كتاب يناقش.. إصلاح المؤسسات الكنسية وأساليب تطوير مجتمعاتها
الجمعة 19/يوليو/2019 - 02:11 م
طباعة
روبير الفارس
هل تستغل البلدان العربية المؤسسات الكنسية القائمة فيها بصور مثلي ؟ هل تقدم الكنائس بهذه الدول كل ما تملك ان تقدمه من طاقات ومساهمات ؟ ماهو الاطار النظري للدور الكنسي وماهي وسائل التطبيق ؟ حول هذه الاسئلة الساخنة وغيرها الكثير اصدر القس هاني ظريف راعي الكنيسة الانجيلية بالملك الصالح بالقاهرة كتاب مهم للغاية بعنوان " الكنيسة قراءة تحليلة للواقع ورؤية شاملة للاصلاح " والكتاب يعد أول كتاب باللغة العربية يعزز أدلته و تحليله بنماذج استرشادية و ببحث ميداني و توصيفات وظيفية لكثير من الأدوار داخل الكنيسة و كيفية التعامل مع المشاكل في العمل التطوعي بل و يشمل أسئلة في نهاية كل فصل للمجموعات الدراسية. وقال القس هاني في مقدمة كتابه القيم ان الدافع لتاليفه يكمن في استدعاء روح الإصلاح، والذي حاول إعادة قراءة الواقع في ضوء الكلمة المُقّدَّسة، وهو ما ألهمني وشغلني لأقدم للكنيسة في مصر والعالم العربي هذا الكتاب، كمحاولة للإشتباك مع الواقع الفعلي لكنيستنا هذه الأيام، وكذلك محاولة تجديد حاضرنا في ضوء الكلمة المُقّدَّسة بروح الإصلاح. فهذا في رأيي سيؤدي للإنطلاق والعبور بخطى ثابتة ناحية المستقبل.
هذا أيضًا يجعل كُل الكنيسة في حالة الإصلاح المُستمر، فتُصلِح مِن حالها في ضوءِ إيمانهِا الثابت وواقعِها المُتجِّدد، فحين تفعل الكنيسة ذلك تستمر حتى مجيء الرب مرة أخرة، وإن لم تفعل فسوف تعاني الكنيسة بشدة وترتبك في أنشطة بلا مضمون، وفي خدمة غير مُجدية للعصر الذي دُعيت إليه، بل والأخطر مِن ذلك أنها ستواجه شبح الإنقسام والتشرذم. فلدينا خمسة آلاف طائفة مُصلحة حول العالم، وهذا من أحد الأسباب التي دفعتني لإنجاز هذا الكتاب، فبالإضافة إلى إيماني بكل ما سبق لديَّ إيمان كبير بالقُدرات الكامنة والطاقات الهائلة التي منحها الله للكنيسة، والتي يُمكن أن تصنع الفارق لكن شرط أن يتم توظيفها بالشكل الصحيح.
ويضيف هاني قائلا لذلك أكتب عن الإصلاح ولكن في أيامنا وواقعنا، وكيف يمكن أن نساعد الكنيسة عمليًا ليس فقط على إحياء الإصلاح، وإنما أيضًا على مواصلة الإصلاح؟، والذي ينبغي أن يكون متجددًا. فتُصلِح الكنيسة مِن نفسها مِن وقت لآخر، وذلك مِن خلال إلقاء الضوء أكثر على واقعنا الكنسي، وفي نفس الوقت طرح حلولًا عملية وواقعية لتجديد حاضرنا ومُستقبلنا.
