الاستخباراتي "بينو كوبفر" في حوار مع موقع قنطرة: في ألمانيا.. مسموح للمرء أن يكون سلفيًا بشرط ألاَّ ينتهك الدستور
الأربعاء 27/أغسطس/2014 - 10:43 م
طباعة
ـ الدولة الإسلامية فيها عسكريون كانوا في جيش النظام العراقي السابق، وهم يعملون باحتراف ومهنية أكثر بكثير من أي شباب قادمين من أوروبا
ـ جدول أعمال "التنظيم" يتجاوز سوريا والعراق، ويتم تداول خرائط تمتد فيها الخلافة إلى ما بعد "الأندلس"
ـ جدول أعمال "التنظيم" يتجاوز سوريا والعراق، ويتم تداول خرائط تمتد فيها الخلافة إلى ما بعد "الأندلس"
ذهب من ألمانيا مئات الأشخاص إلى سوريا من أجل الجهاد هناك وفي حواره التالي، لموقع قنطرة مع الصحفي يانيس هاجمان، يشرح الخبير الألماني بينو كوبفر الباحث في الدراسات الإسلامية ورئيس قسم مجموعة تحليل التطرّف والإرهاب الدولي لدى الاستخبارات الألمانية (الهيئة الاتّحادية لحماية الدستور) في مدينة بادن فورتمبيرج، دوافع انزلاق الشباب إلى التطرف، وأسباب عدم اتفاق جميع السلفيين مع مفهوم الخلافة من منظور تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما يوضح أيضا سبب ذهابه هو بنفسه أحيانا لشرب الشاي مع بعض السلفيين في ألمانيا.
السيد كوبفر، أعلنت جماعة من المتطرِّفين الإسلامويين قيام دولة الخلافة في سوريا والعراق.. فكيف كانت آراء السلفيين في ألمانيا حول هذه الخلافة؟
بينو كوبفر: توجد بين السلفيين أصوات ناقدة جدًا ورافضة لهذه الخلافة، ولكن يوجد كذلك متعاطفون معها من داخل المشهد الجهادي العسكري، في العراق يتم تنفيذ خطط، تُعتبر متداولة في الأوساط الجهادية منذ أكثر من عشرة أعوام، الآن بات بإمكان الأشخاص الذين يظهرون في ألمانيا بمظهر عسكري ويدعون للجهاد أن يشيروا في الفيسبوك إلى أنَّهم ليسوا مجرَّد أبطال بالكلام، بل هم يؤسِّسون في الحقيقة دولة إسلامية.
الاستخبارات الألمانية المعروفة باسم هيئة حماية الدستور على علم بأنَّ هناك 320 سلفيًا سافروا إلى سوريا، والآن دعا زعيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أبو بكر البغدادي، المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى دعم مقاتليه.. فهل تتوقّع أن يسفر ذلك عن زيادة في عدد "السيَّاح الجهاديين"؟
بينو كوبفر: على العموم نعم أتوقّع حدوث ذلك، سوف يرغب الآن المزيد من بعض الرجال والنساء في مشاهدة كلّ شيء بأنفسهم، أمَّا أنَّ الخليفة إبراهيم (أبو بكر البغدادي) قد وجّه بنفسه دعوة إلى المسلمين في الخارج، فهذا يجعل الموضوع بالنسبة لنا أكثر أهمية، ولكن منذ البداية كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يتواصل باللغة الألمانية ولغات أوروبية أخرى.
يتم في منشورات وكتيِّبات لامعة وجميلة عرض صورة لحرب هدفها ليس فقط الصلب وتقطيع الرؤوس، بل تدور كذلك من أجل أغراض أخرى مثل حماية المستهلك وحملات التطعيم، يبدو في المدن العراقية التي يسطير عليها مقاتلو داعش، أنَّ هؤلاء المقاتلين لا يزالون يتصرّفون بصورة معتدلة نسبيًا، وهذا يقلل الموانع التي تمنع الناس من السفر إلى هناك.
هل يوجد فرق بالنسبة للجهاديين الأوروبيين بين تنفيذ هجوم انتحاري إرهابي وبين الانتقال إلى سوريا؟
بينو كوبفر: تعتبر الهجمات مثل التفجير الذي حدث في مدريد في عام 2004 أمرًا مختلفًا، الصورة المثالية لدى الكثيرين من الشباب في الوقت الراهن مفهومة إلى حدّ ما، فهم يرون في سوريا الضحايا المدنيين المسلمين ونظامًا فظيعًا ويقولون لأنفسهم: "يجب علينا إسقاط هذا النظام"، وفي الواقع لا نعرف إن كان الأشخاص الذين سافروا من ألمانيا ويبلغ عددهم الرسمي 320 شخصًا قد شاركوا جميعهم في القتال أم لا، والدولة الإسلامية تتكوّن جزئيًا من عسكريين كانوا في جيش النظام العراقي السابق، وهم يعملون باحتراف ومهنية أكثر بكثير من أي شباب قادمين من أوروبا، في سوريا وفي العراق تتم كتابة التاريخ وهم يريدون أن يكونوا جزءًا من هذا التاريخ.
