"عبود الزمر" زعيم الجهاد السابق.. تاريخ من المواقف المضطربة
السبت 19/أغسطس/2023 - 09:13 ص
طباعة
حسام الحداد
رغم إدانته بالاشتراك في اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في ثمانينيات القرن الماضي، خلال أحد العروض العسكرية احتفالاً بذكرى نصر حرب أكتوبر 1973، إلا أن بياناته ورسائله ظلت محط أنظار الجميع، منذ لحظة دخوله السجن وحتى خروجه منه في أعقاب ثورة يناير 2011، فضلاً عن مواقفه المثيرة للغموض من فترة حكم الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي، إلى أن تمكن من بلورة موقف محدد، في اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
وما يدفع للوقوف طويلاً أمام مواقف القيادي في الجماعة الإسلامية عبود الزمر، هو ما تحمله من أفكار ومعتقدات، ترسخت فيه منذ بداية انضمامه إلى تنظيم الجهاد، والتي تعكس في أوقات كثيرة مدى تردده وعدم قدرته على اتخاذ القرار في الوقت المناسب.
عبود الزمر
ومن بين مواقف الزمر المضطربة، رفضه في بداية الأمر فكرة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، معولاً بشكل كبير على ضرورة الحشد الشعبي بغية القيام بثورة مسلحة تسقط حكمه، إلا أنه عدل عن الفكرة وشارك في عملية الاغتيال، وإن أبدى ندمه بعد ذلك عن الفعل، فضلاً عن موقفه الغامض إزاء المراجعات الفكرية التي قدمتها الجماعات المسلحة تسعينيات القرن الماضي، (الجماعة الإسلامية – الجهاد الإسلامي بقيادة الدكتور فضل – سيد إمام)، في حين يشرع حالياً في تقديم مراجعات فكرية لما قام به مؤخراً، بما فيها فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي.
النشأة والانضمام إلى تنظيم الجهاد
عبود الزمر، من مواليد أغسطس 1947، في قرية ناهيا، التابعة لمحافظة الجيزة، والتي شهدت هي وقرية كرداسة المجاورة لها، أعمال عنف ممنهجة بعد فض اعتصام ميداني (رابعة العدوية ونهضة مصر) المواليْن للرئيس الإخواني محمد مرسي منتصف أغسطس من العام الماضي، حيث كان من أبرز مظاهر العنف اقتحام قسم كرداسة وقتل كل من كان فيه.
شارك الزمر في عملية اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 خلال عرض عسكري بعد توقيع السادات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل "اتفاقية كامب ديفيد"، وصدر عليه حكمان بالسجن في قضيتي اغتيال السادات 25 عاماً وتنظيم الجهاد 15 عاماً، على اعتبار أنه كان العقل المدبر لعملية الاغتيال، وتم الإفراج عنه بعد ثورة يناير 2011.
علاقته بتنظيم الجهاد
الرئيس أنور السادات
يمكن رصد البدايات الأولى لانضمام عبود الزمر إلى جماعة الجهاد في 1978، رغم كونه وقتها ضابطا بالمخابرات العسكرية المصرية، برتبة مقدم، وكان من بين أسباب انضمامه لجماعة الجهاد رفضه معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي وقع بنودها الرئيس الأسبق أنور السادات، الأمر الذي فجر وقتها موجة انتقادات كبيرة للسادات.
وبحسب الكثير من المراقبين، فإن مكانة عبود الزمر لدى تنظيم "الجهاد" وأعضاء "الجماعة الإسلامية" ذكر الرئيس السادات له في إحدى خطبه بالاسم حين قال: "لن نترك الولد عبود "، الأمر الذي أعطاه شهرة واسعة واعتبر من وقتها زعيما روحيا للتنظيميين.
