مهدي الأصفهاني.. مؤسس المدرسة التفكيكية في المذهب الشيعي
الخميس 03/أكتوبر/2024 - 08:55 ص
طباعة
علي رجب
الميرزا مهدي بن إسماعيل الغروي الأصفهاني، من فقهاء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين، ومن كبار المدرسة المعارفية التي تدعو إلى فهم الدين خالصًا وبعيدًا عن شوائب الشرق والغرب.
ولادته
ولد الميرزا محمد مهدي بن الميرزا إسماعيل الأصفهاني الغروي الخراساني، في (1885م- 1303هـ) في مدينة أصفهان .
وعاش الأصفهاني في زمن الدولة القاجارية هي مملكة أسسها القاجاريون عاصمتها طهران شملت معظم الأراضي الإيرانية الحالية، إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان دامت الدولة من عام 1794 حتى 1925 حينما أطاح رضا بهلوي بآخر الحكام القاجاريين عام 1925 مؤسسًا لنفسه الدولة البهلوية.
دراسته
بدأ الميرزا تعليمه على يد أبيه الميرزا إسماعيل وعند غيره من علماء أصفهان حتى بلغ مرتبة جليلة في الفقه والأصول.
ثم غادر أصفهان إلى مدينة النجف الأشرف، العاصمة الروحية الأهم لدى الشيعة في العالم، والشيعة الاثني عشرية بشكل خاص، حيث مرقد الإمام علي بن طالب.
وفي النجف الأشرف تتلمذ الأصفهاني على يد مجموعة من علمائها كالسيد محمد كاظم اليزدي والآخوند الخراساني.
نال الأصفهاني أعلى مراتب الاجتهاد وأجازه العلامة النائيني وغيره، وهو عمره خمس وثلاثين سنة، بتأييد كل من الأغا ضياء العراقي والمرجع الراحل السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني وآية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي.
بعدها سافر الميرزا مهدي إلى مدينة كربلاء المقدسة وتتلمذ فيها على يد السيد أحمد المعروف بالكربلائي .
ثم ترك الأصفهاني مدينة الحسين "كربلاء" عائدًا إلى إيران في 1340 هـ، فأقام في مدينة مشهد حيث مرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام (الامام الثامن عند الاثني عشرية)، وشرع فيها في التعليم وتدريس مطالب الفقه والأصول ومعارف القرآن في مدة قريبة من الثلاثين سنة .
المدرسة التفكيكية
الأصفهاني من كبار المدرسة المعارفية التي تدعو إلى فهم الدين خالصًا وبعيدًا عن شوائب الشرق والغرب، وترتكز على ضرورة فصل مدرسة الوحي، (المتمثل بالقرآن وسنة النبي وأهل البيت) بلا مزج وخلط مع المدارس البشرية وعلى رأسها الفلسفة- بمختلف صورها-، والتصوف –بأنواعه.
وبالرغم من دراسته الفلسفة والعرفان، إلا أنه يجد أن هناك تمايزًا وتفاصلًا بينهما وبين المعارف القرآنية، وفي مشهد تبلور لديه مشروع نظري، سمي فيما بعد بالمدرسة التفكيكية. والمقصود من ذلك الفصل فيما بين معارف الفلسفة والعرفان والقرآن، وعدم الاعتماد إلا على القرآن وأحاديث الأئمة المعصومين، إلا أن تيار مدرسة التفكيك لم يتبلور كمدرسة فكرية ذات أسس منهجية واضحة إلا في بداية القرن الرابع عشر للهجرة.
وهناك أربع أصول للمدرسة التفكيكية
1- فصل الفلسفة والعرفان عن الوحي والقرآن.
2- تفوق المعرفة الدينية على المعارف البشرية والعقلية.
3- لزوم الاستناد إلى القرآن والحديث.
4- الابتعاد عن التأويل، والعمل بظاهر الآيات والروايات.
وتمثل هذه المرتكزات الأربعة المدرسة التفكيكية التي اتخذت من مدينة مشهد الإيرانية مبعثًا لها، ومن مدينتي قم وأصفهان فروعًا لأفكارها.
وكان منهج الأصفهاني- وصف الوسطية بين الأصوليين والإخباريين، فهو لا يرفض القواعد العقلية كليةً، كما أنه لا يستغرق في تحصيل العقليات بحجة الوصول إلى فهم النص الديني.
وذلك لأن الاصفهاني، قد خرج من تجربة معرفية لم يطمئن بها فعكف على النص الإسلامي من خلال القرآن الكريم والحديث؛ من أجل انارة العقل والفطرة الصافية.
وعمد إلى تخليص قضايا العقل من شوائب الأوهام مستعيناً على ذلك بتزكية النفس وتقواها مقتفياً إلى هدفه خطى المعصومين، ذلك أنه كان يرى في القرآن والحديث النبع الصافي الذي تستلم منه المعرفة الأصيلة ويلتمس فيه الهدى والنجاة.