ولكن من الصعب علي أن أتصوّر أنَّ غالبية الذين سافروا من ألمانيا هم شيء آخر غير وقود الحرب. فالناس ينبهرون أكثر بالمقاتلين، وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى دينيس كوسبرت (مغني الراب الألماني السابق)، فسنلاحظ وجود نوع من الإعجاب الجماهيري الشديد. فعندما يتنقّل في الرقة، يحاول الناس التقاط صور شخصية لهم معه..
كان منظرو تنظيم القاعدة الأصلي المقرّبون من أسامة بن لادن يوجّهون تركيز الجهاديين المسلحين بعيدًا عن "العدو القريب"، أي الأنظمة الحاكمة في بلادهم، إلى "العدو البعيد"، أي الغرب. فهل ينعكس ذلك الآن من جديد؟
بينو كوبفر: في سوريا يتعلّق الأمر حاليًا وفي المقام الأوَّل بالعدو القريب. بيد أنَّ جدول أعمال الدولة الإسلامية يتجاوز سوريا والعراق، يتم تداول خرائط تمتد فيها هذه الخلافة إلى ما بعد "الأندلس" لتصل حتى شبه الجزيرة الإيبيرية، وتشمل كلاً من البلقان واليونان وتركيا والقوقاز. وبناءً على ذلك فإنَّ العدو البعيد لم يسقط تمامًا من حساباتهم.
لا بد أن يكون هذا أمرًا رائعًا بالنسبة لجميع السلفيين، لكنك تحدّثت في البداية حول وجود أصوات ناقدة.
بينو كوبفر: السلفيون ليسوا كتلة متجانسة، كما أنَّ الكثيرين من العلماء والفقهاء في المملكة العربية السعودية لا يهتفون فرحين ومرحبين بعودة الخليفة، وبالإضافة إلى ذلك يتمتّع طلابهم بتأثير في أوروبا أيضًا، ويوصفون كذلك بأنَّهم ساكنون هادئون أو أصوليون، ذلك لأنَّهم لا يمارسون نشاطات سياسية.
ولكن في المقابل إنَّ مَنْ يُطلَق عليهم اسم التيار السلفي ينظرون إلى النشاطات السياسية على أنَّها مشروعة، وهنا في هذا التيار يوجد تحوّل إلى أشكال أكثر عسكرية، إلى الربط بين الفكر الثوري والسلفي، وأخيرًا يوجد الجهاديون الذين يعتبرون في الواقع إرهابيين على استعداد لاستخدام العنف.
ولكن حتى مَنْ يطلَق عليهم اسم "التكفيريين" سوف يرفضون هذه الدولة الإسلامية في شكلها الحالي، وذلك لأنَّها لا تمتلك أية شرعية دينية، توجد من وجهة نظر الفقه الإسلامي الكثير من التساؤلات: من هو هذا البغدادي؟ ما الذي جعله خليفة للمسلمين؟ وعلاوة على ذلك فقد قوبلت العقوبات التي تُطبّقها هذه الدولة الإسلامية - مثل قطع الرؤوس وما شابهه - وكذلك الاعتداءات المعادية للشيعة، بالرفض لدى بعض الأوساط السلفية.
تُقدِّر الدائرة التي تخدمون فيها (الاستخبارات الألمانية) عدد السلفيين في ألمانيا بنحو 5500 سلفي، لكن لا يوجد سوى جزء صغير منهم على استعداد لاستخدام العنف.. متى تصبح السلفية غير قانونية؟
بينو كوبفر: في الواقع لا تعتبر السلفية غير قانونية أبدًا، في ألمانيا مسموح للمرء أن يكون سلفيًا، بشرط ألاَّ ينتهك الدستور مثلما حدث مع جمعيتَيْ "ملة إبراهيم" و"دعوة إف. إف. إم."، اللتين تم حظرهما، تتم في ألمانيا ملاحقة النشاطات العسكرية المتطرِّفة، ولكن أن يقف شخص سلفي في السوق ويوزّع منشورات دعوية، فهذا لا يُعدّ أمرًا مخالفًا للقانون، وفي هذا المعنى أيضًا حكمت المحاكم عندما جرت محاولات لحظر الفعاليات ضمن محيط بيير فوغل (داعية سلفي ألماني)، وعلى العموم يجب علينا هنا أن نتّبع نهجًا أكثر مرونة.
