هل بمقدور المسلمين الاندماج في المجتمعات الأوروبية؟
السبت 17/نوفمبر/2018 - 02:47 م
طباعة
اسم الكتاب: الإسلام والجمهورية والعالم
تأليف: ألان جريش
ترجمة : جلال بدلة
الناشر : دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 2016
هل الإسلام متوافق مع الديمقراطية؟ هل الحجاب سلاحٌ ضدّ العلمانية؟ هل بمقدور المسلمين الاندماج في المجتمعات الأوروبية؟
هذه الأسئلة وغيرها كان نتيجة أو رد فعل لتلك الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها باريس في نوفمبر 2015، وما بعدها مما أدى إلى تنامي الخطاب الإيديولوجي المعادي للإسلام، وفتحت الأبواب على سجال واسع حول المسلمين في أوروبا، لا سيما بعد أزمة المهاجرين التي تُعد أخطر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث. وفي ظل النقاشات الفرنسية الدائرة اليوم، تبلورت آراء كثيرة حاولت فهم خلفيات ما حدث من دون الدخول في تصورات إسقاطية تعمل على تعميم مفاهيم العداء والتضاد الحضاري.
وقد استحوذ الخوف من الإسلام على قادة البلدان المتطوّرة، وانضمّ إليهم بعض المثقّفين الحريصين على الدفاع عن قيم «العالم المتحضّر».
ويقدم جريش في هذا الكتاب قراءة عقلانية ومحايدة وعمل على تفكيك هاجس التهديد الإسلامي المتربص بفرنسا الذي زادت وتيرته في العام 2015. دحض العديد من المغالطات المرتبطة بأزمة الضواحي، مؤكداً أن إرادة «العيش معاً» تحتم على الجمهورية الفرنسية وضع المهاجرين المتحدرين من العالم العربي في ذروة أولوياتها عبر تكريس المساواة وحشد الطاقات لبناء المواطنة الكاملة.
يقوم ألان جريش في هذا الكتاب بتفكيك هاجس هذا «التهديد» الإسلامي، الداخلي والخارجي معاً، انطلاقاً من رؤية علمانية وعقلانية للمسلمين في تنوّعهم التاريخي والجغرافي.
وان أهم ما يطرحه الكتاب هو استعراض ما يجري اليوم من أحداث على الساحة الفرنسية، الموقف من الاسلام، العنصرية المؤسساتية للإسلام، مشيرا الى أن سياسات التمييز لها تاريخ ممتد الى التاريخ الاستعماري لفرنسا على دول المغرب وجلبها للأيدي العاملة الرخيصة التي أعادت اعمار فرنسا بأسعار بخسة، هؤلاء بقوا في فرنسا وبعد تحولات اقتصادية عميقة عاشتها البلاد تحولت المناطق التي يعيشون بها الى مناطق منكوبة على المستوى الاقتصادي، وسياسات التمييز تجاه هؤلاء تعاطت معهم على أساس أنهم مواطنين درجة ثالثة أو رابعة.
فالكتاب يرصد عملية ما يسمى صناعة لعدو داخلي جديد بكل ما للكلمة من معنى وتخوفا من حرب أهلية، ويقول المؤلف في الصفحة 26 من الكتاب "يتعلق الأمر بمستقبل فرنسا أيضا". فالتقسيم بين "فرنسي الأرومة" وبين "مهاجرين مسلمين" ، والخوف الغير العقلاني الذي تثيره "الطبقات الخطرة" الجديدة، واختراع "عدو داخلي" بهدف توحيد الأمة- هذا كله يحتمل خطر حرب أهلية "عرقية" ونسيان الاختلافات الاجتماعية والتركيز على التمييزات الدينية.
ويعالج الكتاب قضايا رئيسة يمكن ادراجها ضمن الثنائيات الآتية: الإسلام والديموقراطية، الإسلام والغرب، الحجاب وفرنسا، قيم الجمهورية الفرنسية والمسلمين الفرنسيين، العلمانية الفرنسية والرموز الدينية.
ولقد أضفت الحرب العالمية على الإرهاب المزيد من التصدع وتركت تأثيراً في الإسلام في أوروبا، فظهر الخلط المفاهيمي والقيمي في المجتمعات الأوروبية، عبر عن نفسه تحت شعارات: «الإسلام الفاشي»، «النزعة الشمولية الخضراء»، «الطاعون الأخضر»، «الخطر الإسلامي». تبدت هذه الشعارات في حقبة ما بعد الحرب الباردة التي برهنت عن هشاشة التقابل بين التهديد الإسلامي والتهديد الشيوعي، علماً أنها اكتسبت زخمها الإيديولوجي من الاطروحات الاستشراقية التي تُعد جزءاً من ثقافة السيطرة الغربية على الشرق التي فككها إدوارد سعيد في ثلاثيته: «الاستشراق: «المعرفة، السلطة، الإنشاء»، «الثقافة والإمبريالية»، «تغطية الإسلام».
