أحمد عمر هاشم: يقظة صوفية لمواجهة الأفكار التكفيرية
الإثنين 06/أغسطس/2018 - 04:27 م
طباعة
سارة رشاد
داخل شقة دُهنت جدرانها بالأخضر على بُعد دقائق من مسجد الإمام الحسين، بقلب القاهرة، تحلق مشايخ متصوفة حول «مكتب ضخم» ابتلع نصف غرفة ضيقة، موضوع فوقه لوحة تعريفية، كُتب عليها «شيخ مشايخ الطرق الصوفية».
في النصف المتبقي من الغرفة تراص المشايخ فيما يُعرف بالاجتماع الشهري (جلسة إجرائية تُعقد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية أعلى جهة صوفية في مصر)، من بينهم كان شيخًا سبعينيًّا، حضر متسندًا إلى ذراع شابٍّ قال للمنتظرين في الخارج إنه مدير أعماله.
منذ اللحظة التي دخل فيها الشيخ من الباب، وحتى جلوسه على أقرب كرسي متاح، تقافز أمامه الحضور مقبلين رأسه ويده؛ ما يشير إلى مكانته الخاصة بينهم، إنه رئيس اللجنة العلمية للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الدكتور أحمد عمر هاشم.
يُصنّف «هاشم» (77 عامًا)، كأحد أهم رموز الصوفية الحاضرين الآن، كما يُعرف كرجل دين بارز تولى منصب رئيس جامعة الأزهر في الفترة بين (2003:1995م).
ويقوم خلال فترة تقاعده على إعطاء دروس دينية عن التصوف، إضافة إلى دوره في رئاسة اللجنة العلمية بالمجلس الأعلى للصوفية، الذي يقوم فيه بمراجعة المادة العلمية للطرق الصوفية، وتحديد موقعها من الشريعة الإسلامية.
«المرجع» التقى بالعالم الصوفي، الذي أشار إلى حالة جيدة تمرُّ بها الصوفية المصرية، رغم تغلغل الفكر المتطرف لدى قطاع من المصريين، مقرًّا بدورٍ ينتظر التصوف لمواجهة التطرف؛ إذ يرى «التصوف دعوة للتحاب، وعدم التحارب، والأخلاق والإنسانية، وجميعها قيم تُهَذِّب النفس، وتحميها من الانحراف إلى التشدد».
يقظة صوفية
في ظل رؤية محكمة نجح المتشددون في نسجها حول قضايا الجهاد والدولة الإسلامية، حتى إنهم طوّعوا لتدعيمها آيات قرآنية وأحاديث دينية، ماذا سيطلب من الصوفية لتفكيك هذه المنظومة الفكرية؟ يجيب «هاشم»، الذي اتفق مع أن المهمة ليست بسيطة، لكنها حتمية، وفي سبيل ذلك أخذت بعض الطرق الصوفية، بحسب رأيه، بما يُعرف بـ«الصوفية العلمية»، وهي عودة للتصوف كمنهج وفكر، وليس تصوفًا طقوسيًّا فلكلوريًّا فقط.
وكانت الحالة الصوفية في مصر قد أخذت لفترة طويلة الطابع الشكلي من التصوف، من حيث الهيئة والطقوس الدينية؛ ما تسبب في ضعف التصوف في مصر، والسماح بصعود التيارات الدينية المتشددة، خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، تحديدًا.
وضمن محاولات إيقاظ التصوف، يشير رئيس اللجنة العلمية للمجلس الأعلى للصوفية، إلى «دورات أقيمت لمشايخ الطرق؛ لتفقيههم في الدين، وتوفير لهم التصوف في صورة أكاديمية، بعيدًا عن الفهم الشعبي له، الذي أخذه كلٌّ منهم عن والده أو جده».
ووفرت هذه الدورات -بحسب هاشم- آليات تربية الشيخ للمُريدين، وكيفية تسخير علمه للناس كافة، وليس أبناء طريقته فقط، مشيرًا إلى أن «المجلس يبحث إعادة هذه الدورات» للمشايخ صغار السن تحديدًا.
ويتولى إدارة بعض الطرق شباب آلت إليهم الطرق بعد وفاة آبائهم بشكل مفاجئ؛ ما تسبب في نقل الطريقة إلى الابن (تأخذ الصوفية بمنهج التوريث)، وأرجع بعض المهتمين بالتصوف ضعف الطرق الصوفية إلى تولي أبناء الشيوخ الطرق، رغم عدم تثقيفهم في التصوف، وهو ما يحاول المجلس معالجته من خلال الدورات.
