إشكالية الدولة والإسلام السياسي قبل وبعد ثورات الربيع العربي (1)
السبت 06/أبريل/2019 - 09:41 ص
طباعة
حسام الحداد
الكتاب: إشكالية الدولة والإسلام السياسي قبل وبعد ثورات الربيع العربي
المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ، برلين، ألمانيا، 2018
تعمل هذه الدراسة كما جاء في تمهيد الكتاب على تحليل متغيرات البحث على المستويين النظري والتطبيقي في سياق إقليمي ووطني شديد التعقيد يتداخل فيه الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي، وكذا في إطار تراكم معرفي هائل هيمن عليه في غالب الأحيان الطابع الأيديولوجي على مختلف المواقف والرؤى التي أنتجتها السجالات الفكرية بصدد مسألتي الدولة والإسلام السياسي بالوطن العربي بشكل عام وبالمغرب العربي بشكل خاص.
فجدلية الدولة والإسلام السياسي بالدول المغاربية تبقى حالة من الحالات النموذجية لنمط العلاقة ما بين الثنائيتين وهي تختلف من وقت لأخر وهو ما يسعى هذا الكتاب لمعالجته عبر إشكالية ان السلطة تتحدد في المجال السياسي المغاربي على أنها بنية علاقات القوة داخل المجتمع ككل، وهي تعمل على توسيع علاقات التأثير بين الأفراد والجماعات وجعل الأخرين يخضعون بواسطة أوامر وتطبيق قواعد أو استعمال طرق إغراء.. ومن ثم تشكل المجتمع وفق قاعدة قيمية محددة، حيث عملت السلطة من خلال جهاز الدولة على احتكار هذا الحقل الأيديولوجي بملئه بالرموز التي سعت إلى تسويغها وترويجها حتى تضمن بذلك اندماج وتعبئة الشعب، ولكن مع ذلك شهدت الدول المغاربية ظهور تيارات حزبية دينية في غالب الاحيان مناقضة لتوجهات السلطة ومن هنا تبرز الاسئلة التالية:
• هل الإسلام السياسي خلقته الدول المغاربية لمبررات عابرة لتتخلى عنه في فترات لاحقة؟
• أم أن هناك خلفيات اجتماعية وسياسية واقتصادية استوجبت ضرورة عودة الديني إلى الحياة السياسية؟
• ما هي آليات تعامل دول المغرب العربي مع ظاهرة الإسلام السياسي قبل الربيع العربي وبعده؟
وتأسيسا على تلك الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها يركز الكتاب على المحاور الأتية:
المحور الأول: الدولة والإسلام السياسي مقاربة نظرية مفاهيمية
المحور الثاني: قراءة في تجربة الإسلام السياسي بالدول المغاربية قبل وبعد الربيع العربي
المحور الثالث: الثابت والمتغير في الخطاب السياسي للإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي
المحور الرابع: تأثير السياق الدولي والإقليمي على تراجع حركات الإسلام السياسي بالمغرب العربي
المحور الخامس: محددات وتحديات إدارة مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي.
وفي المحور الأول تناول الدكتور صالح عبد الرزاق الخوالدة الإسلام السياسي المفهوم والأبعاد، حيث هدفت دراسته إلى التعرف على مفهوم الإسلام السياسي والحركات الإسلامية والذي برز خلال السنوات الماضية، والتعرف على عوامل نشأة وصعود هذه الحركات، وموقفها من الديمقراطية والمشاركة السياسية ومدى قدرتها على المشاركة في الحياة السياسية، وقد توصل إلى عدة نتائج منها: أنه على الرغم من تعدد المفاهيم والمصطلحات التي تطلق على الإسلام السياسي، إلا أنها تتفق جميعا على أن الإسلام السياسي يطلق في معناه العام على كافة الحركات والقوى والأحزاب الإسلامية التي تعتقد بأن الإسلام نظام ديني وسياسي، وتشارك في الحياة السياسية، وتتبنى مفاهيم الديمقراطية والمشاركة السياسية، وأن هناك العديد من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وظروف البيئة الداخلية والخارجية ساهمت في نشأة الحركات الإسلامية وبروز دور الإسلام السياسي، وأن حركات الإسلام السياسي لعبت دورا هاما في المشاركة في الحياة السياسية في العديد من الدول العربية والإسلامية، وأنه من أجل ضمان استمرار وجود حركات الإسلام السياسي في المشهد السياسي يجب عليها تطوير خطابها وبرامجها السياسية، وتطوير قدراتها التنظيمية وأدواتها السياسية، ونبذ استخدام العنف أو القوة في العمل السياسي الديمقراطي.
