الإيكونوميست: الهجوم التركى على عفرين يُعقِّد الأمور/ الإندبندنت: بقاء قوات أمريكية فى سوريا يمكن أن يفجر مزيدًا من الحروب
الثلاثاء 30/يناير/2018 - 01:34 م
طباعة
تقدم بوابة الحركات الإسلامية كل ما هو جديد يومًا بيوم وذلك من خلال تناول الصحف العالمية اليومية، وكل ما يخص الإسلام السياسي فيها اليوم الثلاثاء 30/1/2018
الإيكونوميست: الهجوم التركى على عفرين يُعقِّد الأمور
حلقت اثنتان وسبعون مقاتلة تركية فى سماء غرب سوريا مؤخرًا وأسقطت قنابل على إقليم "عفرين" الكردى فى حين تجمع الآلاف من القوات التركية على الحدود. وانضمت إليهم حافلات مليئة بالمتمردين السوريين، إنهم وكلاء تركيا فى القتال ضد نظام بشار الدموى فى دمشق.
وبذلك فتحت تركيا جبهة جديدة للحرب فى سوريا ولصراعها الدائم مع المتمردين الأكراد، وقد وصل صدى هذا الفعل إلى واشنطن وموسكو واسطنبول.
ويمثل الهجوم تحريضًا لثانى أكبر جيوش حلف "الناتو" ضد الميليشيات الكردية التى يُطلق عليها "وحدات الحماية الشعبية"، التى تعتبرها تركيا فرعًا لخصمها فى الداخل "حزب العمال الكردستانى". وقد ظل "حزب العمال الكردستانى" المنشق يقاتل قوات الأمن التركية بصورة متقطعة لما يزيد عن ثلاثة عقود. بيد أن "وحدات الحماية الشعبية" اشتهرت بدرجة أكبر بقتال "داعش" فى سوريا. وساعد الدعم الذى قدمته الولايات المتحدة من أسلحة وتوجيه ضربات جوية، الأكراد فى صد الجهاديين وفى السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضى فى شمال سوريا مما أثار استياء تركيا. وعندما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم بتشكيل قوة قوامها 30 ألف جندى على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا وتتكون معظم هذه القوة من "وحدات الحماية الشعبية"، تعهد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بالقضاء عليها فى مهدها.
ويبدو أن الهجوم، الذى سُمى، لسببٍ غير مفهوم، بـ "عملية غصن الزيتون" يلقى تأييدًا على نطاقٍ واسعٍ فى تركيا. فقد انخرطت وسائل الإعلام التركية فى موجةٍ حماس وطنى شديد كما كان الحال بعد الانقلاب الفاشل فى عام 2016. ومن بين الأحزاب الأربعة الرئيسية بالبرلمان التركى، لم يرفض سوى حزب واحد موالٍ للأكراد الهجوم. ويجادل أردوغان بأن "وحدات الحماية الشعبية" المتجرئة تخطط لاستخدام الأراضى السورية الواقعة على الحدود مع تركيا لشن هجمات على تركيا مثلما استخدم "حزب العمال الكردستانى" شمال العراق كقاعدة لشن هجمات على تركيا. ويبدو أن معظم الأتراك يتفقون معه فى هذا الرأى.
لدى أردوغان طريقةٌ للتعامل مع من لا يوافقونه الرأى. وعندما بدأ يشتم رائحة احتجاجات محتملة تعهد بـ "قمع أى شخص يعترض سبيل النضال الوطنى"، على حد قوله، وحذر من أن الشرطة "ستطارد" من نزلوا إلى الشوارع. وتم بالفعل اعتقال عشرات الأشخاص من بينهم خمسة صحفيين على الأقل، بسبب رسائل على مواقع التواصل الاجتماعى انتقدوا فيها هجوم الجيش التركى على الأكراد. وقد هاجم بعض الأتراك فى شمال قبرص مكتب إحدى الصحف المحلية التى شبهت "عملية غصن الزيتون" بغزو تركيا لجزيرة قبرص عام 1974- أى أنه عمل غير مشروع.
غير أن أهداف العملية وحدودها غير واضحة. ويقول رئيس هيئة الأركان العامة التركى خلوصى آكار إنه سيدفع العملية للأمام "إلى أن يتم القضاء على كل إرهابى". ويُشبه مسئولون آخرون الهجوم التركى بهجوم آخر شنته تركيا فى عام 2016 انتزعت على أثره مساحة 100 كم من الأراضى السورية الواقعة غرب نهر الفرات كانت تحت سيطرة "تنظيم الدولة". ورغم أن الجهاديين قلما كانوا يشتبكون فى قتالٍ مع أهل هذه المنطقة السورية إلا أن العرب القاطنين بها والأتراك رحبوا بالغزو التركى لتخليصهم من "تنظيم الدولة". (ومازالت القوات التركية والمتمردون السوريون يسيطرون على هذه المنطقة). ويقول بكير بوزداج نائب رئيس الوزراء التركى "نأمل تكرار هذا النموذج فى عفرين".
لكن الأتراك سيواجهون قتالاً أعنف فى عفرين. فهناك حوالى 10 آلاف مقاتل من "وحدات الحماية الشعبية" يتمركزون بالمنطقة. ويبدو أن معظم سكان المنطقة البالغ تعدادها 600 ألف نسمة تقريبًا يكنون العداوة للأتراك وحلفائهم. وقد قامت "وحدات الحماية الشعبية" بإغلاق الطرق خارج المدينة، فى حين أن بشار يُعيد من يريد مغادرة المنطقة إلى مكانه. ويذكر "المرصد السورى لحقوق الإنسان"، وهو مكتب إعلامى معارض لحكومة سوريا ومقره بريطانيا، أن ما لا يقل عن 28 مدنيًا و42 شخصًا من المقاتلين الأكراد و48 شخصًا من المتمردين السوريين لقوا مصرعهم خلال الأيام الخمسة الأول من العملية. وأكد مسئولون فى أنقرة أن ثلاثة جنود أتراك قُتِلوا وزعموا أنهم قتلوا 268 من المقاتلين فى عفرين. ويُقال إن الصواريخ التى أطلقتها "وحدات الحماية الشعبية" قتلت ثلاثة أشخاص بمدينتى "كيليس وريهانلى" التركيتين.
وتشعر الولايات المتحدة بالحيرة – كما ترسل رسائل مختلطة. ويأمل البنتاجون أن يتمكن من الاستمرار فى استغلال الأكراد كحاجز يمنع لجوء السوريين إلى التشدد الإسلامى فى سوريا. وعلى الرغم من ذلك أنكر البيت الأبيض وجود أية خطط لديه لتشكيل قوة كردية جديدة وقلل من أهمية إقامة علاقات أمريكية مع الأكراد. وقد عبر المسئولون الأمريكيون بشكل عام عن عدم رغبتهم فى توجيه انتقادات إلى تركيا لكن الرئيس ترامب عبر خلال مكالمةٍ هاتفيةٍ أجراها مؤخرًا مع الرئيس أردوغان عن قلقه إزاء لجوء تركيا إلى العنف فى عفرين. وهذا ما قاله البيت الأبيض على أقل تقدير.
