المرجع الشيعي محمد تقي الشيرازي.. قائد ثورة العشرين في العراق
الأحد 17/سبتمبر/2023 - 10:43 ص
طباعة
علي رجب
محمد تقي الشيرازي، هو أحد أبرز مراجع الشيعة الاثني عشر، وأحد مفجري ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق.
حياته
ولد آية الله محمد تقي بن الحاج محب علي بن ميرزا محمد علي كلشن الحائري الشيرازي، عام 1256 هـ- 1840 م بمدينة شيراز في إيران.
وغادر شيراز إلى العراق وهو في الخامسة عشرة من عمره" 1271هـ" وأقام في كربلاء وتدرج في الدراسة وتحصيل العلوم الدينية، فقرأ مقدمات العلوم على مدرسي وأفاضل علماء الحوزة العلمية في كربلاء، ثم حضر درس وبحث محمد حسين الشهير بالفاضل الأردكاني والسيد علي نقي الطباطبائي الحائري حتى برع وكمل، فتأهل لدرس الميرزا محمد حسن الشيرازي.
وقد أجيز الميرزا محمد تقي الشيرازي من عدد من العلماء في الاجتهاد والرواية، ومنهم الميرزا حسين الخليلي وهو فقيه أصولي انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره. وكذلك الشيخ حسين بن محمد تقي النوري وهو أستاذ الفقه والأصول والدراية وغيرهم من الذين أجازوا الميرزا في الرواية. أما مَن أجاز له بالاجتهاد الشيخ عباس بن المولى حاجي الطهراني والميرزا حسن خان الشيرازي الحائري وغيرهم.
وسافر إلى سامراء فقرأ على يد المجدد الشيرازي حتى أصبح من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وكان إلى جانب ذلك مدرسًا وأستاذًا لجمع من أفاضل تلاميذ المجدد الشيرازي.
الزعامة الدينية
ولما توفي المجدد الشيرازي سنة 1321 هـ أصبح آية الله محمد تقي الشيرازي بعده المدرس الوحيد للطلاب لعقدين من الزمن، وصار المرجع الديني للطائفة الشيعية في العراق والعالم، ومواصلًا الدرس والبحث ومهمة الإفتاء، على أمل إن يُبقي تراث سلفه وأستاذه المجدد الشيرازي حيًّا متجددًا.
وعندما احتلت القوات البريطانية مدينة سامراء في مارس 1917 م وأخذتها من أيدي الأتراك كان هو آخر من يضطر إلى مغادرة هذه المدينة واتجه إلى مدينة الكاظمية؛ حيث مكث فيها مدة من الزمن ثم توجه إلى كربلاء في منتصف سنة 1336هـ (23 فبراير 1918م).
ومن تلامذته: الشيخ محمّد محسن الطهراني، المعروف بآقا بزرك، والشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، السيّد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، السيّد عبد الهادي الشيرازي، الشيخ محمّد جواد البلاغي، السيّد مهدي الحسيني الشيرازي، الشيخ عباس القمّي، والشيخ حسين البروجردي.
الشيرازي وثورة العشرين
كان للشيرازي دور في ثورة العشرين"1920"، عندما أراد الإنجليز إجبار العراقيين على انتخاب (السير برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني ليكون رئيساً لحكومة العراق.
