بندكت السادس عشر ..البابا الأكاديمي المثير للجدل
الإثنين 25/ديسمبر/2023 - 10:31 ص
طباعة
روبير الفارس
في العالم العربي والاسلامي يرتبط اسم البابا بندكت السادس عشر بالمحاضرة المسيئة للإسلام، والتي أثارت ضجة كبرى وخرجت بسببها مظاهرات عديدة رغم أن البابا قام خلال زيارته تركيا في 30 نوفمبر 2006 بزيارة مسجد السلطان أحمد، ليكون بذلك ثاني حبر أعظم يقوم بزيارة لموقع إسلامي بعد يوحنا بولس الثاني الذي زار الجامع الأموي في دمشق عام 2001 وزار أيضًا مسجد الملك الحسين خلال زيارته الأردن في 9 مايو 2009كذلك فقد التقى ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز ليكون بذلك أول لقاء بين ملك سعودي ورأس الكنيسة الكاثوليكية وأول زيارة من قبل ملك سعودي للفاتيكان. بناءً عليه تعتبر العلاقات بين الكرسي الرسولي والاسلام علاقة جيدة والتقى وفدًا من علماء المسلمين، وأبدى أسفه لأثر هذه المحاضرة كما سوف نعرض تفصليا فيما يلي من خلال التعرض لشخصية وأفكار البابا بندكت الـ16 الذي ولد باسم جوزيف راتزنجر وهو البابا الخامس والستون بعد المئتان في الكنيسة الكاثوليكية، ما يعني كونه ورأس الكنيسة الكاثوليكية وأسقف روما ورأس دولة الفاتيكان؛ انتخب لمنصب البابا بعد خلوة انتخابية قصيرة في 19 أبريل 2005، وأقام القداس الإلهي لتنصيبه في 24 أبريل وتسلم مقاليد السلطة وفق التقليد الكاثوليكي يوم 7 مايو في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في روما. ويتمتع بالجنسية الألمانية وكذلك جنسية دولة الفاتيكان وحقوق المواطنة في ولاية بافاريا. كان خليفة البابا يوحنا بولس الثاني.
درس بندكت السادس عشر الفلسفة واللاهوت، وأصبح محاضرًا في عدة جامعات ألمانية بشكل أساسي في جامعة ريجينسبرغ، وسيم كاهنًا عام 1951، ثم أصبح خلال حبرية البابا بولس السادس رئيس أساقفة ميونخ ثم كاردينالاً عام 1977. لاحقًا في العام 1981 انتقل إلى روما حيث أصبح رئيس مجمع العقيدة والإيمان أحد أهم مجامع الكوريا الرومانية، وظلّ كرئيسه حتى انتخابه 2005. وكان عمدة مجمع الكرادلة خلال انتخابات العام 2005 والمرشح الأول لشغل لمنصب. كسابقه البابا يوحنا بولس الثاني، يعتبر البابا بندكت السادس عشر من المحافظين في الكنيسة الكاثوليكية في تعليمه اللاهوتي والاجتماعي، وقد كتب قبل انتخابه بابا، عددًا كبيرًا من المؤلفات في شرح العقائد الكاثوليكية والقيم المسيحية، ويرى البابا أن الابتعاد عن الله وفقدان المبادئ الأخلاقية المشكلة الأساسية في القرن الحادي والعشرين. يدير البابا أيضًا، مؤسسة راتزنجر الخيرية، التي تقوم بتحويل عوائد بيع كتبه ومؤلفاته إلى صناديق دعم الثقافة خصوصًا لطلاب الجامعات.
استقال البابا في 28 فبراير 2013 نتيجة تقدّمه بالسن، ليكون أول بابا يستقيل منذ ستة قرون، وقال بأن خطوته جاءت "لخير الكنيسة" معلنًا عنها في بداية فبراير مع بداية الصوم الكبير في المسيحية. بعد استقالته سيقيم البابا في كاستل غاندلفو قبل أن ينتقل إلى دير واقع في حدائق الفاتيكان حيث سيتفرغ "للصلاة والتأمل"، محتفظًا بلقب "صاحب القداسة" والثوب الأبيض، كما سيحتفظ بلقب البابا بشكل فخري.
عمله الأكاديمي:
أصبح البابا محاضرًا في جامعة بون عام 1959 وكانت محاضرته الأولى بعنوان “الله في الإيمان والله في الفلسفة”، انتقل البابا إلى جامعة مونستر عام 1963، وشارك في أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 إلى 1965)، حيث شارك بصفة مستشار لاهوتي للكاردينال فرينغز من كولونيا، وناصر البابا في المجمع خطة الإصلاح العام للكنيسة.