وفى حين بدأت تركيا تفقد نفوذها فى سوريا نجد أن روسيا شرعت فى ملء هذا الفراغ. فقد أصلحت علاقاتها مع تركيا، بعد أن توترت فى عام 2015 عندما أسقط الأتراك طائرة مقاتلة كانت تحلق فى سماء سوريا. والآن تعطى روسيا الضوء الأخضر للعملية التركية فى عفرين لأنها تريد إثارة التوتر بين أمريكا وحلفائها. وربما تنحاز تركيا فى المقابل إلى الفريق الآخر وهو روسيا. لكن البعض يعتقد أن الروس سينقلبون فى النهاية على تركيا ويعقدون اتفاقًا مع الأكراد يسيطر بشار بمقتضاه على "عفرين".
والأمر الذى يثير هو ما إذا كان الأتراك يخططون للهجوم على معاقل أخرى "لوحدات الحماية الشعبية". فأمريكا لديها 2000 جندى فى سوريا يتمركز معظمهم فى الشمال الشرقى الذى يسيطر عليه الأكراد. وإذا بدأت القوات التركية بضرب مقاتلى "وحدات الحماية الشعبية" فى هذه المناطق، فمن الممكن أن يصبح الجنود الأمريكيون فى مرمى النيران بين الجانبين. وقد تكون النتيجة هى وقوع اشتباك مباشر بين الحلفاء فى "الناتو".
الإندبندنت: بقاء قوات أمريكية فى سوريا يمكن أن يفجر مزيدًا من الحروب
مضى نحو أسبوعين منذ أن أعلن وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون على نحو غير متوقعٍ أن القوات الأمريكية يمكن أن تبقى فى سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة (داعش). وأقل ما يمكن أن توصف به أجندتها أنها أجندة طموحة، فهى تتضمن استقرار البلد والتخلص من بشار الأسد وتحجيم النفوذ الإيرانى ومنع عودة داعش وإنهاء الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات. ولا يبدو أن تيلرسون كان مباليًا أو مهتمًا بأن هذا التحول الجديد سيثير بالتأكيد غضب كثيرٍ من اللاعبين الأقوياء داخل سوريا وحولها كما أنه مناقض تمامًا للتعهدات الأمريكية السابقة التى قالت فيها أنها ستقاتل فى سوريا حتى هزيمة داعش فقط وأنه ليس لديها أهداف أخرى.
والواقع، أن الولايات المتحدة بدأت تسير على عكس سياستها القديمة التى كانت ترمى إلى البقاء بعيدًا عن المستنقع السورى، بل إنها بدأت تورط نفسها بكل سرور فى واحدةٍ من أسوأ الحروب الأهلية فى التاريخ.
وقد ظهرت الدلائل الأولى لهذا التطور الجذرى الجديد مع الإعلان مؤخرًا أن الولايات المتحدة سوف تقوم بتدريب قوة حدودية قوامها 30 ألف فرد، وهذه القوة ستكون فى الغالب قوة كردية رغم أنه لم يتم التصريح بذلك. وقد نددت تركيا بذلك بشدة، ويبدو أن تيلرسون تنصل من ذلك. غير أن كلامه يظهر أن السياسة التدخلية الجديدة للولايات المتحدة فى 17 يناير 2018 كانت بمثابة مادة متفجرة وكانت السبب فى أنه بعد 5 أيام من ذلك عبرت الدبابات التركية الحدود التركية – السورية متجهة إلى منطقة عفرين الكردية.
ويعد هذا الجيب من الأراضى الخصبة كثيفة السكان بمثابة أحد الأجزاء القليلة فى سوريا التى لم تدمرها الحرب. غير أن ذلك يتغير بسرعة مع ضربات قاذفات القنابل والمدفعية التركية لمدينة عفرين والـ350 قرية المحيطة بها. وتتصدى وحدات حماية الشعب الكردى بقوة لهذا الهجوم، لكن إذا لم يكن هناك نوعٌ من الحل الدبلوماسى للأزمة، فسوف ينتهى الحال بعفرين بأن تتحول إلى حطام مثلها مثل الكثير من باقى مناطق سوريا.
وقد أظهر القتال فى الأيام الخمس الأولى منه أن ما تأمل فيه الولايات المتحدة من أن سياستها القائمة على التدخل يمكن أن تساعد على إحلال الاستقرار فى شمال سوريا هو مجرد وهم خطير. فبدلاً من إضعاف الرئيس بشار الأسد وإيران، فسوف تفيدهم وذلك لأنها ستظهر أن الأكراد فى حاجةٍ ماسةٍ لمن يحميهم بخلاف الولايات المتحدة. ويطالب الأكراد الآن بأن يتحرك الجيش السورى إلى عفرين للدفاع عنها فى وجه الأتراك لأنها جزء لا يتجزأ من الأراضى السورية. ويمكن للمواجهة العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة أن تكون فى صالح طهران ودمشق. وسوف يكون الإيرانيون – الذين تتهمهم الولايات المتحدة بأنهم مصدر كل الشرور – سعداء برؤية الولايات المتحدة تعانى من مشكلات فى سوريا دون أن يحركوا ساكنًا.
ومع ذلك، فقد كان من الممكن جدًا التنبؤ بالحرب الكردية – التركية الجديدة التى اندلعت الأسبوع. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تدخلت عسكريًا فى سوريا عام 2014 من أجل الحيلولة دون وقوع مدينة عين العرب (كوبانى) فى أيدى داعش. وكان التدخل الأمريكى فى الحصار ناجحًا وكان ذلك بداية التحالف بين القوات الجوية الأمريكية والقوات البرية التابعة لوحدات حماية الشعب الكردى التى هزمت داعش.
غير أن كان هذا التطور أثار انزعاج تركيا بشدة، فقد شعرت بالتهديد عندما رأت دولة كردية فعلية مسلحة بشكل جيد ومدعومة من أمريكا تمتد على طول حدودها الجنوبية. ولعل الأسوأ من المنظور التركى هو أن هذا الكيان الجديد المعروف لدى الأكراد بروج آفا أو كردستان السورية كان يسيطر عليه الفرع السورى لحزب العمال الكردستانى الذى يقود التمرد الكردى فى تركيا منذ أكثر من 30 سنة.
وقد طمأنت الولايات المتحدة الأتراك بأن التحالف الأمريكى مع وحدات حماية الشعب الكردى هو تحالف عسكرى وتكتيكى محض وأنه موجه ضد داعش. لكن فى حالة بقاء ألفين من القوات الأمريكية فى جزءٍ من سوريا يسيطر عليه الأكراد، فإن ذلك يمكن أن يغير الميزان العسكرى فى المنطقة لأنهم سيكونون مدعومين بالقوة النارية الشديدة للقوات الجوية الأمريكية. وفى الواقع، سوف تضمن الولايات المتحدة الاستقلال الفعلى لدولةٍ كرديةٍ فى شمال وشرق سوريا بالقوة العسكرية. وفى ضوء الاضطهاد والعنف الذى يعانى منه الأكراد فى سوريا وغيرها من الأماكن، فإن لهم الحق تمامًا فى السعى للحصول على درجة من الحكم الذاتى تقترب من حق تقرير المصير الوطنى، لكن لا الحكومة السورية ولا الحكومة التركية ستقبلان بذلك.
وحتى الآن لم يضف الرئيس ترامب تغييرات كثيرة على استراتيجية الرئيس أوباما فى العراق وسوريا التى كانت أكثر قوة مما كانت تبدو عليه، لكنها كانت حذرة أيضًا لأن أوباما كان لديه إحساس حاد بما يمكن أن يحدث من أخطاء فى مثل تلك المغامرات، وكان حريصًا على عدم التورط وتوخى الحذر حتى لا تستغله القوى الإقليمية.
