التيار الإسلامي وعشوائية الفتوى بعد ثورة 25 يناير
ما
إنِ اندلعت ثورة 25 يناير 2011، إلَّا وانطلقْت معها موجة موازية للفوضى، طالت
أرجاء الحياة بالمجتمع المصري كافة، فما بين السياسة والاقتصاد، وصولًا إلى
الأخلاق، ترامتْ أطرافُ تلك الفوضى.
فِي هذه الأجواء المتفسخة
اجتماعيًّا، ظهرت الفتوى كإحدى الأدوات التي بدأ توظيفُها لأغراضٍ سياسيَّةٍ؛ حيث
تعددتِ اتجاهاتُها بتعدد اتجاهات مصالح ومواقفِ القوى المختلفة في تلك الأثناء،
غير أنَّه من الملاحظ أن استحضار الرمز الديني، وما يثيره من مشاعر جاءَ بغرضِ
تسهيلِ احتواء الحُكَّام للمحكومين تاريخيًّا، بدايةً من «ابن الإله» عند
الفراعنة، وصولًا إلى نظريةِ «الحقِّ الإلهي المقدس»، التي أراد من خلالها ملوك
أوروبا في العصور الوسطى أن يستمدوا شرعيةَ السلطةِ المطلقةِ من خلال الدين؛ حيث
كان اعتبار أي نوع من العصيان والخروج عليهم ذنبًا بحق الله.
لم
يقتصر الأمر عقدِيًّا على دينٍ بعينهِ؛ ففي المسيحية وردَ في رسالة بولس الرسول
إلى أهل رومية قول: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ؛
لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلَّا مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ
مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ
تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً»،
وهو المنهج الذي اعتمد عليه قسطنطين الأول للمسيحية؛ حيث اعتبر الملوك صورة حكمةِ
اللهِ على الأرضِ، وصولًا إلى «مارتن لوثر»، الذي استغل ذلك النص؛ لتحريض السلطات
على قمعِ حربِ الفلاحين الألمانية.
وفي مصر
لم يتوقف توظيف المشاعر الدينية -أيضًا- لخدمة السلطةِ في التاريخ المصري، وهنا
تقفز إلى الأذهان عبارة «أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة»، التي قالها الرئيس الراحل
أنور السادات في خطابه الشهير عام 1981؛ ليحصد بعدها لقب «الرئيس المؤمن»، وكان
ذلك اللقب أحب الألقاب إلى قلبه، إلى درجة أنه أوصى بكتابة تلك العبارة على قبره
بعد الرحيل.
وخلال
سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (أجبر على التنحي في 11 فبراير 2011 كإحدى
نتائج ثورة 25 يناير)، وبجانب احتوائه المؤسسات الدينية، دأب النظام الحاكم على
ترويض الإسلاميين بالسُّبُل كافة؛ فخاض حربًا ضروسًا ضد «الجماعة الإسلامية»، التي
انتهجت العنف كوسيلة ضاغطة لتحقيق أهدافها، مع الحفاظ على تنظيم الإخوان في كِيانٍ
مُوَحَّدٍ بما يسهل احتواؤه، مع سعي دؤوب لترويض واستئناس التيار السلفي، الذي آثر
عدم خوض غمار العمل السياسي، مؤيدًا «مبارك» بشكل مدعوم بحجج أيديولوجية وصلت
لتحريم الخروج على الحاكم، وفي هذا السياق جاءت فتوى القيادي السلفي، محمد عامر،
التي تجيز توريث الحكم لـ«جمال مبارك» نجل الرئيس.
انطلاق
فوضى الفتاوى
اتساقًا
مع استئناس السلطة لقطاع واسع من التيار السلفي، واتجاه رموز السلفيين إلى عدم
جواز الخروج على النظام، بدا ذلك واضحًا، بشكل أكبر في الموقف المعارض الذي اتخذه
نائب رئيس الدعوة السلفية «ياسر برهامي» ضد ثورة 25 يناير 2011 المجيدة؛ حيث قال:
«انطلاقًا من تمسكنا بدينِنا وشعورنِا بالمسؤوليةِ تجاه بلادِنا، وحرصًا على
مصلحتِها، وتقديمًا وتغليبًا لأمنِ العبادِ والبلادِ في هذه الفترةِ العصيبةِ،
وتفويتًا لمقاصدِ الأعداء التي تهدف إلى نشر الفتن، نرى عدمَ المشاركةِ في تظاهرات
الخامس والعشرين من يناير».
