أقليات العراق.. بعد "داعش" في مفترق الطرق
الخميس 29/سبتمبر/2016 - 03:36 م
طباعة
اسم الكتاب: ما بعد داعش أقليات العراق
الكاتب: سعد سلوم
الناشر: مكتبة حقوق الأقليات- 2016
بشكل مستمر يهتم الكاتب العراقي الناشط المتخصص بشئون الأقليات العراقية الأكاديمي سعد سلوم؛ حيث أصدر عددًا كبيرًا ومتنوعًا من الكتب، محورها أقليات العراق، وأخيرًا أصدر كتابًا جديدًا تحت عنوان "ما بعد داعش، أقليات العراق في مفترق طرق" ضَمَّنَه بالعديد من المقالات التي كتبها حول تحديات فترة ما بعد داعش، منذ احتلال التنظيم للموصل في يونيو ٢٠١٤ واجتياحه لمدن تلعفر وسنجار وسهل نينوي في الأشهر التالية.. وأبرز سلوم في إصداره الجديد كَمًّا كبيرًا من
الأفكار والتوصيات والسيناريوهات التي قدمها في عامي ٢٠١٤-٢٠١٦ وعكس من خلالها إحساسًا بأهمية "ألما بعد" في تقرير مستقبل العراق ومصير التنوع الذي هو مفتاح وحدة البلاد. وعن كتابه الجديد لخص الأكاديمي سعد سلوم فكرته مشيرًا بأنها رؤية شاملة، وتتويج لجهد عامين من الانشغال بتقديم خريطة طريق تقوم على سياسات بعيدة المدى وأخرى قصيرة المدى، لا سيما في ظل المخاوف والمشاريع التي تطرح اليوم لتقسيم العراق، ومن أهم المقالات التي جاءت في الكتاب. مستقبل المناطق المتنازع عليها؛ حيث كتب سلوم يقول:
"مع قرب انطلاق عمليّة تحرير الموصل- حسبما أعلن وزير الدفاع العراقيّ خالد العبيدي في 8 آب/أغسطس- عبّر المجلس القوميّ الكلدانيّ في الذكرى الثانية من تهجير المسيحيّين من الموصل عن قلقه على مستقبل مناطق الأقليّات، بعد الانتهاء من عمليّات التّحرير. ويشاركه في هذا الشعور ممثّلو الأقليّات الأخرى: الإيزيديّون في خصوص منطقة سنجار، التّركمان في خصوص تلعفر، والشبك والمسيحيّون والكاكائيّون وأقليّات أخرى في خصوص سهل نينوى.
توصف هذه المناطق بـ"المتنازع عليها"، وهي تسمية تحرم في حدّ ذاتها الأقليّات من تقرير مصيرها بأنفسها، إذ تشير إلى كونها منطقة نزاع عربيّ - كرديّ حول عائديّة هذه المناطق: هل تبقى ضمن إدارة الحكومة الإتحاديّة أم ستدخل ضمن سلطة حكومة إقليم كردستان؟
وفي هذا الإطار، قال ممثّل المؤسّسة الأميريّة للإيزيديّين الأمير برين تحسين بك لـ"المونيتور": "حينما نتحدّث مع ممثّلي الحكومة الإتحاديّة أو ممثّلي حكومة إقليم كردستان، نواجه خطاباً يسعى إلى إدخالنا في لعبة معنا أو ضدّنا، إذ لا تبدو الجديّة لدى النخب السياسيّة الكرديّة أو العربيّة في التّعامل مع الإبادة الّتي حلّت بالإيزيديّين، إلاّ من خلال سؤال: هل ستكون مناطقكم ضمن سلطة الحكومة الإتحاديّة أم ضمن سلطة الإقليم؟".
لذا، يحدو ممثّلي الأقليّات الأمل بإطلاق عمليّة تفاوض بإشراف دوليّ حول الحدود الداخليّة المتنازع عليها، الّتي تشكّل مناطق التنوعّ الغنيّة إثنيّاً ودينيّاً ولغويّاً في البلاد، والخاضعة إلى نزاع عربيّ - كرديّ واضح قد يجرّ البلاد إلى حرب داخليّة مقبلة حول عائديّتها.
وفي هذا السياق، قالت باسكال وردا، وهي رئيسة منظّمة "حمورابي لحقوق الإنسان" وناشطة مسيحيّة كانت تشغل منصب وزيرة الهجرة والمهجّرين سابقاً: "إنّ تطبيق المادّة 125 من الدستور العراقيّ من خلال تحويلها إلى تشريع قد يضمن إدارة ذاتيّة للأقليّات في مناطقها المتنازع عليها، بما يضمن إبعادها عن الصراع بين الكبار من جهة، ويضمن لها أيضاً حقّ إدارة شئونها الذاتيّة من دون أن يعني ذلك دعماً لرغبتها في الانفصال من جهة أخرى".