تاريخ الاصلاح
احتفلت الكنيسة الانجيلية في 2017 بمرور 500 سنة على الإصلاح الإنجيلي الذي بدأه (مارتن لوثر)، وذلك حينما ذهب إلى كاتدرائية ويتنبرج بألمانيا في ليلة الأربعاء الموافق 31 أكتوبر 1517م، وكان موافقًا لعيد جميع القديسين، وذلك ليُعلِّق اعتراضاته الخمسة والتسعين على بابها. ولم يكن يقصد مارتن لوثر ولا مَن خَلفه مِن المُصلحين أن يتوقفون عِند بعض الأفكار الغير قابلة للنقاش والتعديل مع مرور الوقت، وإلا فإن الإصلاح سيحتاج حينها إلى اصلاح آخر. إنما نادى المصلحون بضرورة أن يُعاد إنتاج الإصلاح مِن وقتٍ لآخر، وذلك وفقُا للتغيرات التي تحدث في المجتمع، فيُعاد تفسير النص الكتابي ليُخاطب كُل عصر بشكلٍ فاعل وحقيقي، وذلك بالطبع دون الإخلال بثوابت الإيمان. فالسياق الذي جاء فيه النص تغير، لكن بكُل تأكيد لم يتغير المبدأ الذي تركه النص، والذي يصلح لكل مكان ولكل زمان. فقط على الكنيسة أن تُدركه وتظهره وتكشفه وتضعه أمام الكل، فتصبح كلمة الله بالفعل وحدها هي المرجعية المطلقة للكنيسة.
ويقول القس هاني في رأيي لا يجب أن نكتفي ككنيسة أو كأفراد بمُجرد تنظيم الإحتفالات عن الإصلاح، أو أن نشارك فقط في حضور هذه الاحتفالات، وإنما أن نُعيد تقييم حالتنا الراهنة في ضوء الحق الكتابي ونور الكلمة، ويكون ذلك بكل أمانة وبكل تواضع وكذلك بكل جدية. هذا إذا أردنا أن يُعاد استلهام روح الإصلاح في عصرنا مرة أخرى، فتتنقى الكنيسة بشكل دائم، وبالتالي تكون سبب بركة لكل عصر ولكل جيل.
وبحسب رأيي أننا إذا أردنا أن نكون بالفعل كنيسة مُصلحة لابد أن نؤمن بفكرة أن نُصلِح مِن واقعنا في ضوء كلمة الله باستمرار، وهو ما آمن به المصلحون الأوائل. فالإصلاح لا يتوقف عند نقطة زمنية أو عصر مُحدد، وهذا ما يؤيده اللفظ والمعنى. فمن ناحية اللفظ فإن كلمة الإصلاح تعني باللغة الإنجليزية Reformation، وهي كلمة تتكون مِن مقطعين المقطع الأول هو (Re) الذي يعني إعادة، والكلمة الثانية (formation ) والتي تعني إصلاح، فيُصبح المعنى كاملًا "إعادة الاصلاح بشكل مستمر". ويقول (الدكتور القس متري الراهب): "إن المصلحون لم يقبلون أن يُصبح الإيمان قطعة أثرية مِن تُراث سحيق مهما غنى، أو أن تصير الكنيسة مؤسسة مُتحجرة بلا تغيير أو تبديل، بل تبقى الكنيسة في حالة مِن الديناميكية، تتفاعل مع كُل زمان ومكان، وتتطور بحسب السياق، ولأن كُل شيء من حولنا يتغير فلابد أن فهمنا كذلك لديننا يتغير". فالخطورة أن يُفهم على أنه جامدًا أو وحيًا غير قابل للتعديل أو التغيير. فإذا كان الإصلاح منَحَ للشعب حق دراسة وتفسير الكتاب المُقّدَّس الموحى به وتطبيق مبادئه الثابتة وفقًا لظروف وقرينة كُل عصر. فبالأولى جدًا أن يُعاد إنتاج الإصلاح مِن وقتٍ لأخر وفقًا لمعطيات وقرينة كُل عصر.
