"التصوف" المشترك الأكبر بين كل الأديان السماوية

الخميس 05/نوفمبر/2015 - 03:44 م
طباعة التصوف المشترك الأكبر
 
اسم الكتاب: الصوفيون
 الكاتب: إدريس شاه 
ترجمة: بيومي قنديل 
الناشر: المجلس القومي للترجمة – القاهرة 2015
الكاتب
إدريس شاه (1924 – 1996 )) وهو كاتب متصوف أفغاني، ولد في سيملا في الهند لأب هو سردار إقبال علي شاه وهو أفغاني الأصل، غير أنه ترعرع في نواحي لندن. له مؤلفات عديدة ترجمت إلى أكثر من 12 لغة، وبيع منها أكثر من 15 مليون نسخة. أشهر آثاره هو كتاب «الصوفيون (بالإنكليزية: The Sufis) وقد ترجمها بيومي قنديل إلى العربية (المجلس الأعلى للثقافة، 2005 م، وكتاب طريقة الصوفي، الذي ترجمته سماء زكي المحاسني ونشرته "منشورات بيروت" سنة 1989.
أوسع الديانات
 يكشف هذا الكتاب الذي يحتوي على 624 صفحة عن جوهر الصوفية التي تعد أوسع الديانات كافة، أو كما يرى الحلاج، تلك الحقيقة الجوانية لكل الديانات الصادقة دون تفريق بين ديانة سماوية وأخرى سماوية أيضاً، أو بين ديانة سامية وأخرى سامية من ديانات الشرق، ومن ثم تكون الصوفية دعوة للحب بمعناه الواسع، وبخاصة حب الخالق، ليس طمعًا في جنة ولا خوفًا من نار، وحب البشر، بل وحب الرجل للمرأة التي رفعتها التقاليد الصوفية إلى منزلة عالية تقترب من التقديس، وخصوصًا عند ابن عربي الأندلسي. وكان هذا التقديس للنصف الآخر يسير ضد التيارات السائدة في العصور الوسيطة سواء في الرق الوسط أو أوروبا بعد أن تسيدت فيهما وعليهما ثقافة الساميين التي تقول بدونية المرأة في الباقية والفانية على حدٍّ سواء.
وفي ظل عقيدة الحب هذه يزدهر التسامح والسماحة والتآخي والإخاء والتساوي والمساواة، وفي نهاية المطاف: السلام. وبذلك يكون الهدف النهائي الذي تهدف إليه الصوفيه متسقًا مع الهدف الذي يهدف اليه كل من الفن والعلم: ارتقاء النوع الإنساني.
الأشياء التي أقصدها من وراء كتابة هذا الكتاب أن يرى فيه أحد أنه يقف موقف +العدار من المدرسية أو المنهج الأكاديمي، فالعلماء من الشرق والغرب على حد سواء نذروا حياتهم العملية بصورة بطولية لوضع الأدب الصوفي والمواد الفلسفية خلال مناهجهم الخاصة في متناول الجميع وفي حالات كثيرة سجلوا بأمانة وإخلاص تأكيد الصوفيين على أن المرء لا يستطيع أن يفهم الطريق الصوفي باللجوء إلى الذهن أو العلم العادي المسطور في الكتب . أما أن يعجز هذا المبدأ الأساسي عن الحيلولة بينهم وبين محاولة نقل الصوفية إلى نطاق فهمهم الخاص فهذا العجز يعد على الرغم من كل شيء تحية لأمانتهم +العملية وإيمانهم بنسقهم الخاص في الاختيار . 
