خريطة تحول الفكر التكفيري إلى إرهاب داعشي
الأربعاء 25/مايو/2016 - 11:26 ص
طباعة

اسم الكتاب: نقد الفكر الديني
الكاتب: السيد ياسين
الناشر: دار العين القاهرة 2016
تثير قضايا الفكر الديني الكثير من التساؤلات التي سوف تظل لأمد كبير محل بحث ومناقشات خاصة، بعد أن تحول التطرف في هذا الفكر إلى إرهاب يفوق التصور متمثلا في تنظيم داعش الذي أعلن دولة الخلافة في سوريا والعراق، واضعًا في خلفيات أفعاله أفكارًا ينسبها للدين، من هنا تأتي أهمية البحوث التي يقدمها الباحث الكبير السيد ياسين في كتابه الجديد نقد الفكر الديني الذي قسمه إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول عنوانه «الفكر الديني بين التشدد والتجدد»، ويتضمن أربعة فصول الأول عن المناظرة التي جرت بينه وبين الشيخ القرضاوي عن أوهام استعادة الخلافة الإسلامية، والثاني نقد الفكر الديني التكفيري، وهو تحليل نقدي لكتب المراجعات، والثالث عن محاولة تجديد البحث عن الإسلام والديمقراطية للتعرف إلى مواطن اللقاء، والأخير عن النظرية الأمريكية عن الإسلام الليبرالي.
أما القسم الثاني فموضوعه «تشريح للسلوك الإرهابي تحليل ثقافي»، وهو يضم فصلين الأول عن ظاهرة الإرهاب والثاني تشريح لأبعاده، يقول السيد ياسين: «أرجو أن يرسم الكتاب بفصوله المختلفة للقارئ المهتم خريطة معرفية متكاملة، أبرز ما فيها تحول الفكر التكفيري إلى إرهاب متوحش، على يد تنظيم «داعش» والذي يمثل بربرية جديدة أصبحت تهدد الأمن الإنساني والسلام العالمي، ولا بد لي أن أنوه بالدلالة المهمة لإهدائي الكتاب إلى الدكتور صادق جلال العظم أستاذ الفلسفة بجامعة دمشق، الذي كان رائداً للنقد الذاتي بعد هزيمة يونيو وهو بالإضافة إلى ذلك مناضل سياسي جسور ضد السلطوية، والناقد لسلبيات الفكر الديني التقليدي، في كتابه «نقد الفكر الديني»، وللسلبيات في ثقافة المجتمع العربي المعاصر، وخصوصاً فيما يتعلق بالمحرمات، كما حللها في كتابه الشهير «ذهنية التحريم»، الذي أثار جدلاً كبيراً بين المثقفين العرب.
مارس السيد ياسين نقد الفكر الديني المتشدد منذ سنوات بعيدة، إدراكاً منه لخطورة المشروع السياسي لجماعة الإخوان، الذي يتمثل في حده الأدنى في الانقلاب على الدول العربية، وتحويلها إلى دول دينية، وسواء تم ذلك عن طريق العنف المسلح، أو عن طريق الممارسة الديمقراطية، التي تكفل لهم الأغلبية كما حدث في مصر بعد ثورة يناير، وفي حده الأعلى إحياء نظام الخلافة الإسلامية، وقد رصد ياسين تحول الفكر النظري لجماعة الإخوان إلى فكر إرهابي، يقوم أساساً على تكفير غير المسلمين، بل تكفير المسلمين أنفسهم، خصوصاً الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة الإسلامية، والجماهير التي تستسلم لهم ولا تخرج عليهم. ويشرح المؤلف خريطة الكتاب وأفكاره كالتالي:
من الإخوان لداعش
في كتابي «نقد الفكر الديني» تتبعت النماذج المتعددة للفكر الديني والتي يمكن تلخيص مراحلها المتعددة في عبارة واحدة هي «من يوتوبيا الإخوان المسلمين إلى جحيم داعش»، مرورًا بالفكر التكفيرى لجماعات إرهابية مثل جماعة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية».
