"السراب" يكشف أوهام الحكم باسم الإسلام بعد ثورات الربيع العربي
الأربعاء 06/يناير/2016 - 03:48 م
طباعة
اسم الكتاب – السراب
الكاتب – جمال سند السويدي
الناشر – الإمارات 2015
في أكثر من 800 صفحة من الحجم المتوسط يقع كتاب السراب للباحث الإماراتي جمال سند السويدي. فهو مجلد ضخم يحتوي تحليل شامل وعميق لفكرة السراب التي يمثلها الإسلام السياسي في مختلف الجماعات التي تعبر عنه ويقول سند، إن فكرة الكتاب جاءته خلال المراحل النهائية من اشتغاله على كتابه السابق «آفاق العصر الأمريكي.. السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، بعدما توصّل إلى قناعة مفادها أنّ تفكيك عناصر المشهد الراهن في العلاقات الدولية وصداها وانعكاساتها وتأثيراتها في العالمين العربي والإسلامي لا ينبغي أن يتوقف عند فهم محركات هذه العلاقات وآليات الصراع والتنافس والتعاون الدائرة ضمنها. بل ينبغي أيضاً السعي نحو اكتشاف المعوقات الحقيقية التي تحول دون تفاعل كثير من دول العالمين العربي والإسلامي بجدية مع الواقع العالمي الراهن. وفي مقدمة هذه المعوقات ارتهان كثير من هذه الدول والمجتمعات لأيديولوجية الجماعات الدينية السياسية، التي باتت أفكارها تمثّل فعلاً لا قولاً إحدى عقبات التنمية والتطور والحداثة في هذه المجتمعات.
هكذا جاء كتاب «السراب» كأنّه تعبير عن رؤية ذاتية تنطلق من أنّ الصراع الذي يخوضه عدد من الدول في العالمين العربي والإسلامي، ضدّ الفكر المتطرف وجماعاته وتنظيماته، ليس محصوراً في نطاق أمني عسكري، بل هو حرب ممتدة وذات طابع فكري في الأساس. يُناقش «السراب» إذاً ظاهرة الجماعات الدينية السياسية، من زوايا متعددة: فكرية وسياسية وعقائدية وثقافية واجتماعية. ويركّز أيضاً على الفكر الديني السياسي في شتى تجلياته وجماعاته، عاكساً الفروق والتباينات الفكرية والتنظيمية بين هذه الجماعات. ويرصد الكتاب هذه الظاهرة تاريخياً، متتبعاً إيّاها وصولاً إلى ذروة صعودها السياسي في بداية القرن الحادي والعشرين.
حرص الكاتب من خلال فصول الكتاب على إظهار آرائه وقناعاته بأنّ الجماعات السياسية/ الدينية ليست هي الوجه الآخر للإسلام الحنيف، ولا تعبّر عنه، ومن ثمّ فإنّ الاستسلام لمزاعم هذه الجماعات يُمثّل إساءة بالغة للدين وقيمه الوسطية السمحة. وهذا الفكر نحتاج إلى الإضاءة عليه في مثل هذه الظروف التي يعيشها عالمنا العربي اليوم.
وأكد الكاتب وهو مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، أن الدافع الرئيسي لتأليفه كتاب «السراب» انطلق من حرصه على ضرورة الكشف عن الأبعاد السياسية والاجتماعية والأمنية والفكرية والثقافية لما يعصف بمناطق ودول عدَّة في العالمين العربي والإسلامي، من صنوف الإرهاب والعنف والاقتتال بين أبنائها؛ جراء فكرة السراب السياسي، والأوهام التي أسست لها الجماعات الدينية السياسية، وساقتها وهي تحتكر مبادئ الدين الحنيف، وتكفِّر من عداها من المسلمين، فضلاً عن إصرارها على خلط الأوراق، وتحميل من يخالفونها الرأي مسئولية تخلُّف العالمين العربي والإسلامي، وتراجعهما ثقافياً وحضارياً. وقال الدكتور جمال سند السويدي: "لقد وصل الأمر بهذه الجماعات الدينية السياسية، ليس إلى تكفير من يخالفونهم الرأي فحسب، بل تعدَّى ذلك إلى مستوى مذهل من التطرُّف والعنف والإرهاب وصل إلى حدِّ هدر الدم، وانتهاك حرمة الأعراض والحقوق الإنسانية لكل المخالفين لها في الرأي، سواء من المسلمين أو غيرهم من بني آدم؛ وهذا ما دفعني إلى إعداد هذا الكتاب بوصفه «جرس إنذار»، وصرخة تحذير ناصحة لأولئك الذين غُرِّر بهم وخُدِعوا بزيف الشعارات الدينية البراقة، فضلاً عن أنني أسعى في هذا الكتاب إلى الدفع باتجاه استعادة دور العقل والاجتهاد والتفكير والتأمل والتدبُّر في الفضائل والقيم النبيلة التي يحث عليها ديننا الإسلامي الحنيف".