وشهدتِ
الأشهر التي أعقبت ثورة 25 يناير، حالةً استثنائيةً من الزخم السياسي بما يصل إلى
ما يُعرف في العلوم السياسية بالاستقطاب الحاد لفئات المجتمع، سادتْ فيها فوضى
الفتاوى الدينية وتوظيفها لأغراض السياسة، فمع التعديلات على 6 مواد دستورية، سادت
حالة من الانقسام بين صفوف المجتمع المصري، كَرَّسَها حضور الرمز الديني، في
المشهد، لاسيما مع خروج قوى «التيار الإسلامي» إلى المشهد، وتسويق تلك التعديلات
في إطار ديني، فَمَنْ يُصوِّتُ ضد تلك التعديلات، هو بالضرورة «علماني» وضد الدين،
وفي خضم هذا الانقسام والاستقطاب باتت الفتوى الدينية أداة فاعلة للحشد في العملية
التصويتية خلال ذلك الاستفتاء.
وهنا
نشير إلى مطالبة مجلس شورى العلماء «السلفي»، الشعب المصري بالتصويت بـ«نعم»، على
الرغم من كونه يرى في تلك التعديلات عوارًا؛ نتيجة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية،
وحجته في المطالبة عدم جواز الخروج على الحاكم ودرء المفاسد، ونجد –أيضًا- القيادي
السلفي، والداعم بقوة لـ«جماعة الإخوان» «محمد عبدالمقصود»، يُعلن -عبر قناة
«الجزيرة» القطرية- موافقته وتصويته بـ«نعم»؛ معللًا موقفه بأن الرافضين لها هم
العلمانيون.
وكانت
أهم تداعيات «استفتاء مارس» (استفتاء على تعديلات في الدستور المصري تم يوم 19
مارس 2011، في أعقاب ثورة يناير 2011)، خروج الإسلاميين بأغلبية 77%؛ حينها أطلقت
أبواقهم على تلك النتيجة «غزوة الصناديق»، في تأكيد منهم لثقلهم في الساحة
السياسية، وهو ما حدث في الاستحقاقات الانتخابية التالية؛ فباتجاه بوصلة المصالح
السياسية تم توظيف الفتوى السياسية في عمليات الحشد والدعاية.
وخلال
الاستفتاء على دستور 2012 الذي تبنَّاه «التيار الإسلامي»، ذهبت الفتاوى للدعوة
إلى تأييد ذلك الدستور، وهنا نشير إلى سلسلة الفتاوى والتصريحات التي تبنَّاها
«وجدي غنيم» (داعية إسلامي مصري)، معروف باتجاهاته المتشددة بضرورة تأييد ما
سمَّاه «دستور الإسلاميين»؛ لأنه -كما يرى- يمنع الليبراليين والكنيسة والمأجورين
من فرض آرائهم على الشعب، حتى ولو كانت هناك عيوب في الدستور؛ لأنه ينصر «الشريعة
الإسلامية»؛ كما أفتى «غنيم» بتكفير العلماني والحداثي والليبرالي، وجعل منهم
مرتدِّين عن الإسلام؛ بل وصل به الحال للمطالبة برفع أمر المعارضين إلى القضاء.
فتاوى
الكراهية
أُجريت
أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر بعد 25 يناير، في عام 2012، في إطار بيئة
تجذَّرت فيها فوضى استخدام الفتاوى الدينية من جانب قوى «التيار الإسلامي»، وذلك
التوظيف المنفلت للفتاوى الدينية كان له دور في تعزيز حالة من الكراهية سادت
المجتمع المصري، خلال تلك الفترة؛ إذ يتم تصوير الأمر على خلاف الحقيقة، بأن
المُستَهدَف هو الدين (رفضًا أو قبولًا)، بينما الأمر في جوهره لم يَعْدُ كونه اختلافًا
على قضايا سياسية في المقام الأول تتصل جميعها بالسلطة، بعيدًا عن الشأن الديني
الذي لم يعرف الاختلاف يومًا ما، في مجتمع تتجذَّر في أعماقه نزعات التدين منذ فجر
التاريخ، كما يشير المؤرخ الإنجليزي «جيمس هنري بريستد» في كتابه «فجر الضمير».