بينما تناول الدكتور عنترة بن مرزوق وعبد المؤمن سي حمدي في بحثهما "الدولة المدنية في أجندة الحركات الإسلامية بين تعقيدات الفكر وتحديات الممارسة" حيث أدت التحولات التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة إلى صعود قوى وحركات الإسلام السياسي إلى السلطة "النهضة في تونس، والإخوان في مصر" وهذا ما أدى إلى توسيع دائرة النقاش حول موضوع الدولة المدنية، نتيجة الخوف من عودة الديني إلى حيز المجال السياسي العربي، وما يمكن أن ينتج عنه من نهاية حلم الدولة المدنية والانتقال من استبداد الدولة إلى كابوس الدولة الدينية.
وتناول الباحثان ملامح الصراع السياسي حول الهوية الدينية والمدنية للدولة في سياق الحراك العربي، وكذلك الإسلام السياسي المعاصر في ظل الحراك الشعبي العربي وتطابق الإسلام مع الدولة المدنية، وقاموا بمناقشة نماذج لجدلية الصراع حول الهوية الدينية والمدنية للدولة في سياق الحراك الشعبي، وأخيرا آليات عمل انتقالية لحسم وإدارة الصراع حول الهوية الدينية والمدنية للدولة عقب الحراك الشعبي.
وتوصل الباحثان إلى أن طريق حسم الصراع حول هوية الدولة مزروع بالأشواك، فبرغم من ان الرهان في مرحة ما بعد الحراك الشعبي كان منصبا على بناء دولة مدنية، دولة قانون ومؤسسات، إلا أن ذلك لم يحدث بالشكل المأمول الذي طالب به الناس منذ بداية الربيع العربي، كما أن الصراع حول هوية الدولة لم يكن حاسما، الأمر الذي يتطلب المزيد من الحوار وتعزيز نقاط التوافق بين مختلف التيارات الإسلامية والحركات السياسية المنافسة لها، وما لا شك فيه أن القول بهذا الرأي أسهل بكثير من العمل به، ولن يتأتى القيام به إلا بعد القيام بثورة فكرية، وإقناع النخب الدينية والمدنية بضرورة تجاوز الأمور الخلافية لصالح الدولة والأمة
وتناولت الباحثة بدرة ثلجة "الإسلام السياسي والسلطة: القيمة النظرية والخلفية الأيديولوجية" حيث قامت بدراسة الجانب التنظيري لمفهومي الإسلام السياسي والسلطة والمفهوم الإجرائي لهما، ومحاولة التعرف على مواقف وأراء بعض التيارات الفكرية حول مسألة الإسلام السياسي والسلطة، وذلك من خلال الكشف عن طبيعة العلاقة الأيديولوجية لهذا الحوار التنظيري والذي بدأت نقطة انطلاقه بعد عقد الثمانينيات حين بدأ الاهتمام بظاهرة الحركات الدينية والمد الديني.
أما نهاية المحور الأول للكتاب كان بعنوان "الدولة الإسلامية وجه العلاقة بين الإسلام والدولة: دراسة في الظاهرة والمفهوم" للباحثتين صبرينة مزياني ونور الهدى لفتاحة، حيث يعد مفهوم الدولة الإسلامية واحد من المفاهيم الأساسية التي شغلت اهتمام الفكر السياسي منذ القدم والتي عادت من جديد لفرض نفسها وبقوة كمحور نقاش وجدل داخل الأوساط السياسية والأكاديمية، خاصة في ظل التغيرات التي عرفها العالم العربي تحت مثمى ثورات الربيع العربي ورغبة الكثير من الجماعات الإسلامية في تونس ومصر على سبيل المثال في بناء مايعرف بالدولة الإسلامية وتجسيدها على أرض الواقع، ما أثار العديد من التساؤلات عن هذه الدولة المراد بنائها وحول طبيهتها هل هي دولة مدنية دينية؟ خاصة وأنها ليست أحد أشكال الدول المتعارف عليها، وانما هي تعبير عن جوهر العلاقة بين الإسلام كدين والدولة كظاهرة اجتماعية، وهنا تكمن صعوبة الدراسة فكيف لنا أن ننظر إلى الدولة الإسلامية بالمنظار المناسب الذي يساعدنا على وصف العلاقة الحقيقية التي تجمع الإسلام بالدولة.