"الملا عبد السلام ضعيف".. القروي الذي أصبح سفيرًا لطالبان
الإثنين 26/ديسمبر/2016 - 05:34 م
طباعة
عبد السلام ضعيف أحد قادة ومؤسسي حركة طالبان وآخر سفير لحكومة الإماراة الإسلامية لدى باكستان، شاهد على تأسيس حركة طالبان وحرب الجهاديين، وأحد رموز الحكم في الإمارة الإسلامية، واعتقل من قبل المخابرات الباكستانية وسلم للولايات المتحدة الأمريكية وقضى أربعة أعوام في معتقل جوانتانامو؛ حيث أطلق سراحه عام 2005، والآن يقيم في كابل.. له مؤلفان هما "صورة جوانتانامو"، والآخر "حياتي مع طالبان" وهو عبارة عن مذكراته منذ الطفولة وحتى الاعتقال.
حياته:
الملا عبد السلام ضعيف هو أحد القيادات البارزة في حكومة طالبان وكان سفير النظام في باكستان، كما أنه أمضى فترة سجن لمدة 4 أعوام في معتقل "جوانتانامو" الأمريكي ومن ثم أطلق سراحه بطلب من الحكومة الأفغانية.
والملا ضعيف هو ابن قرية صغيرة اسمها زانغي آباد في محافظة بانجاوي في الجنوب الأفغاني، أحد أهم معاقل حركة طالبان الأفغانية، لعائلة فقيرة.
وقد جاءت نشأة ضعيف في وقت كانت فيه أفغانستان تشهد تحولات مهمة اجتماعية وسياسية، من ناحية انتشار الشيوعية بعد انقلاب محمد داود ابن عم الملك ظاهر شاه أثناء تواجد الأخير للعلاج في إيطاليا.
وقد تلقى التعليم الديني؛ حيث كان والده إمامًا وعالمًا بالدين، وأرسله لمدرسة القرية لتعلم مبادئ الدين. وبعد رحيل الأب عام 1975 في قرية رانعزيران.. انتقل عبد السلام ضيف وأخته إلى أقاربهم في قرية أخرى.
وعندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان كان عمره 11 عامًا عندما غزا، مما اضطره للرحيل مع أقاربه إلى باكستان والعيش في مخيمات اللاجئين، ويصور حياته هناك حيث تنقلت العائلة مع الكثيرين من مخيم إلى آخر، حتى استقرت في مخيم اسمه تشامان.
الالتحاق بالجهاديين:
وفي عام 1983 وهو في عمر الخامسة عشرة، انضم إلى الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي؛ حيث انضم إلى جماعة من جماعات المجاهدين وقاتل لعدة أشهر، ثم بحث عن جماعة لطالبان ينضم إليها وسمع عن وجود قائد طالباني يقاتل في "نيغليم" ووجد في قيادة ملا محمد صادق اخوند وضعًا أحسن بالنسبة له كمتدين، فهو يطلعنا على اختلافات جماعات المجاهدين من ناحية القيادة والعمل، وكذا من ناحية الأهداف والطموحات، ولكنه يتحدث عن تعاون بين جماعات المجاهدين فيما بينها.
وفي فترة تدربه وقتاله مع طالبان قاتل على عدة جبهات في شمول وارغان آباد ومحلجت وزلخان، ولكن أكثر معركة وأقساها لطالبان كانت في مطار قندهار قرب خشاب عام 1988. وهي المعركة التي قُتل فيها العديد من أفراد طالبان وقادتها. ويصف ضعيف هنا طبيعة المعارك التي خاضتها الحركة مع السوفيت وتوازن القوى بين الطرفين من ناحية العدة القليلة في جانب جماعته والعتاد الكثيف من جانب السوفيت. وأثناء هذه الفترة رشحه قائده لتلقي دورة عسكرية نظمتها إدارة المخابرات الباكستانية لجماعات محددة من المجاهدين، وجاءت نتاجًا لعلاقة قائده مع أحد قادة الجهاد الأفغاني عبدالرسول سياف، وهذه العلاقة الأولى التي ستتبعها مواجهات بينه وبين المخابرات الباكستانية التي يؤكد في ثنايا الكتاب أنه ظل يراوغ ويؤكد استقلاليته عنها حتى عندما كان وزيرًا للحرب وسفيرًا لطالبان في إسلام آباد. من المواقف التي تشير لاختلاف طالبان عن الآخرين أن الملا لطيف أسد قندهار.