والحقيقة أن سياسة إدارة ترامب فى سوريا والعراق فيما بعد داعش لها أهدافٌ أبعد مدى من ذى قبل، حتى وإن كانت لا تعرف بوضوح كيف يمكنها تنفيذ هذه الأهداف. والحقيقة أن حديث تيلرسون يشتم منه نفس التفكير غير الواقعى الذى سبب للولايات المتحدة الكوارث السابقة فى الشرق الأوسط.
ومن بين السوابق التى لا تُحمَد عقباها ما حدث فى لبنان عام 1983، عندما كان للولايات المتحدة وجودٌ عسكرىٌ محدودٌ فى بيروت باعتبار أن ذلك رمز للقوة الأمريكية. غير أنه تم استهداف ذلك الرمز فى 23 أكتوبر 1983، عندما دخلت شاحنة محملة بالمتفجرات ثكنات قوات مشاة البحرية الأمريكية قرب مطار بيروت وتم تفجيرها مما أسفر عن مصرع 241 من القوات الأمريكية.
كما كان هناك شعور مدمر مماثل ناجم عن الثقة بالنفس والشعور بالاستعلاء، ظهر بوضوح بين الأمريكيين عند احتلال بغداد عام 2003، ففى حين كان القادة العسكريون الأمريكيون يعتقدون أنهم يحاربون فلول النظام القديم، فإنهم كانوا فى الواقع يواجهون انتفاضة جماهيرية كبيرة.
وربما تكون الولايات المتحدة راغبة فى التخلص من الأسد وإضعاف إيران فى المنطقة، غير أن هذا قد تأخر كثيرًا وربما فات أوانه. فالحكومات الموالية لإيران فى العراق وسوريا موجودة فى السلطة وحزب الله هو القوة الأقوى فى لبنان. ولن يتغير ذلك فى وقت قريب، وإذا أراد الأمريكيون إضعاف الأسد عن طريق استمرار الحرب على مستوى منخفض، فإن ذلك سوف يجعله أكثر اعتمادًا على إيران.
ويظهر التوغل التركى الحالى أن أنقرة لن تسمح بقيام دولة كردية جديدة تحت الحماية الأمريكية فى شمال سوريا وسوف تقاتل حتى لا يحدث ذلك. لكن وحدات حماية الشعب الكردى متحفزة بشكل كبير ومسلحة بشكل جيد ولديها خبرة عسكرية وسوف تقاتل بلا هوادة حتى لو تغلبت عليها فى النهاية قوات أكثر تفوقًا أو لأن الحكومتين التركية والسورية سوف تتحدان من أجل تدميرهم.
لقد كان من السيء أن تشعل الولايات المتحدة الموقف بإعلانها أنها ستبقى فى سوريا وتستهدف الأسد وإيران. فالحرب الكردية التركية فى شمال سوريا ستكون واحدةً من أشرس الحروب. والهوس الأمريكى بالتهديد الإيرانى المبالغ فيه سيجعل من الصعب على واشنطن أن تتوسط وتعمل على تهدئة الوضع. كما أن ترامب وإدارته الفوضوية لم يتعاملوا بعد مع أزمة حقيقية فى الشرق الأوسط، وتظهر تطورات الأحداث الأخيرة أنهم لن يكونوا قادرين على التعامل مع مثل هذه الأزمة.
الجارديان: هجوم أنقرة على أكراد سوريا يمكن أن يقلب المنطقة رأسًا على عقب
فى أى بلدٍ يعيش الأكراد، يكون وجودهم محفوفًا بالمخاطر. ففى إيران، يعانى أكراد الغرب من اضطهادٍ كبيرٍ على أيدى الجمهورية الإسلامية، وفى العراق تعرض أكراد الشمال لعملية عسكرية منظمة. كما واجهوا أيضًا مبادرة دبلوماسية تصور أنه حتى فى عالم سياسة الشرق الأوسط المتسم بالانقسام والتشرذم، فإن التطلعات الكردية قد نجحت فى توحيد العراق وإيران وتركيا فى المعارضة المشتركة لهم وذلك عقب الاستفتاء على الاستقلال فى العراق.
بل ولعل اللافت للنظر بشكل كبير هو أن القوى الغربية انحازت أيضًا ضد حلفائها الأكراد العراقيين المهمين جدًا فى الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وكان تفكير الحكومات الغربية منطقيًا، فهم قد فعلوا ذلك انطلاقًا من تمسكهم بسياسة حماية وحدة الأراضى العراقية. غير أنه من منظورٍ كردىٍ، يبدو أنهم - أى الأكراد - وكلاء مفيدون عندما تكون هناك حاجة إليهم وأصدقاء يمكن نسيانهم عندما لا تكون هناك حاجة لهم.
وينطبق هذا النموذج مرة أخرى علي أقصى شمال سوريا فى عفرين، وهى المنطقة التى تسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردى وشريكهم السياسى حزب الاتحاد الديمقراطى. أما تركيا، فإنها تعتبر تلك الجماعات مرادفة لحزب العمال الكردستانى الذى يُصنَّف فى تركيا والبلدان الغربية على أنه منظمة إرهابية. وعلى النقيض من ذلك تدعى تلك الجماعات أنها سورية تمامًا وملتزمة بتحقيق الحكم الذاتى لكردستان السورية فى إطار سوريا الاتحادية المستقبلية. كما أنها ملتزمة أمام حلفائها الغربيين بمحاربة داعش.
والمشكلة مع هذه الادعاءات أن كلها تتضمن حقائق. فبغض النظر عما يدعيه زعماء قوات حماية الشعب الكردى من أنهم ليسوا جزءًا من حزب العمال الكردستانى، فإن الأدلة الحالية يمكن أن تظهر خلاف ذلك. وهذا ليس مفاجئًا. فحزب العمال الكردستانى كان يتمركز فى السابق فى سوريا، وقد تبنت الحكومة السورية لسنوات سياسة تشجيع الأكراد هناك على الانضمام لحزب العمال الكردستانى. وفى يومٍ ما، فإن هؤلاء المقاتلين سوف يعودون إلى الوطن. ومن ثم فإنه فى الوقت الذى لا يعنى فيه أن قوات حماية الشعب الكردى هى حزب العمال الكردستانى، فمن المفهوم لماذا تدعى تركيا أنهما شىء واحد.
ومع ذلك، فإن الجماعات الكردية قد أثبتت أنها مسئولة من الناحية السياسية وتدير إقليمها فى وضعٍ مضطربٍ فيما بعد الحرب الأهلية السورية التى اندلعت فى عام 2011. وعسكريًا، يبدو أن قوات حماية الشعب الكردى قد حققت ما كان يعرف بمعادلة الإسبرطيين فى الشرق الأوسط. فرغم المعدات، ومع توافر النظام والإيمان المحض، خاضت القوات عملية دفاع ناجحة فى نهاية المطاف فى عين العرب (كوبانى)، التى سينظر لها التاريخ على أنها اللحظة التى تحولت الدفة فيها ضد تنظيم "داعش" الذى كان يبدو، حتى ذلك الوقت، أنه من غير الممكن وقفه.
وكما فعلت قوات سوريا الديمقراطية، فقد طردوا داعش من قريةٍ تلو القرية، ليس فقط من شمال شرق سوريا، بل أيضًا عند الحدود مع العراق إلى أقصى الجنوب عند محافظة دير الزور. وعلى صعيد التعاون مع القوات العسكرية الغربية ولاسيما الأمريكية، فقد كسب الأكراد خبرات ومهارات يمكن أن تعزز وضعهم الضعيف بالفعل.