التطبيق
وقد نجح مؤلف هذا الكتاب أن ينتقل مِن النظرية إلى التطبيق، ومِن البُعدين اللاهوتي والكتابي إلى البُعد العملي، كما سبق وأشرت. لذا فقد اقترب مِن واقع الكنيسة في هذه الأيام، بإيجابياته وكذلك سلبياته. ثم ألقي الضوء على بعض الأفكار الخاطئة عن الكنيسة، والتي شكَّلَت فِكر الكثير مِن مسيحي شرقنا الأوسط، والتي تحتاج إلى تصويب، وبعد ذلك تحدث عن الصور الكتابية للكنيسة. ومِن ثم ألقيت الضوء على الواقع الروحي للكنيسة، وكيف يُمكن أن يتغير إلى الأفضل، فتتحرك مِن الواقع الفعلي إلى المأمول والمرتجى؟. وتطرق إلى عدة جوانب تُشكل ملامح الكنيسة الكتابية مثل التعليم، والرعاية، والعِبادة، والكرازة، والمشاركة المجتمعية، والخدمة التطوعية بالكنيسة، وأخيرًا عن الإدارة الرشيدة بالكنيسة. وكتب عن كُل جانب مِن هذه الجوانب في فصلاً مستقلًا نظرًا لأهميته في صياغة ملامح وخدمة الكنيسة، فتعرض لكل قضية مِن زاوية واقعية وكتابية وعملية، فعلى سبيل المثال كتب في قضية التعليم الكتابي، وإلى أي مدى يُساعدنا في إدراك الحق الكتابي والحياة وفقًا له. ثم قدم التنظير الكتابي واللاهوتي لهذا الجانب، وأختتم الحديث عن قضية التعليم بوضع عدة مقترحات وتوصيات أمام الكنيسة لتطوير هذا الجانب بشكل عملي وفعَال،
الكنيسة والمشاركة الفعَّالة في المجتمع
ومن الفصول المهمة بالكتاب فصل يهم كل قاريء مصري وعربي مهما اختلفت عقيدته يعنوان "الكنيسة والمشاركة الفعَّالة في المجتمع " ويقول الكاتب أرى أن الكنيسة تحتاج إلى أن تُعيد تقييم برامجها وأنشطتها الخاصة بهذا الجانب، وذلك في ضوء دعوتها ورسالتها ككنيسة تعيش المسيح وتقدمه لمُجتمعها وزمانِها، وإذا قُمنا بتحليل هذه العلاقة مِن خلال المنهج النقدي الموضوعي سوف تكتشف عدة إيجابيات مُشرِّفَة منها
-استطاعت الكنيسة مِن خلال العديد مِن المؤسسات التنموية وعلى رأسها الهيئة الإنجيلية القبطية التواصل الفعَال في المجتمع، وذلك مِن خلال برامجها المختلفة التي تهدف إلى تنمِّية الانسان ثقافيًا، وماديًا، ومن خلال هذه البرامج ساهمت الهيئة بشكل كبير في خدمة الاف الأسر والشباب.
-ساهمت كذلك الكنيسة بقوة في دعم المجتمع مِن الناحية التعليمية والتربوية والعملية، وذلك عن طريق مدارس السنودس عبر العديد مِن مُحافظات الجمهورية، ولعلَّ الإقبال الشديد عليها كُل عام، وهكذا تفوق خريجات وخريجوا المدرسة في كافة المجالات لهو خير دليل على ذلك.
-انتشار العديد مِن الجمعيات التنموية التابعة لكنائس في مختلفة المحافظات والمدن والقرى، والتي هدفها الأول هو التنمِّية الثقافية، وأيضا تنمِّية الموارد المالية لدى محدودي الدخل، وما يميز هذه الجمعيات هو أن تُقَدِّم خدماتها لكل الناس باختلاف أديانهم وطوائفهم.
-قدمت الكنيسة ولا زالت خدمات طبية مِن خلال مؤسساتها الطبِّية التي تُقَدِّم خدمة للجميع، في عدة أماكن مثل المركز الطبي الإنجيلية بالقاهرة، وكذلك مُستشفى الأمريكان بطنطا، وأيضًا عدة مستوصفات طبية، أذكر منهم: المستوصف الخيري التابع للكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط، والذي اسسه القس باقي صدقة. دار العلاج الإنجيلي التابع للكنيسة الانجيلية بالفجَّالة، والذي أسَّسه القس سليمان صادق. المستوصف التابع للكنيسة الانجيلية بِشُبرا البلد، والذي أسَّسه راعي الكنيسة القس محسن نعيم. وكذلك التابع للكنيسة الانجيلية بشُبرا الشرقية، والذي اسَّسه راعي الكنيسة القس ناجح فوزي، وكان مِن قبل ذلك مستوصف الكنيسة الانجيلية بالسراي الأسكندري، والذي اسَّسه راعي الكنيسة وقتها القس جندي إبراهيم.