وبعد رحيل السوفيت واقتتال المجاهدين فيما بينهم، فقرر السفر إلى باكستان؛ حيث أقام قرب كويتا وهناك عمل في التجارة والبناء وواصل تعليمه، ولم تنقطع علاقته بقندهار التي أصبحت إقطاعيات لأمراء الجهاديين، ولكن عاد ملا ضعيف مرة أخرى إلى أفغانستان عام 1992؛ حيث اختار العمل كإمام في مسجد يعود للحاج كوشيكار اكا في قرية صغيرة لم يتجاوز عدد سكانها خمسة عشر تقع في حدود منطقة بانجاوي.
في "طالبان"
وفي اجتماع عقد في سانغيسار عام 1994 تم تشكيل حركة طالبان؛ حيث اقترح ملا محمد عمر، ومولوي محمد عطا وملا عبيدالله كقادة للحركة طالبان الوليدة، وتم تعيين مولوي عبدالصمد قائدًا للحركة فيما اختير ملا محمد عمر قائدًا عسكريًّا لها.
وبعد سيطرة حركة طالبان على معظم أفغانستان عمل ملا ضعيف في مؤسساتها في هيرات وكابول؛ حيث عمل بوزارة الدفاع ونائبًا لوزير الدفاع ووزيرًا للصناعات الخفيفة والمعادن وفي وزارة المواصلات العامة، وفي عام 2000 عين كسفير لحكومة طالبان في باكستان 2000 التي ظل فيها حتى انهيار الإمارة الإسلامية لحركة طالبان على يد القوات الأمريكية وحلفائها، وتم اعتقاله من قبل السلطات الباكستانية في 2002 وتسليمه إلى الولايات المتحدة وترحليه إلى سجن جوانتانامو وحتى الإفراج عنه في 2005 وعاد إلى كابول.
في الاعتقال:
كان الملا عبد السلام ضعيف، صوت طالبان الإعلامي، كان الصوت الإعلامي الوحيد لطالبان، إبان الحرب الأمريكية على أفغانستان في الأول أكتوبر 2001، إذ كان في مواجهة آلة إعلامية عالمية ضخمة ساندت القوات الأمريكية وقوات التحالف في ما سمي الحرب على الإرهاب. وحين نقل ضعيف إلى سجن جوانتانامو، قدمت الإدارة الأمريكية عروضاً سخية له وللملا "وكيل أحمد متوكل" وزير خارجية طالبان الذي كان معتقلاً وقتها في سجن قاعدة باجـرام الجوية شمال كابول، وعرضت عليهما الانضمام إلى حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، لكن الرجلين رفضا العرض، كما رفضا إدانة سياسة الملا محمد عمر في استضافة أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وهو ما زاد من حنق القوات الأمريكية.
وكانت محطة جوانتانامو التي سرد معاناته فيها بتفاصيل واضحة ويتحدث عن التعذيب و30 ساعة مقيدًا في الطائرة وتعريته في البرد في باجرام وكابول؛ حيث لم يعد سفير الإمارة الإسلامية ولكن مجرد السجين رقم 306. في النهاية ظل متمسكًا بمبادئه ومعتقداته.
سفير "طالبان" بباكستان:
تعد تجربته كسفير للإمارة الإسلامية في باكستان الأهم في تجربة عبد السلام ضعيف السياسية؛ حيث أدخلته لعالم الدبلوماسية المقيدة من خلال الخارجية الباكستانية. ويكتب عن محاولاته تصحيح صورة الإمارة وانطباعاته عن السفراء المتعجرفين، خاصةً سفراء ألمانيا والكويت والسعودية والمؤدبين مثل السفير الصيني والمتعاطفين والمحبوبين وهو السفير الفلسطيني.
وذكر كسفير كان تابعًا لوزارة الخارجية وكل السفارات تأخذ توجيهاتها وإطار تحركها من وزارة الخارجية وتقوم بتمثيل سياساتها في الخارج، لكن كونه سفير طالبان في إسلام آباد لم يكن سفيرًا فقط، ولكنه كان ممثلًا خاصًّا للملا عمر زعيم طالبان، وكان هناك مواقف ياخذ فيها توجيهات خاصة من الملا عمر في قندهار.
ورأى الملا عبد السلم أن باكستان لعبت دورًا في الحرب على طالبان، ودور الرئيس الباكستاني وقتها الجنرال برويز مشرف، الذي رآه مراوغًا حول إخوانه الأفغان لتجارة. ويعيد مرات كثيرة للعبة المال وشراء الذمم للكثير من الأفغان الذين عملوا جواسيس على إخوانهم.