وباختصارٍ ومن منظورٍ غربى، فإن تركيا العضو فى حلف شمال الأطلنطى (ناتو) لديها هدف وهذا ينطبق أيضًا علي حلفاء الأكراد المناهضين لداعش. لكن عفرين ليست بالمعركة التى يمكن أن تتجاهلها الحكومات الغربية بسهولة كما فعلت فى حالة الاستفتاء الكردى فى العراق.
وعلى المستوى التكتيكى المباشر، كان الأكراد، أصحاب المهارة القتالية العالية، يلحقون بالفعل أضرارًا كبيرة بالقوات الموالية لتركيا. فهل ستحقق القوات المسلحة التركية نجاحًا أكبر أو مزيدًا من النجاح؟ هذا غير المحتمل، أو على الأقل لو حققت ذلك، فإنه سيأتى بكلفة فادحة. فلايزال الجيش التركى يتعافى من الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. وإذا تورطت القوات التركية، أو حتى وكلاؤها فى قتالٍ دموىٍ فى عفرين، فإن ذلك سيكون قرار أردوغان الذى يمكن أن يجعله موضع شك وتساؤل من قبل السكان الذى أصبحوا أشد من حيث النزعة القومية ومعاداة الأكراد.
وفضلًا عن ذلك، يمكن أن يستغل أكراد تركيا تزايد التشدد الكردى ويكثفون من تمردهم ضد الحكومة التركية. ويمكن لمثل هذا التصاعد فى النزعة القومية الكردية أن يكون واضحًا فى العراق وإيران. فمع تصاعد التمرد الذى بدأ بالنجاح – أو حتى الفشل النبيل – فى الدفاع عن عفرين، فإن اندلاع ثورة كردية أكبر ضد الدول المضيفة لهم وحلفائهم لن يكون أمرًا بعيد الاحتمال.
ويمكن لهذا الدمينو الكردى المحتمل أن يغدو نقطة تحول وأمرًا غير متوقعٍ، حتى لو دخلت فى ذلك الحدود الحقيقية للدول فى الشرق الأوسط.
كما أن هناك دومينو آخر محتملاً وهو التهديد الناشئ بالفعل من عفرين أو القلق الأكبر بالنسبة للغرب وهو تأثير ذلك على تماسك الناتو.
وبالنسبة لروسيا، مثل التدخل فى سوريا فرصةً لتقويض وحدة الناتو لصالح المصالح الروسية الأبعد فى شرق أوروبا والبلطيق وربما فى مناطق أخرى. فمن خلال مساعدة روسيا للعمليات التركية فى عفرين - وذلك بالسماح لتركيا باستخدام المجال الجوى وإدانة الولايات المتحدة على تصرفاتها الأحادية فى دعم قوات حماية الشعب الكردى – يمكن لموسكو أن تدعى أن لديها على الأقل خطةً واضحةً. ويمكن أن يصل الأمر بعضوين من الناتو – الولايات المتحدة وتركيا أو على الأقل وكلائهما – إلى الانخراط فى صراعٍ دموىٍ طويل.
ومن ثم فإن الأحداث فى عفرين لا تقتصر فقط على مستقبل الأكراد فى شمال سوريا، بل إنها أبعد من ذلك، حيث إنها يمكن أن تحول أو تقلب المنطقة – في تركيا والعراق وإيران بشكل خاص – وتكون لها عواقب وخيمة على الغرب فى الوقت الذى يواجه فيه تحديات روسيا ذات القوة والنفوذ والقدرة المتزايدة.
لقد حان الوقت للغرب أخيرًا أن يواجه سؤالاً صعبًا وهو ما الذي يريد تحقيقه فى الشرق الأوسط، بعيدًا عن البيانات السطحية التى تشجع السلام والاستقرار والديمقراطية؟ من المؤكد أن هذا سؤال صعب، لكنه في حاجةٍ إلى إجابة. ومع عدم وجود إجابة، فإن الأحداث التى تتكشف فى عفرين، وما يمكن أن يتبعها، سوف تستمر فى إثارة عواقب لا تخدم إلا مصالح الآخرين.
الإيكونوميست: دونالد ترامب يمنح حلفاءه الأوروبيين 120 يومًا للحصول على صفقة أفضل مع طهران
فى 12 يناير أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه إذا لم يتم إصلاح "العيوب الكارثية" فى الاتفاق النووى مع إيران فى غضون 120 يومًا، فسوف يسحب أمريكا منه. وجدد التنازل الرئاسى الذى يرفع العقوبات النووية المتعلقة بإيران، لكنه أشار إلى أن هذا كان إرجاء نهائيًا بدلاً من تغيير رأيه.
يقول ترامب إنه يريد اتفاقًا جديدًا لتعديل ميثاق عام 2015 الذى كبح البرنامج النووى الإيرانى، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، مقابل تخفيفٍ محدودٍ للعقوبات. ومن بين مطالب ترامب لإنهاء شروط الاتفاقية التى تسمح، على سبيل المثال، لإيران بعد 15 عامًا بتخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3,67٪ المطلوبة لإعادة إنتاج الطاقة التجارية؛ حظر التجارب الصاروخية الباليستية؛ والدخول غير المقيد لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أى موقع عسكرى، بغض النظر عما إذا كان هناك أى مؤشر على النشاط النووى هناك.
وقد رفض ترامب الآن مرتين إعادة تأكيد أن إيران ملتزمة بالاتفاق (وهو شرط كل 90 يومًا بموجب قانون تم إصداره تحت إدارة أوباما)، على الرغم من كل الأدلة التى تشير إلى ذلك. وبدون رغبة الكونجرس فى التورط، ولم تكن هناك دلائل تذكر على ذلك، فإن التصريح هو بادرة تحدٍ أكثر من كونه تهديدًا خطيرًا لخطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، إذا كان ترامب يعيد فرض العقوبات من جانب واحد، فإن أمريكا، باعتبارها واحدة من الدول الست الموقعة على الاتفاق مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، سيكون انتهاكًا واضحًا لالتزاماتها. وهذا بدوره سيحرر إيران من التزاماتها: حيث يسمح لها بإعادة أنشطتها النووية المحظورة بموجب أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة، إذا ما اختارت ذلك.
وهذا كابوس يتكشف للأوروبيين. فهم لا يزالون ملتزمين التزامًا راسخًا بالاتفاق الذى تم التفاوض عليه بشق الأنفس (وكذلك روسيا والصين)، كما أنهم مقتنعون بأن فوائده تفوق عيوبه إلى حد كبير. وفى اليوم السابق لإعلان ترامب، فى اجتماعٍ عقده فى بروكسل وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وحضره نظيرهم الإيرانى جواد ظريف، أكدوا دعمهم الثابت لخطة العمل الشاملة المشتركة. وأشاروا إلى أنه لا أحد يعارض الصفقة التى أنتجت بديلاً أفضل. إنهم لا ينكرون أن ترامب يعيش فى عالم مثالى، وأن الأشياء التى يصر عليها سيكون من الأفضل وجودها. لكنهم يرفضون رفضًا قاطعًا فكرة أن التوصل إلى صفقةٍ أفضل كان ممكنًا لو كانوا- مع إدارة أوباما- أكثر صرامة على الإيرانيين.
