رغم الشتات والتهجير والدماء.. اختيار بطريرك جديد لكنيسة المشرق الآشورية
الإثنين 21/سبتمبر/2015 - 10:46 ص
طباعة
في ظل حرب الإبادة التي يقودها تنظيم "داعش" الإرهابي ضد المسيحيين في المشرق تعمل الكنائس المشرقية على إثبات وجودها الذي كان دائمًا وعلى مدار قرون تحت واقع اضطهادات وحروب لا تنتهي، من هنا أصدر سينودس أساقفة كنيسة المشرق الآشورية المنعقد في كنيسة مار يوحنا المعمدان، في بلدة عنكاوا، بأربيل، البيان الختامي للمجمع المقدس. وتلى البيان المطران مارميليس زيا، الوكيل البطريركي العام لكنيسة المشرق الآشورية في أستراليا ونيوزيلاندا ولبنان.
وأعلن في البيان الختامي عن انتخاب المطران ماركيوركيس صليوا، الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في العراق والأردن وروسيا، بطريركاً جديداً للكنيسة، وأطلق عليه الاسم الكنسي: مار كيوركيس صليوا الثالث. وألقى البطريرك الجديد كلمة أكد خلالها أنه سيبذل كل ما بوسعه من أجل السير على خطى البطريرك الراحل مار دنخا الرابع.
كما أكد البطريرك أنه سيخطو خطوات جديدة من أجل قيادة دفة الكنيسة إلى الأمام. وقدم شكره وتقديره إلى جميع أساقفة كنيسة المشرق الأشورية والإكليروس، ولكل الذين ساهموا في إعداد الترتيبات والتحضيرات لانتخاب البطريرك الجديد للكنيسة.
وقال المجمع المقدس للكنيسة في بيان له:
يسرنا كمجمع مقدس لكنيسة المشرق الآشورية أن نعلن للجميع، أن الروح القدس قد اختار (غبطة المطران مار كيوركيس صليوا) كبطريرك جديد لكنيسة المشرق الآشورية في العالم، خلفاً لمثلث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع الطيّب الذّكر الذي توفي في 26/3/2015.
وسيحمل البطريرك الجديد اسم مار كيوركيس صليوا الثالث، البطريرك المئة والحادي والعشرين لكرسي ساليق قطيسفون، وستتم رسامته يوم الأحد السابع والعشرين من سبتمبر في كنيسة مار يوحنا المعمدان في آربيل.
في هذا اليوم المقدس، نقدم المجد والإكرام إلى الله الأب، ضابط الكل، والابن الذي أعاننا في اجتماعاتنا، والروح القدس الذي أهدانا في اختيارنا لمن يقود دفة كنيستنا المباركة في بحر هذا العالم، صوب ميناء الأبدية المبارك.
إنّ المجمع المقدس لأحبار كنيسة المشرق الآشورية يعبّر عن امتنانه الرعوي لكافة مؤمني الكنيسة والكنائس الشقيقة الأخرى، لدعمهم في صلواتهم وصيامهم، ونحن نجتمع لاختيار رئيس للرعاة وأب الآباء لكنيستنا المقدسة.
نتقدم بوافر شكرنا وتقديرنا لحكومتي إقليم كردستان والعراق، لكل الإجراءات والتسهيلات التي قدمت لأعضاء المجمع المقدس.
وبهذه المناسبة الروحية المباركة نرفع صلواتنا إلى فادينا ومخلصنا يسوع المسيح لتستقم الصلاة كالبخور أمام الله (مز 141: 2) ليجعل من هذا اليوم المقدس، مناسبة لإحلال السلام في العراق وسوريا وسائر بلاد الشرق الأوسط، والتي تعاني من تزحزحاً في أمنها، فيحمي الله بحمايته الجميع، ويحرسهم من إراقة الدماء، وتتبع المحبة والرحمة أبنائه جميعا، فتنتهي المعاناة ويعيش شعبنا في حياة تليق بكونه صاحب أقدم حضارة عرفتها البشرية نصلي من أجل لبنان من أجل اختيار رئيس لها، ومن أجل وحدة شعبها ومن أجل المخطوفين من قرى خابور وجميع أبناء شعبنا المهجرين في بلاد الشتات، من أجل حياة كريمة تليق بهم.
أصالة عن نفسي وباسم جميع أصحاب الغبطة والنيافة أعضاء المجمع المقدس، وباسم جميع أبناء وبنات كنيستنا المقدسة في العالم.