"طالبان" و"القاعدة":
وخلال عمله سفيرًا لطالبان في باكستان، وقبل الاحتلال الأمريكي، ذكر أن الأمريكان طالبوا بتسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن ورفاقه، والسعودية وباكستان كانتا تبذلان عدة مساع من أجل تسليم بن لادن، كما أن وفودًا من الأمم المتحدة كرروا زياراتهم إلى أفغانستان، قابلت كوفي عنان في تلك الفترة أيضًا، لكن كل تلك اللقاءات والاجتمعات والاتصالات كانت تتم بغطرسة طرف واحد، ولم تكن لهذه الأطراف خطة أو مطالب معقولة، فقط كان هناك إصرار على تسليم بن لادن إلى الولايات المتحدة، حينها قدمنا ثلاثة عروض لحل المشكلة، وقد بذلت جهودا في تلك العروض سعيًا وراء حل المشكلة، وقد سلمنا المقترحات إلى الأمريكان والسفارة الأمريكية في إسلام آباد، وتحدثنا معهم بشأنها، وهذه العروض هي:
العرض الأول هو ضرورة تفهمهم للتقاليد والثقافة الأفغانية فنحن لم نكن ندافع عن جريمة أحد، كان دفاعنا عن استقلالية الوطن ومنطلق مسئولية دينية؛ ولذا لم يكن هناك استعداد عند الأمريكان لقبول هذه العروض، كما أنه لم يكن هناك أية معاهدة بين أفغانستان والولايات المتحدة لتسليم المطلوبين، كانوا يريدون تسليم أسامة بن لادن ولا شيء غير ذلك وعرضنا كان أنه في صورة تقديم الأدلة الكافية التي تدين الرجل سيتم محاكمته في أفغانستان في محاكمة عادلة، وقد قلنا مرارًا لهم أثناء مقابلاتنا: إن هذا العرض ممكن التطبيق، أما الوفد الأمريكي لم يزر قندهار، طالبان كانت حريصة على خطو خطوة إلى الأمام تجاههم، لكن الولايات المتحدة ولأجل غرورها وكبريائها، وبسبب عدم اعترافها بالإمارة الإسلامية كانت ترفض الحوار، وكانت تصر على تسليم أسامة بن لادن، دون الأخذ في الاعتبار الطرق السليمة لحل المشكلة.
حياته مع "طالبان":
وللملا عبد السلام ضعيف كتابان، هما كتابه الأول "صورة جوانتانامو"، وكتاب آخر هو "حياتي مع طالبان"، والذي أماط الملا عبد السلام ضعيف، اللثام عن الكثير من الأسرار الهامة التي اعتبرها المحللون في الغرب بالغة الأهمية لصدورها عن شخص مهم داخل الحركة، كان واجهتها في التفاوض مع الغرب ونقل أخبارها وقراراتها للإعلام العالمي.
وبدأ كتابه بتصحيح ما اعتبره خطأً شائعًا بأن "طالبان" ظهرت لأول مرة عام 1994 عندما تردد اسمها في الإعلام كمجموعة تحاول بسط الأمن والاستقرار في معقلها بقندهار، التي صارت فيما بعد عاصمة دولتها السياسية ومقر أميرها الملا عمر.
ويقول ضعيف: إن "طالبان" جمع في اللغة البشتونية للمفرد "طالب" وهو تعبير موجود منذ نشأة المدارس الدينية في أفغانستان التي يدرس فيها طلاب العلم الشرعي.
ويوضح أنه انضم إليها في فترة مبكرة من عمره لإنجاز التزاماته الدينية وتحرير وطنه من الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات، قائلًا: إن "طالبان" كانت بالنسبة له مختلفة عن فصائل حركات المجاهدين الأخرى، فقد كان أعضاؤها من الطلاب والمدرسين الشرعيين يقاتلون السوفيت من أجل عقيدتهم، فيما كان "المجاهدون" الآخرون يفعلون ذلك من أجل المال والأرض.
وخاض في الحياة الداخلية لطالبان، قائلًا: "إن الانخراط فيها يعني أكثر من كونه "مجاهدًا" فهي تفرض تعليمات صارمة على كل مقاتل يحارب تحت لوائها بدون استثناء".
من أكثر الفصول إثارة تلك التي يتطرق فيها عبد السلام ضعيف لأسرار الضغط على طالبان لتسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر.
ويقول: إن فرانسيس فيندريل مندوب الأمم المتحدة اجتمع معه في مكتبه ليناقشه في أمر تسليم بن لادن، مؤكدًا له أن طالبان يجب أن تحترم قرارات المنظمة الدولية.