حتى مع وجود نظام عقوبات دولى يخنق الحياة الاقتصادية فى إيران وإمكانية اندلاع حرب، فإن الدبلوماسيين الموجودين هناك يعتقدون أن فريق التفاوض الإيرانى لا يمكن أن يبتعد أكثر من ذلك دون رفضٍ من قبل المتشددين فى الداخل، بما فى ذلك المرشد الأعلى على خامنئى. مع عدم وجود دعم دولى لإعادة فرض العقوبات المتعلقة بالأسلحة النووية، يعتبر الأوروبيون أنه من الخيال أن نفترض أن الإيرانيين الآن سيرضخون لمطالب ترامب التى تتعلق أكثر بوعود الحملة الانتخابية عن العالم الحقيقى للدبلوماسية.
غير أن الرئيس أوضح أنه يتوقع من حلفاء أمريكا الأوروبيين مساعدته فى الحصول على ما يريد. وقال "إذا فشلت دول أخرى فى التصرف خلال هذه الفترة، سوف أنهى صفقتنا مع إيران". فإن كلاً من الفرنسيين والبريطانيين الذين يتوقون إلى إظهار رغبتهم، حريصون أيضًا على مناقشة اتفاقيات تكميلية مع إيران حول تطوير الصواريخ والتدخل الإقليمى. لكنهم يرون أن أى محادثات من هذا القبيل ينبغى أن تكون مفتوحة وغير مرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة، الأمر الذى يحقق بالضبط ما يجب القيام به.
وليس من الواضح كيف سينتهى الأمر. على وجه الخصوص، لا أحد يعرف ما إذا كان فريق ترامب للأمن القومي، الذى يرغب أيضًا فى الحفاظ على الصفقة، يمكنه إقناع الرئيس لقبول بعض الحلول لحفظ ماء الوجه التى تستهدف فرض المزيد من العقوبات على الأفراد المرتبطين ببرنامج الصواريخ ودعم الجماعات الإرهابية، بينما يتعهد الأوروبيون بمحاولة تعديل الاتفاق النووى مع مرور الوقت. أو ما إذا كان ترامب سيكون سعيدًا جدًا لنسف الصفقة، بإلقاء اللوم على الأوروبيين الضعفاء لانحيازهم لإيران. يبدو أن هذا أكثر احتمالاً.
الإيكونوميست: الهيئة التركية التى كانت يومًا تراقب الإسلام السياسى أصبحت تدعمه
تتميز (رئاسة الشئون الدينية) فى تركيا والمعروفة باسم (ديانت) بتصريحاتها الغريبة شديدة اللهجة. فقد أعلنت أن الاحتفال بالعام الجديد وممارسة ألعاب (اليانصيب) وإطعام الكلاب فى البيوت وشراء عملة (البيتكوين)، تتنافى مع مبادئ الإسلام؛ ولا ينبغى للرجال أن يصبغوا شواربهم ولا أن يتأبط الزوجان ذراعيهما. (وإن كان يجوز تطليق الزوجة برسالة نصية). ولكن عندما أعلنت (ديانت)، عبر موقعها الإلكترونى فى مطلع العام الجارى، أنه وفقًا للشريعة الإسلامية يمكن للفتيات اللاتى تبلغ أعمارهن تسع سنوات أن يتزوجن، كان الاحتجاج العنيف الذى أعقب هذا التصريح أشد وطأةً من أى احتجاج حدث مؤخرًا. وطالب بعض النقاد بإغلاق تلك المؤسسة. واحتجت (ديانت) بتصريحها أنها كانت فقط تسجل - لا تصادق على- المبادئ التى أقرها الفقهاء الإسلاميون وأدانت إدانةً علنيةً زواج الأطفال فى إحدى الخطب. (السن القانونية للزواج فى تركيا هى 18 سنة). وأُزيل المنشور الذى أثار الغضب.
وبالنسبة لمنتقدى (ديانت)، فإن تلك الواقعة، التى تعد الأخيرة بين سلسلةٍ من الوقائع المثيرة للجدل، قدمت دليلًا أكبر على مدى التحول الذى طرأ على (رئاسة الشئون الدينية). فخلال العقد الماضى، وخاصةً وسط عمليات التطهير التى تلت محاولة الانقلاب عام 2016، عمد رئيس تركيا (رجب طيب أردوغان) وحزبه ذو الجذور الإسلامية (العدالة والتنمية) إلى إحكام قبضتهما على مؤسسات الدولة، حيث ضيقا الخناق على أى محاولةٍ للانشقاق داخليًا وخارجيًا. ولم تكن (ديانت) مستثناةً من تلك القيود. فقد تم توجيهها لتصبح رقيبًا على الإسلام السياسى، إلا أنها أصبحت أحد منابره الرئيسة.
ومن الناحية الدستورية، تعد تركيا دولة علمانية. ولكن بينما يدل ذلك ضمنيًا فى معظم الأماكن على فصل الدين عن السياسة، فإنه يعنى فى تركيا سيطرة الدولة على الدين. وبوصفها إحدى بنات أفكار الأب المؤسس لتركيا الحديثة (كمال أتاتورك) وأنصاره، فقد شغلت (رئاسة الشئون الدينية) منصب (شيخ الإسلام) بوصفها السلطة الدينية الرئيسة فى الدولة فى الثالث من مارس 1924، وهو اليوم الذى ألغى فيه البرلمان الخلافة العثمانية. وبوصفها مؤسسة بيروقراطية كبرى، تقوم (ديانت) بتوظيف جميع أئمة تركيا وتنظيم دورات فى حفظ القرآن الكريم للأطفال وإصدار تفاسيرها، الخاصة بها وغير المُلزمة، للأعراف الإسلامية، فضلًا عن أنها تحرر الخطب التى تُلقَى فى تسعين ألف مسجد بالدولة.
وخلال معظم تاريخها، تواءمت (ديانت) مع سياسة المؤسسة العلمانية، حيث تبنت التيار الإسلامى المنفتح على الحداثة مع كبح جماح الأصولية. (يعد دعم الشريعة فى تركيا أقل بكثير منه فى معظم بقاع العالم الإسلامى). غير أنه فى ظل حزب (العدالة والتنمية)، يبدو أن (ديانت) باتت أقل التزامًا بالأعراف العلمانية من أى وقت مضى، حيث يقول (مصطفى شاغريجى)، مفتى إسطنبول منذ 2003 حتى 2011: "إن ديانت اليوم تعتنق رؤية عالمية أكثر إسلاميةً وعروبةً." ويُعزى الجانب الأكبر من ذلك إلى تدفق التفاسير المتشددة للإسلام من الخارج ولاسيما علاقات تركيا الصاعدة بالجماعات الإسلامية الخارجية.
وعلى الرغم من بعض الدلائل الأولية التى تنم عن النقيض، فقد انحسر التيار النقدى داخل (ديانت) تحت الضغط المتزايد من جانب المتشددين. ففى عام 2004، أعلنت (ديانت) عن مشروع للتحقق من صحة الأحاديث النبوية وإعادة تفسيرها فى ضوء العصر الحديث. وعقب تذمرات من جانب الجماعات النافذة للإخوان المسلمين والمحافظين من أصحاب السطوة داخل الحزب، استغرقت ثمرة الجهود المضنية التى بذلتها (ديانت)، والتى تمثلت فى دراسةٍ قوامها سبعة مجلدات وأقل طموحًا بكثير مما كان يعتزم معدوها، استغرقت عقدًا كاملًا كى تخرج إلى النور ولم تسفر - فى وقت صدورها- عن ضجةٍ تُذكر. ولدى سؤاله عما إذا كان هناك مشروع مماثل قد يبدأ فى يومنا هذا، يجيب (شاغريجى) قائلًا: "هذا أمر محال." فعلى الرغم من أن (ديانت) صارت أكبر حجمًا (حيث توظف لديها 117 ألف شخص) وأكثر ثراءً (حيث تضاعفت ميزانيتها على الأقل إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه منذ عام 2006) من أى وقت مضى فى تاريخها، إلا أنها أيضًا تخضع خضوعًا أشد صرامةً لسيطرة الحكومة.
