تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم
الجمعة 15/ديسمبر/2023 - 02:02 ص
طباعة
حسام الحداد
الكتاب: تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم
المؤلف: جمال البنا
يري جمال البنا من خلال كتابه «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» أن البخاري وإن كان لا يستطيع أحد أن ينكر فضله ومعه الإمام مسلم إلا أنه إنسان غير معصوم ووقوعه في الخطأ لا ينال منه ولا ينقص من منزلته لأن كل بني آدم خطاء وقد نقد الأسلاف بعض أحاديث البخاري مثل الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن مدين وأبو عيسي الترمذي والنسائي وابن تيمية وابن القيم والألباني وغيرهم، فهل كل هؤلاء العلماء مبتدعة مبتغين غير سبيل المؤمنين؟،
وفي العصر الحديث ارتفعت الدعوة لتنقية التفاسير القرآنية مما حفلت به من إسرائيليات وأساطير وخرافات فطالب الشيخ عبدالمنعم النمر وزير الأوقاف الأسبق في بحث له بتنقية التفاسير وطبع النسخ المنقحة وعدم طبع القديمة وايداع نسخها دور الكتب والجامعات بحيث لا يطالعها إلا الباحثون، أو طلبة الدكتوراه فإذا كان الأسلاف، وإذا كانت شخصيات إسلامية فقهية مثل الشيخ عبدالمنعم النمر والشيخ الغزالي طالبت بتنقية السنة مما ينفي بدعة المطالبة بذلك فإن جمال البنا ابتكر طريقة منهجية لتنقية صحيح البخاري من الأحاديث الضعيفة والموضوعة تتمثل في العرض علي القرآن الكريم مستخدما تعبير «لا يلزم» حتي يخرج من معركة التعديل فيما قاله الرواة ولأنه يؤمن بأن السند هو أفضل المعايير لسلامة الحديث كما يمكن أن يفهم من «لا يلزم» أنه لا يعد تشريعا.
يقول جمال البنا عن الكتاب:
إننا عندما وضعنا اثنى عشر معيارًا قرآنيًا يمكن ضبط السُـنة بها اعتقدنا أننا سهلنا السبيل أمام كل من يريد القيام بعملية تنقية السُـنة على أساس قرآني لا يمكن الطعن فيه، بعد أن لاحظنا أن الذين انتقدوا البخاري إنما كان ذلك لأنه اعتمد على عدد محدود من الرواة فيهم كلام، وأن الأحاديث التي انتقدت هي بضعة أحاديث.
وهذا بالطبع يعود إلى أنهم لم يسلكوا مسلكاً منهجيًا بأن يضعوا معيارًا من القرآن يعرض عليه كل ما جاء في البخاري من أحاديث ويستبعد منها ما يخالف هذا المعيار.
إن العجز أو الخوف أو هما معا حالا دون ذلك، وتعين علينا بأن نقوم به.
وقد استخدمنا تعبير «لا يلزم» حتى نخلص من معمعة الجرح والتعديل فى الرواة، ولأننا نؤمن أن السند ليس هو أفضل المعايير لسلامة الحديث، كما يمكن أن يفهم من «لا يلزم» أنه لا يُعد تشريعًا، ومعروف أن المحدثين أنفسهم اعتبروا أن هناك منطقة من الحديث لا تعد تشريعًا، فلعلنا بعد كل هذا الجهد لم نأت بجديد تمامًا، فقد كان هناك سابقة لعدم اعتبار كل الأحاديث تشريعًا ملزمًا.
والكتاب يبدأ بإهداء: «إليك يا سيدى يا رسول الله»، كنوع من الاعتذار عما جناه الأسلاف عندما تقبلوا أحاديث تمس مقام الرسول وتنال من ذات الله، وتسئ إلى العقيدة، والقرآن، والمجتمع.