إلا
أنَّه على خلاف ذلك الأمر، أطلَّت الفتاوى الشاذة والمتطرفة لتصب المزيد من
السلبية والكراهية بين المصريين؛ ففي تلك الأجواء خرج «أحمد المحلاوي»، إمام مسجد
«القائد إبراهيم» بمحافظة الإسكندرية الساحلية، بفتوى ذهب فيها إلى أنَّ التصويت
لصالح «محمد مرسي» مرشح «جماعة الإخوان» على مقعد الرئاسة في انتخابات 2012، إنما
هو «واجب شرعي»، كما أن «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» -إحدى مكونات «التيار
الإسلامي»، ويرأسها الداعية «علي أحمد السالوس»- أصدرت فتوى قُبَيل الانتخابات
بساعات أكدت فيها أنه لا يجوز إعطاء الصوت الانتخابي لمن لا ينوي تطبيق الشريعة
الإسلامية.
تبع ذلك
سلسلة من الفتاوى الصادرة عن رموز «جماعة الإخوان» وفي مقدمتهم يوسف القرضاوي رئيس
ما يُسمى بـ«الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، إذ أفتى بأن انتخاب «مرسي» سيرضي
الله عَزَّ وجَلَّ، ومَنْ لا يختاره آثم، وعلى كل مصري يخشى الله (عَزَّ وجَلَّ)
وحريص على إرضاء ربه، أن يختار «مرسي»؛ لأنه سيقيم العدل في الأرض، وهو ما أعقبته
فتوى صادرة عن أحد أعضاء مكتب الإرشاد في «جماعة الإخوان» عبدالرحمن البر،
والمعروف بمفتي الجماعة، قال فيها: إن إسقاط المرشح «أحمد شفيق» (المرشح الرئاسي
المنافس لـ«محمد مرسي» في انتخابات 2012) «واجب شرعي».
مبارزة بالفتاوى
تواصل دور الفتاوى الدينية خلال
الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2012؛ لأغراض سياسية، كأداة فاعلة في إذكاء
الخلاف السياسي، الذي انعكس على المجتمع بدرجة كبيرة؛ الأمر الذي لم يقتصر على
مواجهة «الإسلاميين» للتيار المدني فحسب؛ بل تطرق الانقسام إلى صفوف الإسلاميين
أنفسهم بشأن تقسيم مقاعد البرلمان في إطار القوائم الانتخابية.
فبعد الإعلان عن تكوين جبهة تُسمى
«التحالف الديمقراطي»، وتضم مكونات «التيار الإسلامي كافة»، لم يتفقوا فيما بينهم
على تقسيم حصص المقاعد في إطار القوائم الانتخابية، فانقسموا إلى قائمتين؛ واحدة
تقودها «جماعة الإخوان»، من خلال ذراعها السياسية المتمثلة في حزب «الحرية
والعدالة»، والأخرى بقيادة حزب «النور»، الذراع السياسية للسلفيين، وحزب «البناء
والتنمية» الذراع السياسية لـ«الجماعة الإسلامية».
وضمَّت قائمة «النور» –وقتها- بعض
القوى المحسوبة على تيار اليسار، مثل حزب «الكرامة»، وهو معارض بالضرورة لـ«التيار
الإسلامي»، وفي هذا السياق أطلقت التصريحات والفتاوى الدينية، للدعاية والأغراض
الانتخابية.
وكانت المبارزة بالفتاوى هذه المرة
بين أبناء التيار الإسلامي فيما بينهم، وليس في مواجهة القوى المدنية فحسب؛ فنشرت
شبكة «رصد» الإخبارية الإلكترونية، التابعة لجماعة «الإخوان» على صفحتها بموقع
التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، صورة ضوئية لمنشور قالت: إن أنصار حزب «النور»
يوزعونه أمام اللجان الانتخابية بمحافظة البحيرة، يصف من لا يُصوِّت لصالح مرشحي
«النور» في جولة الإعادة بأنه «فاجر، وآثم قلبه، ويصل لدرجة خيانة الأمانة».
