم لا نعرف محدثاً حافظاً للأحاديث غير الشيخ عبد الله الهرري".
وأثنى عليه الشيخ عز الدين الخزنوي الشافعي النقشبندي من الجزيرة شمالي سوريا، والشيخ عبد الرزاق الحلبي إمام ومدير المسجد الأموي بدمشق، والشيخ أبو سليمان سهيل الزبيبي، والشيخ ملا رمضان البوطي، والشيخ أبو اليسر عابدين مفتي سوريا، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ سعيد طناطرة الدمشقي، والشيخ أحمد الحصري شيخ معرة النعمان ومدير معهدها الشرعي.
مؤلفاته
للهرري العديد من المؤلفات والكتب، وآثار ومؤلفات قيمة، منها:
1- الصراط المستقيم.
2- الدليل القويم على الصراط المستقيم.
3- مختصر عبد الله الهرري الكافل بعلم الدين الضروري.
4- بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب.
5- صريح البيان في الرد على من خالف القرآن.
6- المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية.
7- المطالب الوفية شرح العقيدة النسفية.
8- إظهار العقيدة السنية في شرح العقيدة الطحاوي.
9- التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث.
10- نصرة التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث.
11- الروائح الزكية في مولد خير البرية.
12- شرح ألفية الزبد في الفقه الشافعي.
13- شرح متن أبي شجاع في الفقه الشافعي.
14- شرح متن العشماوية في الفقه المالكي.
15- شرح متممة الآجرومية في النحو.
16 – التحذير الشرعي الواجب.
17- شرح البيقونية في المصطلح.
18- الدر النضيد في أحكام التجويد.
19- شرح الصفات الثلاث عشرة الواجبة.
20- العقيدة المنجية، وهي رسالة صغيرة أملاها في مجلس واحد.
21- شرح التنبيه للإمام الشيرازي في الفقه الشافعي.
22- شرح منهج الطلاب للشيخ زكريا الأنصاري في الفقه الشافعي.
23- شرح كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للشيخ عبد الله باعلوي.
24- شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث.
25- قصيدة في الاعتقاد والإرشاد تقع في ستين بيتًا تقريبًا، وقد اهتم العلماء الأفاضل بهذا العلم اهتمامًا كبيرًا، قال المحدث الفقيه الأصولي الزركشي في تشنيف المسامع: "إن الأئمة انتدبوا للرد على أهل البدع والضلال، وقد صنّف الشافعي كتاب "القياس" رد فيه على من قال بِقدم العالم من الملحدين، وكتاب "الرد على البراهمة" وغير ذلك، وأبو حنيفة كتاب "الفقه الأكبر"، وكتاب "العالم والمتعلم" رد فيه على المخالفين، وكذلك مالك سئل عن مسائل هذا العلم فأجاب عنها بالطريق القويم، وكذلك الإمام أحمد".
وفاته
تُوفي فجر يوم الثلاثاء الثاني من رمضان عام 1429 هجرية الموافق للثاني من سبتمبر عام 2008 في منزله في بيروت عن ثمانية وتسعين عامًا.
وجرى عصر الثلاثاء تشييعه في بيروت في مأتم حاشد مهيب بحضور حشود كبيرة من مريدي وطلاب الشيخ، وأعضاء الهيئة الإدارية في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية تقدمهم رئيس الجمعية سماحة الشيخ حسام قراقيرة، وعدد كبير من المشايخ والدعاة ورؤساء جمعيات إسلامية وصوفية وهيئات ومؤسسات خيرية واجتماعية وتربوية، وممثلين عن جمعيات عائلية وشبابية وكشفية ونسائية، وأعضاء مجالس بلدية ومخاتير ووفود شعبية وشخصيات من مختلف مناطق بيروت وجميع المحافظات اللبنانية.
وصيته
ترك عبد الله وصية لأتباعه، هذا نصها: "هذا ما يوصي به نفسَه وأهلَه وأحبابَه وطلابَه عبدُ الله بنُ محمدٍ بنِ يوسفَ الهرري شهادةَ أنْ لا إله الا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، كما أني أوصي بعلمِ الدين فهو دليلٌ على السعادةِ الأبديةِ التي لا نهايةَ لها، ودليلُ الفلاحِ في الدنيا والآخرة. وأوصي بالتمسكِ والعملِ بكتابِ اللهِ تعالى وسنةِ نبيِّه صلى اللهُ عليه وسلم، والتزامِ مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، والعملِ على نشرِه وتعليمِه للناس، وبالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، كما أوصي بالتحابِّ في اللهِ والتناصحِ في اللهِ، وكونوا عونًا لبعضكم ولا تكونوا متفرقين متشاحنين متباغضين، واعملوا بحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه من الخيرِ". وإيَّاكم والتنافر وإيثار المال على الآخرةِ؛ فإن أعداءَ الدين يتربَّصون ويجتهدون في محاولةِ هدمه، فكونوا كما قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضًا". كما أوصي بمعاونة إخوانكم في الجمعية فكونوا عونًا لهم ولا تكونوا عونًا عليهم، واجتمعوا ولا تفرقوا فتذهب ريحكم. وكل من يضعف أمر هذه الجمعية أو ينفر الناس عنها فانبذوه، واعلموا أنه يحارب الدين. أسأل الله تعالى لي ولكم حسن العمل والختام، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأصحابه الغر الميامين".