"د.علي مبروك" فيلسوف التنوير في الثقافة الجديدة
الأربعاء 20/مارس/2024 - 01:18 م
طباعة
علي مبروك فيلسوف التنوير" هو العنوان الذي تَصَدَّره عدد يونيو من مجلة "الثقافة الجديدة"- الشهرية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويرأس تحريرها الشاعر سمير درويش- احتفاء بالمشروع التنويري للراحل الكبير الدكتور علي مبروك، وشارك فيه مجموعة من تلامذته المخلصين: د.غيضان السيد على كتب: علي مبروك وتصحيح مَسَار العَلمانيّة العَربيّة، ود.محمود سيد بيومي كتب عن الفكر التنويري عند علي مبروك، ود.ماهر عبد المحسن كتب: علي مبروك .. قراءة في خطاب مأزوم، حمدي الشريف ناقش موضوع جدل الإلهي والإنساني في فكر علي مبروك، سمية أبو عامرية تحدثت عن علي مبروك ونقد العقل السلفي، سفيان البطل ناقش أزمة التعالي ونقد العقل المهيمن، وياسين سليماني كتب: من المتعالي إلى التاريخي، وفي المخرج الذي كتبه رئيس التحرير يقول عن د.علي مبروك إنه: أحد المجتهدين في إعادة قراءة التراث الإسلامي، وله من الكتب والأحاديث واللقاءات والمحاضرات الكثير الذي يضاف إلى مكتبة التنوير، جنبًا إلى جنب اجتهادات قديمة وحديثة، من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده حتى الدكتور حسن حنفي وتلامذته الذين يؤمنون بأفكاره ويروجون لها ويضيفون إليها بإصرار وفهم.
في ملف "تجديد الخطاب الديني" يكتب طارق المهدوي عن صراع الفاشيات الدينية حول الهوية المصرية، ود.أريج البدراوى زهران عن سوسيولوجيا الدين وأساطير السيدة نفيسة، ويكتب محمد زغلول عامر عن أخبار المشيخة الفرنساوية في الديار المصرية.
"رسالة الثقافة" تتضمن حوارًا مع د.علي مبروك بعنوان: لا نرى في الديمقراطية أبعد من جوانبها الإجرائية، أجراه حسام علاء، ومن المقالات المهمة التي تكشف عن فكر الراحل الكبير.
القرآن والتاريخية
تثور بين وقتٍ وآخر مسألة «القرآن والتاريخية» بين من يُقال إنهم يسعون إلى تبخيس القرآن باختزالهم له في كونه محض نص تاريخي، وبين من يتصورون- في المقابل- أن الموقف الواجب منه هو تقديسه عبر التعالي به فوق أي تاريخ. ولسوء الحظ، فإن هذا التباين إنما ينبني على نوعٍ من الفهم المشوَّش وغير المنضبط لمفهوم التاريخية؛
وعلى النحو الذي يجعل منه ساحةً للتناحر والتنابذ. وضمن هذا السياق، فإنه يبدو أن المفاهيم تتخلى عن دورها كفضاءات للتحاور والتواصل، وتتحول إلى ساحات تناحر وتقاتل، حين تصبح مجرد أدواتٍ تحسم بها الايديولوجيا معاركها القاتلة. ومن هنا وجوب أن يكون ضبط مفهوم «التاريخية» عبر تحريره من حمولته الايديولوجية الثقيلة وإعادته إلى مجاله المعرفي، هو نقطة البدء في أى سعيٍ يقصد إلى ترتيب العلاقة بينه وبين القرآن.
فقد اتسعت «التاريخية» على النحو الذي لم تعد معه مسكونةً بالدلالة الوضعية التي وصمها بها القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في النظرية التي تجعل من الأبنية الفكرية والمعنوية مجرد انعكاسات لحركة التاريخ المادي. وهكذا فإنها قد تحولت- وفي سياق التطورات المعرفية التي عرفها القرن الماضي - إلى الإطار الشفاف الذي تتخلَّق داخله القابلية للفهم وانتاج المعني؛ وبما يعنيه ذلك من أنها قد تحولت إلى بحثٍ في «الفهم»، بعد أن كانت بحثاً في النشأة والأصل. وضمن هذا السياق، فإن القول عن تاريخية أى شيء لم تعد تتعلق بالسؤال عن «أصله» بقدر ما تتعلق بالسؤال عن إمكان «فهمه»؛ وعلى النحو الذي يئول إلى أن التاريخية لا تعنى ما هو أكثر من جملة الشروط التي تجعل الفهم حدثاً ممكناً.
