جذور التسلط والاستبداد في التجربة الاسلامية
الجمعة 02/أغسطس/2019 - 01:22 م
طباعة
حسام الحداد
اسم الكتاب: دولة السلطان : جذور التسلط والاستبداد فى التجربة الاسلامية
المؤلف: د. أحمد محمد سالم
الناشر: مصر العربية للنشر والتوزيع
لا شك ان قضيتنا الكبرى والتي عانينا منها كثيرا هي قضية الاستبداد السياسي، والتي تتأثر بها بشكل مباشر أو غير مباشر حركة الفكر والنهضة والتغيير في مجتمعاتنا العربية، على وجه الخصوص، ومن هنا كانت أهمية عرض هذا الكتاب المهم للدكتور أحمد محمد سالم، الأستاذ المساعد للفلسفة الاسلامية بجامعة طنطا.
ففي فترة تاريخية حاسمة من واقع الأمة العربية، وفي سعيها الحثيث نحو الحرية، يظل البحث في نقد جذور الاستبداد في حياتنا الثقافية أحد السبل الهامة لتمهيد الطريق نحو الحرية، وذلك لأن الاستبداد أحد المعوقات الأساسية لإحداث أي نهضة أو تنمية حقيقية في أي مشروع حضاري، وللاستبداد أشكال متعددة ومتباينة، ومجالات مختلفة، وحسب رأي الكاتب فانه يظل أهم أشكال الاستبداد هو الاستبداد السياسي، وأي معالجة لقضية الاستبداد تظل منقوصة ما لم يتم البحث عن جذور هذا الاستبداد في تاريخنا القديم، فالاستبداد هو صناعة سياسية، ولكنها رسخت عبر التنظير الفكري والثقافي، وبالتالي فإذا أردنا نقد الممارسات الاستبدادية فلابد أن نمارس نقد صناعة الاستبداد عبر تاريخنا الثقافي، وهو ما يعني ضرورة العودة للتراث من أجل نقد جذور الاستبداد والتسلط في هذا التراث، وذلك من أجل فتح آفاق جديدة للحرية.
ومن هنا يبحث هذا الكتاب في القيم الاستبدادية التي روجت لها الآداب السلطانية في حياتنا السياسية، وفي دور فقهاء السلطان في صناعة الاستبداد، وكيف رسخوا لتأليه الحاكم، وكيف جعلوه فوق مستوى المسائلة لأنه ظل الله في الأرض.
واذ يمهد الدكتور أحمد محمد سالم في كتابه لمناقشة جذور الاستبداد في تراثنا العربي من خلال قراءته الواعية لما عرف بالآداب السلطانية حيث يقول "على الرغم من وجود مبادئ كلية عامة جاء بها الاسلام في مسألة الحكم فإن الإطار التاريخي لمسألة الحكم في الاسلام يبرز عدم وجود شكل واحد ومستقر للحكم في الاسلام، فلقد حكم الخلفاء الراشدين بطرق مختلفة عن شكل الحكم في الدولة الأموية، ورغم حدة شكل الحكم بين الدولتين الأموية والعباسية، فإن طريقة تدبير شئون الدولة مختلفة بينهما حيث اعتمدت الدولة العباسية على شكل التدبير الفارسي الساساني كما أرست دعائمه الآداب السلطانية، ومن ثم فان اصحاب الدعوى بأن هناك نظرية سياسية في الإسلام، عليهم أن يجيبوا أين هي دعائم هذه النظرية؟ ومتى طبقت في مراحل التاريخ الإسلامي؟ وهل هناك شكل لنظام الدولة حدده الإسلام؟ وإذا كان هناك شكل موحد فلماذا اختلف أمر الحكم من عصر إسلامي إلى عصر آخر؟
ويوضح لنا الدكتور أحمد محمد سالم، أنه مع تحول نمط الحكم في الإسلام من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض، كان اغتصاب بني أمية للحكم وتوارثه، وانتهاء فترة ما يعرف ببيعة أهل الحل والعقد، حيث كان العديد من خلفاء بني أمية وخاصة معاوية يطلعون على تاريخ ملوك العجم، ويقتدون بسيرهم في الممارسة السياسية، ثم قام بعض الكتاب من الموالي والعجم بنقل التجربة الفارسية في الحكم، وذلك في أواخر عهد الدولة الأموية على يد عبد الحميد الكاتب، وسالم مولى أبي العلاء، وعبد الله بن المقفع، وذلك فيما يعرف (بمرايا الأمراء) و (نصائح الملوك) ولم تكن هذه الكتب لتؤسس لواقع جديد بقدر ما رسخت لواقع قائم بالفعل، فالذي أسس لواقع الاستبداد في الحكم هم خلفاء بني أمية، ثم جاءت الآداب السلطانية لترسيخ هذا الواقع وتنظر له باعتباره النمط الأمثل للحكم، وأصبحت تلك المصنفات الفارسية في ثيابها الإسلامي هي السائدة في التدبير السياسي الإسلامي على مدار معظم التاريخ الإسلامي.