في العام 1966 إلى جامعة تبيجين، وشغل منصب عميد قسم اللاهوت الدوجمائي، ورسخ في حينها فكره الإصلاحي فأكد على التقليل من أهمية الاعتماد على السلطة المركزية في الكنيسة ومنح سلطة أوسع للأبرشيات؛ ساهم البابا بشكل خاص في المجمع الفاتيكاني الثاني لإصدار وثيقة في عصرنا التي تدعو إلى الاحترام المتبادل والحوار مع جميع الديانات خصوصًا اليهودية والإسلامية، ويعتبر البابا منذ ذلك الحين منافحًا قويًا عن حق الحرية الدينية، وخلال عمله اللاحق كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان ساهم في صياغة الإرشاد الرسولي Dominus Iesus الذي صدر العام 2000 خلال حبرية البابا يوحنا بولس الثاني والذي شرح من خلالها الإيمان الكاثوليكي ونقاط التقارب مع مختلف العقائد والأديان في العالم، كأساس للحوار.
خلال تواجده في جامعة تبجين كان البابا ينشر مقالات أسبوعية في مجلات لاهوتية ألمانية، وقد اتسمت هذه المقالات بالتأكيد على أهمية الانفتاح والحوار والحرية الدينية، كما أيدت مقالاته المجمع الفاتيكاني الثاني ومقرراته؛ في العام 1969 عاد البابا إلى بافاريا وعمل محاضرًا في جامعة ريجينسبرغ وساهم في تأسيس المجلة اللاهوتية الخاصة بالجامعة، التي باتت عام 1972 تطبع بسبعة عشر لغة ووظفت بأنها: محطة بارزة في الفكر اللاهوتي الكاثوليكي المعاصر. وحتى انتخابه كبابا، ظل يساهم في الكتابة بهذه المجلة.
رئيس أساقفة ميونخ 1977-1981:
في 24 مارس 1977 عيّن من قبل البابا بولس السادس كرئيس أساقفة ميونخ، وقد اتخذ من عبارة Cooperatores Veritatis (بالعربية: عمال الحقيقة) شعارًا له؛ لاحقًا في 7 يونيو 1977 عينه البابا بولس السادس أيضًا كاردينالاً وهو عبارة عن منصب فخري تشريفي، يستطيع من خلاله حامله الترشح لشغل منصب البابا والمشاركة في الخلوة الانتخابية التي تعقد لانتخاب البابا الجديد. في العام 2005 كان الكاردينال راتزنجر واحدًا من 14 كاردينال فقط لا زالوا على قيد الحياة عينهم البابا بولس السادس وواحد من ثلاثة فقط كان عمرهم تحت الثمانين، وهو الحد الأعلى الذي يتمكن من خلاله الكاردينال الترشح والتصويت في الخلوة الانتخابية.
رئيس مجمع العقيدة والإيمان 1981-2005:
في 25 نوفمبر 1981، عين البابا يوحنا بولس الثاني راتزينجر رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان؛ وبناءً على ذلك، استقال من منصبه في ميونيخ بداية عام 1982، ليتفرغ لعمله الجديد. عينه البابا يوحنا بولس الثاني أسقفًا كاردينالاً على سيغني عام 1993، ثم انتخب عام 1998 كنائب لعميد مجمع الكرادلة المولج انتخاب البابا لدى شغور المنصب، وأصبح عميد المجمع المذكور سنة 2002.
خلال عمله كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان، حافظ الكاردينال راتزنجر من نظرة الكنيسة الكاثوليكية الصارمة حيال، المثلية الجنسية وتحديد النسل وشدد على أهمية الحوار بين الأديان، والابتعاد عن اللامبالاة الدينية، ولقب بالمدافع الشديد عن المذهب الكاثوليكي.
يشتهر مجمع العقيدة والإيمان أيضًا بدوره في تحديد مسائل التعليم في الجامعات والمدارس الكاثوليكية حول العالم، وأيضًا في صلاحيتها النظر في الحالات التي تنطوي على سوء سلوك طائفي أو جنسي، والكاردينال راتزنجر كرئيس للمجمع المذكور، كان مسؤولاً أيضًا عن توجيه الحرم الكنسي بعد محاكمة أمام المجمع؛ بصفته رئيس مجمع العقيدة الإيمان، أصدر الكاردينال راتزينجر عام 2001 منشور delictis gravioribus الذي أصبح بموجبه محاكمات المجمع للمتورطين في القضايا التي ينظر فيها سرية الطابع، لا يمكن الاطلاع عليها دون إذن بابوي، الأمر الذي أخذ عليه كمحاولة للتغطية على الكهنة المتورطين في قضايا تحرش جنسي.