نزار غراب
ويقول محامي الجماعات الإسلامية نزار غراب، في إحدى شهاداته: إن "علاقة عبود الزمر بابن عمه طارق كانت من أهم أسباب انضمامه لتنظيم الجهاد، فعلاقة طارق بعبود لها أكثر من جانب، فضلا عن زواج عبود بأم الهيثم شقيقة طارق، وهو ابن خالته وابن عمه في نفس الوقت، وأعتقد أن طريق عبود لتنظيم الجهاد كان الزواج من أم الهيثم، حيث كان شقيقها طارق وثيق الصلة بمؤسس تنظيم الجهاد محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة"، وكان طارق يدعو شقيق زوجته للصلاة لدى الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله، وبدأ عبود في التحول نحو التمسك بالإسلام فكرا وثقافة وعقيدة وشريعة".
ورجح عدد من المتخصصين أن أسباب انفصال الزمر عن تنظيم الجهاد في 1991، تعود للخلاف بينه وبين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي أعقبه في خلافة التنظيم، نتيجة موافقة عبود على مبادرة وقف العنف.
منتصر الزيات
وفي حين ترددت أنباء قوية عن وجود خلافات بين الزمر والقادة التاريخيين للجماعة الإسلامية حول مبادرة وقف العنف وكتابة المراجعات الفكرية، الأمر الذي عززه نقل الزمر من سجن طرة إلى أبو زعبل، إثر اعتراضه على كتب المراجعات الفكرية، إلا أن محامي "الجهاد" وقتها منتصر الزيات، الذي زاره وقتما كان في محبسه، في يوليو 2002، نقل عن الزمر موافقته على مبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة الإسلامية، وأعلن ترحيبه بالمراجعات الفكرية التي كتبها قادة الجماعة الإسلامية أخيرا، ونقل محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات نقلاً عن عبود: "إن الزمر يرحب بالمبادرة وبالكتب الأربعة التي تضمنت المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، وإنه شارك في البحث الأول لمبادرة وقف العنف، ونوه بأن كتب المراجعات الفكرية لم تخرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة".
لكن يظل التساؤل: إذا وافق الزمر على المراجعات الفكرية، لماذا إذاً ظل في محبسه رغم انقضاء فترة عقوبته في عام 2000، في حين تم الإفراج عن عدد من قادة الجماعات الإسلامية الذين قدموا مراجعات فكرية لما كانوا يعتقدونه قديماً، لتبقى رواية انفصاله عن تنظيم الجهاد غامضة حتى الآن، ففي حين يذهب البعض إلى أن قبوله المراجعات الفقهية، فيما رفضها التنظيم سبب الانفصال، تقول روايات أخرى إنه رفضها ولم يشارك فيها.
طموح الزمر الجهادي
يمكن رصد تطلعات عبود الزمر الجهادية من خلال حوار أجراه مع الكاتب الصحفي محمود فوزي مطلع تسعينيات القرن الماضي، يمكن إجمالها في ثلاث مراحل:
- مرحلة التدريب النظري.
- مرحلة التدريب على السلاح وأعمال النسف والتدمير.
- مرحلة التدريب التكتيكي على العمليات الخاصة، تمهيدا لدخول الفرد خطة العمليات التي يتم فيها تدريبه على دوره المنوط به في الخطة العامة بشكل غير مباشر، للوصول إلى مستوى الاتفاق الذي يمكن معه أن ينفذ المهمة الخاصة به عند بدء العد التنازلي.
كما تضمن المشروع الجهادي لعبود الزمر، نشر الدعوة الإسلامية، الأمر الذي تتبعه استراتيجية التحرك الانقلابي المفاجئ، وتتلخص في إعداد العدد والعدة اللازمين لإحكام السيطرة على الأهداف الحيوية في البلاد، وشل قدرة ومقاومة الجهات الأمنية المختلفة، يلي ذلك محور تجميع الجهود والطاقات العاملة في الساحة لصالح الخطة والتحالف والتعاون مع فصائل العمل الإسلامي، وتحريك الجماهير المساندة للثورة، من خلال تهيئتهم للتفاعل معها فور إعلان البيان الأول وجذبهم نحو النزول إلى الشوارع لتثبيت أركان الثورة.