-كان للكنيسة ولا يزال دور إنساني وتعليمي تجاه خدمة الأيتام، فتمَّ انشاء دار الرعاية الإنجيلي بحلوان عام 1948م، ولا يزال يُقدِم خدماته حتى الآن بإشراف مجموعة من أبناء الكنيسة الإنجيلية. كذلك بيت اليتيمات التابع للكنيسة الانجيلية بالفجالة، وبيت المسنات التابع للسنودس، والذي أسسته عام 1989م الشيخ ماري فاضل شيخ الكنيسة الإنجيلية بالملك الصالح، والذي تشرف عليه الآن رابطة سيدات الكنيسة الانجيلية. وكذلك تم إنشاء جمعية السامري الصالح بالمقطم، والتي اسَّسها الشيخ مجدي باسالي، وهي تُقَدِّم خدماته للجميع، وله خدمة مُتميزة للأيتام، وكذلك للأطفال، وأيضًا للمُغتربات.
-اهتمَّت الكنيسة كذلك بخدمة مُتحدِّي الإعاقة، فتأسس دار لرعاية المُعاقين ذهنيًا بالكنيسة الإنجيلية بالسراي بمحافظة الاسكندرية تحت رعاية القس جندي إبراهيم، كذلك خدمة مُتحدِّي الإعاقة التي
-تقودها الآن مدام سامية أمين الشاروني، وتحت إشراف رابطة سيدات الكنيسة الانجيلية بمجمع القاهرة.
-اهتَّمت الكنيسة بخدمة اللاجئين وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، والتي كان مِن بين تأثيراتها نزوح ملايين اللاجئين مِن سوريا وحدها إلى أوربا ولبنان والأردن ومصر. وهناك إتجاه بدأ يلوح في الأفق لخدمة هؤلاء المُهجرين، وتقديم المساعدات المُختلفة لهم، أبرز هذه المحاولات هو هيئة (مد إيدك)، والتي أسسها المُهندس فؤاد بولس.
-قيام مجلس الحوار التابع للسنودس والذي أسسه الدكتور القس ثروت قادس بعدة مؤتمرات ثقافية، تناول فيها العديد مِن قضايا الحوار والتعايش المجتمعي على مستوى قادة الفكر بين الأديان والطوائف.
الكثير
ومع كل هذه المشاركة يقول القس هاني لكن أرى أن هناك الكثير الذي يُمكن أن تقدمه للمجتمع ولم تُقدِمه حتى الآن، نعم كما سبق وأشرت إليه مِن خدمات تنموية أو ثقافية أو طبية أمرًا إيجابيًا. لكن إذا رأينا ذلك وفقًا للزَّخم الكتابي والتاريخي واللاهوتي الذي يدعم بقوة المشاركة الإيجابية في المجتمع، وكذلك القُدرات والإمكانيات الممنوحة لها سنراها محاولات قليلة. هذا إذا فكرنا في أن كُل كنيسة يُمكنها الخروج لمجتمعها والتواصل معه بشكلٍ يجعل منها مِلحًا ونُورًا للعالم. فالعدد الذي تحرك للخِدمة مِن مؤسسات أو مِن كنائس لا يتعدى 10% مِن عدد المجالس أو عدد الكنائس الإنجيلية، فلا زلنا على بداية الطريق ونحتاج إلى أن تتحرك كُل كنيسة في كُل محافظة وفي كُل مدينة وكذلك في كُل قرية للتواصل بشكل أكثر فعالية.
- لا شَّك أن ما حدث في مصر خلال السبعة أعوام الماضية ساهم بشكلٍ كبير في تغيير صورة المجتمع عن الكنيسة تلك الصورة السلبية، التي تكونت عبر سنين طويلة نتيجة العزوف عن المشاركة المُجتمعية، والتقوقع داخل الكنائس، لكن أعتقد أن الكنيسة بدأت في تحويل مسارها إلى الطريق الصحيح، خاصة بعد خروج العديد والعديد مِن الشعب الإنجيلي في ثورات الربيع العربي، ولكن لا زلنا في أول المشوار ونحتاج إلى وعي وإرادة أكبر حتى تقوم الكنيسة بدورها بالشكل الأمثل.