وقد مارست نقد الفكر الديني- وخصوصًا في صورته المتطرفة- منذ سنوات بعيدة إدراكًا مبكرًا مني لخطورة المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يتمثل في حده الأدنى في الانقلاب على الدول العربية العلمانية وتحويلها إلى دول دينية تطبق الشريعة الإسلامية كما يفسرونها، وسواء تم ذلك عن طريق العنف المسلح، أو عن طريق الممارسة الديمقراطية التي تكفل لهم الأغلبية كما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، وفي حده الأعلى إحياء نظام الخلافة الإسلامية، وتوحيد كافة البلاد الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها تحت رئاسة خليفة واحد.
وقد مارست هذا النقد الجذرى لهذه التوجهات المتطرفة التي لو تحققت لأدت إلى تفكيك الدول العربية، والتغيير القسري لهويتها الوطنية وتوجهاتها القومية.
وقد بدأت هذا المشروع النقدي في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وجمعت أبحاثي في هذا المجال في كتاب من جزأين عنوانه: "الكونية والأصولية وما بعد الحداثة: أسئلة القرن الحادي والعشرين" ونشرت الكتاب عام 1996 المكتبة الأكاديمية بالقاهرة. والواقع أن أهم ما في الجزء الثاني من الكتاب هو تسجيل دقيق للمناظرة التي دارت بيني وبين الشيخ "يوسف القرضاوي"، والتي دارت لأسابيع متعددة على صفحات جريدة "الأهرام".
وقد بدأت المناظرة بمقالة نقدية عنوانها “الحركة الإسلامية بين حلم الفقيه وتحليل المؤرخ” نشرت في الأهرام بتاريخ 1/8/1994 وسرعان ما رد عليها الشيخ “القرضاوي” بمقالة له بعنوان حول “الحركة الإسلامية بين حلم الفقيه وتحليل المؤرخ”، نشرت في الأهرام بتاريخ 7/8/1994 حاول فيها تفنيد آرائي حول أوهام إحياء نظام الخلافة الإسلامية.
وقد رددت عليه بمقال عنوانه “الإمبراطورية والخليفة” نشر في الأهرام بتاريخ 15/8/1994واختتم الشيخ “القرضاوي” المناظرة بمقال أخير له عنوانه “تعقيب حول مقال الإمبراطورية والخليفة” نشر في الأهرام بتاريخ 2/8/1994.
كانت هذه المناظرة التي دارت بيني وبين الشيخ “يوسف القرضاوي” على صفحات “الأهرام” والتي كانت حوارًا فكريًّا هي مقدمة رصدي لتحول الفكر النظري لجماعة الإخوان المسلمين إلى فكر إرهابي يقوم أساسًا على تكفير غير المسلمين بل وعلى تكفير المسلمين أنفسهم وخصوصا الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة الإسلامية، والجماهير المسلمة التي تستسلم لهم ولا تخرج عليهم.
وقد تبنت هذا الفكر التكفيري جماعتان إرهابيتان مصريتان هما جماعة “الجهاد” و“الجماعة الإسلامية” اللتان قامتا بأعمال إرهابية متعددة كان أبرزها واقعة ذبح السياح في مدينة الأقصر، مما دفع بالدولة- أيام الرئيس الأسبق “مبارك”- إلى أن تشن حملات أمنية مشددة للقبض على أعضاء هذه الجماعات الإرهابية وتقديمهم إلى المحاكمة..
وبعد أن استطاعت الدولة استئصال شأفة الإرهاب بدأت بتشجيع من الأمن محاولات قادها زعماء هذه الجماعات الإرهابية في السجون لإجراء مراجعات لفكرهم المتطرف، وتتضمن اعتذارهم عن سلوكهم الإرهابي ونيتهم في التوبة والرغبة في أن يعودوا من جديد مواطنين صالحين.
وقد أسفرت هذه الحركة عن صدور أكثر من خمسة وعشرين كتيبا من “المراجعات” أشرف عليها عدد من كبار قادة هذه الجماعات، وأدت في النهاية إلى الإفراج عن مئات من هؤلاء الإرهابيين وتأهليهم ليعودوا إلى المجتمع من جديد.