وخلال إقامته التي امتدت لربع قرن في مشهد، عقد الميرزا الأصفهاني حلقات درسه وألف ما ألف من كتبه جاداً في طريقته شديداً في نقده للنظريات الفلسفية المتباينة مع المعرفة الإسلامية، معنياً بإيصال ما يهمه إلى تلاميذه.
وكان الأصفهاني مع ذلك من أعلام الفقه وفحول الأصول وألقى دروساً فيهما مدة من الزمن، وحيث كان يرى أن سد الفراغ في أصول الدين أهم وألزم أضاف إلى جلسات درسه في الفقه والأصول دروساً في معرفة المبدأ.
وقد برز من تلاميذه علماء إعلام، وقد حاول بعضهم أن ينظم هذا الاتجاه المعرفي، واختار له اسم "مدرسة التفكيك" ويقصد منها- التفكيك بين النص الإسلامي الأصيل وبين المزج الفلسفي الذي يحاول التأويل في النص حفاظاً على النظرية الفلسفية.
ويرى الميرزا الأصفهاني ضرورة التفريق بين العقل الذي أرشد إليه القرآن الأنبياء والحجج المعصومون، وبين ما سُمي بالعقل في المصطلح الفلسفي الذي هو عبارة عن البراهين- الاصطلاحية- المؤسسة من الأشكال الأربعة المنطقية، وكذا يرى لزوم فهم المفردات الدينية بعيدًا عن المصطلحات الفلسفية والمنطقية في مثل: (العلم) و(النور) و(الوجود) و(الروح) و(الحياة) وغيرها من المفردات المفتاحية المهمة..
وتعد قوة هذه المدرسة في مدينة مشهد الإيرانية حيث أقام الميرزا مهدي الأصفهاني، وحيث نلاحظ أن تيار الفلسفة والعرفان متراجع فيها بالقياس إلى سائر المناطق، ولا سيما في الحوزة العلمية. بل شكلوا ضغطًا على بعض قنوات التلفزيون لكيلا تبالغ في بث المحاضرات ذات الطابع العرفاني.
ومن أعلام هذه المدرسة، شيخ مجتبى قزويني، محمود حلبي، ميرزا جواد تهراني، سيد جعفر سيدان ومحمد رضا حكيمي، سيد موسي زرآبادي.
أساتذته
من أساتذة الميرزا الأصفهاني، والده الميرزا إسماعيل، والسيد محمد كاظم اليزدي، صاحب العروة الوثقى، والشيخ محمد كاظم الخراساني، المعروف بالآخوند، والشيخ محمد حسين النائيني، والسيد أحمد، المعروف بالكربلائي
تلامذته
ومن تلاميذ الميرزا الأصفهاني:
1- آية الله الشيخ مجتبى القزويني (1318-1386هـ/1900-1966م)، وأبرز مؤلفاته التي ضمَّن فيها فكر ورؤى مدرسة التفكيك والذي يعد أحد أهم كتب المدرسة هو (بيان الفرقان)، وهو كتاب من خمسة مجلدات.
2- آية الله السيد محمد كاظم المدرسي (ت 1414هـ/1994م) فقيه عارف وهو أحد تلامذة الميرزا الأصفهاني البارزين، ألف كتاباً مهماً يندرج ضمن الكتب المنهجية لمدرسة التفكيك أسماه (بحوث في العلم)، كما أنه سعى بكل جد لتربية جيل من الفقهاء يحمل رسالة وفكر المدرسة.
3- آية الله الميرزا حسن علي مرواريد (1329-1425هـ/1911-2004م) وهو أحد تلامذة الأصفهاني الذين كان لهم دور بارز في حوزة خراسان، حيث قام بتدريس معارف أهل البيت، وتخرج على يديه العديد من الطلبة والعلماء، وأسهم بشكل مباشر في تكريس فكر مدرسة التفكيك في حوزة خراسان حتى أصبح التيار السائد هناك هو تيار مدرسة التفكيك. وجاء كتابه (تنبيهات حول المبدأ والمعاد) ليبرز فيه خلاصة رؤية مدرسة التفكيك حول وجود الله جلت قدرته والبراهين الدالة عليه، وقد اختار هذين الأمرين لأن الفلسفة البشرية جاءت بالكثير من الأفكار الخاطئة حولهما، كنظرية وحدة الوجود، والقول بالمعاد الروحاني وغيرها.
4- آية الله الشيخ محمد باقر الملكي الميانجي (1324-1418هـ/1906-1998م)، وقد درس عند الأصفهاني الفقه والأصول والمعارف والعلوم الإسلامية، وقد ألف الميانجي العديد من الكتب التي يوضح فيها رؤية مدرسة التفكيك أهمها: توحيد الإمامية، ومناهج البيان في تفسير القرآن، وبدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام، كما أن لديه تقريرات لدرس أصول الفقه للميرزا الأصفهاني، وتصب هذه الكتب في توضيح منهج مدرسة التفكيك في تنقية المعارف الدينية من الأفكار الفلسفية والعرفانية.
