السعودية.. رؤى في التغير الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والديني
الأربعاء 24/يوليو/2019 - 01:19 م
طباعة
حسام الحداد
ظلت المملكة العربية السعودية لفترة طويلة مغلقة على الباحثين الأجانب فلا يسمح لهم بالدخول اليها وعمل دراسات حالة على سبيل المثال الا انه في خلال العقد الحالي والذي اوشك على الانتهاء سمح للباحثين بالعمل وتدشين الدراسات والابحاث التي تناقش كافة المجالات المعرفية داخل المملكة ومن هنا تقدم المواد الذي تناولها هذا الكتاب -التي هي نتاج مؤتمرين عن سياسة وتاريخ السعودية- نتائج أبحاث أولئك القلة من المختصين، إضافة إلى بعض أبرز الباحثين في مجال دراسات الشرق الأوسط؛ فيتناول في فصوله الخمسة عشر أبرز التحوّلات التي عرفتها السعودية في أكثر من جانب.
وفي قراءته لكتاب “السعودية في انتقال: رؤى في التغير الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، والديني” يحلل الباحث السعودي عبدالله حميد الدين كيف يرى الكتاب أن السعودية تمر بمتغيرات سريعة، وأن قيادتها الأكبر سنّاً قد اتجهت نحو نقل السلطة إلى جيل جديد، وأن مجتمعها الشاب قلق وغير مستقر.
يناقش المحور الأول للكتاب “المملكة.. تحديات السلطة وهوية الدولة” الفرضية التي ترى أن الدولة الريعية ظاهرة سلبية وضارة، خصوصاً على مستوى الحراك السياسي. فأغلب الفرضيات التي تدرس الدولة الريعية تخلص إلى أن ثمة علاقة عكسية بين أسعار النفط والحراك السياسي، بحيث يزيد الحراك كلما انخفضت أسعار النفط، والعكس بالعكس. الفصل الثاني يسأل عن هوية الدولة السعودية: هل هي دولة دينية أم دولة تكنوقراطية؟ يرى الكاتب أن الدولة السعودية تطورت بفعل العلوم والتكنولوجيا بشكل أساسي. أما الدين فله دور مركزي في الهوية التاريخية للدولة، ولكن السلطة السياسية تعتمد -بدرجة أعمق- على الحداثة. وهو يرى أن اهتمام الدولة –أخيراً- بالعلوم والتقنية، والذي تجسد من خلال بناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، يمثل استمراراً لنهج الدولة في الاعتماد على العلم في وجودها. وهو ينتقد الفرضيات التي تنظر إلى الدولة السعودية باعتبارها دولة تقليدية بدوية تعتمد في إداراتها على القيم الدينية والقبلية. بل يرى أنها منذ تأسيسها كانت تسعى للحداثة بشكل متسارع وعلى المستويات كافة. في الفصل الثالث يناقش الكاتب “الإسلام السعودي الرسمي” –على حد تعبيره– من خلال النظر إلى هيئة كبار العلماء. وبعدما يعالج تاريخ العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في السعودية، يخلص إلى أن التحالف التاريخي بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب خلق دائرتي نفوذ كانت الغلبة فيهما لآل محمد بن عبدالوهاب حتى نهاية القرن التاسع عشر. ومع نشوء الدولة الثالثة واستغناء الملك عبدالعزيز بالنفط، أمكن أن تنتهي دائرة النفوذ لآل محمد بن عبدالوهاب وانحصرت في آل سعود، ثم ينتقل إلى الفترة التي قررت فيها الدولة مأسسة السلطة الدينية وتحويلها إلى جهاز رسمي. ويقول كاتب الفصل: إن هذا أتى من باب السيطرة على المؤسسة الدينية وليس من باب منحها سلطة أعلى. ويشير إلى موقف محمد بن إبراهيم آل الشيخ من القوانين الوضعية التي بدأت السعودية تدشنها.