وعلى مدى نحو قرنٍ من الزمان، سارت (ديانت) عبر خيط رفيع كى تسهم فى حماية هوية تركيا كدولة إسلامية وعلمانية على حد سواء. وعندما شرعت فى المصادقة على قراءةٍ للإسلام تتعارض مع ما زال يمثل قوانين الدولة التى تعمل على خدمتها، فإنها الآن تبدو وقد جنحت عن المسار المتبع. ولا توشك تركيا على أن تصبح دولة ذات حكم دينى. ولكن الإسلام المتسامح، الذى يتغاضى عن البدع والذى ميزها عن سائر منطقة الشرق الأوسط، يواجه تهديدًا. وعلى الرغم من هدفها الأصلى، فإن (ديانت) لا تمثل عونًا.
دوتشه فيله:تركيا تكثف غاراتها والأكراد يشيعون ضحاياهم في عفرين
كثفت تركيا غاراتها على منطقة عفرين بشمال سوريا فيما تحدثت مصادر طبية عن وقوع ضحايا جدد بين المدنيين. وعلى جبهة أخرى في سوريا، قتل حوالي 40 مدنياً جراء غارات لقوات النظام استهدفت بلدات عدة في محافظة إدلب.
شيعت مدينة عفرين في شمال سوريا الاثنين (29 كانون الثاني/ يناير 2018) 24 شخصاً بينهم ثمانية مدنيين قتلوا جراء المعارك والغارات التركية على قرى وبلدات عدة في المنطقة الحدودية، التي تشكل هدفاً لهجوم تشنه أنقرة مع فصائل سورية معارضة.
وأمام مستشفى أفرين الرئيسي في مدينة عفرين، التي ما تزال بمنأى عن المعارك والغارات، شارك مئات من الأهالي في تشييع ثمانية مدنيين قتلوا جراء الغارات التركية على قرى حدودية بالإضافة إلى 16 مقاتلاً ومقاتلة من الوحدات الكردية قضوا خلال المعارك ضد القوات التركية والفصائل السورية المعارضة في اليومين الأخيرين.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن مصدر طبي قوله بأن 25 شخصا من عائلة واحد، بينهم أطفال، لقوا حتفهم جراء غارات جوية تركية على منطقة عفرين. وأكد المصدر للوكالة الألمانية أن أكبر مستشفى في عفرين استقبل 25 جثة من عائلة واحدة. بيد أنه لم يتم التأكد من صحة الخبر من مصادر مستقلة.
وكثفت تركيا اليوم قصفها على المنطقة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان المحسوب على المعارضة. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد لفرانس برس إن الطائرات التركية "تكثف غاراتها الاثنين مع استمرار القصف المدفعي على منطقتي راجو وجنديرس" عند الأطراف الشمالية والغربية لعفرين.
وتدور وفق المرصد، معارك عنيفة بين القوات التركية والفصائل الموالية لها من جهة والأكراد من جهة أخرى في تلك المناطق. وتمكنت القوات المهاجمة منذ بدء الهجوم الذي أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصميمه على مواصلته، من السيطرة على ثماني قرى حدودية، بحسب المرصد.
وعبرت عدة دول بينها ألمانيا وفرنسا وكذلك الاتحاد الأوروبية عن القلق إزاء التدخل التركي الذي يزيد من تعقيد الوضع في سوريا.
وعلى جبهة أخرى، قتل 38 مدنياً على الأقل خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة جراء غارات لقوات النظام استهدفت بلدات عدة في محافظة إدلب، وفق حصيلة للمرصد. وقتل 21 مدنياً منهم اليوم الاثنين، ضمنهم 14 مدنياً في غارة على سوق لبيع البطاطا في مدينة سراقب، بعد حصيلة سابقة للمرصد أفادت بمقتل 16 مديناً.
دويتشه فيله: الحوثيون يعلنون إطلاق صاروخ باليستي جديد باتجاه مطار الرياض
أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية إطلاق صاروخ باليستي جديد على مطار خالد الدولي في العاصمة الرياض، وتفجير انتحاري يستهدف قوات يمنية خاصة تمّ إعدادها وتدريبها من قبل الإمارات.
أعلنت الحوثيون اليوم الثلاثاء (30 يناير/ كانون الثاني 2018)، إطلاق صاروخ باليستي جديد على مطار الملك خالد الدولي في العاصمة السعودية الرياض. ونقلت وكالة الأنباء "سبأ" الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن مصدر عسكري موالي لهم قوله إن "القوة الصاروخية استهدفت بصاروخ باليستي نوع بركان (اتش تو) مطار الملك خالد الدولي". ولم تصدر قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية إلى غاية اللحظة أي تصريح حول استهداف مطار الملك خالد.
وسبق أن استهدف الحوثيون مطار الملك خالد في الرياض في تشرين ثان /نوفمبر من العام الماضي، ولقى استهداف المطار إدانات دولية واسعة.
وتقود السعودية تحالفا عسكريا ضد مسلحي الحوثيين في اليمن منذ نحو ثلاثة أعوام، استجابة لطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي، لاستعادة شرعية بلاده.
وفي خبر ذي صلة، أفاد مصدر أمني يمني لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) اليوم الثلاثاء، أن 15 جنديا من الجيش الموالي لـ"الحكومة الشرعية" قتلوا وأصيب خمسة آخرين في هجوم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري بمحافظة شبوة.
وحتى الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم. وقوات "النخبة الشبوانية" هي عبارة عن وحدات يمنية خاصة تم تشكيلها وتدريبها مؤخرا بدعم من دولة الإمارات.
نيويورك تايمز: جيش ميانمار يشن حربًا على شعبه
بالنسبة للجيش فى ميانمار، لم تكن حملة الأعمال الوحشية التى شنها الجيش وأدت إلى طرد مئات الآلاف من مسلمى الروهينجا خارج البلاد أمرًا جديدًا. فمند تكوين الجيش قبل 76 عامًا ظلت يداه ملطخة بالدماء، فمنذ ذلك الحين استمرت عملية إراقة الدماء وسفكها.
وجدير بالذكر أن مؤسسى الجيش، المعروفين باسم "ميليشيا الرفاق الثلاثين"، التى أسست الجيش فى عام 1941 مع احتفال جوليش فى بانكوك، قاموا بسحب دماء بعضهم البعض بواسطة حقنة واحدة، وقاموا بخلطها فى آنية فضية وشربها كوسيلة للتعهد بالولاء.
وقد نجح الجيش الذى شكلوه فى قيادة البلاد نحو الاستقلال فى عام 1948. ولكن باستثناء فترة أولية وجيزة من السلام، قضى الجيش العقود السبعة الأخيرة فى محاربة شعبه.
غير أن قوات الجيش المعروفة باسم "تاتماداو"، استولت على السلطة من الحكومة المدنية فى بورما، كما كان يطلق على البلاد فى عام 1962. وقد قتل الجيش الآلاف من المتظاهرين فى عام 1988 للحفاظ على السلطة وقمع انتفاضة شعبية أخرى تحت اسم ثورة الزعفران عام 2007.