وأشار الدكتور جمال سند السويدي إلى أن تجربة حكم الإخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية تحديداً ستفرز نتائج سلبية بعيدة المدى على مسيرة الجماعة؛ لكونها انطوت على براهين واضحة عكست فكرها الضيِّق، وأظهرت تدنِّي قدراتها في إدارة شئون الدول، بل عجزها عن توفير حلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها، فضلاً عن افتقارها إلى الكوادر والكفاءات، التي يمكن إسناد المناصب الإدارية والقيادية إليها لقيادة عمليات التنمية البشرية باتجاه الارتقاء بالمجتمع نحو النهوض والتقدم والحداثة، وكل ما نادت به هو شعار «الإسلام هو الحل»، موهِمةً البسطاء من العامة أن لدى الجماعة مشروعات وخططاً استراتيجيَّة وبرامج مدروسة، حتى برهنت بنفسها على العكس تماماً في فترة حكمها، ومن ثم اكتشفت الشعوب زيف تلك الشعارات، وأنها لم تكن سوى وسيلة للوصول إلى السلطة.
وقال الدكتور جمال سند السويدي لقد وجدت من الضروري، في كتاب «السراب»، تبصير بعض المتوهِّمين بأن جُلَّ الجماعات الدينية السياسية والتنظيمات المتطرفة التي ابتلي بها، ولا يزال، العالمان العربي والإسلامي، بل الإنسانية جمعاء خلال العقود الأربعة الأخيرة، كان منبعها ومصدرها جماعة الإخوان المسلمين، التي روَّجت لأفكار منظِّرها سيد قطب بشأن تكفير المجتمعات، وصاحبة الجهاز الخاص أو السريِّ العنيف، وهي التي فرَّخت قادة تنظيم القاعدة و»الجهاديين»، من أمثال عبدالله عزام، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، فضلاً عن تنصيب مؤسِّسها حسن البنا ومنظِّرها سيد قطب في مرتبة تفوق مقام سيد الخلق وأشرف المرسلين، النبي محمد صلَّى الله عليه وسلم، حيث تتصدَّر رسائل البنا وتعليمات قطب واجهة العمل التنظيمي والحركي للإخوان المسلمين، بدلاً من أحاديث النبيِّ محمد صلَّى الله عليه وسلم، وسنته الشريفة.
وكتاب "السراب" ينجح في تسليط الضوء على الجماعات الدينية السياسية، التي تدَّعي الحديث باسم الإسلام، وتتغذَّى على خداع البسطاء عبر شعارات زائفة، واستطاع أن يفنِّد أطروحات هذه الجماعات، ويكشف عن أهدافها الحقيقيَّة، وفساد أفكارها، وحقيقة مواقفها التي تحاول إخفاءها، خاصة فيما يتعلَّق بممارسة العنف، أو تبريره والتشجيع عليه.
والكتاب يكشف عن الأوجه المتعدِّدة لحركات الإسلام السياسي، من خلال تحليله العميق لبعض الجماعات الدينية السياسية في العالمين العربي والإسلامي، كجماعة "الإخوان المسلمين"، و"الجماعة السلفية"، و"السروريين"، وعلاقة هذه الجماعات بانتشار الفكر المتطرِّف في المنطقة العربية.
واستطاع الكاتب أن يستشرف تأثير التحولات الإقليمية والدولية في مستقبل حركات الإسلام السياسي، من خلال تتبّعه المسار التاريخي لنشأة هذه الحركات منذ عشرينيات القرن الماضي، مروراً بحالة الصراع الإقليمي التي سادت العالم العربي في خمسينيات القرن العشرين وستينياته، والتي أطلِق عليها اسم "الحرب العربية الباردة"، ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وصولاً إلى أحداث ما يُسمَّى "الربيع العربي" التي سعت هذه الحركات إلى توظيفها لمصالحها؛ من خلال استخدام الخطاب الديني لاستمالة الجماهير في الدول العربية والإسلامية. ومن النتائج المهمَّة التي توصَّل إليها الكتاب أفول حركات الإسلام السياسي، بعدما فشلت في تجربة الحكم بالدول التي وصلت فيها إلى السلطة بعد أحداث "الربيع العربي"، وعجزت عن تقديم حلول واقعيَّة للمشكلات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية. وحذر الكاتب من ضعف الوعي والتعليم في العالمين العربي والإسلامي وهو الضعف الذي يغري الجماعات الدينية السياسية بإعادة إنتاج ممارستها وغسل سمعتها وتكريس "المظلومية " ولعب دور "الضحية" مجددًا.