الكنيسة الآشورية
هي كنيسة مسيحية شرقية تمركزت تاريخيا في بلاد ما بين النهرين. تعتبر الكنيسة الآشورية امتدادًا تاريخيًّا وعقائديًّا لكنيسة المشرق التي عرفت خطأ بالنسطورية.
لغة هذه الكنيسة هي اللغة السريانية بلهجتها الشرقية. بحسب التقليد وتاريخ هذه الكنيسة فقد أسسها مار بطرس الرسول أحد تلاميذ المسيح الذي نشر الإيمان المسيحي إلى بلاد ما بين النهرين، وتتلمذ على يده "أدي" و"ماري" واللذان كانا العمودين الأولين في إنشاء كنيسة المشرق الآشورية في القرن الأول الميلادي في بلاد ما بين النهرين.
تُعد كنيسة المشرق الآشورية الرسولية الجاثلقية المقدسة من الكنائس القديمة بعد أورشليم وأنطاكية، يعود منشئها إلى المنتصف الثاني للقرن الأول حيث يذكر تقليد الكنيسة قد بُشرت بالإيمان المسيحي بواسطة.
(33 مار شمعون بطرس (الصخرة)
(33- 75 م) مار توما
(33-49 م) مار أدي
(45-81 م) مار آجي تلميذ مار أدّي
(49-82 م) مار ماري تلميذ مار أدّي
وتركزت الكنيسة في بادئ الأمر إلى الجنوب من العاصمة الفارسية القديمة، قسطيفون، في مكان يُدعى بالسريانية كوخي أي الأكواخ. وبقيت كنيسة المشرق الآشورية ثابتة وقوية، تمتد إلى الشرق من أورشليم حتى تركيا، أورهاي، نصيبين، قيسارية وفي كل الإمبراطورية الفارسية الممتدة آنذاك إلى الهند. وبالرغم من اضطهاد الإمبراطورية الرومانية للمسيحية ما قبل عام 313 م حظيت الكنيسة بفترات من التسامح في أرجاء الإمبراطورية البارثية في ظل الملوك البرثنيين.
وقد عاش المسيحيون حتى نهاية القرن الثالث في جماعات يرأسها أساقفة وتربطها العلاقات بأنطاكية. أما بخصوص كنيسة المشرق فسرعان ما أخذ نفوذ أسقف المدائن في الازدياد، حتى اعتبر نفسه المسئول الأول عن إخوته أساقفة المشرق وتبنى لقب جاثليق ويعني "العام" أو "الشامل". وقد تبنى زعماء كنيسة المشرق لقب بطريرك الذي هو في الأصل يوناني وكان يمنح لأسقف روما- القسطنطينية- الإسكندرية- أنطاكية وخصوصاً من بعد انعقاد المجمع الخلقدوني سنة 451 م.
في عام 286 م تبنت الإمبراطورية الفارسية الزرادشتيه ديناً للدولة فيها. بما أنه تم الاعتراف في عام 313 م بالإيمان المسيحي رسمياً في الإمبراطورية الرومانية التي كانت عدواً للإمبراطورية الفارسية، بدأت موجة اضطهادات سفكت فيها الدماء وراح ضحيتها الكثير من الشهداء، ولا سيما في الفترة الواقعة في 339-379 م تحت حكم الإمبراطور شابور الثاني "فترة الاضطهاد الأربعيني"، الذي خلف وراءه مئات الآلاف من الشهداء عرفوا باسم "شهداء المشرق" من بين الشهداء البطريرك مار شمعون برصباعي 320-341 م. لقب بر صباعي- أي ابن الصباغين أو من آل صباغ- فيقال إنه أطلق على الأسرة لكونهم يقومون بصبغ الحرير والثياب الملوكية، مات على يد الملك الفارسي بعد أن رفض الخضوع للملك وعبادة النار والشمس، عندها بدأ الشعب يلجأ إلى جبال حكاري بتركيا هرباً من الاضطهادات والفناء.
برغم هذه الفترة الصعبة التي مرت بها كنيسة المشرق لم يتوقف عطاؤها من قديسين وعلماء تركوا أثراً كبيراً في مضمار العلم والآداب والتراتيل، ونخص منهم بالذكر البطريرك مار شمعون برصباعي، يعقوب افراهاط الملقب بالحكيم الفارسي، أفرام السرياني الملفان الذي ترك للكنيسة الكثير من المؤلفات والمصنفات الأدبية واللاهوتية.