وحين يدرك المرء، أن القرآن نفسه يشير- وعلى نحوٍ صريح- إلى وجوب توافر الشروط التي تجعل الفهم ممكناً لبعض ما ورد فيه، فإن ذلك يعني إقراراً منه بجوهرية التاريخية له هو نفسه؛ وذلك بما هي جملة الشروط التي تجعل فهم ما ورد فيه ممكناً. ولعل ذلك ما تنطق به- بكل القطع واليقين- قصة موسى والعبد الصالح التي أوردها القرآن في سورة الكهف. فإذ يتابع موسى العبد الصالح- الذي تقول التفاسير القديمة إنه الخِضر- فإنه يشهد قيامه ببعض الأفعال التي لا تكون مفهومة له؛ من قبيل خرق السفينة وقتل الغلام وهدم الجدار، ولهذا فإنه ينكرها ويعاتب الخضر على إتيانها. والملاحظ أنها لا تكون مفهومة له، لأنها تكون معزولةً عن الإطار الحاوي للشروط التي تجعلها قابلة للفهم، ولهذا فإنه ما إن يدرك هذه الشروط إلا ويتغير حكمه على هذه الأفعال؛ فيقبلها ويعتذر عن تسرُّعه في الحكم عليها.
وهكذا فإنه يبدو أن القرآن إنما يستهدف بطريقته في إيراد هذه القصة إبراز مدى الأهمية القصوى للإطار الحاوى للشروط التي تجعل الحدث- أي حدث- قابلاً للفهم. فإذ يقوم أولاً بإيراد أفعال العبد الصالح معزولة عن الإطار الذي يجعلها قابلة للفهم؛ عارضاً لما يتبع ذلك من الأحكام المتسرِّعة التي يصدرها موسى عليها بالإنكار بسبب ما يخفى عنه مما يحيط بها ويفسرها، ثم ما يقوم به أخيراً من ربط هذه الأفعال المُنكرة بالإطار الذي يجعلها قابلة للفهم؛ وبما يترتب على ذلك من قبول موسى لها، وتغيير حكمه عليها، فإنما ليبين أن الفعل لا معنى له معزولاً عما يحيط به من دائرة أوسع من الأحداث التي يكون هو مجرد جزءٍ منها، ولا معنى له في ذاته. ولعله يمكن القول بأن القرآن هنا يقدم نوعاً من المعنى العميق للتاريخية الذي تتبدى فيه بوصفها جملة الترابطات التي يكتسب الحدث الجزئى معناه داخل تشابكاتها.
وقد انعكست التاريخية، بحسب هذا المعني، على الطريقة التي تعامل بها الجيل الأول من المسلمين مع القرآن؛ وإلى الحد الذي يبدو فيه أنهم قد تصوروه على نحو تاريخي. فإنه لو أن صحابياً، مثل عمر بن الخطاب، قد تعامل مع القرآن على أنه «مقدسٌ» لا صلة له بالتاريخية لما كان له أن يفعل ما فعله في مسألتى «المؤلفة قلوبهم» و«توزيع الغنائم» مثلاً. فإنه لم يتعامل مع ما ورد بخصوصهما في القرآن على أنها أقوالٌ «مقدسةٌ» معزولة عن غيرها مما يحيط بها ويفسرها، بل تعامل معها في إطار تشابكاتها الأوسع؛ وبما أتاح له إمكان الانتقال عن الأحكام الواردة بخصوصها في القرآن. ولعل هذا الذي فعله بن الخطاب يحيل إلى أن هذه التشابكات الأوسع ليست مجرد إطارٍ خارجى محايد يوجد فيه القرآن لكى يفعل فيه ويغيِّره، بل إنه يبدو أن هذا الإطار الواسع من التشابكات يكون بدوره فاعلاً في القرآن؛ وإلى حد ما يقوم به من تغيير أحكامه. وإذ يفعل ذلك الإطار الواسع من التشابكات في القرآن، فإن ذلك يعنى أنها تدخل في تركيبه؛ وبما يقطع به ذلك من وجوب القول بتاريخيته.
وفي الختام، فإنه يلزم القول بأن شيئا، ولو كان منزَّلاً من الله، لا بد أن يصبح تاريخياً في ذات اللحظة التي يلامس فيها عالم البشر؛ وهي اللحظة التي لا يقدر البشر على الحديث عن القرآن إلا ضمن حدودها. وإذا كان المسلمون قد راحوا يستوعبون القرآن ضمن حدود تجربتهم حين راحوا يلتمسون أسباباً لنزوله، فإنه لا معنى لما فعلوه إلا أنهم كانوا يخلعون عليه التاريخية... فهل يفهم المتنطعون؟!!!
يذكر أن مجلس تحرير المجلة يرأسه الشاعر سمير درويش، وعضوية: شحاتة العريان وعزت إبراهيم وحمدي أبو جليل وصبحي موسى ود.جمال العسكري، مدير التحرير عادل سميح، الماكيت الرئيسي للفنان أحمد اللباد، وتصميم الغلاف للشاعرة والفنانة صابرين مهران،