مواجهة التكفيريين
ويقول «هاشم»: إن «المنهج الصوفي والمكتبة الصوفية أجدر مرجعين يمكن الاستعانة بهم في تفنيد فكر المتطرفين والرد عليهم»، مشترطًا الأخذ بهما والتطبيق في الحياة العملية.
وفيما يخص آيات الجهاد التي يبرر بها الإرهابيون موقفهم، طالب البعض الصوفية باعتبارها بديل للتطرف، بتقديم قراءة صوفية لمسألة الجهاد وشروطه، وهو ما اتفق معه «هاشم»، قائلًا: إن «هذه الآيات تتضمن شروط الجهاد وأشكاله، وهذه الشروط غير متوفرة الآن؛ ما ينفي الفكرة القائمة عليها الجماعات الدينية المسلحة».
ويعتبر التصوف هو التيار الوحيد الذي لم يخرج منه إرهابي بالفعل، لكنه في الوقت نفسه أخرج حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان عام 1928، (تقول عن نفسها الجماعة الأم للتيارات الدينية الحالمة بالخلافة)... هل كان قصور في الطريقة المنتمي إليها «البنّا»؟ ينفي «هاشم» مستطردًا: إن الطريقة الحصافية (إحدى الطرق الصوفية القديمة في مصر) التي انتمى إليها «البنّا» مطلع القرن الماضي، لم يكن لديها قصور، ولا لدى شيخها الذي قال «البنّا» إنه تعلق به، إلا أن الأزمة كانت في مؤسس الإخوان ذي الشخصية التطلعية التي أوهمته بحكم العالم.
وسرد «البنّا» في مذكراته «الدعوة والداعية» نشأة صوفية خرج منها؛ إذ كان مُريدًا لشيخ الطريقة الحصافية، وكان يتردد إليه، وحين فكر في تكوين جماعة الإخوان عرض الأمر على شيخ الطريقة الذي رفضها، لكن «البنّا» لم يستجب له، فطرده الشيخ من الطريقة.
وتُختصر العلاقة بين المُريد والشيخ لدى الصوفية في الطاعة التامة؛ ما يعني أن اعتراض «البنّا» على رأي شيخه، كان اعتراضًا معروفًا ما سيؤول إليه، وهو الخروج من الطريقة.
في النصف المتبقي من الغرفة تراص المشايخ فيما يُعرف بالاجتماع الشهري (جلسة إجرائية تُعقد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية أعلى جهة صوفية في مصر)، من بينهم كان شيخًا سبعينيًّا، حضر متسندًا إلى ذراع شابٍّ قال للمنتظرين في الخارج إنه مدير أعماله.
منذ اللحظة التي دخل فيها الشيخ من الباب، وحتى جلوسه على أقرب كرسي متاح، تقافز أمامه الحضور مقبلين رأسه ويده؛ ما يشير إلى مكانته الخاصة بينهم، إنه رئيس اللجنة العلمية للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الدكتور أحمد عمر هاشم.
يُصنّف «هاشم» (77 عامًا)، كأحد أهم رموز الصوفية الحاضرين الآن، كما يُعرف كرجل دين بارز تولى منصب رئيس جامعة الأزهر في الفترة بين (2003:1995م).
ويقوم خلال فترة تقاعده على إعطاء دروس دينية عن التصوف، إضافة إلى دوره في رئاسة اللجنة العلمية بالمجلس الأعلى للصوفية، الذي يقوم فيه بمراجعة المادة العلمية للطرق الصوفية، وتحديد موقعها من الشريعة الإسلامية.
«المرجع» التقى بالعالم الصوفي، الذي أشار إلى حالة جيدة تمرُّ بها الصوفية المصرية، رغم تغلغل الفكر المتطرف لدى قطاع من المصريين، مقرًّا بدورٍ ينتظر التصوف لمواجهة التطرف؛ إذ يرى «التصوف دعوة للتحاب، وعدم التحارب، والأخلاق والإنسانية، وجميعها قيم تُهَذِّب النفس، وتحميها من الانحراف إلى التشدد».