ورد عليه بأنه ليس الشخص المؤهل للتحدث في هذا الموضوع، سائلًا بدهشة: لماذا يجب على "إمارة أفغانستان الإسلامية" تسليمه لأمريكا، بينما ليس بينهما اتفاقيات قانونية لتسليم الأشخاص، بالإضافة إلى كونه يمثل الأمم المتحدة، فكيف يدعم مطلبًا بلا أي أسس قانونية؟
وأضاف أن فيندريل لم يجب على سؤاله، لكنه قال له: "اسمع.. القرار تم اتخاذه، وإذا لم تسلموه فأمريكا ستأخذه بالقوة".
وفي "جوانتانامو" يتعرض عبد السلام ضعيف للفترة التي قال إنه تعرض فيها للتعذيب والانتهاكات المنافية لحقوق الإنسان عندما سلمته باكستان للولايات المتحدة عام 2002، وتم ترحيله إلى سجن جوانتانامو وهي المرة الثانية التي يتحدث فيها عن الإهانات البالغة والضرب الشديد الذي تعرض له هناك، بعد كتابه الأول.
وبدا حانقًا بشدة على الاستخبارات الباكستانية التي سلمته بعد أن أخذته من بيته المجاور للسفارة في إسلام آباد، قائلا إنه شخص دبلوماسي لم يرتكب أي ذنب، والمفروض أن القوانين الدولية توفر له الحماية.
بعيدًا عن طالبان:
وبعد الإفراج عنه من معتقل "جوانتانامو" في 2005 لم يعد إلى حركة طالبان وأعلن انقطاع علاقته بها، وعاش في منزل متواضع في أحياء غرب العاصمة الأفغانية كابول.
وهناك أسس عبد السلام ضعيف، لمدرسة دينية أقامها في الحي الذي يقطن فيه، وبدأ يدرس فيها التفسير والقرآن وغيرهما من العلوم الشرعية.
ورغم الحظر الإعلامي على عبد السلام ضعيف من قبل حكومة حامد كرزاي والقوات الأمريكية، إلا أنه أتيح له هامش من الحرية، فقد كان حاضرًا في كل مناسبة للحوار والحديث عن الوضع الأفغاني وتداعياته، فشارك في منتديات دولية في الإمارات العربية المتحدة وقطر وبريطانيا والمملكة العربية السعودية، مدافعاً عما يؤمن به من أن أي حل مقترح للقضية الأفغانية لا يتضمن انسحاب القوات الأجنبية وفق جدول زمني مقبول، لن ينتج سوى استمرار معاناة الشعب الأفغاني ومعه دول المنطقة والعالم. ولن يكون هناك أي ضامن لعدم عودة الجماعات المسلحة مثل القاعدة وغيرها إلى الأراضي الأفغانية تعمل وفق أجندة خاصة بها.
ورفعت الأمم المتحدة، عبد السلام ضعيف، من قائمتها الخاصة بالإرهابيين في يوليو 2010.
محاولة اغتياله:
وفي 13 ديسمبر 2016، نجا الملا عبد السلام ضعيف، من هجوم مسلح استهدفه قرب مقره في العاصمة كابول، حينما كان في طريقه إلى المسجد.
وطبقًا لما ذكرته وكالة "باجوك" الأفغانية، نقلًا عن نصرة الله، أحد سكان المنطقة، أنهم سمعوا طلقات نارية، بالقرب من منزل ضعيف، ليلًا وهرع السكان إلى منازلهم بسبب الخوف، وبالتالي لم يعرف أحد ما حدث بعد ذلك.
ويبدو أن استهداف ضعيف ربما يأتي من قبل رفقائه في حركة طالبان، والذي شهد كثيرًا من تأسيسها واقترابه من مؤسس الحركة الملا عمر، أو من قبل خصومه من التيارات الإسلامية والمتشددة المختلفة، من القيادات التي شاهدت مرحلة الجهاد ضد الغزو الأفغاني أو دخلت في صراع مع حركة طالبان خلال فترة (1996-2001) والتي سيطرت الحركة على أجزاء كبيرة من الدولة الأفغانية، أو الجماعة الإرهابية كتنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش" أو الجماعات الأخرى، وهو ما يشير إلى أن الملا ضعيف كان هدفًا لبعض خصومه من السياسيين والدينيين لإسكات صوته عما يعرفه من أسرار عن طالبان والجماعات الجهادية.