الجهاد والموت.. ثورة عدمية في ثوب سلفي
السبت 24/نوفمبر/2018 - 03:05 م
طباعة
حسام الحداد
الكتاب: الجهاد والموت
المؤلف: أوليفييه روا
المترجم: صالح الأشمر
الناشر: دار الساقي
قالت دار النشر في بيانها حول الكتاب، أن الإرهاب لا يتأتى من التطرف الإسلامي بل من أسلمة التطرف، وقد تحول من الجهاد العالمي إلى الافتتان بالموت.
ويحلل المؤلف في كتاب "الجهاد والموت" الأسباب والدوافع التي تحمل قسما من "أبناء البلد"، معظمهم من الجيل الثاني للمهاجرين ومن المتحولين إلى الإسلام، في فرنسا والغرب عموماً، على الانضمام إلى "داعش".
ما يجمع بين هؤلاء هو البحث عن قضية، والتمرد على المجتمع والأهل، ورفض النظام. وليس للإرهابيين قاعدة شعبية بل هم هامشيون في الأحياء والضواحي حيث يعيشون منفصلين عن المجتمع.
ويعرض الكتاب مسارات معظم الذين نفذوا عمليات إرهابية في فرنسا وأوروبا، متوقفاً عند الأساليب الماهرة التي يستخدمها "داعش" في استمالتهم. ويخلص إلى أن "داعش" سوف ينتهى لأنه لم يجد الأمة العالمية التي يتوهّم وجودها.
أوليفييه روا كاتب وباحث فرنسي متخصّص في الشئون الإسلامية. صدر له عن دار الساقي: "الإسلام والعلمانية"، "الجهل المقدّس"، "تجربة الإسلام السياسي"، "عولمة الإسلام".
يقوم روا في هذا الكتاب بتحليل ظاهرة الإرهاب والهجمات الانتحارية ليؤكد أن هذا الخيار الذي تلجأ إليه فئة من الشباب الغربي ليس دينياً ولا سياسياً، بل هو في الأساس ثورة عدمية يلعب فيها الموت، في آن واحد، دور الغاية والوسيلة.
وكما تعودنا من روا في أعماله السابقة أنه يقوم بوضع ظاهرة الإرهاب والهجمات الانتحارية في إطارها التاريخي، مذكرا مثلا بأن أول من استعمل الحزام الناسف ليس أصحاب الفكر الجهادي، بل مقاتلو الحركة الانفصالية في سريلانكا «نمور التاميل» منذ الثمانينيات. أما في صفوف الجماعات الإسلامية، فيعود اللجوء إلى العمليات الانتحارية إلى سنة 1995 (خالد كلكال نموذجاً وموجة الهجمات في فرنسا التي تبنتها الجماعة الإسلامية المسلحة). وهنا يطرح روا بطريقة غير مباشرة السؤال على كل من يجعل من الإرهاب عنصراً أساسياً في الفكر الإسلامي ــ لا سيما من بين سياسيي اليمين المتطرف: كيف لم يتجلى الإرهاب إلا خلال العقدين الأخيرين رغم ظهور الإسلام منذ 15 قرناً، والحال أنه كما تدعون عنصر أساسي في هذا الدين؟
دراسة هذه الظاهرة في إطارها التاريخي لا تعني بالنسبة إلى الكاتب تبرئة الإسلام من فكرة القتال، وهنا ينأى روا بنفسه عن خطاب آخر، ذلك الذي يقدم الإسلام كدين سلمي ينبذ العنف، وهو خطاب ينادي به حاملو رسالة «إسلام فرنسا» من «أئمة الجمهورية» الذين ينادون بـ«إسلام معتدل» ضد «إسلام راديكالي» ــ وكأن الإسلام حالة مرضية في الأساس لا تمثّل أعراضها خطورة ما دام المريض «معتدلاً»، وكذلك عدد من مسلمي فرنسا الذين تمن عليهم وسائل الإعلام بمنبر. فيذكر روا أن مبدأ القتال موجود في الإسلام، لكن يقننه عدد من النصوص لتجعل منه أساسا حرب مقاومة في حال تعرضت أراضي المسلمين لاجتياح خارجي من غير المسلمين. وهو المنطق نفسه، وفقا له، الذي نادت به حركات المقاومة ضد الاستعمار، فضلا عن أن مقاتلي جبهة التحرير الجزائرية لُقبوا بالـ«مجاهدين». التفاتة تاريخية تذكر بأن لا ضير في أن يحمل فكر ما منطق القتال، ما دام لا يتعدى ذلك منطق «شر لا بد منه».
