السلفية الأصيلة والدخيلة وصناعة التخلف

الإثنين 30/نوفمبر/2015 - 12:13 م
طباعة السلفية الأصيلة والدخيلة
 
اسم الكتاب: السلفيون وصناعة التخلف 
الكاتب: الدكتور محمود الإدريسي الحسني 
الناشر: لجنة البحوث بالطريقة العزمية 2012
لا يمكن لأحد أن ينكر الحرب المستمرة بين الصوفية والسلفية والتي أخذت أوجهًا عديدة، أصدر عدد من الطرق الصوفية بعض الكتب منها، التي تهاجم وتفضح الفكر السلفي، منها سلسلة الكتب التي أصدرتها الطريقة العزمية للدكتور محمود الإدريسي الحسني، ومن بينها هذا الكتاب (السلفيون وصناعة التخلف) والذي ناقش فيه مسمى السلف الصالح، قائلا: 
"في العمل العلمي السليم يجب وضع المسميات في نصابها الصحيح، فمسمى (السلف الصالح رضي الله عنهم) يطلق على (السابقين) من الأمة المسلمة، أي: عصر الرسالة الخاتمة وما فيه من الرسول النبي الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم (التابعين وأتباع التابعين رضي الله عنهم) وهذه الفترة الزاهرة لها سماتها وملامحها الخاصة بها، ولم تتمذهب بمذهب عقائدي ولا اشتغال في الجملة بأمور عقائدية ولا بمذهب فقهي محدد، وتعد بواكير مراحل التشريع الإسلامي، ولهم التوقير لا التقديس، ولا يتوقف فهم فروعيات الدين الحق، خاصة المستحدثات والنوازل والطوارئ عليهم وحدهم، ففي الخبر (إن الله – تعالي – يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة دينها)، و(الحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها).
ما بعد عهود (السلف الصالح) تأتي عهود (الخلف) ونحن منهم، بمذاهب وقضايا وآراء منها الصحيح والسقيم، والصواب والخطأ، ومستجدات ينظمها الحديث النبوي (أنتم أدرى بشئون دنياكم) والقاعدة الشرعية (لا ينكر تغير الأحكام بتغير تتلاقح الأفكار والثقافات والمعارف والعلوم بين الشعوب والقبائل، عبر التعارف والحوار والموعظة الحسنة، والجدل بالتي هي أحسن، كما أمر الله سبحانه وتعالي نبيه الكريم أن يحض أتباعه، ويجادل المخالفين له في الملة).
السلفيون المعاصرون يزعمون أنهم يطبقون سنة نبيهم، لكنهم يكرهون الجدال بالحسنى وغير الحسنى، ونبينا جادل وناقش. لقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم الكفار والمنافقين وأهل الكتاب حتى الجن تحاور معهم واستعموا له. وتحاورت الملائكة مع رب السموات والأرض، ولولا الجدال بين المرأة وزوجها لما ظهر الحق والعدل وسماع الشكوى وإنصاف المرأة المجادلة في القرآن.
نحن نعتقد أن مسألة النفور من الحوار والجدال أو الجدل عند السلفيين المعاصرين، يرجع إلى قلة بضاعتهم في فهم واقعهم وكيفية التعامل مع الناس، وإلى إيمانهم بأن مراحل التاريخ جامدة مكررة لا جديد فيها ولا اختلاف عن زمن آسلافهم القدماء، وأن الأفكار عندهم لا تتطور والحياة لا تتغير والوسائل لا تتجدد والمشاكل لا تختلف، كأن التاريخ لا يتحرك إلا مرة واحدة حدثت في فجر الإسلام وعصور الخيرية الثلاثة التي تلته، ما عدا ذلك فالتاريخ يعيد نفسه، والناس نسخ مكررة عن تلك الحقبة من العصر الذهبي للإسلام، والأنكى من ذلك والأمر أن السلفي المعاصر ولد دون رأي حر ومستقل؛ لأنه تربى على التلقين والتلقي والمشافهة والترديد والتكرار والاجترار، ولم يشجعه أحد منذ بدايته على إبداء الرأي المغاير والمبادرة؛ لأنه بدأ مقموعاً فكرياً، خانعاً مسلوب الإرادة مرتهناً في تفكيره لغيره، شعاره الطاعة العمياء، فكيف تنتظر منه أن يكون له رأي مستقل ويبادر إلى تغيير المنكر في واقعه الحاضر، وهو يعيش في الماضي بأفكار من سبقوه، ويحتقر العقل والتفكير الذي لولاه لما عرفنا أن النقل هو الدين الحق. ولكن يبدو أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهناك أزمة فكر وفهم في منهج التفكير عند أخينا السلفي المعاصر، فهو يردد ليل نهار أقوال مشايخه الأسلاف من السادة الكبراء، دون كلل ولا ملل، وكأن تلك الأقوال هي والقرآن والسنة سواء بسواء.
نحن لا نفتري على أحد، إذ قلنا إنه كاذب من يقول إن السلفيين المعاصرين، يعتمدون على الكتاب والسنة فقط، باعتبار أن الرسول وحده دون سواه أوحي له القرآن وفهمه، وبعث لينقل للناس رسالة خالقهم، ويعلمهم الحكمة وهي استنباط الأحكام من الرسالة ليتم الاحتكام إليها والحكم بها، بل إن السلفيين يعتمدون على شرّاح البخاري ومسلم وأصحاب السنن، ويعتمدون على مفسري القرآن اعتمادًا كليًا، وكلهم بشر غير معصومين من الخطأ، فكيف يرتهن أحدهم بأفكاره ومعتقده على من كُتب عليه السهو والخطأ والنسيان، وغير المبرأ من التدليس 
ومقولة منسوبة للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه عن (الاستواء) وحقيقته التفويض المطلق كما نهج السلف الصالح رضي الله عنهم غير ما يتقوّل به المتقولون!.".