أما عن محور “النفط والإسلاموية السعودية” يناقش كاتب الفصل الأول مدى سيطرة السعودية على أسعار النفط. وهو يقول –خلافاً للسائد–: إن المملكة لا تستطيع أن تتحكم بالأسعار، وإنما تتلقى الأسعار مثلها مثل غيرها. ولكنه يستدرك أن: السعودية يمكن أن تغير هذا الوضع، وذلك بأن تلعب دوراً أكثر فاعلية في تجارة النفط العالمية، وتالياً تنتقل من كونها متلقية لأسعار النفط إلى صانعة لأسعاره. في الفصل الثاني يناقش كاتب آخر كيفية تناول النفط في خطاب الفاعلين السياسيين المعنيين في الشأن السعودي. متابعاً حضور النفط في الأدب السعودي والشعر الشعبي، ومشيراً إلى بعض الشعراء الذين شكوا من فقدان استقلالهم بعدما صاروا معتمدين على العطايا الحكومية. ويلفت إلى موقف بعض رجال الدين الذين كانوا يتخوفون من آثار النفط على الحياة الدينية والاجتماعية في السعودية. كما يناقش آراء مختلف الفاعلين السياسيين والأدباء ورجال الدين حول النفط، ويستعرض خطاب تنظيم القاعدة حول الاحتياطي النفطي السعودي، مقارناً بين خطابها وخطاب التيارات غير الإسلامية في خمسينيات القرن المنصرم، مدللاً –هنا- على مواقف القوميين الذين كانوا يرون أن نفط العرب للعرب، في حين تطور خطاب القاعدة ليطرح فكرة أن النفط للأمة الإسلامية. في الفصل السادس، يناقش كاتبه سياسات توزيع النفط في السعودية. ويرى –بداية- أن الدولة السعودية خلقت أساطير مفصلة حول أنواع الخسارات والمكاسب التي تحققت لكل منطقة من مناطق السعودية نتيجة للتوحيد. ثم يضع تلك الأساطير أمام النقد، وذلك من خلال تحليل مستويات التنمية الاقتصادية، والإدارية، والبنية التحتية، والتوظيف. ويستنتج أنَّ منطقة الحجاز من أكثر المناطق السعودية إفادة ولكن ليس بقدر منطقة نجد. الفصل السابع يدرس الخطاب الإسلامي في السعودية وكيفية استخدامه، ومن قِبل من. ويشرح كيف تم تبني تعبير “السلفية” ليصبح الدال على ما عُرف تاريخياً بـ”الوهابية”. ويفسر هذا بالعودة إلى القرن التاسع عشر وكيف نتج عن مجموعة من العوامل، خصوصاً الاحتكاك بين الوهابية والحركة السلفية –آنذاك- والتي كانت تعتبر نفسها حركة تحديثية. ويرى أن الوهابية أرادت من تحوّلها إلى “السلفية” أن تندمج في العالم الإسلامي عموماً. ومن الإشارات المهمة، إشارته إلى طريقة وصف رشيد رضا للوهابية. ففي 1904 تحدث عن الوهابية باعتبارها أقرب الفرق إلى المنهج السني، ثم في العشرينيات بدأ في تسميتهم بـ”السلفية”. ويشير إلى دور عبدالله القصيمي في تعزيز وصف السلفية على ما كان يُعلم سابقاً بـ”الوهابية”. ويتابع الباحث جدل التسمية إلى حين نهاية القرن الماضي، حين صار الوهابيون يصرون على أن يسموا بـ”السلفية”. في الفصل الثامن، يتناول الكاتب الفاعلين الأساسسين على الساحة الدينية السعودية. فينظر إلى الصحوة الإسلامية التي صارت التيار الإسلامي السائد في المملكة، والتي تطوّرت من خلال التلاقح بين الإخوان المسلمين والوهابية. يرى الكاتب أن تيار الصحوة هو التيار الأكثر تنظيماً بعد الدولة، وأنه الوحيد القادر على تحدي سلطة الدولة بشكل فاعل. ولكن بسبب علاقته الوثيقة بالدولة السعودية، فإن هذا التيار لم يتمكن من خلق معارضة فاعلة، باستثناء الحالات الفردية مثل حالة جهيمان. الفصل التاسع، يركز على “الإسلاموية السعودية”، ويختار بعض النماذج من مفكري الجهادية السلفية، ويرى أن الجدل بينهم وبين خصومهم، لا سيما المؤسسة الدينية الرسمية، ورموز الصحوة الإسلامية، أسهم في إضعاف سلطة الدين في السعودية مطلع الألفية الثالثة. الفصل العاشر، يحاول فهم سبب ضعف تنظيم القاعدة في السعودية. ويشرح ذلك من خلال بيان الفروق بين الجهادية التقليدية لعبدالله عزام، والجهادية العالمية لأسامة بن لادن. الفصل الحادي عشر يطرح التحوّلات الاجتماعية والثقافية في السعودية، من خلال دراسة حياة شاعر بدوي اسمه: بندر بن سرور، ويرى الباحث أن البدو خسروا قدرهم السياسي والاجتماعي لصالح الحضر، وأن شعر ابن سرور يتطرق إلى هذا التحول بشكل دقيق، مشيراً إلى أن روح الدولة السعودية كانت مضادة للبداوة، وهو بذلك يقدم مفهوماً بديلاً للرؤية الاستشراقية للسعودية.