كما يرتسم خيار آخر قد يشكّل اللّجوء إليه عاملاً مشجّعاً على عودة النازحين، بعد تحرير مناطقهم من "داعش"، وهو خيار استحداث محافظات جديدة في مناطق الأقليّات لتخفيف حدّة التوتّرات الإثنيّة، بما يسهّل تحقيق نوع من الإدارة الذاتيّة للأقليّات لشئونها الخاصّة، ويقلّل من الفساد والمظالم بسبب إهمال هذه المناطق من قبل الحكومات المحليّة، فمثلاً يمكن بالنّسبة إلى محافظة نينوى إجراء ترتيبات لاستحداث محافظات في كلّ من: سنجار، تلعفر، سهل نينوى، شيخان. أمّا المساحة المتبقّية فيمكن أن تمثّل محافظة نينوى الأصليّة، ومركزها الموصل. ولقي هذا الخيار دعماً من قبل سياسيّين تركمان بارزين مثل رئيس مؤسّسة "إنقاذ التركمان" على أكرم خلال حديث مع "المونيتور"، وأيضاً وزير المحافظات السابق طورهان المفتي الّذي سبق له في حوار مع "المونيتور" أن طرح مثل هذا الخيار لتجنّب النزاع الإثنيّ في البلاد.
وهناك فائدة أخرى من خيار كهذا هو حصول المحافظات المستحدثة على ميزانيّة من قبل الحكومة الإتحاديّة على قدم المساواة مع بقيّة المحافظات، يمكن أن توجّه لتغذية الظروف المناسبة لعودة النازحين. وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصاديّ البروفسور عماد عبد اللّطيف في حديثه مع "المونيتور": "من الضروريّ أن تتزامن خطّة إعادة النازحين من الأقليّات إلى مناطقهم الّتي يجري تحريرها من قبضة داعش مع توفير موارد كافية لإصلاح البنية التحتيّة الأساسيّة وإصلاح نظام الخدمات، فالأفراد الّذين يرغبون في العودة إلى ديارهم يخشون على أمنهم أوّلاً، ولا يودّون العودة ما لم تتوافر بيئة جاذبة توفّر بديلاً مريحاً عن الإندماج في المناطق الّتي نزحوا إليها أو التفكير في خيار الهجرة".
وتبدو أهميّة استعادة الثقة في ضوء الحديث عن أهميّة إجراء عمليّة مصالحة لازمة لأيّ إتفاقيّة سلام في هذه المناطق في فترة ما بعد "داعش"، وهذا أمر لا يمكن تصوّره من دون حسم عائديّة هذه المناطق، بالتّشاور مع ممثّلي الأقليّات، وبما يضمن استقلاليّتهم عن الصراع السياسيّ بين التيّارات السياسيّة الكبرى الكرديّة والعربيّة.
واقترحت مؤسّسات معنيّة بتعزيز حقوق الأقليّات مثل مؤسّسة "مسارات" MASARAT مجموعة من التوصيات على المستوى السياسيّ يمكن أن تسهم في إعادة بناء الثقة، وهي تتضمّن تشجيع الحكومة العراقيّة الإتحاديّة على البدء بحزمة إصلاحات لازمة مثل مواجهة الفساد وتعزيز الشفافيّة والمساءلة وإجراء تحقيقات فوريّة في انتهاكات حقوق الأقليّات وإلغاء التشريعات الّتي تكرّس التمييز أو تضطّهد الأقليّات، والإنضمام إلى نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة وقبول ولايتها في خصوص النزاع الحاليّ.
وعن المقترح الأخير، قال الأمير برين تحسين بك: "لا يوجد دليل على نيّة الحكومة العراقيّة الإنضمام إلى نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، لكن يمكن العمل معها على قبول هذه الولاية في حال واحدة (تخصّ إبادة الإيزيديّين مثلاً)، ولفترة زمنية محدّدة لا تتجاوز أفق النزاع الحاليّ. وبخلاف ذلك، فإنّ لممثّلي الأقليّات الحقّ في ضوء عدم وجود استجابة حكوميّة داخلية الركون إلى طلب الحماية الدوليّة".
وأشار ممثّلون آخرون للأقليّات، ومنهم ممثّل الكاكائيّين في كركوك رجب عاصي وممثّل البهائيّين في بغداد ضياء يعقوب، إلى أنّ حزمة الإصلاحات يجب أن تتضمّن فضلاً عن ذلك، مقترحات حول توسيع رقعة الاعتراف بالأقليّات في الدستور كالاعتراف ببعض الأقليّات الدينيّة مثل البهائيّين والكاكائيّين والزرادشتيّين وأقليّات أخرى مثل العراقيّين من أصول إفريقيّة. كما شدّد البهائيّون على ضرورة إلغاء كلّ التشريعات الموروثة من زمن البعث، والّتي تتعارض مع الحقوق الواردة في الدستور كحظر النشاط البهائيّ الّذي صدر في عام 1970.
مثل هذه النقاشات الّتي يخوضها ممثّلو الأقليّات تثبت أنّه، بل لا بدّ من تبنّي سياسة طويلة المدى تتضمّن جوانب إصلاحيّة سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة لاستعادة ثقة الأقليّات لكي تكون هزيمة "داعش" حاسمة.