ومع ذلك فلسوف يكون من الزائف من المنظور الصوفي ألا نؤكد أن ما من أحد يستطيع أن يقيم الصوفية بعيداً عن نقطة معينة، اللهم إلا داخل نطاق موقف تعليمي صحيح وهو موقف يتطلب وجود معلم صوفي بشخصه، وبالنسبة إلى الصوفي ليس من باب الصدف أن المذهب السري الذي ظل وجوده موضع الريبة والتحري لأزمنة طويلة يثبت أنه كان مراوغاً يزوغ ممن يطلبه. وإذا جاز لنا أن نقول: إن الشيوعية كانت ديانة دون إله فإن أي دراسة أكاديمية للصوفية دون أن تكون إلى أي حد الصوفية فاعلة لهي صوفية دون عاملها الأساسي، وإذا كان هذا التأكيد يتعارض مع التقاليد العقلية التي تقول بأن في وسع الفرد أن يصل إلى الحقيقة بمجرد استخدام ملكاته التي يجد أن الطبيعة قد زودته بها، فإن هناك إجابة واحدة: الصوفية بصفتها تقاليد سرية ليست قريبة المنال على أساس الافتراضات التي تنتمي لعالم آخر، عالم الذهن، وإذا شعرنا أن الصدق بشأن الحقيقة الفوق ـ مادية لا بد من أن نسعى وراءه خلال طريقة معينة من التفكير، وحسب العقلية والعملية فلا يمكن أن يكون هناك اتصال بين الصوفي وبين الطالب الموضوعي أو الذي يفترض أنه كذلك . 
صمم الصوفيون أدبهم وتعليمهم التحضري للمساعدة في عبور الفجوة بين هذين العالمين من التفكير، ولو لم يكن في الإمكان أن نوفر أي جسر على الإطلاق لما كان لهذا الكتاب أي أهمية من أي نوع وما كان ينبغي على مؤلفة أن يعكف على كتابته . 
ليس المقصود من الصوفية باعتبارها عنصراً مغذياً للمجتمع أن تستمر داخل هذا المجتمع بشكل ثابت لا يقبل التغيير، وهو الأمر الذي يعني أن الصوفيين لا يشيدون أنساقاً كما يشيد المرء الصروح كي تختبرها الأجيال المتتابعة ويتعلموا منها. فالصوفية تنتقل خلال القدوة الإنسانية أي المعلم، وإذا كان هذا المعلم شخصية غير مألوفة للعالم الواسع، وإذا كان هناك من يقلده فليس معنى ذلك أنه غير موجود . 
نعثر على آثار للصوفية في المنظمات المتداعية التي كف فيها ذلك العنصر الإنساني الناقل لـ "البركة" عن الوجد ولم يبق منها سوى الشكل وحده ولما كانت هذه المحارة البرانية هي الجزء الأكثر سهولة على الرصد من جانب الشخص العادي فلقد تعين علينا أن نستغلها إلى نقطة أعمق قليلاً . فعلى النقيض من ذلك الشخص العادي، لا نستطيع أن نقول إن مثل هذه الشعيرة أو تلك ومثل هذا الكتاب أو ذاك يجسد الصوفية . فنحن نبدأ بالمواد البشرية أو الاجتماعية أو الأدبية وكل منها ناقص (طالما لم يصاحبها تأثير القدوة الحية أي المعلم) ثم نثني بما يستوعب بصفة جزئية والحقائق التاريخية، مثل تلك الدينية أو التنظيم الاجتماعي، عندما تتشبث بالبقاء، فإنها تغدو ثانوية، بل ظواهر برانية تعتمد على التنظيم أو العاطفة والمظهر البراني في سبيل استمرارها على قيد الحياة، مثل هذه العوامل وهي أساسية لاستمرار الأنساق المألوفة تعتبر- من وجهة نظر صوفية- مجرد بديل لحيوية الكيان العضوي، بصفته متميزاً عن المظاهر أو المشاعر . 
مدارس تظهر وتختفي
تظهر أي مدرسة صوفية إلى الوجود، مثلما يظهر أي طبيعي، كي تزدهر ثم تختفي، وليس لكي تخلف وراءها أي آثار على آلية الشعيرة أو عمليات الاستمرار على قيد البقاء، تلك التي يحفل بها الانثروبولوجيون ووظيفة العامل المغذي أن يصبح قابلاً للنقل وليس ترك آثار لا يحلقها التغيير وراءه . 
يشير المعلم الصوفي الكبير "جامي" إلى هذه الميول عندما يقول إننا إذا سمحنا لـ "اللحية" أن تنمو على راحتها دون إخضاعها للمقص من حين لآخر فإنها ستنافس شعرالرأس في جذبه للانتباه وارتفاع الشأن . 
ولسوف يغدو من السهل استيعاب أن "العضوي" و"القدوة البشرية" عندما يدعيان أنهما الصوفية فإنهما يستبعدانها فوراً من دائرة الدرس التقليدي . 