يتلو هذا الإهداء كلمة بعنوان «قبل أن تبدأ القراءة.. لكى لا يُساء الفهم»، أكدنا فيها أننا لا نتعرض للسُـنة، لأن السُـنة هى المنهج والدأب والطريقة، أي أنها عملية، وليست قولية، بل إن الكتاب لا يتعرض أيضًا للأحاديث لو ثبتت نسبتها إلى الرسول بدليل أنه أبقى على أي حديث ينبض بعبق النبوة ويتفق مع القرآن، ولكن هذا لم يكن شأن الألوف من الأحاديث التي ظهرت لاعتبارات دينية وسياسية واجتماعية عديدة.
يتلو هذا التنبيه مقدمات أربع، الأولى عن «إجماع علماء السُـنة على عدم صحة كل ما في البخاري»، والثانية عن أن «رواية الحديث في عهد الرسول والخلفاء الراشدين كانت تحريم التدوين والإقلال من الرواية»، والمقدمة الثالثة عن «تجربة حديثة لباحث إسلامي متخصص في مجال علوم الحديث تؤكد قصور قواعد المحدثين في التحقيق من صحة الأخبار»،
وجاء في نهاية بحثه تحقيق حديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إله الله» باستخدام موسوعة خاصة على حاسوب به ٢٦٥٠٠٠ طريقة، ثم استخلاص ٢٣٤ طريقاً لهذا الحديث لا يسلم واحد منها من أن يكون فيه كلام، والمقدمة الرابعة عن «زواج النبي من عائشة وهى بنت تسع سنين.. كذبة كبيرة في كتب الحديث»، وهذه المقدمات الأربع استغرقت ثمانين صفحة وكانت ضرورية، فما كان ممكناً أن ينتقل القارئ من عالم البخاري المقدس كأصدق كتاب بعد كتاب الله إلى تجريده من مئات الأحاديث إلا بعد تهيئته بهذا المقدمات الأربع.
يبدأ الكتاب بعرض المعايير القرآنية التي يُعد الاختلاف معها مبررًا لعدم الأخذ بحديث، وقدمنا كل معيار بكلمة موجزة عنه.
وأول المعايير هو «الغيب» وبينا في المقدمة أن الغيب مما يدخل الإيمان به في الأديان، ولكن القرآن وحده هو الذى يتكلم عن الغيب، لأن الله تعالى وحده هو الذى يعلم الغيب، وقد أكد الرسول مرارًا أنه لا يعلم الغيب، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف ظهرت ألوف الأحاديث تتحدث بتفصيل عما سيحدث للإنسان بمجرد أن يموت ويدخل عالم الغيب، بدءًا من عذاب القبر حتى ما في الجنة من نعيم وما في النار من جحيم.
وفسرنا سر الاهتمام بالغيب حتى يكون هو الذى بُدئ به بأن تكثيف الحديث عن الغيب الذى لم يرد فى القرآن ومواصلته تكوَّن مع الزمن عقلية غيبية تؤمن بالخرافة بعد أن مهد لها ذكر هذه الغيبيات الطريق، وعندما يحدث هذا فإن معناه أن يفقد المسلمون عقولهم، فلا ينتفعوا بشىء فى عصر يقوم على العقل، يزيد فى خطورة الأمر أن هذا الموضوع (الغيب) استأثر بأغلبية الأحاديث فى موضوع واحد فبلغت ٢٢٧ حديثاً وهو أكبر رقم ناله موضوع واحد مما يعنى تركيزاً لابد أن يعمق أثره على العقل.
وعرض الكتاب ٣٧ حديثاً عن الإسرائيليات أقل ما يقال فيها أنها لا تلزم، كما عرض ستة أحاديث تمس ذات الله تعالى وما يجب له من منزلة.