بعد أن عم السلام وانتهى عصر الاضطهاد الدامي الذي كان يرمي أن يقضي على المسيحية ويفنيها، بدأت مرحلة جديدة في الكنيسة وهي مرحلة المجادلات اللاهوتية، فقد دار جدال حول الثالوث – سر المسيح الإله المتجسد، حتى إن آريوس قال: إن الابن مخلوق وغير مساوٍ للآب، ودار خلاف آخر حول لاهوت الروح القدس. لم تقف الكنيسة مكتوفةِ الأيدي أمام هذه الجدالات والبدع بل دافعت ووضعت قانون الايمان وأعلنت لاهوت الابن بأنه مساوٍ مع الآب في الجوهر في مجمع نيقيه عام 325 م، لاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 م.
في عام 428 م انتخب نسطوريوس بطريركاً على كرسي القسطنطينية وقال: إن مريم العذراء ليست أم الله بل أم المسيح لذا فقد وقع خلاف بينه وبين كيرلس بطريرك الإسكندرية. وبعد عام 634 م دخل العرب البلدان والمدن وبدءوا بنشر الإسلام، عندها اتحد الآشوريون المشتتون مع الملوك العرب في المناطق الخاضعين لهم فيها. وقد نَعِمَ مسيحيو المنطقة الشرقية بنوع من الهدوء في ظل الخلافة العباسية، وكان قد انتقل كرسي البطريركية من ساليق، قسطيفون إلى بغداد. ومن أبرز البطاركة في زمن الخلافة العباسية البطريرك طيمثاوس الذي لقب بجليس الخلفاء على إثر لقائه بالخليفة المهدي في بغداد لمناقشة أمور إيمانية ولاهوتية عديدة. عاش الآشوريون بسلام مع الحكام المسلمين حتى عام 1258 م، عام هجوم المغول على بغداد بقيادة هولاكو. فساد المنطقة جو من الذعر والسلب والنهب والحرق مما أضطر المسئولين على نقل كرسي البطريركية إلى الجانب الغربي من بغداد العاصمة.
كما عاش المؤمنون في جبال هكياري بجوار الأكراد تحت سلطة الإسلام والأتراك حتى الحرب العالمية الأولى، وكان قد مر ثمانون بطريركاً على رئاسة الطائفة حتى ذلك الحين. من بعد وفاة البطريرك شمعون السابع الذي كان يقيم في دير ربان هرمزد وبالتحديد في عام 1551 م حدث انشقاق في الكنيسة، واتحدت مجموعة منهم مع روما بشكل خاص كاحتجاج ضد مبدأ الوراثة المحصور في عائلة واحدة الذي أدخل إلى منصب البطريركية منذ نهاية القرن الخامس عشر، وهكذا نشأت الكنيسة الكلدانية.
بالنسبة لكنيسة المشرق في الهند، فقد صارت علاقتها مع البطريركية الشرقية أكثر تفككاً أثناء القرنين العاشر والحادي عشر؛ لأنه كان من الصعب الوصول إلى هناك. في عام 1896 م صار للكنيسة أساقفة محليون من أبنائها وبعد مرور 27 عامًا من هذا التاريخ نشأت رئاستهم المنفصلة وقد عرفوا بـ "بكنيسة مالابار السريانية" وعددهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون وفي عام 1993 م صار عندهم رئيس أساقفة على المسيحيين غير الكاثوليك في الهند انقسموا إلى عدة جماعات: "اليعاقبة" كانوا مالاباريين سرياناً حتى عام 1665 م ومع مرور الوقت تبنوا ليتورجيا السريان الغربيين الأنطاكيين. أما الذين فصلوا أنفسهم عن اليعاقبة في أوقات مختلفة فهم الأنجوريون 1772 م الانكليكان 1864 م المارثوميون 1876 م كل هؤلاء ما عدا الانكيليكان المشمولين مع الكنيسة الهندية الجنوبية يستعملون الليتورجيا السريانية.
يعيش الآشوريون مبعثرين في أنحاء العالم خصوصاً من بعد المذابح الأخيرة ضدهم والتي جرت في العام 1915 م وراح ضحيتها ما يقارب النصف مليون آشوري والتي أجبرت الآشوريين إلى الابتعاد نحو جبال حكاري. يحاول الآشوريون المحافظة على إيمانهم وثقافتهم ولغتهم تحت رعاية بطريركهم.