إشكـاليــات وقضـايــا
وطرح الكتاب الإشكاليات في ضوء بعض الأسئلة التي نحتاج أن نُجيب عليها بكل أمانة، ولا بد أن أعود وأؤكد أن هذه الإشكاليات لا يُمكن أن تبخس حق المؤسسات أو الهيئات أو الكنائس التي تقوم بدور رائد وغير مسبوق بدرجة عالية مِن الأمانة والكفاءة.
1-هل الكنيسة تقوم بدورها مِن ناحية المجتمع على أكمل وجه؟ أم لازالت تقوم بمحاولات وإن كانت مؤثرة لكنها فردية في أماكن قليلة مقارنة بعدد الكنائس؟
2-هل الكنيسة توازن بين الخدمات الظاهرة والخدمات الخفية؟ أي فئة مِن الناس تُفضِّل الكنيسة خِدمتهم؟ هل تُقَدِّم الكنيسة خدماتها لتلك لفئة التي تنتمي إليها فقط؟ أم تُقَدِّم خدماتها لهؤلاء المحتاجين إلى خدماتها مِمَن يقطنون في منطقتِها؟
3-هل الكنيسة لديها استعداد لأن تقوم بدور السامري الصالح، فتُقَدِّم الخير دون إنتظار لمقابل؟ وكذلك تفعل الخير مع مَن يختلفون معها، على طول الخط؟ كان مارتن لوثر يقول: "سأزرع شجرة تفَّاح اليوم، حتى لو كنت أعلم أن العالم سينتهي غدّا".
4-هل الكنيسة تعرف أن توازن بين ما لقيصر وما لله؟ أو بمعنى آخر هل تُنادي الكنيسة بلاهوت العَمَل؟ وهل تُشَّجِع أبنائها وتعمل على إعدادهم إعدادًا حقيقيًا مِن خِلال دورات وتدريبات وندوات في مُختلف المجالات؟
5-هل الكنيسة تشتغل بالسياسة أم تنشغل بالسياسة؟ هل تقوم بالدورين أم بأحدهما؟ أم لا تقوم بأي دور فيهم؟ أو بمعنى آخر هل الكنيسة تهْتَّم بالسياسة كأمر هام لابد أن تقوم به؟ أم أنها تتورط في السياسة بعدما يضيع الحد الفاصل بين الإنشغال باللعبة السياسية والإشتغال بها؟ هل تُشَجِع الكنيسة أبنائها على الإنخراط في السياسة لكي تُعيد إليها مبادئها الأخلاقية وأهدافها الراقية؟ تلك التي توارت بعد انسحاب الكنيسة وتصدر المشهد مجموعة مِن المنتفعين الذين شوَّهوا السياسة. لكن في نفس الوقت يجب ألا تقع الكنيسة في نفس الخطأ الذي وقع فيه الإصلاح والذي يُشير إليه القس "سُهيل سعود" في كتابه (الإصلاح الإنجيلي وتأثيره في نواحي الحياة)، فيقول: "أن بعض المصلحون قبلوا بأن يستخدم بعض الأمراء النافذين السياسة في سبيل تُقَدِّم الإصلاح، وهو ما يجب أن ترفضه كنائس الإصلاح اليوم؟ وينصح الكاتب بأن يُميِّز الإنجيليون أنفسهم عن السياسيون الذين لم يعودوا يلتزمون بالشأن العام وإنما بمصالحهم الشخصية".