كما
أفتى «برهامي»، في تلك الانتخابات (انتخابات مجلس الشعب «البرلمان»)، بعدم جواز
التصويت في الدوائر الانتخابية التي لا يُوجد فيها مرشحون من حزب «النور»؛ لأنه
يجب عدم اختيار من يحارب الشريعة، وعلى الموقع الإلكتروني «أهل السلف»، وردًّا على
سؤال عن جواز التصويت لحزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان في الدوائر
الانتخابية التي لا يُوجد فيها مرشحون من السلفيين، جاءت الإجابة: «لا نختار من
يحارب الشريعة تحت أي قائمة أو راية أو تحالف أبدًا؛ بل إن لم نجد إلا ذلك أبطلنا
أصواتنا».
وأوضح
نائب رئيس الدعوة السلفية أن القائمة التي يقودها حزب «الحرية والعدالة»، تحت مسمى
«التحالف الديمقراطي» لم تأتِ لنُصرة الدين والشريعة، وإحقاق الحق، ونُصرةِ
المظلوم، مستطردًا: «يلزمكَ أن تختار مَن ينصر الدين ويحافظ على الشريعة، والتحالف
-أي قائمة التحالف الديمقراطي- مع الليبراليين والعلمانيين الذين لا يتبنون قضية
تطبيق شرع الله ليس مِن جنس «حلف الفضول»، الذي كان على نصرة المظلوم، وإحقاق
الحق، ونحو ذلك».
وفي
محافظة «البحيرة» حرَّرَ أسامة سليمان -أمين «الحرية والعدالة» بالمحافظة- محضرًا
رسميًّا ضد أنصار «حزب النور» الذراع السياسية للسلفيين؛ بسبب توزيع منشورات دعاية
انتخابية «تتهم مرشحي «الحرية والعدالة» بالكفر والزندقة ومحاربة الله ورسوله».
وكان
المنشور الذي وزَّعه أنصار «النور» تضمَّن أقوال عددٍ من رموز التيار السلفي، وعلى
رأسهم محمد حسان (داعية إسلامي مصري شهير)، وياسر برهامي، وعبدالمنعم الشحات
(المتحدث الرسمي باسم «الدعوة السلفية بجمهورية مصر العربية» منذ 2011)، وجاء في
ذلك المنشور أنه «من لم يُعطِ صوته لحزب «النور» فهو آثم قلبه، ويصل لدرجة خيانة
الأمانة والفسق والفجور؛ لأنه يتخلى عن الحزب الذي يريد تطبيق شرع الله».
الشقاق
المجتمعي
تلك
الأجواء شهدت المزيد من الفتاوى التي عمَّقت الشقاق المجتمعي، وفي هذا نشير
–أيضًا- إلى فتوى صدرت عن الداعية «نشأت أحمد» بأن دعم «محمد مرسي» ليس اختيارًا
من الناس؛ بل هو اختيار من الله؛ فهو الذي دفع بـ«مرسي» للترشح، وسيدفع الناخبين
–أيضًا- للتصويت له؛ لأنه يحمل مشروعًا إسلاميًّا.
كما
أصدر «منير جمعة»، عضو ما يُسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، فتوى بعدم
جواز التصويت لمرشحي أنصار النظام السابق في انتخابات الرئاسة (أنصار نظام حسني
مبارك المخلوع)؛ حيث قال «جمعة»: إن ترشيح اثنين منهم للرئاسة «جرأة عجيبة؛
فتاريخهما البائس معروف لكل ذي عينين، ولم يُعرف لهما حرص على الحريات العامة، أو
إنكار للمظالم الشائعة، أو مطالبة بحقوق الشعب الضائعة، أو عمل على نصرة الإسلام
والمسلمين؛ بل كانا على خلاف ذلك تمامًا، سندًا للمفسدين وعَضُدًا للمجرمين».
اللعبة
السياسيَّة
لم
ينفصل التيار الصوفي عن المشهد السياسي؛ فعلى الرغم من ميله لعدم المشاركة كقوى
سياسية فاعلة في مصر على مدار العقود الأخيرة؛ فإن دوره انحصر على الدوام في تأييد
السلطة الحاكمة، باستثناء نظام «الإخوان» وأشياعهم من قوى الإسلام السياسي
المختلفة.
بل وصل
الأمر إلى مهاجمة تلك القوى باستخدام تصريحات وفتاوى دينية أيضًا، وهنا نشير إلى
فتوى صادرة عن «محمد علاء الدين ماضي أبوالعزائم»، شيخ «الطرق العزمية الصوفية»
(إحدى الطرق الصوفية)، اعتبر فيها أن «كل صوت يُدلي به مواطن لصالح سلفي يُعد
بمثابة هدم طوبة في بناء مصر».