وخلال عملية الاقتتال المستمرة ضد الأقليات العرقية، تسببت قوات الجيش "تاتماداو" فى تشريد الملايين من الناس فى الوقت الذى يحصل فيه ضباط الجيش على مليارات الدولارات من أرباح مناجم اليشم وغابات الساج وغيرها من الموارد الطبيعية. وقد كانت الاستراتيجية التى انتهجها الجيش تتمثل فى مكافحة المتمردين العرقيين والاستمرار فى محاربة الجماعات المسلحة وإدارة الصراعات عن طريق وقف إطلاق النار وإثراء الضباط فى الجيش.
وصرح زاشارى أبوزا، وهو أستاذ فى كلية الحرب الوطنية فى واشنطن قائلاً:" ليس هناك أى شعور بالحاجة إلى كسب القلوب والعقول". واستأنف قائلاً: "إن عقيدة جيش تاتماداو تقوم على إخضاع الشعب تمامًا من خلال إثارة الخوف والذعر بين المواطنين. ولتحقيق هذه الغاية، لم يكن أمام الجيش الكثير للقيام به".
وعلى الرغم أن الجيش يقوم بدوره فى حماية الشعب فى ميانمار، إلا أن له تاريخًا طويلاً فى قتل المدنيين وتعذيب المعتقلين وإعدامهم، وارتكاب جرائم الاغتصاب، وتجنيد الجنود الأطفال، وإقناع المدانين والمدنيين بالسير فى مقدمة قواته فى المناطق التى توجد بها ألغام أرضية.
وبعد عقود من إدارته لدولة معزولة ومنبوذة، بدأ الجيش فى تخفيف قبضته على السلطة فى عام 2010، بما يسمح بإجراء انتخابات ومنح القادة المدنيين السلطة تدريجيًا على الخدمات العامة، والشئون الخارجية والسياسة الاقتصادية. كما بدأ الجيش يسمح للجمهور بالدخول إلى شبكة الإنترنت وشراء الهواتف المحمولة.
وقد أعطت هذه التحركات، التى تهدف إلى إحياء الاقتصاد المتعثر، ميانمار مظهرًا خادعًا من الديمقراطية ودفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
ولكن بموجب الدستور الذى فرضه الجيش عام 2008، فإن جيش ميانمار" تاتماداو" لا يخضع للسلطة المدنية ويحتفظ بالسيطرة على العديد من المؤسسات الرئيسية، بما فى ذلك الشرطة وحرس الحدود، كما أنه يعين ربع أعضاء البرلمان. ومازالت الأعمال الوحشية ضد الأقليات مستمرة.
وصرح ديفيد ماتيسون، وهو محلل مستقل فى يانغون وهى أكبر مدينة فى ميانمار: "إن جيش تاتماداو ليس سوى مؤسسة همجية وغير مهيكلة كما أنه فاسد فى جوهره.
وقد أدانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عملية طرد مسلمى الروهينجا من ولاية راخين الشمالية فى ميانمار ووصفتها بأنها تطهير عرقى. وطالبت منظمات حقوق الإنسان المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى بالتحقيق مع جيش تاتماداو بسبب الجرائم التى ارتكبها ضد الإنسانية.
وقام الجيش والحكومة بعرقلة إجراء تحقيقات مستقلة ومنعوا مراقبين محايدين من دخول المنطقة. وعلى الرغم أن رئيس أركان جيش تاتماداو، الجنرال "مين أونج هلينج" نفى ارتكاب الجيش أعمالاً وحشية ضد الروهينجا إلا أن هناك دلائل على أن الجيش يشعر على الأقل ببعض الضغوط التى تُمارَس عليه.
وقد اعترف الجنرال "مين أونج هلينج" مؤخرًا بأن أربعة من أفراد قوات الأمن أطلقوا النار على 10 رجال من الروهينجا الذين تم العثور على جثثهم فى مقبرة جماعية.
وهناك مسئولان كانا يشرفان على قوات الأمن فى راخين، وهما الجنرال "مونج ماونج سو" رئيس القيادة الغربية فى جيش تاتماداو، والجنرال "ثورا سان لوين" قائد حرس الحدود هناك، قد تمت إقالتهما من منصبيهما فى الأشهر الأخيرة دون تفسير ذلك.
وقد قامت واشنطن بفرض عقوبات على الجنرال "مونج ماونج سو" فى شهر ديسمبر 2017، وجمدت أية أصول يمتلكها فى الولايات المتحدة. ومن غير الواضح ما إذا كانت العقوبات ستؤثر عليه أم لا، وحتى الآن، فإن "سو" هو المسئول البورمى الوحيد الذى قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليه بسبب طرد الروهينجا.
وجدير بالذكر أن جيش تاتماداو يشعر بالفخر بتاريخه، الذى يمجده متحف ضخم بالقرب من عاصمة ميانمار وهى مدينة "نايبيداو".
وفى أحد المعارض يتم إعادة إقامة حفل اليمين الدموى والذى يُعرَض فيه ما يقال بأنه "وعاء وحقن" استخدمها الرفاق الثلاثون.
وقد كوّنت ميليشيا "الرفاق الثلاثون" "جيش الاستقلال البورمى" ومنحوا قيادة الجيش لزعيمهم "أونج سان" والذى يعتبرونه أبًا لبلادهم (وهو والد الزعيمة الحالية فى ميانمار "داو أونج سان سو تشى").
وقد ذهب قادة "الرفاق الثلاثون" إلى اليابان من أجل الحصول على التدريب العسكرى وحاربوا ضد الاحتلال البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنهم غيروا ولاءهم بعد أن أصبح من الواضح فوز البريطانيين.
وأصبح أونج سان رئيس وزراء المستعمرة البريطانية إلا أنه اغتيل فى عام 1947، عندما كانت "أونج سان سو تشى" قد بلغت من العمرعامين. وحصلت بورما على الاستقلال فى العام التالى (1948).
وبقيادة أحد الرفاق، وهو الجنرال "نى وين"، استولى جيش تاتماداو على السلطة من الحكومة المدنية وأطاح بها فى عام 1962. وبعد اندلاع الاحتجاجات الموالية للديمقراطية فى عام 1988، تمت الإطاحة به على أيدى جنرالات آخرين. وقتلت قوات جيش تاتماداو ما يقرب من ثلاثة آلاف متظاهر ولكنها حافظت على سيطرتها على الحكومة.
وعلى مدى ما يقرب من نصف قرنٍ، تسببت الحكومة العسكرية فى عزل البلاد. فقد اعتقلت المعارضين السياسيين على مدى سنوات، وكانت تغلق الجامعات من حينٍ لآخر علاوة على أنها حرمت المواطنين من الدخول إلى شبكة الإنترنت. غير أن "أونج سان سو تشى" والتى قادت المعارضة وحصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1991، قضت 15 عامًا قيد الإقامة الجبرية.
ولم يكن هناك أية محاولة لتأليه قادة جيش تاتماداو، إلا أن الجيش أصبح المؤسسة الوحيدة الحيوية والقابلة للبقاء فى البلاد، حيث أن لديها المدارس، والمستشفيات، والنظام القضائى الخاص بها فضلاً عن شبكة واسعة من الشركات.
وصرح "يو يى ميو هاين" المدير التنفيذى لمعهد تاجونج للدراسات السياسية، وهو مركز مستقل للسياسة فى يانجون قائلاً: "إن الجيش هو دولة داخل الدولة".