6-هل تُشَّجِع الكنيسة أعضائها على المُشاركة في الإنتخابات المُختلفة، تلك التي تُجرى دوريًا على كافة المستويات، وكذلك في كافة المواقع والدوائر؟ هل تفعل الكنيسة ذلك دون أن تقوم بدور التوجيه أو الضغط لإختيار شخصيات مُحدَّدة، فتكتفي فقط ببث روح التشجيع مِن خلال التعليم على المشاركة؟
7-هل تضع الكنيسة في رؤيتها وأهدافها أن تغرس قيَّم المُشاركة في المجتمع لدي الأجيال المختلفة مِن أعضائها؟ هل لخدمة المجتمع والمُشاركة في بنائه مكانًا في رؤانا وبرامجنا وتعليِمنا؟
8-هل تستطيع الكنيسة أن تُقَدِّم خدماتها بكل حُب، لكن في نفس الوقت ترفض الظُلم والأحكام الجائرة، فتقف بكل حسم ضدها، فلا تقبل الا الحق؟
9-هل تُقَدِّم الكنيسة رسالتها للمُجتمع دون مساومة على إعلان الانجيل، ودون اضطرارها أن تتنازل عن دعوتها الأساسية للمناداة بالخلاص؟
وفقًا لكل ما سبق وطُرح في هذا الفصل يُمكن أن تقوم الكنيسة ببعض الخطوات العملية لتطوير وتفعيل وزيادة تأثير مشاركتها الإجتماعية، وذلك كالتالي:
-تكليف عدة لجان مِن قبل الكنيسة للإهتمام بهذا الشأن الهام، فخدمة الكنيسة خارج أسوارها، إن لم تكن أهم من خدمتها داخل أسوارها، فلابد أن يتم إختيار هذه اللجان مِمَن لديهم الكفاءة والتثقل بهذا النوع مِن الخدمات.
-يمنح مجلس الكنيسة هذه اللجان كافة الصلاحيات المطلوبة لتقوم بمهامها بالشكل المطلوب.
-تلتزم كُل لجنة مِن هذه اللجان بوضع رؤية متكاملة تنسجم مع رؤية الكنيسة المحلية، وتقوم بعرضها على المجلس عامًا بعامٍ بشكل واضح، كذلك تُبدي هذه اللجنة استعدادها الكامل لمُراجعتها مِن قبل المجلس.
-تُقَدِّم الكنيسة تعليمًا كتابيًا لتشجيع شعب الكنيسة على أن يقوم كُل مِنه بدورها تجاه مجتمعه كمواطن صالح وخادم أمين للرب، وأن يعيش بأمانة وإخلاص وصِدق في المكان الذي يعمل فيه.
-تنبير الكنيسة المُستمر على لاهوت العمل، وعلى المسؤولية التي تقع على عاتق كُل مؤمن تجاه المُشاركة البناءة في المُجتمع، ورفض فكر الإغتراب عن المجتمع.
-يتم تكليف لجنة مِن أبناء وقادة الكنيسة مِمن يهتَّمون أكثر مِن غيرهم بالشأن السياسي، وكذلك يتم تشجيع اللجنة المُختارة على عمل ندوات توعوية لرفع الوعي السياسي لدي سُكَّان المنطقة وليس فقط شعب الكنيسة، على أن يكون ذلك بشكلٍ دوري. وتستدعي محللين لقراءة الواقع السياسي والمجتمعي، وتُقَدِّم توصيات خلَّاقة وعملية للجهات الرسمية.
-تشجيع شعب الكنيسة على تأدية الواجب الوطني المطلوب، سواء كان تشجيع أبنائهم لتأدية الخدمة العسكرية، أو الذهاب للإدلاء بأصواتهم في كافة الإنتخابات، مع مراعاة عدم توجيههم لمرشح واحد بعينه. وذلك حتى لا يتم تفريغ المشاركة من مضمونها بالذهاب بكل حُرية ليختار كُل واحد المرشح الذي يقتنع ببرنامجه الإنتخابي.
-عمل لجنة للخدمة الصحية بالكنيسة، ويُراعى أن تكون هذه اللجنة مِن أبناء الكنيسة الأطِبَّاء أو مَن لهم علاقة بالعَمل الطبي. على أن تقوم هذه اللجنة بدراسة جادة عن إمكانية عمل مستوصف بالكنيسة، أو على الأقل عمل عيادة أسبوعية أو شهرية، فيها مجموعة تخصصات لتقديم المساعدة الطبية لأهالي المنطقة مِن المقتدرين وغيرالمقتدرين، وكذلك تقوم هذه اللجنة برفع الوعي الصحي لشعب الكنيسة وجيرانها من المسلمين، وذلك عن طريق عمل ندوات للتوعية مِن الأمراض المختلفة، كذلك تقوم بعمل تحاليل طبية مختلفة للجميع مِن سكان المنطقة، مع عمل اللازم.
