«كركر».. مُنظّر «النهضة» التائب
الخميس 30/أغسطس/2018 - 04:43 م
طباعة
دعاء إمام
في 22
أكتوبر 1948، شهدت قرية «بوضر» الواقعة على الساحل التونسي لولاية
«المنستير» ميلاد، صالح كركر، الذي قيل إن حياته مثلت لغزًا، لم يتمكن أحد
من فكِّ غموضه؛ إذ كان تأسيسه لحركة الاتجاه الإسلامي (1981) فيما بعد،
والتي أصبحت حركة النهضة (1989)، سببًا في أحداث كثيرة عاشها على مدار
سنوات عمره الـ64.
سبعة
وثامنهم «كركر».. هم العناصر الذين أدخلوا فكر جماعة الإخوان (1928) إلى
تونس في ثمانينيات القرن الماضي، وسرعان ما واجههم نظام الرئيس الأسبق،
الحبيب بورقيبة، واعتقل أغلب قادتهم، فُحكم على «كركر» بالسجن 10 سنوات، ثم
أطلق سراحه بعفو عن كلِّ المساجين السياسيين عام 1984.
كان
«صالح كركر» أول مسؤول عن المؤسسة التنظيمية بالحركة، وبقي على رأسها طيلة
العقد الأول الأولى الذي تلا التأسيس، وشغل لفترة طويلة نيابة رئاسة
الحركة ورئاسة مجلس الشورى فيها، ثم رئاسة الحركة سنة 1987، وكان من أهم
منظريها.
خلال
السنوات الأربع التي قضاها بالسجن، أَعَدَّ مُنظّر «النهضة»، دراسة تستهدف
تحوير البنية التنظيمية للحركة، وتقنين مهمة رئاسة الحركة؛ للحدِّ من
صلاحيات رئيس الحركة، والحدِّ من عدد الترشحات المتتالية للشخص الواحد في
منصب الرئيس، إضافة إلى ربط تلك الوظيفة برقابة أشد من قبل عموم أعضاء
الحركة.
وقيل
إن الحرب على زعامة فرع الإخوان بتونس، كانت السبب في الخلافات التي دارت
بين «صالح كركر» ورفيقه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الحالي؛ إذ قرر
«الغنوشي» في منتصف التسعينيات التخلص من غريمه، والانفراد بقيادة «النهضة»
دون منافس له.
في
عام 1987، حُكِم عليه بالإعدام غيابيًّا، فخرج من تونس بطريقة غير شرعية،
وظل مطاردًا حتى عام 1988، حين حصل على حق اللجوء السياسي في فرنسا، لكن
أدلة توافرت لدى المحكمة الإدارية في باريس، عام 1994، أثبتت وجود علاقات
بين «كركر» ومنظمات إسلامية تستعمل أساليب عنيفة، ووضع تحت الإقامة
الجبرية.
تقدم
أمام المحكمة العليا للطعن في تنفيذ أمر الإقامة الجبرية، في مايو 1996،
بحجة أنه تتم مراقبته باستمرار من قِبَل الشرطة، ولكن الطلب رُفض في نهاية
المطاف، ثم بدأ إضرابًا عن الطعام في 8 أكتوبر، للاحتجاج عن إلصاق تهم به.
وفي
الرابع والعشرين من أكتوبر 2002 اتخذت حركة النّهضة قرارًا بفصل صالح
كركر، من صفوفها التنظيمية، رغم كونه الأب التنظيمي للحركة وأحد أهمّ
المنظّرين لها ورجل المؤسّسة الأول فيها، ولم يعلم شيئًا عن قرار فصله إلا
بعد فترة طويلة.
وخلال
الأعوام التي قضاها في فرنسا قيد الإقامة الجبرية، أرسل مقالات كانت عبارة
عن أبحاث قدمها لـ«الغنوشي» يطالبه بالفصل بين ما هو ديني وسياسي فصلًا
كاملًا؛ عن طريق تشكيل جمعيات متنوعة مكونة من العلماء والأئمة والوعاظ
والدعاة والمفكرين وغيرهم؛ لخدمة كل ما هو علوم شرعية وفكر إسلامي واجتهاد
وثقافة ومساجد ودعوة، وغير ذلك خارج عن كل نشاط سياسي يشارك في السباق إلى
الحكم.
إضافة
إلى ما تقدم ذكره، رأى «كركر» ضرورة تجنب قيام أحزاب على أساس تطبيق
الشريعة بالشكل الذي هي عليه الآن، على أن تقوم بدلًا من ذلك على أساس
برامج عقلانية تقترب من الإسلام والحماس له، وتبتعد عنه بحسب توجهات
وقناعات أصحابها.
كما
قال إن الأحزاب السياسية القائمة يجب أن تبقى متساوية أمام مسألة الحماس
لخدمة الإسلام وتعاليمه، دون أن يتميز أحدها بالوصاية على ذلك؛ وبناءً على
كل ذلك فالشعب هو وحده الذي يوزع ثقته بين الأحزاب كما يشاء وبما يراه
مناسبًا.
رؤى
«صالح كركر» لم ترقَ للقيادة المباشرة في الحركة التي كان يرأسها
«الغنوشي» وحذره مرات عديدة أن يكف عن ذلك، لاسيما أن الحركة نشرت له اثنين
من تلك المقالات، ثم قطعت الطريق عليها، ولم ترد أن يقرأها المنتمون
لـ«النهضة» فيتراجعون عن فكرهم.
ورفع
عنه قرار النفي والإقامة الجبرية في أكتوبر 2011 بعد أشهر من الثورة
التونسية، ودخل تونس في 19 يونيو 2012، وشارك وقتها في المؤتمر التاسع
لحركة النهضة، وانتخب بعد ذلك في 17 يوليو، عضوًا في مجلس الشورى لحركة
النهضة؛ حيث توفي بعد ثلاثة أشهر من انضمامه للمجلس في أكتوبر 2012.