وحول محور “تحرير المرأة وخطاب الدولة” تضع كاتبة الفصل الثاني عشر، قراءة لواقع المرأة السعودية، تنطلق من اعتبار الدولة السعودية ذكورية، مثلها مثل كل دول المنطقة. وخلافاً لما هو سائد، فإنها ترى أن إقصاء المرأة عن بعض مناحي الحياة، أو تقييد بعض صلاحياتها وحقوقها، هو فعل سياسي وليس اجتماعياً. ويعرج الفصل الثالث عشر على بعض التحولات في فضاء المرأة من زاوية النشاط النسائي الاستهلاكي. وترى كاتبته أن زيادة مراكز التسويق في الرياض خلال العقد الماضي، أثرت في نمط حياة السعوديات بشكل لافت. ففي المجتمع السعودي الذي يفرض عزلاً صارماً بين المرأة والرجل، لعبت الأسواق دوراً مهما في منح المرأة فضاء عاماً، استطاعت من خلاله أن تعيد تشكيل أنماطها السلوكية التقليدية.
ويرى حميد الدين –استخلاصاً- أن الكتاب يعطي بمجمله زاوية جديدة وأدوات مفاهيمية دقيقة حول التحولات في المجتمع السعودي. أما الفصول التي تناولت الإسلام السياسي، فهي تكرار لمواد سبق نشرها، لذا، فقد لا تضيف للقارئ السعودي أو العربي شيئاً. لكنها تبقى مفيدة للقارئ الغربي الذي يحتاج إلى رؤية عميقة، تتجاوز التنميط الغربي لبلد مركب كالسعودية.
الخصوصية المذهبية: الذهنيات التربوية في الخطاب الشيعي المعاصر
في دراسة العدد ينطلق الباحث البحريني عباس ميرزا المرشد من أن الخطاب الشيعي يعد واحداً من الخطابات الإسلامية التي تنسب دوماً إلى خطابات الفكر المتمرد؛ أو الفكر المستبعد، وأن الندرة البحثية أسهمت في تضخيم الصورة النمطية للشيعة وتحديدها بأطر محكومة سلفاً برؤية عقائدية أو انحيازات سياسية فرضتها مجريات الأحداث التاريخية. ويقول بأهمية دراسة الخطاب التربوي الشيعي لفتح الخصوصية المذهبية، وإرجاعها للحيز العمومي باعتبار الخطاب التربوي الشيعي خطاباً مجتمعياً يتوجه لأفراد الجماعة ومن هم خارج الجماعة، كما تحكمه سائر الأطر الثقافية والسياسية التي تحكم الخطابات التربوية الإسلامية أو الخطابات العربية. ويناقش الباحث الأسس التربوية للخطاب الشيعي من ناحيتي المقاربة المنهجية والفضاء التربوي عند الشيعة. ثم يحلل مضمون الخطاب الشيعي التربوي، لفهم عملية صناعة وإنتاج السلطة داخل الخطاب التربوي الشيعي. ويرى المرشد جوانب لذلك منها: وسائل التربية، والمدونات الكتابية، والأدعية، والزيارات (المقدسة). ويتحدث الكاتب عن مؤسسات التربية أو المؤسسات المادية الموكل إليها مهمة إنتاج الخطاب التربوي وتقديمه للأفراد، وكلها غير رسمية لأن الجماعات الشيعية لا تزال غير مدرجة في المؤسسات التعليمية الرسمية، وتتلخص تلك المؤسسات في المساجد والحسينيات. ثم يشير الكاتب إلى المؤسسات والمعاهد الحديثة، وتركز هذه المعاهد على ضرورة تكوين بناء ثقافي بالمعنى العام للثقافة المسؤولة عن إنتاج السلوك وحزمة القيم الكلية، ومن بين المجالات التي تركز عليها: التربية العقلية، والتربية العقائدية، والتربية العرفانية، والتربية التاريخية، والتربية الولائية.
ثم يتحدث المرشد عن الفضاء العمومي المعاصر وإعادة الإنتاج، ويشير فيه إلى بروز الجانب الثقافي في خطابات التربية لدى الجماعات المذهبية، حيث عملت تلك الجماعات على إنتاج خطاب تربوي ثقافي خاص بها يضمن لها إعادة إنتاج هويتها المذهبية من جهة، ويعيد بناء السلطة الاجتماعية والمكانة المنهارة إثر توسع التعليم الرسمي (السني) مما أدى إلى ظهور مدرستين: واحدة فكرية وأخرى حركية.
ومن خلال استعراض التراكم التاريخي للخطاب التربوي يستنتج الكاتب أن الخطاب التربوي الشيعي لا يختلف كثيرا عن الخطاب التربوي السني؛ إذ إن أوجه الاختلاف تقع في التوظيف العقائدي الخاص بالشيعة، وهذا التوظيف يأتي نتيجة لغياب الأطر القانونية والدستورية المنظمة للتنوع المذهبي والاجتماعي، الأمر الذي سمح بأن تكون هناك معارك خفية بين المناهج الرسمية والهوية الشيعية، بل وصل الأمر في بعض المناهج الرسمية إلى ممارسة الإقصاء والإبعاد لكل ما هو شيعي.