أما شعار أكاديمية تاتماداو هو "نخبة المستقبل المظفرة". وسواء كانت منتصرة أم لا، فقد استولى الجنرالات على بلد كان واحدًا من أغنى الدول فى جنوب شرق آسيا، ثم تحول،على مدى ستة عقود، إلى واحدةٍ من أفقر الدول.
وبحلول عام 2010، لم يكن أمام هؤلاء الجنرالات أى خيار سوى فتح البلاد على العالم الخارجى، والسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية والبدء فى رفع أيديهم عن السيطرة على الإقتصاد. إلا أن الدستور الجديد الذى فرضوه يتضمن العديد من الضمانات والحماية للجيش؛ إذ إن هذا الدستور يمنح جيش تاتماداو الحصانة من الجرائم التى ارتكبها قبل تسليم السلطة للحكومة فى عام 2011. كما يحتفظ الجيش بالسلطة المطلقة للتحقيق بنفسه، وللمحاكم العسكرية اختصاص على الأفراد العسكريين لديها.
وقد صرح "شون باين" المستشار القانونى بلجنة الحقوقيين الدولية فى يانجون بقوله: "إن إفلات العسكريين من العقاب يقوض سيادة القانون بشدة فى ميانمار".
وتهيمن على صفوف جيش تاتماداو جماعة بامار العرقية التى تشكل نحو ثلثى سكان ميانمار وقد أبقت قوات الجيش على قومية بامار كقيمة مركزية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب المستمرة التى يشنها الجيش ضد الأقليات العرقية منحته ميزة تجارية؛ إذ إن المناطق الجبلية فى البلاد والتى تعد موطنًا لمعظم الأشخاص غير البورميين يوجد بها معظم الموارد القيمة بما فى ذلك اليشم والأحجار الكريمة والأخشاب.
وبعد الاستقلال مباشرة، بدأ الجيش يحارب جماعات عرقية أخرى تسعى للحصول على الحكم الذاتى، ودفعها إلى الأطراف الخارجية. وعلى مر السنين، حارب جيش تاتماداو العشرات من جيوش المتمردين، وفى كثير من الأحيان كان يحارب عدة جماعات فى وقت واحد، عبر تحالفات متغيرة باستمرار، وميليشيات يرعاها الجيش ووقف إطلاق النار.
وينتهج الجيش استراتيجية وحشية لمكافحة للتمرد، علاوة على قمع السكان المدنيين لحرمان المتمردين من دعمهم. وكانت الانتهاكات التى ارتكبها الجيش مثل احراق القرى والاغتصاب والقتل الجماعى، والتى كانت من سمات حملة الروهينجا، تعد تكتيكات رئيسية فى معارك أخرى أيضًا.
ومنذ تولى الحكومة شبه المدنية مهامها فى عام 2011، كانت الجماعات المتمردة قد أبلغت عن 10 اشتباكات مسلحة مع جيش تاتماداو فى الشهر. وعلى الرغم من الجهود التى بذلها القادة المدنيون لضمان السلام، تزايد عدد الاشتباكات بشكل كبير فى العام الماضى.
وفى الوقت الراهن، يقاتل جيش تاتماداو أربع جماعات عرقية، وقد اشتد القتال فى الأسابيع الأخيرة فى المناطق التى تسيطر عليها ولايتى كاشين وشان.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 340 ألف شخص قد تم تشريدهم بسبب سنوات النزاع وهم يعيشون فى معسكرات فى ميانمار وتايلاند بالإضافة إلى 737 ألف روهينجا قد فروا إلى بنجلاديش خلال الـ 15 شهرًا الماضية.
فالصراع الدائم يخلق حالةً من الغموض والتى من الممكن أن يتصرف فيها جيش تاتماداو بحرية. ففى بعض المناطق، استولى الجيش على الأراضى التى تمتلك موارد هائلة. وفى مناطق أخرى، تفاوض على وقف إطلاق النار، وقام بإبرام اتفاقات مع الجماعات المحلية.
ومع اتفاقات توقيع اتفاقات وقف إطلاق النار، والتى تختلف عن اتفاقات السلام، يمكن للجيش أن يزعم أن الوجود العسكرى مازال له ما يبرره، وأن يحافظ على سيطرته الحازمة على البلاد.
وقد صدر تقرير عام 2015 أعدته منظمة جلوبال ويتنس، وهى منظمة دولية لمكافحة الفساد مقرها لندن، توصلت فيه إلى أن الجيش ومؤيديه وعصابات المخدرات استولوا على عشرات المليارات من الدولارات من تجارة اليشم فى ولاية كاشين الشمالية التى مزقتها الحرب. وأضاف التقرير أنه من الممكن أن تكون أكبر مصدر للموارد الطبيعية فى التاريخ الحديث".
وتشمل المشروعات الأخرى التى قام بها جيش تاتماداو فى المناطق التى دمرتها الحرب استخراج الياقوت والذهب والنحاس والخشب. وتقول الجماعات العرقية إن الجيش استولى على أراضٍ للأعمال الزراعية والسدود الكهرومائية التى تنتج الكهرباء التى تباع للصين المجاورة.
وتعمل اثنتان من شركات جيش تاتماداو السرية، وهى شركة "ميانمار الاقتصادية القابضة المحدودة" وشركة ميانمار الاقتصادية فى استخراج حجر اليشم وإنتاج الأحجار الكريمة، والصناعات الخشبية والطاقة والخدمات المصرفية.
ويمكن للعسكريين الاستثمار فى الشركتين، ومنحهم حصة فى نجاح العملية التجارية التى يقوم بها جيش تاتماداو. ويتم تنقل الضباط فى جميع أنحاء البلاد، ولا يتم تركهم يستقرون فى منطقة معينة، مع السماح للضباط المفضلين بالاستفادة من الثروة الموجودة فى المناطق الأكثر ازدهارًا، بحسب ما صرح به المحللون.
وقد أدت المواجهات بين الجيش والجماعات العرقية المسلحة تسليحًا جيدًا إلى إنشاء منطقة غير خاضعة للقانون على طول الحدود الصينية التى أصبحت واحدة من أكثر المناطق المنتجة للمخدرات ربحًا فى العالم. وتنتج هناك كميات من الهيروين والتى تقدر قيمتها بمليارات الدولارات كما تنتج الميتامفيتامينات، وهو نوع من المخدرات، وتُهرَّب عبر الطرق والموانئ الخاضعة لسيطرة ميانمار.
وصرح "يو وين هتين" وهو مستشار عمل وقتًا طويلاً لدى زعيمة ميانمار "أونج سان سو تشى" وخدم فى الجيش لمدة 18 عامًا وقضى 20 عامًا فى السجن لمعارضته للحكومة بقوله: "إن الجيش لا يريد السلام".
وأشار إلى أنه فى عام 2013، أصدر رئيس ميانمار آنذاك، "ثين سين"، وهو جنرال سابق أصبح أول رئيس مدنى فى العصر الجديد، توجيهات إلى الجنرال "مين أونج هلينج" لوقف الهجمات العسكرية ضد الجماعات العرقية، ولكن دون جدوى.
وأضاف "هتين": "إن ثين سين" أمر الجيش بالتوقف عن شن الهجمات، لكن الجيش لم يتوقف". وقال: "الجيش مستقل ولا يستطيع أى شخص التأثير عليه. إذ إن قوات الجيش لا تستمع إلى أحد".