وحسب رأي الكاتب فقد استطاعت الآداب السلطانية في سعيها لتأليه الحاكم إلى توظيف كل الموروثات الثقافية الراسخة في الشرق، ووظفت نصوص الكتاب والسنة من أجل تبرير طاعة أولي الأمرحتى لو كان ظالما، إن الأدب السلطاني وظف ما هو ديني من أجل خدمة السلطان، ومن ثم فإن ادعاءات البعض بأنه ليس هناك دولة ثيوقراطية في الإسلام قد يكون صحيحا على المستوى النظري، ولكن على مستوى الممارسة والواقع كان هناك توظيف واضح للدين من قبل رجال السياسة من أجل خدمة استمرار ملكهم.
ومن هنا ورغم أن الاسلام قد جاء بالعديد من القيم الايجابية عن العدل والمساواة على المستوى النظري، لكن الممارسة السياسية للدولة الإسلامية على مدار معظم تاريخها لم تخرج عن روح الاستبداد الشرقي، واستطاع المسلمون من أصول فارسية أن يدخلوا لتلك الدولة التدبير السياسي القديم لفارس مما أسهم في إضعاف روح القيم الإيجابية الفعالة التي جاء بها الإسلام، واستطاع هذا التدبير أن يكرس الاستبداد في الحياة السياسية الإسلامية.
فالسلطات المطلقة التي منحتها الآداب السلطانية للحاكم تبدو واضحة في علاقة الملك بالحاشية فهو صاحب صلاحيات مطلقة في تعيين الحاشية وعزلها، بل والتخلص منها بأي وسيلة شاء دون أي محاكمات، فهو قادر على قتل أي وزير من وزرائه إذا تجاوز صلاحياته، أو كذب عليه في أمر من الأمور، إن الآداب السلطانية صورت الملك فوق التشريعات والقوانين في تعامله مع الحاشية.
نحن الى الأن مازلنا نعيش في طي مفردات الآداب السلطانية في تصورها عن الرعية والعوام والدهماء، ولم ننجح حتى اليوم في تأصيل المفاهيم الحديثة للدولة والحديث عن الشعب، والمواطنة، والمساواة، فمازالت المفاهيم السياسية للأدب السلطاني تشكل الوعي الجمعي الحديث، ومازلنا عاجزين عن تأسيس الدولة العصرية الحديثة رغم أن معرفتنا بمفاهيم الدولة الحديثة قد اقترب من قرنين من الزمان.
وحسب الكاتب فان أهم أفة رسختها الآداب السلطانية هي شخصنة الدولة في كيان الملك، فالملك هو الدولة، والدولة هي الملك، ولا تمييز بينهما، ولا فرق ولهذا كانت حاشية الملك هم أجزاء في جسد الملك السياسي، وليسوا وظائف في نظام الدولة، وهم خدام الملك أكثر من كونهم خدام الدولة، ومن ثم كانت الآداب السلطانية تكرس لسلطة الفرد المطلقة في الحكم، وتنظر إليه على أنه الذي يحدد طبيعة أي زمن من الأزمان، وأصبح لكل خليفة زمنه، فثمة زمان لمعاوية، وأخر لهارون الرشيد، وهكذا أصبح الخليفة أو الملك قادر على تحديد معالم الزمن لأنه وحده القادر على تحريك دفة التاريخ، ولا قيمة للرعايا أو العوام إلا بكونهم محمولين على الملك وتابعين له.
وقد ظل تراثنا القديم فاعلا بارزا في حياتنا الحاضرة، فإليه يمكن أن ننسب العديد من القيم الإيجابية في حاضرنا وأهمها القيم الأخلاقية، وإليه أيضا ننسب العديد من الممارسات السلبية، مثل الممارسات الاستبدادية في المجال السياسي، ولا شك ان ذلك نابع من كون التراث أحد الروافد الكبرى في ذاكرة المجتمع، ومن ثم فإن نقد بعض الأطر النظرية في تراثنا القديم نابع من قدرة هذه الأطر في تسيير سلوكياتنا في الحاضر، ومن هنا يمكن القول بأنه من الضروري القطع مع عناصر عديدة في تراثنا تسهم في تكريس واقع التخلف والجمود في حياتنا الراهنة.
ان هذا الكتاب أخيرا يعد دراسة كاشفة لدور الآداب السلطانية في تكريس الاستبداد في ثقافتنا العربية بشكل عام وفي نظم الحكم بشكل خاص.