5- آية الله الميرزا الشيخ جواد الطهراني (1325-1410هـ/1907-1989م)، الذي ركز جهده في الدفاع عن مدرسة التفكيك، كما قام بجهد كبير في نقد مدرسة العرفان من خلال تأليفه القيم: عارف وصوفي جه مي كويند؟ (العارف والصوفي ماذا يقولان؟) إذ يعتبر هذا الكتاب أبرز مؤلفات تلامذة الميرزا الأصفهاني الذي قدّم فيه نقداً شديداً لمنهج العرفان وما مثله هذا المنهج من امتداد للفكر الفلسفي، كما ركز نقده على الفكر الفلسفي من خلال كتابه الآخر (ميزان المطالب) الذي خصصه للبرهنة على أصول الدين من خلال استدعاء النص الديني وتبيان أغلاط الفلاسفة في مباحث التوحيد والنبوة والإمامة.
6- آية الله الشيخ علي النمازي الشاهرودي (1333-1405هـ/1915-1985م)، وهو فقيه عالم له تحقيقات مهمة في علم الرجال والحديث، وبلغ من الاهتمام بعلم الحديث ومعرفته حتى وصفه أحد الفقهاء المعاصرين بأنه مجلسي زمانه، كما أنه كان ملماً بالفلسفة متضلعاً في بحوثها، ويعد من الشخصيات البارزة على صعيد تطوير ونشر فكر مدرسة التفكيك، أبرز كتبه التي أبرز فيها فكر مدرسة التفكيك هي: (مستدرك سفينة البحار)، و(أبواب رحمت)، خصصه للبحث في أصول الدين، و(تاريخ الفلسفة والتصوف)، وهو كتاب أوضح فيه نظرة مدرسة التفكيك لمنهجي الفلسفة والتصوف، و(رسالة تفويض)، و(رسالة علم غيب إمام)، وغيرها من الكتب الذي سعى من خلالها لإبراز ضرورة تفكيك المعارف الدينية عن المعرفة البشرية.
7- آية الله الشيخ محمد جواد بن المحسن بن الحسين الخراساني (1331-1397هـ/1913-1977م)، وهو أحد شارحي آراء مدرسة التفكيك، وقد منحه أستاذه الأصفهاني إجازة الاجتهاد، أبرز كتبه التي أوضح فيها آراء مدرسة التفكيك هو (هداية الأمة إلى معارف الأئمة) وقد حمل فيه على الفلسفة والتصوف، واعتبر كتابه هذا أول كتاب من نوعه، حيث شرح فيه فقط مسألة التوحيد وما يتعلق بها من قضايا، لكن ما يلفت النظر أنه يختلف مع كل أقطاب مدرسة التفكيك في مسألة اعتبار المعرفة بالله تعالى فطرية بمعنى كونها مركوزة في فطرة الإنسان؛ حيث يرفض هذا الرأي ويناقشه، ويسعى لتوجيه الآيات والروايات التي جاءت في تعريف الفطرة والتي استند عليها أقطاب مدرسة التفكيك وغيرها من المدارس الفكرية.
من أقوال العلماء
وقال عنه الشيخ النائيني في إجازته للميرزا مهدي: (العالم العامل والتقي الفاضل العلم العلام والمهذب الهمام ذو القريحة القويمة والسليقة المستقيمة والنظر الصائب والفكر الثاقب عماد العلماء والصفوة الفقهاء الورع التقي والعدل الزكي جناب الآقا ميرزا مهدي وحصل له قوة الاستنباط وبلغ رتبة الاجتهاد وجاز له العمل بما يستنبطه من الأحكام..).
وقال عنه الشيخ علي النمازي الشاهرودي، في كتابه مستدرك سفينة البحار: (العالم العامل الكامل بالعلوم الإلهية، والمؤيد بالتأييدات الصمدانية، الورع التقي النقي المهذب بالأخلاق الكريمة، والمتصف بالصفات الجليلة مولانا وأستاذنا الأغا ميرزا مهدي). وقال عنه أيضاً: (العلامة الفهامة وحيد عصره وفريد دهره العالم بالعلوم القرآنية والمؤيد بالتأييدات الربانية مولانا الأعظم واستاذنا المكرم الميرزا مهدي..).
مؤلفاته
- أبواب الهدى. كتابٌ في علوم القرآن.
2- علوم القرآن الكريم.
3- سياسة الخلفاء. رسالةٌ في وجه إعجاز القرآن.
4- رسالة القرآن والفرقان.
5- أنوار الهداية.
6- رسالة في الجبر والتفويض.
7- غاية المنى. كتابٌ في الصلاة.
8- مصباح الهدى. هذا الكتاب في أصول الفقه.
9- خلقة العوالم.
10- معرفة النفس.
11- الصوارم العقلية في رد الشيخية. ألّفه رداً على الشيخية.
12- المواهب السنية. في الاجتهاد والتقليد.
وفاته
توفي الميرزا مهدي الأصفهاني الخميس التاسع عشر من شهر ذي الحجة الحرام من عام (1365هـ ـ1946م). ودفن في دار الضيافة الرضوية بمدنية مشهد الإيرانية.