وقد اهتممت اهتمامًا خاصًّا بكتب المراجعات ودرستها بصورة منهجية دقيقة لأكشف عن مفردات النظرية التكفيرية التي استندوا إليها في سلوكهم الإرهابي.
وقد غيرت جماعة الإخوان المسلمين نظرتها عبر الزمن والتي تمثلت في رفض الديمقراطية وتبني نظام الشورى حين أدركت أن الانقلاب بالقوة على الدول العربية العلمانية أمر مستحيل فآثرت إتباع تكتيك آخر هو محاولة الوصول إلى الحكم عن طرق الفوز بأغلبية المقاعد في المجالس النيابية، مما يتيح لقياداتها تشكيل الوزارة وبالتالي يبدأون مشروعهم التاريخي في “أخونة الدولة وأسلمة المجتمع”. تمامًا كما فعلت جماعة “الإخوان المسلمين” بعد ثورة 25 ينار حين استطاعوا الضغط لتنظيم استفتاء حول موضوع الدستور أولا أم الانتخابات أولا. وهكذا نجحت الجماعة في الحصول على الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى، وأقدموا بعد ذلك على ترشيح رئيس حزب “الحرية والعدالة” في انتخابات الرئاسة وفاز فعلا “محمد مرسي” وأصبح رئيسًا للجمهورية.
وهكذا بدأت جماعة الإخوان المسلمين- عكس ما صرحوا به من قبل- من أن حكمهم سيكون “مشاركة لا مغالبة”- وأقصوا كل الأحزاب السياسية وانفرد مكتب الإرشاد بالحكم وهيمنوا على اللجنة التأسيسية حتى يصدر الدستور على هواهم الأيديولوجي.
غير أن الانقلاب الشعبي في 30 يونيو الذي دعمته بجسارة القوات المسلحة هو الذي أفسد هذا المخطط الذي رسمت خطوطه الولايات المتحدة الأمريكية متحالفة في ذلك مع قيادات الجماعة، وخصوصا بعد أن صاغت نظرية متكاملة عن الإسلام الليبرالى وأبعد من ذلك قرارها الاستراتيجي بدعم كوادر إسلامية معتدلة حتى تكون جماعة الإخوان المسلمين في الحكم هي حائط الصد ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية وعلى رأسها تنظيم القاعدة.
في ضوء هذا العرض الوجيز عن المفردات الأساسية لمشروعي النقدى لتيار الإسلام السياسي قسمت الكتاب إلى ثلاثة أقسام القسم الأول عنوانه “الفكر الديني بين التشدد والتجدد” ويتضمن أربعة فصول الأول عن المناظرة بيني وبين الشيخ “القرضاوي”، والثاني نقد الفكر الديني التكفيري وهو تحليل نقدي لكتب المراجعات التي ألفها عدد من قادة الجماعات الإسلامية الإرهابية.
والثالث عن محاولة تجديد البحث عن الإسلام والديمقراطية للتعرف على مواطن اللقاء، والأخير عن النظرية الأمريكية عن الإسلام الليبرالي.
أما القسم الثاني فموضوعه “تشريح للسلوك الإرهابي تحليل ثقافي” وهو يضم فصلين: الأول عن ظاهرة الإرهاب والثاني تشريح لأبعاده.
والقسم الثالث والأخير تحليل لكتاب خطير ألفه منظر تنظيم "القاعدة" وعنوانه "إدارة التوحش" والذي كان إرهاصًا في الواقع لتطبيق تنظيم "داعش" لهذا النموذج النظري الذي صاغ مفرداته.
وبذلك يرسم الكتاب بفصوله المختلفة للقارئ المهتم خريطة معرفية متكاملة أبرز ما فيها تحول الفكر التكفيري إلى إرهاب متوحش على يد تنظيم “داعش” الذي يمثل بربرية جديدة أصبحت تهدد الأمن الإنساني والسلام العالمي.