يقظة صوفية
في ظل رؤية محكمة نجح المتشددون في نسجها حول قضايا الجهاد والدولة الإسلامية، حتى إنهم طوّعوا لتدعيمها آيات قرآنية وأحاديث دينية، ماذا سيطلب من الصوفية لتفكيك هذه المنظومة الفكرية؟ يجيب «هاشم»، الذي اتفق مع أن المهمة ليست بسيطة، لكنها حتمية، وفي سبيل ذلك أخذت بعض الطرق الصوفية، بحسب رأيه، بما يُعرف بـ«الصوفية العلمية»، وهي عودة للتصوف كمنهج وفكر، وليس تصوفًا طقوسيًّا فلكلوريًّا فقط.
وكانت الحالة الصوفية في مصر قد أخذت لفترة طويلة الطابع الشكلي من التصوف، من حيث الهيئة والطقوس الدينية؛ ما تسبب في ضعف التصوف في مصر، والسماح بصعود التيارات الدينية المتشددة، خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، تحديدًا.
وضمن محاولات إيقاظ التصوف، يشير رئيس اللجنة العلمية للمجلس الأعلى للصوفية، إلى «دورات أقيمت لمشايخ الطرق؛ لتفقيههم في الدين، وتوفير لهم التصوف في صورة أكاديمية، بعيدًا عن الفهم الشعبي له، الذي أخذه كلٌّ منهم عن والده أو جده».
ووفرت هذه الدورات -بحسب هاشم- آليات تربية الشيخ للمُريدين، وكيفية تسخير علمه للناس كافة، وليس أبناء طريقته فقط، مشيرًا إلى أن «المجلس يبحث إعادة هذه الدورات» للمشايخ صغار السن تحديدًا.
ويتولى إدارة بعض الطرق شباب آلت إليهم الطرق بعد وفاة آبائهم بشكل مفاجئ؛ ما تسبب في نقل الطريقة إلى الابن (تأخذ الصوفية بمنهج التوريث)، وأرجع بعض المهتمين بالتصوف ضعف الطرق الصوفية إلى تولي أبناء الشيوخ الطرق، رغم عدم تثقيفهم في التصوف، وهو ما يحاول المجلس معالجته من خلال الدورات.
مواجهة التكفيريين
ويقول «هاشم»: إن «المنهج الصوفي والمكتبة الصوفية أجدر مرجعين يمكن الاستعانة بهم في تفنيد فكر المتطرفين والرد عليهم»، مشترطًا الأخذ بهما والتطبيق في الحياة العملية.
وفيما يخص آيات الجهاد التي يبرر بها الإرهابيون موقفهم، طالب البعض الصوفية باعتبارها بديل للتطرف، بتقديم قراءة صوفية لمسألة الجهاد وشروطه، وهو ما اتفق معه «هاشم»، قائلًا: إن «هذه الآيات تتضمن شروط الجهاد وأشكاله، وهذه الشروط غير متوفرة الآن؛ ما ينفي الفكرة القائمة عليها الجماعات الدينية المسلحة».
ويعتبر التصوف هو التيار الوحيد الذي لم يخرج منه إرهابي بالفعل، لكنه في الوقت نفسه أخرج حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان عام 1928، (تقول عن نفسها الجماعة الأم للتيارات الدينية الحالمة بالخلافة)... هل كان قصور في الطريقة المنتمي إليها «البنّا»؟ ينفي «هاشم» مستطردًا: إن الطريقة الحصافية (إحدى الطرق الصوفية القديمة في مصر) التي انتمى إليها «البنّا» مطلع القرن الماضي، لم يكن لديها قصور، ولا لدى شيخها الذي قال «البنّا» إنه تعلق به، إلا أن الأزمة كانت في مؤسس الإخوان ذي الشخصية التطلعية التي أوهمته بحكم العالم.
وسرد «البنّا» في مذكراته «الدعوة والداعية» نشأة صوفية خرج منها؛ إذ كان مُريدًا لشيخ الطريقة الحصافية، وكان يتردد إليه، وحين فكر في تكوين جماعة الإخوان عرض الأمر على شيخ الطريقة الذي رفضها، لكن «البنّا» لم يستجب له، فطرده الشيخ من الطريقة.
وتُختصر العلاقة بين المُريد والشيخ لدى الصوفية في الطاعة التامة؛ ما يعني أن اعتراض «البنّا» على رأي شيخه، كان اعتراضًا معروفًا ما سيؤول إليه، وهو الخروج من الطريقة.