ويستهدف المشروع الجهادي للزمر كذلك، إرساء قواعد ومبادئ نصرة المظلومين بقدر الإمكان، ثم محور التحرك الاضطراري، وقال الزمر وقتها: إن الجماعة لم تكن قد وصلت إلى 10٪ من المقرر، وإن الخطة الأصلية لم توضع في ميزان الاختبار الحقيقي الذي يمكن أن نقول فيه: إن الجماعة خاضت مشروعًا كاملًا للتغيير، لقد كان من المتوقع الانتهاء من ذلك المشروع خلال عام 1984 حيث تكتمل جوانب الخطة.
اغتيال السادات
محمد عبد السلام فرج
كان لمحمد عبد السلام فرج دور كبير في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، رغم أنه لم يكن ضمن المجموعة التي نفذت العملية، غير أنه كان العقل المُدبر والمُخطط للعملية، واستشار فرج وقتها القيادي في التنظيم عبود الزمر، فرفض كون العملية سوف تكشف التنظيم الوليد، حيث اعتقد الزمر أن استمرار المشروع على الأقل خمس سنوات، يسمح بتجميع أكبر عدد من الشباب يمكن القيام من خلالهم بثورة تسقط حكم السادات، لكن إصرار المجموعة المنفذة للعملية دفع الزمر إلى قبول العملية، بعد إقناعه أن المنفذين سوف يلقون حتفهم على يد الحرس.
موقف الزمر من ثورة 30 يونيه
يعتبر موقف عبود الزمر من ثورة 30 يونيه مضطرباً بعدما أعلن رفضه سياسات الرئيس الإخواني محمد مرسي، في حين رفض استجابة الجيش للمطالب الشعبية في عزله من منصبه، بحجة أن التغير لابد أن يكون عبر صندوق الاقتراع، إلا أن موقفه من اعتصامي ميداني (رابعة والنهضة) كان واضحاً من حيث رفضه.
وفي خطوة جديدة تظهر مدى ما وصل إليه الزمر من مواقف تجاه الأحداث الجارية- قال في بيان رسمي له إنه لم يكن من الموافقين على عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، رغم ملاحظاته عليه خلال الأشهر السابقة على عزله، الذي فضل أن يأتي عبر صندوق الاقتراع الانتخابي، حتى لا تكون القوة هي سبيل التغيير الوحيد، موضحاً أنه نصح مرسي بقبول الاستفتاء على انتخابات مبكرة، لكنه رفض، فوضعه الجيش أمام خيارين: إما الاستفتاء وإما العزل.
وكشف الزمر عن طرحه أسماء (المستشار محمود مكي – الدكتور سليم العوا – المستشار هشام جنينة) للترشح للانتخابات الرئاسية، وهي شخصيات محايدة بحسب وصفه، لكن تحالف دعم الشرعية رفض الفكرة، محذراً من مساعي هدم البلاد، فضلاً عن طلبه من الإخوان أن يقوّموا تجربتهم، لتعرف سلبياتها وإيجابياتها، كما أوضح أنه طلب من جماعة الإخوان أن تشارك في الانتخابات البرلمانية بتحالف انتخابي سلمي معارض، للدفاع عن حقوق الشهداء والمسجونين ومدافعة الشر، ومنع صدور أي قوانين تخالف الشريعة، خاصة أن المجلس التشريعي أصبح اليوم له سلطات واسعة في محاسبة الوزراء وسحب الثقة من الحكومة ورفض القوانين التي لا يراها مناسبة، معلناً رفضه فكرة إسقاط الدولة الحالية ثم البدء في بناء الدولة من جديد، كونه يعني ضياع مصر.
الأمر الذي رفضه تحالف دعم الشرعية، فضلاً عن دخوله في تلاسن مع الزمر حول الموضوع خلال الأيام الماضية، فيما رفض أقرب ابن عمه طارق الزمر الهارب حالياً في قطر المقترح.