ففي أواخر 1918 أسس الشيخ محمد رضا الشيرازي نجل الميرازا محمد تقي الشيرازي ما يسمى بالجمعية الإسلامية في كربلاء، وضمت في عضويتها السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني والسيد حسين القزويني والسيد عبد الوهاب الوهاب والشيخ محمد حسن أبو المحاسن وعبد الكريم العواد وعمر العلوان وعبد المهدي القمبر وغيرهم، وكانت هذه الجمعية تمتاز بالجراءة والفعالية؛ الأمر الذي دفع الإنجليز إلى اعتقال عدد من أعضائها في الأول من يوليو 1919، وكان من بينهم عمر العلوان وعبد الكريم العواد وطليفح الحسون ومحمد علي أبو الحب والسيد محمد مهدي المولوي والسيد محمد علي الطباطبائي؛ مما دفع السيد محمد تقي الشيرازي بأن أرسل رسالة إلى (ولسن) يطلب منه إخلاء سبيلهم، وإنهم لم يفعلوا شيئاً طالبوا بحقوقهم المشروعة وبالطريقة السلمية، وكان رد ولسن على الرسالة قسما بالمراوغة والتملص؛ مما أثار هذا الأمر حفيظة السيد الشيرازي، وأدى إلى تهديده بإعلان الجهاد ضد الإنجليز؛ لما لهذا الأمر من استهانة بكرامة الوطنيين، وعندما انتشر هذا الخبر بين الأوساط العراقية بدأ العديد من الرسائل تتوافر من الكاظمية والنجف يبدي أصحابها عزمهم على الهجرة معه ومجاهدة الإنكليز من هناك، وكان من ضمن الرسائل حملت تواقيع سيد كمال الدين ومحمد باقر الشبيبي ومحمد الشيخ يوسف والسيد حسين كمال الدين وعبد الرضا السوداني والسيد أحمد الصافي والسيد سعد جريو.
وفي ليلة النصف من شعبان سنة 1338 هـ (21 أبريل 1920) ليلة زيارة الإمام الحسين؛ حيث كربلاء تمتلئ بالزائرين- اجتمع وجوه ورؤساء القبائل العراقية والحركات السياسية وقته في مجلس تقي الشيرازي، وأعلنوا الثورة ضد الإنجليز.
وقال الشيرازي للجموع: إن الحمل لثقيل وأخشى أن لا تكون للعشائر قابلية المحاربة مع الجيوش المحتلة، فطمأنه زعماء العشائر بأن فيهم الكفاءة الكاملة، ثم عاد إليهم قائلاً: أخشى أن يختل النظام ويفقد الأمن وأن الأمن أهم من الثورة وأوجب منها. فأجابوه بأن لهم القابلية على حفظ الأمن، وأن الثورة لا بد منها فشكرهم، وقال: "إذا كانت هذه نواياكم وهذه تعهداتكم فلله عونكم".
ووصلت إلى نتيجة إصدار فتوى يُعلن فيها الجهاد ضد المحتل؛ ولهذا عندما استفتى عدد من زعماء العشائر العراقية الإمام الشيرازي حول جواز استخدام السلاح بوجه المحتل أجابهم الإمام الشيرازي بفتوى صريحة أشار فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين. ويجب عليهم، في ضمن مطالبهم، رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذ امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم".
وهذه الفتوى كانت بمثابة الركيزة الأساسية في انطلاق العمل الثوري ضد الاحتلال، إذ أُيدت من قبل خطباء وعلماء كربلاء ومنهم محمد حسين المازندراني ومحمد صادق الطباطبائي وعبد الحسين الطباطبائي، ومحمد علي الحسين وغلام حسين المرندي ومحمد رضا القزويني ومحمد إبراهيم القزويني ومحمد الموسوي الحائري وعلي الشهرستاني وهادي الخرساني وجعفر الهر وكاظم اليهبهاني وفضل الله وعلي الهادي الحسين..
كما وتداعى على ضوء هذه الفتوى العديد من علماء النجف الذين اجتمعوا وقرروا توجيه رسائل إلى رؤساء عشائر الفرات وخصوصاً عشائر الرميثة والسماوة يحثوهم فيها على الثورة، وكان أبرز الذين حضروا هذا الاجتماع المهم الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ الجواهري والشيخ حسين كاشف الغطاء والشيخ رضا راضي والشيخ جواد الشبيبي ونجل شيخ الشريعة.
وكما عقد اجتماع آخر في منطقة المشخاب القريبة من النجف يوم 29 يونيو 1920 حضره عدد كبير من سادات ورؤساء الفرات الأوسط، وقرروا فيه إعلان الثورة، وأرسلوا عنهم مندوبين لإطلاع العلماء ورجال الدين في النجف على قراراتهم.
كما أصدر الشيرازي فتوى أخرى ضد انتخاب (السير برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني؛ ليكون رئيساً لحكومة العراق، قائلا: «ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين».