-عمل لجنة للعلاقات العامة بالكنيسة، يكون من أهم أولوياتها التواصل الفعال مع القيادات التنفيذية والتشريعية الموجودة بمنطقة الكنيسة، وترتيب لقاءات دورية، وعمل معايدات على هؤلاء القيادات وكذلك على سكان المنطقة، عن طريق إرسال بعض الحلويات أو الكروت لجيرانها أو منطقتها في وقت الأعياد. وتعمل هذه اللجنة على بناء جسور للتواصل والشركة بين قيادات المجتمع الدينية والمدنية والتنفيذية، على أن تلتقي شهريًا أو ربع سنويًا للإفطار والحوار معًا.
-تهْتَّم لجنة العلاقات العامة بتقديم دعوات شخصية لكافة قيادات المنطقة، أو كبارها المعروفين لحضور احتفالات الكنيسة في المناسبات المختلفة، واستقبالهم بشكل يليق بالكنيسة.
-عمل لجنة يشرف عليها ويعمل بها مجموعة مِن التربويين الذين يعملون بالتربية والتعليم، لبحث إمكانية عمل فصول في محو الأمية في التعليم أو الكمبيوتر (إذا كانت الكنيسة في منطقة بها أُمِّية في هاتان الناحيتان أو إحداهما)، وكذلك قد ترتب هذه اللجنة عمل مجموعات تقوية لطلبة المدارس أو الجامعات، بحسب ما يوجد في منطقتها، وعمل كورسات تنمَّوية مِن متخَصِّصين لشباب المنطقة التي تحيط بالكنيسة، في شتى النواحي التي يحتاجها سوق العمل، وذلك بأسعار رمزية.
-كذلك يُمكن أن تقوم هذه اللجنة التربوية بعمل مشروع حضانة بالكنيسة على أعلى مستوى، لخدمة أبناء المنطقة ِمن المسلمين والمسيحيين عن طريق أحدث البرامج التعليمية والتربوية، ومِن خلال مدرسين أو مُدرسات مُتخَصِّصات في هذا المجال، على أن يُراعى عمل مستوى للغة العربية وآخر للغات، كذلك يُرتب برنامج الأطفال على أن يكون يومًا كاملًا، بحيث تستلم الحضانة الطفل في الصباح الباكر، وقبل مواعيد العمل الرسمية، ويستلمه والديه أو أحدهما بعد عودته أو عودتها مِن العمل. ويراعي أن تكون في متناول المستوى الاجتماعي والثقافي والمادي لسُكَّان المنطقة.
-عمل لجنة مِن الكنيسة لِخدمة أطفال الشوارع (وهذا سيكون مُناسبًا لكنائس المدن الكبرى والمحافظات)، والتي ينتشر فيها أطفال الشوارع بشكل لافت للنظر، على أن يكون هناك خدمة مُتخصصة ومنظَّمة لخدمة هؤلاء الأطفال.
-تنظيم مبادرات دورية للتواصل مع مُنظَّمَات المجتمع المدني، وكذلك للتواصل مع جيران الكنيسة، مثل مُبادرات تقوم مِن وقت لآخر للإعتناء بمنطقة الكنيسة، أو مُبادرة لزراعة أشجار على مداخل القرية أو المدينة، أو في منطقة الكنيسة، كذلك يمكن أن يكون هناك مبادرة لإطعام مجموعة من فقراء الحي مسيحيين ومسلمين، إلى آخره.
انه حقا كتاب شامل يحتوي علي منهج عمل وخطة ثرية لايقاظ واصلاح مستمر للكنائس جميعها وليس الكنيسة الانجيلية فقط فهل يلتفت القائمين علي الطوائف المسيحية المختلفة بالدول العربية للدور الكبير الذى يمكن ان تقوم به الكنائس في مجتمعاتها