ومع ذلك فهناك بعض الجدوى من الالتفاف إلى تأثير الصوفية على الثقافة الإنسانية. ففي المقام الأول نستطيع رصد محاولات لعبور الفجوة بين التفكير التقليدي والتجربة الصوفية، تلك التي نجدها وقد انضبت شعراً وأدباً وعبر سائر وسائل الاتصال، وكل ذلك مصمم بحيث يقود الوعي الإنسان العادي سواء في شكله الجنيني أو الواهن إلى إدراك أعمق وتحقق ـ ذاتي أكبر . 
ثانياً: يصر الصوفيون أنه حتى في الثقافات التي خنق فيها التفكير الميكانيكي والسلطوي الفهم الشامل، فلسوف يجد التفرد الإنساني نفسه مضطراً إلى تأكيد ذاته في منطقة ما، حنى ولو اقتصر ذلك على الحاسة البدائية بضرورة أن يكون للحياة أكبر من ذلك المعنى الذي تشيعه السلطات بصفة رسمية . 
وفي هذا الكتاب سوف يلمس القارئ تركيزاً على نشر الفكر الصوفي (بدءاً من القرن السابع) لأغراض التفسير والتوضيح، ويقول الكاتب: وإذا كنت في إطار هذه العملية قد قدمت مواداً جديدةً تماماً، فليس الدافع هنا بذل جهد مدرسي. فالمدرسة لا تهتم إلا بمراكمة المعلومات واستخلاص النتائج منها، أما الصوفية فتنشغل عوضاً عن ذلك بتخليق خط من الاتصال مع المعرفة النهائية، وليس بضفر الحقائق، حقيقة إثر أخرى، مهما كانت مثيرة على المستوى التاريخي أو أعمال التنظير بأي حال من الأحوال . 
ولا ينبغي أن ننسى أن الصوفية عبارة عن فكر شرقي إلى ذلك الحد الذي تبقى عنده عقائد خاصة مثل القدوة الإنسانية ـ وهو الأمر الذي سقط في الغرب في أسر الأرجاء إلى أجل وهي غامضة وباطنية إلى ذلك الحد الذي تختط عنده درباً مختلفاً عن ذلك الذي يطرحه التنظيم السلطوي والعقائدي بصفته الدرب الصحيح، ولا صحة لغيره من دروب، والصوفية تقول بأن الموقف الأخير لا يشكل سوى جزء ومرحلة في قصة النوع البشري والصوفية بقولها إنها مصدر حقيقي للمعرفة لا تستطيع قبول الادعاءات التي تذيعها المرحلة المؤقتة التي تعد إذا نظرنا إليها من الداخل في الوقت الراهن المرحلة "المنطقية".
قدر كبير من المواد التي قدمتها هنا يعتبر ناقصاً؛ لأنه ليس من الممكن زيادة حجم للأدب الرسمي عن الصوفية دون توازن مع الأداء الصوفي. ومع ذلك فمعظم هذا الأدب غير معروف خارج نطاق الدوائر الصوفية التقليدية وليس المقصود من هذا الأدب أن يؤثر بأي درجة من التأثير على النزعة المدرسية التقليدية تلك النزعة التي لا يتصل بها إلا بأوهى درجة الاتصال، وهي درجة لا يستطيع أحد أن يمضي بها بعيداً دون تشويه . 
تعرف الصوفية بنفسها أي من داخل نسقها ذاته . 
ولعله من الشيق أن نتوقف أمام الاختلاف بين العلم كما نعرفه اليوم ومثلما كان يراه رواده . ولقد كان روجر بيكون الذي يعد معجزة العصور الوسيطة وأحد أكبر المفكرين الذين أنجبتهم البشرية رائداً للمنهج العلمي الذي توصل إليه خلال التجربة، إلا أن هذا الراهب الفرنسيسكاني تعلم من الصوفيين الذين ينتمون لمدرسة الإشراق أن هناك فرقاً بين جمع المعلومات وبين معرفة الأشياء خلال التجربة المعملية الفعلية، ففي كتابه المعنون  opus Maius الذي استشهد فيه بقطب من أقطاب الصوفيين، يقول: "هناك نوعان من المعرفة، تلك التي نتوصل إليها خلال الجدال وتلك التي نصل إليها خلال التجربة، ويقودنا الجدال إلى نتائج معينة، ويفرض علينا أن نذعن لها ولكنه لا يرسو بنا على بر اليقين أو يبدد شكوكنا حتى يخلد الذهن إلى الطمأنينة في رحاب الحق، ما لم يكن ذلك قد وفرته لنا التجربة . 