وهنا يأتي الفكر الجهادي ليخلق قطيعة مع هذه القراءة، ليصبح الجهاد هدفا في حد ذاته، وليس وسيلة لبناء مجتمع جديد، وليختار من أجل ذلك طريقة يعاقب عليها الإسلام نظرياً، وهي الانتحار. اختار أوليفييه روا، تحديدا، أن يتطرق إلى بعد معين لهذه الظاهرة، وهي استقطابها لشباب المجتمعات الأوروبية، إن كانوا من أبناء الهجرة ــ أو ما يعرف بالـ «جيل الثاني» ــ وهم الأغلبية، أو من الذين اعتنقوا الإسلام. هنا أيضا، نجد هنا تعارضا بين تحليل روا للظاهرة الجهادية مع التحليلات التي تنتشر في وسائل الاعلام الفرنسية ومن بينها تحليلات جيل كيبيل على سبيل المثال والذين يربطون هذا المنعرج في حياة الشباب بالبعد الديني السلفي، أي إنهم يجعلون من الإسلام السلفي ــ الذي يشترك بلا شك مع الفكر الداعشي في عدد من رؤاه ــ الدرج الأول الذي يحمل هؤلاء الشباب نحو الإرهاب. والحال أن ثقافة الجهاديين الأوروبيين الدينية لا تعدو أن تكون سطحية، خاصة أنهم لا يقرؤون اللغة العربية، بل إنهم في حياتهم لا يطبقون إلا نادرا الشعائر الدينية. كذلك يفند روا فكرة المحرك السياسي أو التضامن مع القضايا التي تهم المجتمعات الإسلامية؛ فـ«داعش» غائب في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل يحارب حركتي حزب الله وحماس المعاديتين لإسرائيل، كذلك فإن قاتل أورلندو (في الولايات المتحدة) لم يفعل ذلك باسم «طالبان»، رغم كونه من أصل أفغاني، ولا الشقيقان تسارناياف اللذان قاما بعملية التفجير في ماراثون بوسطن هاجما المصالح الروسية، رغم كونهما من أصل شيشاني.
وحسب روا، فان الثورة العدمية التي تضع الموت كهدف ووسيلة حتمية، تشكل قلب المشروع الجهادي. وهنا يبتعد روا عن الفكر الديني ليقوم بتصنيف الفكر الجهادي في سجل حركات تمرد أخرى عرفها القرن العشرين، خاصة منها حركات أقصى اليسار (كجماعة الجيش الأحمر التي ارتكبت عددا من العمليات في ألمانيا السبعينيات) التي تختص بفكر عدمي تختزله عبارة No future أو «لا مستقبل» (التي ترفعها مجموعات البانك الموسيقية شعاراً)، وتختص كذلك بإرادة قوية في القطع مع الجيل السابق والتسابق نحو الموت كطريقة وحيدة للنجاة؛ أي إن روا يفنّد فكرة الراديكالية الإسلامية لفائدة أسلمة الراديكالية.
وفي المقام الأول فان دراسة أوليفييه روا تخص المجتمعات الأوروبية؛ حيث الدوافع التي تلقي بالشباب العربي بين ذراعي «داعش» تختلف ولو نسبيا، وفيها بلا شك بعد أهم من الدوافع السياسية والطائفية والدينية والاقتصادية. لكن السؤال الذي لا يجيب عنه روا في كتابه هو: لم يلجأ هذا الشباب العدمي إلى الإسلام كإيديولوجيا لتحقيق ثورته؟ وهل يكفي بعدها العالمي اليوم لتفسير ذلك؟
وفي الأخير يحرضنا روا بهذا الكتاب إلى اعادة قراءة الفكر السلفي قراءة نقدية، ومعرفة من يروج له ويموله، حتى نؤمن ما تبقى من شبابنا بعيدا عن المنهج القتالي التي تؤسس له السلفية.