يحلِّل جريش ظهور التصنيفات الإثنية في الفضاء العام الفرنسي الذي خرج إلى العلن في السبعينات. ويلاحظ أن مسلمي فرنسا يواجهون تحدياً مزدوجاً: ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، كما يفعل أتباع الديانات الأخرى؛ والتغلب على الصعوبات الاجتماعية المرتبطة بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بهم بقوة. لعل الملاحظة اللافتة في تحليله قوله: «أصبح الانتماء إلى الإسلام في فرنسا يقوم على أساس فردي»، ويدعم فرضيته استنادًا إلى بعض الدراسات العلمية التي وضعها باحثون فرنسيون بينهم جوسلين سيزار (المسلمون والجمهوريون: الشباب الإسلام وفرنسا) .
ويتناول جريش قضيتين أساسيتين: الضواحي، والاندماج. يرى أن الجيل الثاني من المسلمين الفرنسيين تتوقف قدرتهم على الانصهار في قيم الجمهورية الفرنسية على العرض الذي يقدمه المجتمع في مجالات التنمية الاجتماعية وتحسين شروط العيش والاعتراف بالحقوق. وينتقد العجز الذي أصاب اليسار الفرنسي في استجابته إلى تطلعات الشبان المهاجرين، بعدما تحول الحزب الاشتراكي إلى حزب للفئات الاجتماعية المتوسطة، تاركاً الأشخاص المهمشين يصارعون قدرهم، كل هذا – كما يخلص غريش – عزز من الإرباك وهيّأ الشروط لحدوث انقسام بين العمال والموظفين، كما بين الفرنسيين والمهاجرين.
ويتطرق الكاتب إلى تاريخ العلمانية الفرنسية. حيث منح قانون 1905 مكانة خاصة للأديان على رغم عدم اعترافه بأي ديانة؛ أي أن حرية المعتقد تكفلها الجمهورية للجميع. غير أن هذه العلمانية تعرضت لندوب وتجارب مؤلمة لأسباب متداخلة وعلى رأسها قضية الحجاب، ما فتح النقاش حول حياد الدولة تجاه المجال الديني. ففي مقالة رأي لجان دانيال رئيس تحرير الأسبوعية «نوفل أوبسرفاتور»، يدافع عمّا يسميه «تصور علماني للتسامح» «يقوم على تقبل تجليات الأديان كافة، أكانت خاصة أم عامة، بينما تضع العلمانية الله في المنزل، والمواطن في المدرسة. إن المفهوم الفرنسي للعلمانية يدافع وفي شكل خاص عن الفرد في مواجهة الجماعة الأصل، وعن المرأة ضد الأب الظالم». ينتقد جريش الاتجاهات السياسية اليمينية المتطرفة حاملة لواء «التهديد الإسلامي لقيم الجمهورية الفرنسية» مفنداً أربع ركائز: العنف الإرهابي، الضواحي وحالة عدم الأمن، النزوع إلى الجماعاتية في مواجهة العلمانية، والديموغرافيا. يشرح التحول الذي عرفته الصحافة الفرنسية، فبعدما كانت تهتم في السبعينات بالشروط الحياتية للمهاجرين ولا تخفي تعاطفها «مع هذه البروليتارية المنفصلة عن جذورها»، تبدلت الرؤية تدريجياً حيث بدأت عملية ردّ المشكلات الاجتماعية إلى المجال الإثني.
وقد شكل موضوع الحجاب جزءاً من السجال الدائر في فرنسا بدءاً من العام 1989 خصوصاً مع ازدياد حالات ارتداء الحجاب في المدارس. وقد تطور النقاش الدائر، سلباً وإيجاباً، إلى أن تم اصدار قانون رقم 288-2004 المؤرخ في 15 آذار (مارس) 2004 المتعلق بحظر ارتداء الرموز الدينية بما فيها الحجاب داخل المدارس والمعاهد الحكومية، والقانون رقم 1192-2010 المؤرخ في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 المتعلق بحظر تغطية الوجه (النقاب) في الأماكن العامة.
ثم يدعو جريش إلى بناء «ذاكرة مشتركة» – بعدما استحضر الذاكرة الكولونيالية في الفصل الأخير من الكتاب – فتكون شاملة لتاريخ الثورة الفرنسية وتاريخ الجمهورية الثالثة وتاريخ الهجرة والحركة العمالية والحرب العالمية الثانية والإبادة العرقية لليهود والاستعمار.