ولما كنا نرى أن الأحاديث لا يمكن لها تفسـير القرآن أو تحديد أسباب نزول أو ادعاء النسخ لأن القرآن قطعي الثبوت ولا يمكن لأحاديث ـ حتى لو كانت صحيحة ـ أن تدعى أن هذه الآية منسوخة، أو أن سبب نزولها هو كيت وكيت، فهذا مرفوض شكلاً وموضوعًا، شكلاً لأن الحديث أقل في درجة ثبوته من القرآن، وموضوعًا لأن درجة منزلته أقل من القرآن، ولهذا فلا يمكن للأحاديث أن تعالج تفسير القرآن ناهيك أن يدعى نسخ العشرات من آيات السماح بآية يسمونها آية السيف، وبلغت الأحاديث التي تحفظ عليها الكتاب ٢٤ في تفسير القرآن، و ١١ تدعى النسخ، و١٨ تقدم أحكامًا مخالفة لأحكام القرآن ( أى المجموع بالنسبة للقرآن هو ٥٣ حديثاً).
كما رأى الكتاب أن مما يدخل في إطار ما لا يلزم من الأحاديث ١٨ حديثاً قدسيًا، لأنه لا يؤمن إلا بوحى قرآني، أما السُـنة فما جاء فيها بوحى فبوحى أقل شأناً من الوحى القرآني والمفروض أن يفرق بينهما.
وتحفظ الكتاب على الأحاديث الواردة عن كرامات للرسول، وقد قال القرآن «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (العنكبوت: ٥١)، كما رفض الرسول في سورة الإسراء كل مطالب المشركين من أن يكون له «وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا.. الخ» (الإسراء: ٩١،٩٠).
فلا داعى للتطفل والافتئات على القرآن، وعلينا أن نقف حيث يقفنا القرآن.
وهناك ٢٦ حديثًا تخل بعصمة الرسول اعتبرناها مما لا يلزم، و٤ أحاديث تتناقض مع الآيات العديدة عن حرية الاعتقاد بما فيها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» الذى استبعده مسلم وأورده البخاري، و٤٦ حديثاً تسرف في الترغيب والترهيب، مما يؤدى إلى خلل فى التقدير، كما أن هناك ٣٩ حديثاً تفرض دونية على المرأة.
وأخيرًا فهناك ٨٩ حديثاً في متن كل منها مشكلة، لا يتسع المجال بالطبع للإشارة إلى كل منها، ولكن نمثل لها بحديث يدّعى استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس باعتباره عم الرسول، ومثل هذا أمر لا يقبل فما كان عمر يقر استسقاء إلا من الرسول، فضلاً عن أن العباس لم يُعرف عنه سابقة في الإيمان، ناهيك أنه كان تاجرًا ومرابيًا، فإذا كان عم الرسول، فإن أبا لهب عم الرسول أيضًا.
وتبلغ الأحاديث التي رأى الكتاب أنها «لا تلزم» ٦٣٥ حديثاً، وثلث هذه الأحاديث مكرر، وقد يصل تكرار الحديث الواحد خمس أو سبع أو ثماني مرات، ولو احتسبنا التكرار فيها لبلغت ألفاً.
إن هذا الكتاب هو أول خطوة منظمة وممنهجة لضبط السُـنة بضوابط القرآن، وهو الذى يمكننا من التخلص من الأحاديث الموضوعة التى كانت من أكبر أسباب تخلف المسلمين، وبالطبع فإن هذا لا يُعد مساسًا بالسُـنة الحقيقية ـ لأنه لا يمكن أن يكون فى السُـنة حديث يخالف القرآن، وإذا وجد فيجب استبعاده بلا تردد، والتصرف غير ذلك يعنى الإيمان بشرع يخالف القرآن.
وأعتقد أننا وقد «اقتحمنا العقبة» فإننا فتحنا السبيل لمراجعة كتب السُـنة الأخرى، وكل حديث تحفظنا عليه في البخاري سيستتبع التحفظ على عشرة أحاديث فى المراجع الأخرى التى هى دون الصحيحين، وهذه فيما نرى خطوة منهجية حاسمة للتخلص مما كان يقف فى طريق النهضة بالإسلام في العصر الحديث.
للمزيد حول جمال البنا.."المستنير" تاريخ من إثارة الجدل.. اضغط هنا