مثل هذا المبدأ الصوفي عرفه الغرب تحت اسم المنهج العلمي الذي يعتمد على الإجراء الاستقرائي، وقد تأسس عليه العلم الغربي اللاحق . 
ومع ذلك فالعلم الحديث عوضاً عن أن يقبل الفكرة التي تقول بأن التجربة ضرورية في كل فروع الفكر الإنساني- أخذ كلمة التجربة بمعنى التجربة المعملية التي يظل فيها المجرب بعيداً قدر الإمكان عن التجربة، بل يقف خارجها تماماً . 
ومن هنا فمن وجهة النظر الصوفية يكون بيكون عندما كتب هذه الكلمات في 1268 قد دشن العلم الحديث، كما نقل جزءاً ليس أكثر من الحكمة التي كان في الإمكان أن يكون قد تأسس ذلك العلم عليه . 
ولقد اشتغل التفكير العلمي باستمرار وبروح بطولية بهذه التقاليد الجزئية منذ ذلك الحين . ومع جذوره التي تضرب في أعماق الصوفية إلا أن نقص التقاليد حال دون الباحث العلمي وبين تناول المعرفة بوسائلها هي، أي خلال التجربة الحياتية وليس التجربة المعملية وحسب . 
تصل الأعراف الصوفية إلى درجة عالية من السمو لا تتفق مع أن تكون لها بداية رسمية. 
ولكن طالما تذكر المرء أن التاريخ ينطوي على أهمية خاصة، وإن كانت أقل أهمية من كل من الحاضر والمستقبل، فهناك كم هائل مما نستطيع أن نتعلمه من استعراض الانتشار الواسع لتيار الصوفية الحديثة منذ بزغ من المناطق التي تعربت منذ أربعة عشر قرناً على وجه التقريب، وتكفي نظرة واحدة لهذه الفترة من الارتقاء كي نتحقق من أن الصوفيين قد بينوا الكيفية والأسباب التي توفر إمكانية وضع رسالة التكامل الذاتي موضع التنفيذ في أي مجتمع يمكن تخيل وجوده، بصرف النظر عما يعتنقه من ديانة اسمية أو يتكفل به من التزام اجتماعي. 
يعتقد أتباع الصوفية أنها التعاليم الجوانية "السرية" الكامنة في كل ديانة من الديانات، ونظراً لأن أسسها موجودة بالفعل في كل ذهن إنساني، فلقد تعين أن يجد الارتقاء الصوفي تعبيراً عنه، بصورة محتومة في كل مكان. ولقد بدأت الفترة التاريخية للتعاليم الصوفية مع انفجار الديانة المحمدية (الإسلام) من الصحراء إلى قلب المجتمعات الراكدة في الشرق الأدنى قرب أواسط القرن السابع م. ع . م كان توسع الديانة المحمدية (الإسلام) خارج شبة جزيرة العرب تحدياً صريحاً وسرعان ما أطاح بإمبراطوريات الشرق الأوسط، وكانت كل واحدة منها تحتفظ بتقاليد وقورة ومبجلة في الميادين السياسية والعسكرية والدينية . فلقد اندفعت جيوش الإسلام التي كانت تتألف في الأصل من البدو بصفة رئيسية، ثم تضخمت المستجدين من أصول أخرى شمالاً وشرقاً وإلى الغرب وورث الخلفاء أراضي العبرانيين والبيزنطيين والفرس واليونان البوذيين، ووصل الفاتحون إلى جنوب فرنسا في الغرب ووادي نهر الأندوس في الشرق، وشكلت هذه الفتوحات السياسية والعسكرية والدينية قلب البلدان والمجتمعات الإسلامية التي نعرفها اليوم، تلك التي تمتد من إندونيسيا في المحيط الهادي حتى مراكش على ساحل المحيط الأطلنطي . 
انطلاقاً من هذه الخلفية بدأ الغرب يعرف التقاليد الصوفية ورعت هذه التقاليد تيارًا من التعاليم التي تربط بين أصحاب الحدس من الشرق الأقصى حتى أقصى أقاصي الغرب.

شارك