فتح الله جولن.. من الحليف إلى منافس أردوغان الأقوى
الأربعاء 15/أغسطس/2018 - 07:19 م
طباعة
أحمد سامي عبدالفتاح
يعد فتح الله جولن من أكثر الشخصيات الجدلية في تاريخ تركيا الحديث، فرغم أنه لم يتول أية مناصب حكومية على الإطلاق، فإن وجوده كان فاعلا بشكل كبير على الساحة السياسية التركية. ويرجع ذلك للدور الكبير الذي لعبه «جولن» وأنصاره في وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى سدة الحكم في 2002. لكن العلاقة بين الطرفين لم تسر كما كان مخططا لها.
◄ من التحالف للصدام:
يقول فتح الله جولن: إن سبب التنافر في العلاقة هو اتجاه «العدالة والتنمية» لتحويل البلاد تدريجيًا من حالة الديمقراطية إلى حالة قمعية من الحكم السلطوي، ما دفع حركة «الخدمة» للابتعاد عن حزب «العدالة والتنمية» واتخاذ موقف مناوئ له.
اشتدت الخلافات بين الطرفين عقب قيام جهات قضائية بكشف فضائح فساد مالية لأفراد مقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2013، الأمر الذي دفع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم لاتهام حركة «الخدمة» باختراق القضاء والتأثير على استقلاليته الوظيفية من أجل التأثير على الناخب التركي واقناعه بعدم شفافية الحزب الحاكم وفساد كوادره الحزبية.
وصلت العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود، في يوليو 2016، حينما ادعت تركيا تورط حركة «الخدمة»، التي يتزعمها فتح الله جولن، في المحاولة الانقلابية الفاشلة، الأمر الذي دفع حزب «العدالة والتنمية» إلى إجراء تعديلات دستورية في 2017، هدفت بالأساس إلى إقرار النظام الرئاسي مع منح صلاحيات واسعة لمنصب رئيس الجمهورية. وقد نفت حركة «الخدمة» مرارًا دعاوى الحكومة التركية واتهمتها بفبركة محاولة الانقلاب بهدف خلق مبررات إعلان حالة الطوارئ وشن حملات قمعية ضد الرأي المعارض للنظام الحاكم.
◄ رؤية إصلاحية:
ويتفق فكر «جولن» مع كثير من الجماعات الإسلامية التي ترى أن إصلاح المجتمع يبدأ من أسفل، كما يرى أن تكوين مجتمع مثالي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تنشئة الفرد على القيم والأخلاقيات الدينية، بالتزامن مع تطوير الفرد لقدراته الذهنية، من أجل خلق تركيبة بشرية لديها القدرة على التعامل مع الإشكاليات الحياتية من منظور ديني جديد، فلا تتسم الشخصية الجديدة بالتعصب الديني، الذي يقودها نحو الجمود المضاد للحداثة. وفي الوقت ذاته، لا تتسم الشخصية الجديدة بغياب الأخلاقية التي تؤدي إلى ذوبان الدين في وعاء العولمة العالمية التي لا تتقيد بأية قيود أخلاقية.
مصطفى كمال أتاتورك
مصطفى كمال أتاتورك
◄ طبيعة حركة «الخدمة»:
على عكس التنظيمات الإسلامية كافة التي دوما ما تختار اسمًا إسلاميًّا لهياكلها التنظيمية، في محاولة منها لإضفاء شرعية دينية على أفعالها كافة، بما في ذلك العنيفة منها، أسس فتح الله جولن منظمته تحت اسم «حركة الخدمة»، محاولًا استخدام حاجة المجتمع التركي للمزيد من الخدمات المجتمعية النوعية كوسيلة للتمدد بين طبقاته المختلفة، الأمر الذي دفع السلطات التركية لاتهام «جولن» بإنشاء كيان موازٍ للدولة.
ورغم توجهها الإسلامي، تتلاقي «الخدمة» مع الكماليين (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك) في التسليم بعلمانية الدولة، الأمر الذي يمكنها من اللعب على الأوتار كافة، خاصة إن وضعنا في الاعتبار أن حركة «الخدمة» قد نشأت كتطور إسلامي مُحدث للتوافق مع المبادئ الكمالية العلمانية، مع فارق أن الحركة ترفض سيطرة الدولة المطلقة على الدين في الحياة العامة، وإن كانت أفعالها مؤيدة لعزل الدين عن الحياة السياسية.
وقد لعب هذا الأمر دورًا كبيرًا في تحالفات الحركة السياسية، فرؤيتها الدينية قد دفعتها نحو التحالف مع «العدالة والتنمية» من أجل تقليل سطوة الدولة العلمانية على دور الدين في المجتمع، لكن إصرار «العدالة والتنمية» على اقحام الدين في ْ مناحي الحياة الأوتار كافة -وفق رؤية سلطوية- كان عاملًا في دفع الحركة نحو «الكماليين» مرة أخرى بعد أن أصبح الحزب الحاكم عدوًا مشتركًا لهما.
◄خلافات خارجية بسبب جولن:
لعب فتح الله جولن دورًا كبيرًا في توتير تحالفات تركيا الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة وألمانيا، التي تري تركيا أنهما قد منحا المأوي لعناصر تنظيم جولن من أجل تنفيذ مخططه ضد تركيا- وفق الرؤية الرسمية التركية.
سعت تركيا بشتى الطرق إلى استعادة الرجل المقيم في ولاية بنسلفانيا، منذ عام 1999، إلا أنها لم تنجح في ذلك، حيث أصرت ادارة أوباما وإدارة ترامب من بعده، على أن الأمر يتعلق بالقضاء الأمريكي، وأنه ليس بمقدورهما فعل شيء على الإطلاق. وفي الوقت ذاته، قدمت تركيا كل ما تملك من أدلة على تورط «جولن» في المحاولة الانقلابية، إلا أن القضاء الأمريكي اعتقد أن هذه الأدلة غير كافية لترحيله إلى تركيا.
حاولت تركيا التعامل بندية مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، فاعتقلت القس برانسون (أمريكي الجنسية)، اعتقادًا منها أن ذلك قد يجبر أمريكا على إجراء صفقة تبادلية معها، إلا أن الأمور لم تسر وفق الرؤية التركية المخطط لها، حيث أقدمت واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية على وزيري العدل والداخلية التركيين، في أغسطس 2018، بعدما فشلت كل مساعيها في إطلاق سراح القس المحتجز منذ أكتوبر 2016، علاوة على مضاعفة التعريفة الجمركية على الصادرات التركية من الحديد والألمونيوم، الأمر الذي دفع الليرة التركية إلى التهاوي أمام الدولار.
ويدلل هذا الأمر على أن فتح الله جولن قد أضر بالإنجازات الاقتصادية التي حققها «العدالة والتنمية»، فضلًا عن نجاحه في دفع تركيا بعيدًا عن المحور الغربي، الأمر الذي ربما يعود بالضرر على الدور الإقليمي الذي تسعى تركيا لتمثيله.
وفي النهاية، لا يمكننا أن نغفل أثر التنشئة المجتمعية لـ«جولن» في دفعه لإنتهاج مسار ديني في حياته، حيث ساهم نمط والده المنفتح اجتماعيًّا على رجال الدين في توفيره فرصة الاحتكاك بهم.