ولما عرف العراقيون فتواه حول موقفه من انتخاب المندوب السامي البريطاني ليكون رئيساً لحكومة العراق، نهضوا في وجه السلطة الجائرة وحاربوهم بأسلحتهم البسيطة المعروفة في ثورة العشرين الشهيرة والخالدة.
ومن هنا نعرف أن الثورة كانت بدفع، وتخطيط، وفتاوى المرجعية الدينية الشيعية بالتحالف مع العشائر الشيعية وشيوخها في الوسط والجنوب التي قدمت من الضحايا حسب ما قدَّرها الجنرال هالدين، أحد القادة العسكريين البريطانيين آنذاك، بـ 8450 بين قتيل وجريح، مستنداً في تقديره هذا على عدد القتلى الذين عُثرَ على جثثهم، وعلى التقارير الواردة من مختلف المصادر، وعلى سجلات الدفن في كربلاء والنجف. ومعظم الخسائر كانت من عشائر منطقة الفرات الأوسط، وهذا عدد كبير في تلك الفترة التي كان عدد نفوس العراق نحو مليونين ونصف المليون نسمة.
الشيرازي وإيران
أما الموقف الآخر من الميرزا محمد تقي الشيرازي هو من الغزو الروسي على إيران خصوصًا، وأن الغزو قد أشاع بأن القوات الروسية قامت بهتك المشهد الرضوي الشريف وتهديد البلاد الإسلامية، وقد أصدرت المراجع العليا في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية بضرورة الجهاد والدفاع عن البلاد الإسلامية، وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي قد بعث بفتوى إثر قدوم القوات الروسية وقد جاء في إحدى فقراتها:» قررنا نحن خدمة الشرع المنير مع جميع العلماء الإعلام من النجف وسامراء وحسب مسئوليتنا الشرعية المجتمعون في الكاظمية لدراسة هذه الأمور التي تتعرض لها الدولة عسى أن نجد حلًّا لإنقاذ المسلمين من ظلم الأجانب وعدوانهم « .
قضايا في فكره
وهناك العديد من القضايا التي تناولها محمد تقي الشيرازي، في كتبه ومجالسه، حيث يلتفت الإمام الشيرازي إلى أن حاجة الأمة إلى الخبرة الخارجية والاتكاء على الخارج فيما نحتاجه من الخبرات يجر الأمة إلى هيمنة خارجية، أو تلاعب بحقيقة صلاحية الخبرات التي نستهلكها من الخارج، فيقول: "وواحدة من أبرز مشاكل بلادنا الإسلامية هي هذه، أي عدم وجود خبراء محليين في مستوى عال من الخبرة، فهي فقيرة في هذا الجانب؛ ولذلك فهي تستعين بالخبراء الأجانب، وجرت عادة الاستعمار أن يجنّد هؤلاء الخبراء للعمل معه ولغير الغاية المنشودة منهم، فيجعل من بعض هؤلاء الخبراء جواسيس، يتجسسون على البلاد التي يعملون فيها، ويرفعون المعلومات الخطيرة عن ذلك البلد".
ويعد الشيرازي أن أمتنا بالرغم من وجود المنهج الإسلامي الذي يحث على اكتساب الخبرة في شتى المجالات، ويفرض على أهل العلم تنمية قدراتهم بالخبرة، ويقدم آلاف الوقائع والمواقف التي تؤلف منهاجا متكاملا للتدريب والتنمية لتطوير أداء الفرد والجماعة والأمة، وبالرغم من وجود آلاف الحكم التي تؤلف نهجًا تربويًّا في بناء الإنسان الخبير.
وفاته
قُتل في كربلاء في 13 ذي الحجة سنة 1338 هـ الموافق أغسطس 1920م، وتم تشيعه ودفنه في الحسين بكربلاء.
مؤلفاته
له العديد من المؤلفات منها:
1- الحاشية على المكاسب، وهي في الفقه.
2- ديوان شعر.
3- رسالة في الخلل.
4- رسالة في صلاة الجمعة.
5- ذخيرة العباد ليوم المعاد.
6- الرحلة المصرية.
7- الرحلة التبريزية.