ويضيف الدكتور محمود قائلًا: "هذه المسائل على نحو المذهب الوهابي لا يصح في العمل العلمي السليم نسبتها إلى السلف الصالح رضي الله عنهم، وقد نبه أكابر العلماء على خطورة ومضار هذا، فمن ذلك ما قاله الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي تصدى لهم نافيًا أن ذلك يكون رأى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى – فقال ما نصه: ".. رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصح، فصنعوا كتباً شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وفماً ولهوات وساقين، ورجلين، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس، وقد أخذوا بالظاهر من الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسميات مبتدعة، ولا دليل لهم في ذلك من النقل، ولا من العقل، ولم يتلفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالي، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من صفات الحدث، ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة مثل (يد) على قدرة ونعمة، ولا (مجيء وإتيان) على معنى بر ولطف، ولا (ساق) على شدة، بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إن أمكن، فإن صرف صارف حمل على المجاز، ثم يتحرجون من التشبيه، وينفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة!!، وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوام، وقد نصحت التابع والمتبوع، وقلت لهم: يا أصحابنا، أنتم أصحاب نقل واتباع، وإمامكم الأكبر [أحمد بن حنبل] يقول: كيف أقول ما لم يقل، فإياكم أن تنسبوا غلى مذهبه ما ليس منه، ثم قلتم في الأحاديث، تحمل على ظواهرها، فظاهر القدم الجارحة، ومن قال استوى بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه مجرى الحسيات، وينبغي ألا يهمل ما يثبت به الأصل، وهو العقل فإذا فيه عرفنا الله تعالى، وحكمنا له بالقدم، فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر أحد عليكم، وإنما حملكم إياه على الظاهر قبيح، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي ما ليس فيه.
وخطؤها واضح لمن له بصر بأدوات العلم السليمة الصحيحة، وذلك لما يأتي:
وحدة التوحيد فلا فرق بين (الإله) و(الرب) و(الأسماء والصفات) قال الله عز وجل: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2]، {لكنا هو الله ربي} [الكهف:38] والله له صفات الجلال نيابة عنه.
إن مشكلة السلفي المعاصر من بني ملتنا أنه يعتمد في منهج تفكيره على الثقة وليس على الدليل كما يعتقد، ونسي أن العلماء الاسلاف هم حمالو أدلّة، وليسوا أدلّة، فالحامل للدّليل ليس كالدّليل، والرجال يعرفون بالحق وليس العكس، (اعرف الحق تعرف أهله) كما قال الإمام علي عليه السلام، وليس العكس أيضاً!.
إن السلفيين كما هو واضح من اسمهم وصفتهم، التي تدل على أنهم اقترضوا وتسلّفوا واستعاروا من أسلافهم وآبائهم وأجدادهم عقولهم، ومنحوا فكرهم فرصة التقاعد، وعطلوا العقل فذبل وأصابه الضمور والضعف والخور، حتى تكلس وصدئ وتحجر، فصار لا فائدة مرجوة منه، وأصبح أصحابها نسخاً مكررة لخير سلف عرفه التاريخ الإسلامي.
لا ينكر إلا من دمر الغبش بصيرته فرانت الجاهلية على عقله وتنكبت أفكاره جادة الصواب، أن العقل ينشط ويزدهر بالاطلاع على كل الأفكار، دون إقصاء، بشرط قراءتها قراءة نقدية عالمة، وهذه المرتبة الأولى من مراتب العقل (العقل الكسبي) التي صنفها حجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي، يليها المرتبة الثانية للعقل وهو العقل الذوقي، الذي تربّى فيه العاقل على الالتزام بما عرف من الحق، ليصل بذلك إلى التقوى، في انتظار أن يمكن عليه الله بالعقل الوهبي والعلم اللدني، {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282]، فلا يكفى المجتهد قراءة باب واحد من أبواب العلم، بل يجب عليه الإحاطة بالمصطلحات والتاريخ واستخدام أدوات مساعدة شتى، وهو أمر لا يعترف به السلفيون جملة وتفصيلاً. الذين يرون التاريخ على صورة مقلوبة، ولا يخرج المسلم المؤمن المتيقن، من محاورتهم ومحاولة فهمهم إلا بالإحباط والأسى وأحياناً العداوة، بسبب التكفير الذي يناله منهم إذا خالفهم؟!.
لا شك أن المسلم المؤمن طالب العلم لا يرى في التفاسير مثلاً إلاّ مصادر يستأنس بها، فليست هي النصوص المقدسة؟، وليس كما يدعي السلفيون أنه كلما رجعت إلى الخلف عثرت على النصوص الأفضل، وهكذا فتفسير الطبري خير من ابن كثير، وابن عباس خير من الاثنين، لقربهم من مستودع الحقيقة النهائية. وهو أمر قد يمر على بعض العقول بإغراء مناسب، ولكن تأمله لا يقود إلاّ إلى كارثة فكرية؛ لأن القرآن تحشد فيه مفاهيم كثيرة وضعت لتضيء حقائقها مع الزمن، وإلاّ اعتبرنا القرآن جاء محصوراً لقوم بعينهم وزمن محدد، وهو قول لا يقوله نفس أنصار التيار السلفي، وهو دليل جديد على الدوغمائية، أي: عدم القدرة على اكتشاف التناقض داخل نفس الفكرة، والإصرار عليها إلى الرمق الأخير، حتى لو قامت كل الأدلة ضدها.. والنكبة الأخرى هي الإبحار بزورق ضعيف".

شارك