في عام 1997، طلب راتزينجر عندما بلغ السبعين من عمره، من البابا يوحنا بولس الثاني التقاعد المبكر والاستقالة من منصبه كرئيس لمجمع العقيدة الإيمان، وطلب أيضًا تعيينه كقيم على أرشيف الفاتيكان ومكتبة الفاتيكان، غير أن البابا رفض طلبه هذا
علاقته بالإسلام:
قام البابا خلال زيارته تركيا في 30 نوفمبر 2006 بزيارة مسجد السلطان أحمد، ليكون بذلك ثاني حبر أعظم يقوم بزيارة لموقع إسلامي بعد يوحنا بولس الثاني الذي زار الجامع الأموي في دمشق عام 2001؛وزار أيضًا مسجد الملك الحسين خلال زيارته الأردن في 9 مايو 2009،كذلك فقد التقى ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز ليكون بذلك أول لقاء بين ملك سعودي ورأس الكنيسة الكاثوليكية وأول زيارة من قبل ملك سعودي للفاتيكان. بناءً عليه تعتبر العلاقات بين الكرسي الرسولي والمسلمين عمومًا جيدة خلال حبريته، باستثناء مضاعفات محاضرة البابا في ألمانيا يوم 12 سبتمبر 2006 حين تطرق لموضوع "آيات القتال" في القرآن واستشهد بنص تاريخي لحوار بين الإمبراطور البيزنطي وأحد المفكرين الفارسيين حول دور النبي محمد، يقول فيه الإمبراطور أنّ النبي "أمر نشر الدين بالسيف". محاضرة البابا لم تكن للحديث عن المسلمين بشكل مخصوص، بل هو ناقش أيضًا الوضع في الديانة اليهودية والمسيحية، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الأديان عمومًا والمسيحية على وجه الخصوص، مرتكزًا على تعاليم يسوع ترفض أي قوّة في نشر الدين. اندلعت مجموعة من المظاهرات في عددٍ من الدول ذات الغالبية الإسلامية وطالبت البابا بالاعتذار والبعض طالب بقتله؛ وقد اعتبر عدد من المحللين من أمثال الصحفي الفلسطيني المسلم صقر أبو فخر أن الحدث قد تمّ تضخيمه واستغلاله، وأنه كان من الأوجب أن يقوم شيخ الأزهر أو رئيس رابطة العالم الإسلامي بإرسال رسالة للبابا تشرح الموقف، فيظلّ السجال بين مثقفين وأكاديميين. في 25 سبتمبر 2006 التقى البابا سبعة عشر سفيرًا من سفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى الفاتيكان وألقى خطابًا أبدى به أسفه من تداعيات الموقف، وأكّد على الجوانب المشتركة بين المسيحية، والإسلام كخاتم للأديان السماوية، وشكّل ذلك بداية أفول المظاهرات الاحتجاجية، التي طبعت بداية حبريته.
سينودس الشرق الأوسط:
السينودس هو مجمع مسكوني، يشارك بأعماله أساقفة الكنيسة الكاثوليكية حول العالم لمناقشة قضايا معينة، سينودس الشرق الأوسط اختصّ بشؤون الشرق الأوسط وحضره أساقفة وفعاليات الكنيسة الكاثوليكية في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل ومصر وقبرص وتركيا وإيران وكذلك ممثلين عن الرعايا الكاثوليكية المقيمة في الخليج العربي. دعي إلى السينودس أيضًا ممثلين عن الطوائف المسيحية غير الكاثوليكية وكذلك عن السنة والشيعة، وقد أعلن البابا بشكل رسمي الدعوة لانعقاده في ختام زيارته إلى قبرص يوم 6 يونيه 2009.
افتتح السينودس في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان في 10 أكتوبر 2010 وختم أعماله في 24 أكتوبر 2010 نوقشت خلاله قضايا تخص الكنيسة الكاثوليكية بشكل داخلي، وقضايا تخص علاقتها مع الطوائف المسيحية غير الكاثوليكية كقضية توحيد الاحتفال بعيد الفصح وتنظيم الزواج بين مختلف الطوائف. السينودس ناقش أيضًا قضايا سياسية وعلاقة المسيحيون العرب بالمسلمين وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي. أبرز المواقف التي خلص إليها المجمع المطالبة بإعلان اللغة العربية إحدى اللغات الأساسية المعتمدة في الكرسي الرسولي، والاهتمام بوسائل الإعلام الكاثوليكية وتقويتها والدعوة لتفعيل حوار الأديان ورفض فكرة أرض الميعاد لدى الديانة اليهودية، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وطالب بتحقيق حل الدولتين والانسحاب من سائر المناطق المحتلة كالجولان ومزارع شبعا ،أشار السينودس أيضًا إلى رفضه التام لمعاداة السامية التي يتعرض لها اليهود وكذلك الإسلاموفوبيا ومعاداة المسيحية التي تظهر من خلال أعمال العنف في العراق وتهجير المسيحيين من بلدانهم وأكد أيضًا أن المسيحيين العرب جزء أساسي من الوطن العربي ولا يجب التعامل معهم كأقليات منقوصة الحقوق، بما فيها نظام أهل الذمة