أليس السفر إلى سوريا أيضًا غير مخالف للقانون؟
بينو كوبفر: لا بدّ من النظر هنا بإمعان، ماذا فعل المسافر هناك؟ ربما كان فقط في مخيم للاجئين من أجل القيام بعمل خيري اجتماعي إسلامي؟ أم أنَّه تلقى تدريبات، وهل بإمكانه إنتاج المتفجرات وهل تخلّص من رادع القتل؟ توجد بحسب القانون الألماني العديد من الجرائم الجنائية التي من الممكن أن تنطبق في مثل هذه الحالات، لكن ليس كلّ عائد من سوريا يشكّل خطرًا.
دعا دينيس كوسبرت (مغني الراب السابق ديزو دوغ) بعد حظر جمعية ملة إبراهيم إخوته المسلمين في ألمانيا إلى الهجرة.. فهل يشجّع قمع الدولة على مغادرة البلاد؟
بينو كوبفر: تضطر الديمقراطية الدفاعية أحيانًا إلى توزيع بطاقات حمراء، فمن دون القمع لا تسير الأمور، نحن نعلم من الأبحاث أنَّ الأحداث الذين يرتكبون جرما لأول مرة يبدأون التفكير عندما يرون عواقب أفعالهم، ولكن في المقابل يجب أن يكون هناك تعامل بقبول وباحترام، كما أنَّنا نوازن العلاقة بين القمع والوقاية كلّ يوم من جديد، وفي هذا الدور المزدوج تتحمّل الدولة والأجهزة الأمنية أحيانًا أكثر من طاقتها.
بعد أحداث 11 سبتمبر كان يدور الحديث كثيرًا حول الخلايا النائمة.. فهل يثير العائدون من سوريا الآن حالة ذعر مشابهة مثلما كانت الحال مع الخلايا النائمة حينذاك؟
بينو كوبفر: لم تكن الصورة المكوَّنة عن وجود خلايا نائمة صورة مناسبة بتاتًا، لقد تجنبنا منذ البداية استخدام هذا المصطلح، ومثلما قلت هناك أشياء كثيرة تصبح مشروعة أثناء عملية التطرّف، ولكن مع ذلك فإنَّ العائدين من سوريا لا يشكّلون تهديدًا وحسب، بل يشكّلون خطرًا حقيقيًا، فإذا اكتسب شخص ما التدريبات والمعرفة المناسبة وتخلّص من رادع القتل، فعندئذ يتحوّل إلى خطر.
لماذا لم يحدث حتى الآن أي شيء في ألمانيا؟
بينو كوبفر: لقد كنا إلى حدّ ما محظوظين فقط، وكان من الممكن أن تنتهي المحاولة الفاشلة لتفجير محطة القطارات الرئيسية في مدينة بون في عام 2012 بنجاح، ولكن بالإضافة إلى ذلك نحن لا نعاني أيضًا من مثل تلك المشكلات التي يعاني منها الفرنسيون في ضواحي مدنهم، حيث توجد أحياء تنتشر فيها مشكلات صعبة جدًا تفضي إلى جرائم الناشئين وبطالة الشباب. وعندما نتحدَّث هنا مع أشخاص من هذه الأوساط، نلاحظ أنَّ الكثيرين منهم يفضّلون العيش في ألمانيا، وهنا تعتبر الموانع الموجودة لديهم أكبر..
هل تتحدَّث مع هؤلاء الأشخاص بصورة مباشرة أم لديك عملاء في أوساطهم؟ كيف تتمكّن في الواقع من إجراء أبحاثك وتحرياتك؟
بينو كوبفر: لا تمثِّل أساليبُ المخابرات مثل استخدام العملاء سوى الجزء الأصغر من عملنا، والأهم من ذلك بكثير إجراء محادثات مباشرة، وحتى بوصفي موظفًا في الاستخبارات الألمانية، أستطيع ببساطة أن أذهب إلى الناس وأقول لهم: "مرحبًا، أنا بينو كوبفر من الاستخبارات الألمانية، ولدي اهتمام في معرفة ما يلي".
وفي بعض الأحيان أشرب الشاي معهم، وبطبيعة الحال هم لا يقولون لي كلّ شيء، ولكنهم يريدون أن يثبتوا أنَّ مراقبتهم غير ضرورية، وأحيانًا يشيرون لي أيضًا إلى أشخاص آخرين، ثم يلاحظون أنَّني كنت في اليمن وفي سوريا وأنَّهم يستطيعون من دون شكّ الحديث معي، وهذا ليس بالأمر الصعب والمعقّد مثلما قد يتصوّره المرء.