روح الإرهاب في فكر عالم اجتماع فرنسي

الإثنين 16/نوفمبر/2015 - 03:12 م
طباعة روح الإرهاب في فكر
 
اسم الكتاب: روح الإرهاب
تأليف: جان بودريار
ترجمة: بدر الدين عرودكي
الناشر: المركز القومي للترجمة – القاهرة – 2005
تأخذ تفجيرات فرنسا الكثيرين إلى واقعة تفجيرات 11 سبتمبر.. نفس الإرهاب الأسود والدماء الكثيفة وحالة الرعب الجماعي من الإسلام والمسلمين في أوروبا كلها؛ لذلك تذكرتُ على الفور كتاب عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار "روح الإرهاب" والذي نشر كمقالات أولا باللوموند. وجان كاتب وفيلسوف وعالم اجتماع حلل في كثير من كتاباته وأعماله واقع اختفاء الكائنات والاشياء في عالم بلا رقابة للمعلومات والأشياء. وفي كتابه يرى جان أن قواعد الإرهاب الجديدة شرسة؛ لأن الرهان شرس فالطاقة التي يغذيها الإرهاب لا يمكن لأي قضية حتى ولو كانت إسلامية أن تفسرها أنه لم يعد يستهدف حتى تغيير العالم، بل يتطلع إلى تجذيره بواسطة التضحية، في حين أن النظام يستهدف تحقيقيه بالقوة أن الإرهاب كالفيروس في كل مكان هناك انتشار عالمي للإرهاب الذي بات- شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة- مستعدًّا في كل مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج لم يعد هناك أية حدود فاصلة تسمح بمحاصرته فهو في قلب هذه الثقافة التي تحاربه والكسر المرئي والكراهية الذي يضع على الصعيد العالمي المستغلين والمتخلفين في مواجهة العالم الغربي ينضم سريًّا إلى الكسر الداخلي ضمن النظام المهيمن يسع هذا الأخير أن يواجه كل خصومه مرئية لكن الآخر ذو بنية فيروسية- كما لو أن كل جهاز يفرز خصمه وخميرة تلاشيه – ولا يستطيع النظام شيئًا ضد هذا الشكل من الارتداد شبه الآلي لقوته الخاصة به، والإرهاب هو التيار الصاعق لهذا الارتداد الصامت. ليس ذلك إذن صدمة حضارات أو صراع أديان. بهذا المعني يمكن الحديث عن حرب عالمية رابعة بعد الحرب الباردة التي تعد حربا ثالثة. حرب طاحنة لكل الخلايا لكل الخصوصيات التي تتمرد في صورة أجسام ضدية. علينا أن ننتبه إلى أن إرهابًا جديدًا قد ولد شكل من الفعل الجديد الذي يمارس اللعبة ويستحوذ على قواعدها؛ كي يتمكن من التشويش عليها. لم يقتصر الأمر على أن هؤلاء الناس لا يناضلون بأسلحة متكافئة ما داموا يراهنون على موتهم، وزيادة في الحيلة فقد استخدموا شئون الحياة اليومية كغطاء وكلعبة مزدوجة ينامون في الضواحي يقرءون ويدرسون في أجواء عائلية قبل أن يستيقظوا ذات يوم كقنابل موقوتة؛ الأمر الذي يثير الشك في أي إنسان مسالم أن يكون إرهابيًّا بالقوة؟ إذا تمكن هؤلاء من أن يعيشوا دون أن يفطن إليهم أحد فإن كل واحد منا إذن مجرم لا يفطن إليه أحد، وكل طائرة صارت هي الأخرى مشتبهة؟!! ويضيف جان قائلًا: ربما كان هذا في الحقيقية صحيحًا، وربما يتطابق مع شكل لا واع من الإجرام المحتمل، مقنع ومكبوت بعناية، لكنه قادرًا دومًا إن لم يكن على الانبثاق فعلى الأقل تسرب فعل الشر، وهكذا يتفرع الحدث حتى في التفاصيل كمصدر متعدد للإرهاب الذهني غير المراقب. 
النماذج 
إذن الإرهابيون هم أنفسهم في حالة اصطناع كامل أن الفعل الإرهابي يتولد عن نماذج، بل إنه مثل ممتاز على أسبقية النماذج على الواقع، والغريب أن أفعالهم أصبحت تتكيف في كل جوانبها حسب أجهزة النظم الإلكترونية والإعلامية، أما المشكلة فتكمن في سيطرة الهوى الأخروي للواقع على فكر هؤلاء، وهو هوى يوصف بأنه هوى القرن العشرين وهوى القرن الحادي والعشرين، ويتمثل في الاشتياق لهذا الشيء الضائع أو في طريقه للضياع، ولا يفعل الإرهابيون في الأساس أكثر من الاستجابة لهذا الهوى بعد وضعه في إطار ديني. 
المشكلة 
يضع جان يده- منذ وقت تأليف الكتاب- على يد المشكلة الكبرى التي يتركها الإرهاب، وتتمثل في أن كافة الاستراتيجيات الأمنية ليست إلا امتدادًا للإرهاب، وأن الانتصار الحقيقي للإرهاب يتمثل في أنه استطاع أن يُغرق الغرب كله في هوس أمني، أي في شكل مموه من الإرهاب المستمر، فالشبكة البوليسية على مستوى الكرة الأرضية هي على قدر من التوتر أي في الحرب العالمية الرابعة التي ترتسم في الأجساد والعادات، وتضع القيود على المطارات، ولكن ما هي حينئذ الاستراتيجية الأخيرة أو على الأقل النتيجة الموضوعية لهذا الابتزاز الوقائي؟ إنها ليست توقع الجريمة وإقامة الخير وتصحيح مسار العالم اللاعقلاني حتى النفط والاعتبارات الجغرافية الاستراتيجية ليست الأسباب الأخيرة.. إن السبب النهائي هو إقامة النظام الأمني تحييدًا عامًّا للشعوب على قاعدة لا حدث نهائي. نهاية التاريخ بمعنى ما ولكن لا تحت علامة الليبرالية المنتصرة على الإطلاق، ولا الإنجاز الديمقراطي كما هو الحال لدى فوكوياما بل على قاعدة إرهاب وقائي يضع حدًّا لكل حدث ممكن.

شارك