فتاوى
المصلحة
في
الثلاثين من يونيو 2013، خرج الشعبُ المصري في ثورة عارمة ضد نظام حكم الإخوان،
أسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو من العام نفسه، وهنا انتقل
الإخوان ومن يؤيدونهم من التيار الإسلامي، إلى معسكر المعارضة المتطرفة؛ لتتجه
بُوصلة الفتوى الصادرة عن رموز «الإسلاميين» صوب اتجاه آخر.
وبعد أن
تميزت الفتاوى كافة -خلال الأشهر السابقة على 30 يونيو- بضرورة الحفاظ على السلطة
وتبرير مواقفها -أيًّا كانت- نجد أنها بعد ذلك ذهبت بتطرفٍ نحو معارضة السلطة على
الإطلاق.
وأفتى
يوسف القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، بضرورة مساندة «مرسي»،
باعتباره الرئيس الشرعي، كما يرى «القرضاوي»؛ إذ قال: «حرام على مصر أن تفعل هذا،
ولا يمكن أن يحدث بعد هذا سوى غضب الله»، وفي فتوى أخرى قال: «أدعو المسلمين في
مختلف أنحاء العالم أن يصبحوا شهداء في مصر».
وعلى
هذا، احتشد «الإسلاميون» في ميداني «رابعة» (يسمى حاليًّا ميدان الشهيد هشام
بركات) بمنطقة مدينة نصر (شمال شرق العاصمة القاهرة) و«النهضة» (أمام جامعة
القاهرة العريقة)، وتعالت أصوات التطرف في مواجهة الدولة والمجتمع في مصر؛
احتجاجًا على وصفه بعضهم بـ«انتكاسة» الثلاثين من يونيو التي مُنيَ بها
«الإسلاميون»؛ فاختلطت الانفعالات النفسية والمواقف السياسية لدى المعتصمين، بما
انعكس بدوره على توظيف أكثر للفتاوى الدينية.
وفي خضم
الأزمة النفسية، التي أضحى عليها «الإسلاميون» عقب الثلاثين من يونيو اتسمت
فتاواهم بغلبة الطابع التكفيري؛ ففي فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي،
أفتى «وجدي غنيم» بتكفير وتخوين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
الأزهر
يواجه فوضى التكفير
في مواجهة تلك الفوضى
التي تعاظم نطاقها، بات من المتعين على الأزهر الشريف (أكبر مؤسسة دينية إسلامية
في العالم)، أن يؤدي دوره المنوط به في مواجهة القوى التكفيرية، من خلال ما يتمتع
به من رؤى تتسق مع الطابع الإسلامي الوسطي، الذي يتفاعل مع اعتدال الشخصية المصرية،
وهنا جاءت استراتيجية الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب؛ فأصدر مرصد الإفتاء
التابع للأزهر تقريرًا يؤكد فيه دور الفتوى وتأثيرها على جميع جوانب الحياة، بما
يفرض على الأمة أن تعي وتنتبه إلى خطورتها.
وفي هذا التقرير أوصى
مرصد الإفتاء بضرورة تنفيذ مؤسسات الإفتاء الرسمية مهمة إصلاح مظاهر الانقسام
المجتمعي والخلل الاجتماعي الناتج عن فوضى الفتاوى؛ حيث إن الفتوى تُحدث أثرًا
عميقًا في المجتمع ونظمه وتقاليده، مع ضرورة ألَّا يتأثر منهج الإفتاء بالسياسة
الحزبية فيما يُصدره من فتاوى، وأن يظل على حياده، وعدم التبعية لأي حزب أو شخص أو
رأي، سوى المبادئ الحاكمة للسياسة الشرعية في الإسلام.
وشدَّدَ التقرير على أن دار الإفتاء المصرية –أيضًا- بمرجعيتها
الوسطية ومناخها المعتدل، تعيد التوازن للساحة السياسية في المجتمع المصري؛ ومن
هنا كان دورها فاعلًا في توجيه وتصويب وتوضيح أي رأي صادر من أي جهة تنتصر
لاتجاهها السياسي، وتحاول أن تصبغه بصبغة دينية لتؤثر على الرأي العام.